باريس- برز الملف السوري مرة أخرى على طاولة النقاش داخل الاتحاد الأوروبي، الشهر الماضي، بعد أن دعا وزراء خارجية كرواتيا وإدارة قبرص اليونانية والنمسا وجمهورية التشيك وإيطاليا واليونان وسلوفاكيا وسلوفينيا الكتلة إلى "مراجعة وتقييم" موقفها السياسي تجاه سوريا.

وبعد مرور 13 عاما على اندلاع الحرب، أكد وزراء خارجية الدول الثمانية أنهم يسعون إلى إنشاء "سياسة أكثر نشاطا وعملية تجاه سوريا" من أجل "زيادة نفوذنا السياسي وفعالية مساعداتنا الإنسانية"، وفق ما جاء في وثيقة غير رسمية طالبوا من خلالها بإجراء مناقشات "مفتوحة ودون تحيز".

وبينما شددت هذه الوثيقة على ضرورة تحسين العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، واجهت في الوقت ذاته معارضة بعض الدول الأوروبية في إشارة واضحة إلى تضارب المصالح السياسية -الخفية منها والمعلنة- التي تغير قواعد لعبة الدبلوماسية الخارجية.

هرولة أوروبية

وفي رسالة مشتركة، اقترح الوزراء الأوروبيون تعيين ما يسمى "مناطق آمنة" داخل تلك التي يسيطر عليها النظام السوري، وإنشاء منصب مبعوث للاتحاد الأوروبي وسوريا لتولي مهمة إعادة السفير السوري إلى بروكسل.

وأشارت مديرة معهد دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس ليزلي فارين، إلى وجود رغبة سابقة لبعض الدول الأوروبية ـ بما في ذلك إيطاليا- في التقرب من النظام السوري وإعادة العلاقات الدبلوماسية، لكن ذلك لم يحدث بعد الضغط الأميركي.

وتساءلت عما إذا كان هذا التوجه عاد مجددا إلى النقاش بسبب تراجع ضغوط واشنطن، أم بسبب مشاكل الولايات المتحدة الداخلية التي سمحت بتخفيفها. واعتبرت فارين ـ في حديث للجزيرة نت ـ أن التعامل مع النظام السوري المعزول دبلوماسيا أصعب من استئناف العلاقات وعودة السفراء وتجديد المناقشات معه.

من جانبه، لا يرى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أن الرسالة التي تقدم بها الوزراء "رسمية"، وإنما وثيقة تهدف إلى المناقشة داخل الاتحاد الأوروبي وقدمتها 8 دول "هامشية وغير فعالة في الملف السوري، وبالتالي فإن تأثيرها سيكون محدودا".

وفي تصريح للجزيرة نت، وصف عبد الغني هذه الخطوة بـ"التجربة الفاشلة" ومضيعة للوقت لأن بشار الأسد سيطلب من الدول الغربية -كما فعل سابقا مع الدول العربية- دفع ملايين الدولارات لإعادة إعمار المناطق التي هرب منها اللاجئون دون تحديد موعد معين لعودتهم".

محرك الهجرة

ويتمثل تقييم الموقف الأوروبي من سوريا في التخلي أيضا عن "اللاءات الثلاث" (لا للتطبيع، لا لرفع العقوبات، لا للإعمار دون تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية)، مما يعني أن تطبيع العلاقات بين النظام السوري وأوروبا سيؤدي إلى نهاية العقوبات الأوروبية الواسعة النطاق على البلاد.

وفي هذا السياق، يرى عبد الغني أن ملف الهجرة هو المحرك الأساسي لطرح هذه الوثيقة الأوروبية للنقاش، قائلا إن "إيطاليا تدرك جيدا أن الأسد رئيس دكتاتوري وقد انتقدته سابقا في عدة مناسبات، مما يعني أن ملف اللاجئين السوريين هو الذي حرّك هذه الدول التي يقودها -في معظمها- اليمين المتطرف". ولهذا، "تسعى روما إلى الضغط داخل الاتحاد الأوروبي باتجاه منع استقبال اللاجئين وإصدار قوانين جديدة بهذا الشأن".

وعلى عكس رغبات الدول الأوروبية، يتوقع مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هذا التوجه سيؤدي إلى توليد أعداد أكبر من اللاجئين لأن تفعيل الدور الأوروبي "الضعيف حاليا" بالحل السياسي، هو الحل الوحيد لعودة مئات آلاف اللاجئين إلى وطنهم.

ولفت إلى أن الموجة العنصرية التي تعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا أسهمت في تعزيز التخوف الأوروبي من زيادة تدفق المهاجرين.

في المقابل، أكدت ليزلي فارين أن الأمر لا يتعلق بالهجرة فقط لأن "سوريا لا تزال بلدا مهما وبالنظر إلى التوترات الحالية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، أصبح من الصعب الاستغناء عنها، خاصة وأنها لا تقيم علاقات سوى مع إيران وروسيا والصين ويشعر الغرب أن عليهم اللحاق بالركب".

وعند سؤالها عما إذا كان هذا التوجه الأوروبي سيعزز النظام السوري سياسيا، أوضحت فارين أنه في كلتا الحالتين، لا يزال الرئيس بشار الأسد في السلطة والحرب مستمرة وكل المؤشرات تقول إنه انتصر فيها بطريقة ما، رغم العقوبات التي تخنق البلد منذ 13 عاما.

وفي الوقت ذاته، لا تعتقد وقوع أي تطور ملموس في هذه القضية، باستثناء إقامة علاقات ثنائية كما فعلت إيطاليا عندما جددت علاقتها الدبلوماسية مع سوريا وأرسلت سفيرها إليه، لأن العقوبات المفروضة على البلاد تنقلب بشكل أساسي على الشعب السوري ولا تغيير في الوضع المأساوي الذي يعيشونه.

تضارب المصالح

ويمكن القول إن هذه الهرولة الأوروبية لإعادة العلاقات مع سوريا تأتي ضمن سلسلة من التقاربات السابقة مع نظام الأسد بعد عودة دمشق رسميا إلى الجامعة العربية بعد غياب دام 12 عاما، وتحديد الرئيس السوري موعدا للقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان المعروف بدعمه للمعارضة منذ سنوات.

أما بخصوص سياسة الدول الأوروبية، فيعتبر عبد الغني أنها "تعلم جيدا أن الأسد مجرم حرب لكنها ترغب في عودة العلاقات الثنائية جزئيا بسبب الهجرة وأسباب أخرى، مثل تخفيف وصول مخدر "الكبتاغون" إلى إيطاليا الذي كان مصدره النظام السوري".

مع العلم أن التجربة الأردنية كانت واضحة بهذا الشأن لأن تصدير المخدر لم يتوقف رغم تقريب العلاقات بين البلدين، إلا عن طريق إلقاء القبض على المئات من المهربين وشبكة المخدرات، كما يضيف.

وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية سيباستيان فيشر -في مؤتمر صحفي في برلين- معارضة بلاده للوثيقة، مؤكدا أن "النظام السوري يعيق حاليا أي تقدم في العملية السياسية وفقا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 ويستمر في ارتكاب أخطر جرائم حقوق الإنسان ضد شعبه وطالما أن الأمر كذلك، فلا يمكن السعي إلى تطبيع العلاقات".

في المقابل، قضت أعلى المحاكم الإدارية في ألمانيا أواخر يوليو/تموز الماضي بأنه "لم يعد هناك خطر عام على جميع المدنيين من الصراع المستمر منذ فترة طويلة في سوريا".

ومن جهة أخرى، ترى فارين أن الدول الأوروبية تسعى من خلال الوثيقة إلى "عدم السماح للرئيس التركي بأن يكون سيد اللعبة لأن الاتحاد الأوروبي يمنحه أموالا طائلة لمنع تدفق الهجرة. ورغم أن هذه الدول نأت بنفسها عن صراعات الشرق الأوسط ولا تهتم كثيرا لما يحدث في قطاع غزة واليمن والعراق وسوريا، فإنها تعي أهمية تبادل المعلومات مع سوريا، خاصة في الحرب ضد الإرهاب".

ونظرا لأهمية إسرائيل بالنسبة لفرنسا وألمانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لا تستبعد المتحدثة معارضة الهرولة الأوروبية نحو سوريا لأن "الإسرائيليين لا يريدون هذا التطبيع، وهذا يجعلنا نتوقع عدم مرور هذا القرار داخل الاتحاد الأوروبي وسيتم حظر الوثيقة في آخر المطاف".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات داخل الاتحاد الأوروبی الدول الأوروبیة النظام السوری عبد الغنی

إقرأ أيضاً:

الخارجية الإيرانية: لا نخطط لاستئناف المحادثات النووية مع الدول الأوروبية

قالت وزارة الخارجية الإيرانية اليوم إن إيران لا تخطط لاستئناف المحادثات النووية على الفور مع الدول الأوروبية بعد إعادة فرض العقوبات عليها. 

اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعلن استعدادها تسليم الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيينوزير الاقتصاد اللبناني: مصر ركيزة لاستقرار المنطقة العربية وداعم رئيسي لتعزيز العمل العربي المشتركراقب الطيور وحلق من مضيق البوسفور إلى آسيا.. حكاية أسطورة تركيا في السماءالبرازيل تدخل على خط الدول الداعمة لخالد العناني مديرا لليونسكوالكشف عن نظام مقايضة سري بين إيران والصين لتصدير النفط

وأعادت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، فرض العقوبات في 28 سبتمبر، مما أدى بدوره إلى عودة عقوبات الأمم المتحدة بموجب ما يسمى بآلية إعادة فرض العقوبات.

وقال المتحدث باسم الوزارة إسماعيل بقائي: "ليس لدينا خطط للمفاوضات في هذه المرحلة"، مضيفًا أن إيران تدرس "عواقب وتداعيات" إعادة فرض العقوبات.

وذكر بقائي: "بالطبع، ستستمر الدبلوماسية - بمعنى الحفاظ على الاتصالات والمشاورات".

وأضاف: "متى شعرنا أن الدبلوماسية يمكن أن تكون فعالة، فسنتخذ بالتأكيد قرارات بناءً لمصالح البلاد وفق أولوياتها".

وتتهم الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وانضمت إليها إسرائيل، إيران بالسعي إلى امتلاك أسلحة نووية معتبرة تخصيب اليورانيوم كخط أحمر.

وترفض إيران هذه الاتهامات رفضًا قاطعًا، وتصر على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض المدنية فقط، وأن لها الحق في التخصيب بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.

ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي الدولة الوحيدة التي لا تمتلك برنامجًا للأسلحة النووية وتخصب اليورانيوم إلى 60%، وهو ما يقترب من عتبة 90% المطلوبة لصنع قنبلة نووية.

وفي عام 2015، أبرمت الولايات المتحدة، مع الدول الأوروبية الثلاث وروسيا والصين، اتفاقية مع إيران تنص على تنظيم الأنشطة النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات.

وقرر الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى في عام 2018 الانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات.

وردًا على ذلك، انسحبت إيران تدريجيًا من بعض الالتزامات، لا سيما فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم.

وحذرت إيران غير مرة  من أن عودة العقوبات ستؤدي إلى تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وحذّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من أن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الهيئة الرقابية التابعة للأمم المتحدة، "لم يعد ذا جدوى" مع إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، على الرغم من أنه لم يتضح ما إذا كانت إيران تنوي قطع علاقتها بالوكالة تمامًا.

طباعة شارك وزارة الخارجية الخارجية الإيرانية إيران استئناف المحادثات النووية الدول الأوروبية العقوبات

مقالات مشابهة

  • تضارب المصالح مشكلة إنسانية
  • كوسيلة ضغط.. برلماني إسباني: طالبنا الدول الأوروبية بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل
  • نحو خفض جذري لأسعار العقارات
  • تطبيع الظلال .. موقف النظام السعودي من حرب الإبادة في غزة ومسارات الدعم المباشر للعدو الإسرائيلي
  • قنصل السعودية بالإسكندرية: التعاون والتنسيق البناء يخدم المصالح المشتركة ويعزز العلاقات بين الدول
  • إيران تستبعد قرب التفاوض مع الترويكا الأوروبية
  • الخارجية الإيرانية: لا نخطط لاستئناف المحادثات النووية مع الدول الأوروبية
  • عليا الشعب السوري: 80% بقاعدة الناجحين بالانتخابات كفاءات
  • عن الديكتاتوريات الثورية التي لا تُهزم
  • دخول نظام الدخول والخروج الأوروبي الجديد (EES) حيز التنفيذ 12 أكتوبر 2025