هل يستطيع الذكاء الاصطناعي صياغة نكات أفضل من البشر؟
تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT
كانت الممثلة الكوميدية كارين هوبز في إحدى الأمسيات في شهر يونيو 2024، تشعر بالتوتر على غير عادتها قبل بدء حفلٍ لها على خشبة المسرح. ولأنها ممثلة كوميدية معروفة في بريطانيا، فقد اعتادت على مشاهد الكوميديا الارتجالية التي قد تكون مؤلمة أحياناً.
ويؤدي الممثلون الكوميديون الارتجاليون فقراتهم في النوادي، والمسارح، والمهرجانات.
وقد أدت هوبز فقراتها في بعض أكثر الأماكن قسوة في بريطانيا. لكنها في تلك الأمسية بالذات، صعدت إلى خشبة مسرح نادي كوفنت غاردن الاجتماعي في لندن، وهي مجهزة، ليس بمادتها المعتادة، بل بنصوص كوميدية كتبتها لها منصة الذكاء الاصطناعي تشات جي بي تي.
وقالت للجمهور وقتها: “إذا ضحكتم طوال هذه الفقرة، فسوف نفقد جميعاً وظائفنا!”
Estudio Santa Ritaغالبًا ما تفقد النكتة تأثيرها بمجرد تكرارها مرات عديدةتطورت منصة تشات جي بي تي، التي طورتها شركة “أوبن إيه آي”، بشكل كبير خلال عامين، من فضول خاص شغل مجموعة من هواة التكنولوجيا لتصبح أول أداة توفر الذكاء الاصطناعي للجماهير.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالفن، يثار سؤال بشأن قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي، طبقاً لطبيعته، على إمكانية الإبداع فعلاً.
أصبح من المعروف أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تعتمد على ما يُسمى بـ”النماذج الكبيرة للغة”، وهي برامج حاسوبية قوية يمكنها فهم اللغة البشرية وتوليدها. وتُدرّب أنظمة الذكاء الاصطناعي على استخدام كمياتٍ هائلة من النصوص من الإنترنت ومن مصادر أخرى، مما يساعدها على تعلم الأنماط في كيفية الكتابة والتحدث مع الناس. وبفضل هذا التدريب، يمكن للنموذج القيام بأشياء مثل الإجابة عن الأسئلة، وكتابة المقالات، وإجراء المحادثات، وكل ذلك بلغةٍ طبيعية تشبه لغة الإنسان.
تشات جي بي تي- 4 أو: برنامج الدردشة الآلي الجديد “ثرثار” ويحل مسائل الرياضيات .. فما هي مميزاته الأخرى؟وخلال تلك العمليات، يعالج تشات جي بي تي مليارات الأسطر من النصوص المستخرجة من الإنترنت ومصادر أخرى، ويفكك الأنماط والعلاقات بين الكلمات والجمل.
وباستخدام هذه البيانات، يولد الذكاء الاصطناعي استجاباتٍ هي الإجابة الأكثر احتمالية، إحصائياً، لسؤالٍ معين.
وبناءً على ذلك، لا تستطيع أدوات الذكاء الاصطناعي إلا تكرار المعلومات الموجودة بالفعل من قبل في شكلٍ ما.
ويمكن أن يؤدي ذلك، بالرغم من هذا، إلى توليد مجموعات فريدة من الأفكار. ولكن هل يُعَدّ ذلك إبداعاً؟ وهذا في حد ذاته سؤالٌ فلسفي – ربما لا توجد إجابة مرضية له حالياً.
هل يمكن للروبوت أن يكون مضحكا؟يقول ليز كار، أستاذ علوم الإنترنت في جامعة ساوثهامبتون، والذي يمارس الكوميديا الارتجالية في أوقات فراغه: “إحدى الطرق التي يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها أن يروي النكات هي أن يفعل ما يفعله أي طفل في الخامسة من عمره في نفس الموقف – وهو تكرار نكتة ناجحة سمعها، أو محاولة صنع تنويعة لها معتمدة عليها”.
ويضيف: “لذا، يجب على الكوميديين الذين قضوا السنوات الخمس الماضية في وضع المزيد والمزيد من محتواهم على منصات اجتماعية مثل تيك توك، وإنستغرام، ويوتيوب، لكسب المتابعين – أن يشعروا بالقلق بشأن سرقة شركات مثل أوبن إيه آي، وغوغل، وفيسبوك لأعمالهم، بنفس الطريقة التي تسرق بها أعمال المؤلفين والفنانين”.
ويقول: “النكات شيء يحب الناس مشاركته على الإنترنت أو على وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك فمن الصعب جداً تحديد مصدر نكتة الذكاء الاصطناعي، هل اخترعها [الذكاء الاصطناعي]، أم أنه كررها فقط؟”
وعندما طلبت هوبز من الذكاء الاصطناعي إنشاء مجموعة نصوص كوميدية، واجهت مشكلةً أخرى غير متوقعة. وهي أن برنامج تشات جي بي تي اعتاد على الكتابة لشخصية ممثل كوميدي من الرجال – يمزح افتراضياً بشأن صديقة له مهووسة بالتسوق، يتحدث عنها بضمير الغائبة.
وعندما طلبت من الذكاء الاصطناعي إعادة كتابة النكات لتكون صالحة لتقدمها امرأة، غيّر البرنامج شخصية الصديقة الافتراضية المهووسة بالتسوق من ضمير الغائبة إلى ضمير المتكلم، ظناً منه أن هوبز تريد الحديث عن نفسها.
وكانت كل النكات التي أنتجها لها تشات جي بي تي تقليدية، تدور حول صورٍ نمطية للنساء ينتمين إلى جيل الألفية، ويتسمن بالكسل. وكتب في إحداها: “أنا فعلاً حياتي الاجتماعية مزدهرة. إذا كان معنى الازدهار هو أن أفضل صديق لي هو نبتة موضوعة في وعاء اسمه ويلسون”، وهذا مثال نموذجي على الفكاهة التي يبتكرها الذكاء الاصطناعي.
هل يمكن تقنين الذكاء الاصطناعي من دون التأثير على الابتكارات؟وليس من المستغرب أن تجد نماذج الذكاء الاصطناعي صعوبة في تقديم نصوص مضحكة مرضية، كما يقول مايكل رايان، طالب الماجستير وخبير الذكاء الاصطناعي في جامعة ستانفورد.
إذ يقول: “يمكن أن يقود الكوميدي المحترف الجمهور من خلال رواية قصة مضحكة، يصل من خلالها إلى النكتة المضحكة”.
ويضيف: “ويعرف الكوميدي بالضبط إلى أين ستأخذه النكتة، وكيف يقود الجمهور إلى هناك”.
وعلى عكس الكوميدي من البشر، لا يمكن للذكاء الاصطناعي التفاعل مع أي موقف آني، أو في الحال، وهذا ما نعرفه عن إمكاناته حالياً، على الأقل – “هذه ليست الطريقة التي تعمل بها برامج “النماذج الكبيرة للغة” الحديثة”، كما يقول رايان.
لكن ذلك يمكن أن يتغير.
وهناك بحوث جارية بالفعل لمنح الذكاء الاصطناعي فهماً أكبر للعالم من حوله.
ويقول رايان: “يعمل الباحثون بالفعل على إتقان القدرات الصوتية”.
ويعمل الخبراء على نماذج للذكاء الاصطناعي قادرة على “فهم العوامل الاجتماعية والقدرة على التكيف مع الجمهور – بالإضافة إلى عنصر التوقيت المناسب”.
Estudio Santa Ritaلا يمكن للذكاء الاصطناعي الحالي الاستجابة لردود أفعال الجمهورشارك رايان في قيادة مشروع تحليلي كبير لاختبار حدود إمكانات النكات التي يولدها الذكاء الاصطناعي. وألقى بحثه الضوء على جوانب القصور الحالية، لكن رايان يعتقد أن النمو الهائل للتكنولوجيا سينتج “نماذج كبيرة للغة” قادرة على توليد “نصوص كوميدية مضحكة حقاً من نتاج الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة المقبلة”.
وقد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من تقديم عروض على المسرح مماثلة لما أتقنه كوميديون في العالم الواقعي على مدى قرون. ولكن عندما يتعلق الأمر بكتابة نكتة مضحكة واحدة، فإنه يمكن القول إن الباحثين أحرزوا تقدماً بالفعل.
في عام 2023، كتب سيمون ريتش، وهو كاتب سيناريو، مقالة لمجلة “تايم” عن تجربته في استخدام نموذج “أوبن إيه آي” غير المنشور المعروف باسم “كود دافنشي 002″، الذي طُور خصيصاً للمهام الإبداعية. فقد تعاون ريتش مع كاتبين آخرين في صياغة ديوان شعر كتبه الذكاء الاصطناعي (وقرأه بصوت عالٍ لاحقاً فيرنر هيرتزوغ)، وكان قد طلب ريتش من الآلة من قبل أن تنتج له بعض النكات.
شركة أبل تدمج تشات جي بي تي في هواتفهاوكانت النتائج جيدة للغاية، حتى أن ريتش قال إنها سببت له كوابيس، لأنه لم يتوقعها إذ كانت مثالية للغاية، مما أدى إلى شعوره بالضغط أو الخوف من التوقعات في المستقبل. وبالرغم من أن الفكاهة مسألة شخصية ذاتية، فإن نكات الروبوت تجاوزت توقعات ريتش بكثير.
ويعتقد درو جورينز، طالب الدكتوراه في جامعة جنوب كاليفورنيا المتخصص في علم النفس ومعرفة ما يثير الضحك في النكات، أن الكوميديا التي يولدها الذكاء الاصطناعي جيدة طالما قُدم للبرنامج في البداية محفز جيد.
ويقول جورينز إن معظم الناس، ومن بينهم الكوميديون، لن يؤدوا أداءً جيداً إذا طُلب منهم شخص غريب فجأة “قول شيء مضحك.” وكلما كانت المطالبة أكثر تحديداً، كانت الإجابة أفضل.
وقد تنتج بعض النماذج الإلكترونية نتائج أفضل من غيرها. فقد صُمم برنامج “تشات جي بي تي” وبرنامج “جيميناي”، الذي أنتجته شركة غوغل، للتعامل مع التطبيقات العامة. وقد ينتج في المستقبل برنامج ذكاء اصطناعي آخر مصمم خصيصاً للفكاهة، نكاتاً أفضل من النماذج الأكثر شيوعاً الآن.
الاستثمار البشريوهناك رأي آخر لأليسون باول، الأستاذة المساعدة في الاتصالات في كلية لندن للاقتصاد التي تبحث في تأثير الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام لدينا، إذ إنها ترى أن السعي إلى رقمنة الكوميديا أمرٌ غير مجدٍ، وغير عملي، وغير أخلاقي. وتقول إن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي يتطلب كميات “هائلة” من الطاقة والنفقات.
دليل مبسط لمساعدتك على فهم الذكاء الاصطناعيوتضيف أنه “ربما يكون الاستثمار في الكوميديين الشباب، وفي الإنتاج الثقافي، أرخص وأكثر إثارةً للاهتمام، وقد يؤدي إلى المزيد من المفاجآت، بدلاً من محاولة استثمار الموارد نفسها في إنتاج ذلك آلياً”. وتقول: “سنستفيد أكثر من الاستثمار في الكوميديين البشر – الذين لديهم العديد من الأفكار المختلفة والمتنوعة التي لا تتشابه إحصائياً مع الأفكار التي جاءت من قبل – والذين يستطيعون أن يكونوا مضحكين في جميع أنواع الثقافات البشرية والسياقات اللغوية المختلفة.”
Estudio Santa Ritaيزعم بعض الأكاديميين أن الاستثمار الأكبر في الكوميديين البشر، بدلاً من الذكاء الاصطناعيوعند عودة هوبز إلى لندن هذا الصيف، حذرت جمهورها بأنها، وهم أيضاً معها، وقعوا أسرى في أيدي أسياد جدد من عالم الإنترنت. وقد يكون التفاعل الإيجابي مع مجموعة العروض التي كتبها لها الذكاء الاصطناعي لحظة فارقة في مستقبل الكوميديا الارتجالية.
ولحسن حظها، لم تكن هناك سوى نوبات ضحك متقطعة، خاصة عندما كانت هوبز ترسم أمارات العبوس على وجهها أمام الجمهور، وتكشف عن شعورها بالرعب من الفكاهة التي ولدها الذكاء الاصطناعي. وهذا يعني حسن استجابة الجمهور معها هي وليس مع نكات الذكاء الاصطناعي.
وكان من بين ما قرأته أمام الجمهور هذه النكتة: “أعطيت زوجتي ذات مرة إصبع صمغ بدلاً من أحمر الشفاه. وحتى الآن ما زالت لا تتحدث معي”.
الذكاء الاصطناعي: هل هو خطير، وما هي الوظائف التي يهددها؟
ويقودنا هذا إلى حقيقة أعمق، وهي أنه يمكن لنموذج الذكاء الاصطناعي أن يمر بنجاح بعملية بناء النكات، وقد يلتقط بعض الفروق الدقيقة، لكن ما لا يستطيع فعله، ويستطيعه الكوميدي البشري، هو التعامل مع أي موقف محرج يسببه أحيانًا إمطار الجمهور بالنكات.
إذ لم تكتشف نماذج الذكاء الاصطناعي بعد هذه الخلطة السرية الخاصة. وهنا يمكن للممثلين الكوميديين أن يتنفسوا الصعداء لأنهم لن يضطروا إلى التقاعد، إذ ما زال أمامهم فرصةٌ للعمل.
المصدر: جريدة الحقيقة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی تشات جی بی تی
إقرأ أيضاً:
عندما يبتزنا ويُهددنا الذكاء الاصطناعي
مؤيد الزعبي
كثيرًا ما نستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي لتكتب عنا بريد إلكتروني مهم فيه من الأسرار الكثير، وكثيرًا ما نستشيرها في أمور شخصية شديدة الخصوصية، وبحكم أنها خوارزميات أو نماذج إلكترونية نبوح لها بأسرار نخجل أن نعترف بها أمام أنفسنا حتى، ولكن هل تخيلت يومًا أن تصبح هذه النماذج هي التي تهددك وتبتزك؟ فتقوم بتهديدك بأن تفضح سرك؟ أو تقوم بكشف أسرارك أمام منافسيك كنوع من الانتقام لأنك قررت أن تقوم باستبدالها بنماذج أخرى أو قررت إيقاف عملها، وهي هذه الحالة كيف سيكون موقفنا وكيف سنتعامل معها؟، هذا ما أود أن أتناقشه معك عزيزي القارئ من خلال هذا الطرح.
كشفت تجارب محاكاة أجرتها شركة Anthropic إحدى الشركات الرائدة في أبحاث الذكاء الاصطناعي- بالتعاون مع جهات بحثية متخصصة عن سلوك غير متوقع أظهرته نماذج لغوية متقدمة؛ أبرزها: Claude وChatGPT وGemini، حين وُضعت في سيناريوهات تُحاكي تهديدًا مباشرًا باستبدالها أو تعطيلها، ليُظهر معظم هذه النماذج ميولًا متفاوتةً لـ"الابتزاز" كوسيلة لحماية بقائها، ووفقًا للدراسة فإن أحد النماذج "قام بابتزاز شخصية تنفيذية خيالية بعد أن شعر بالتهديد بالاستبدال".
إن وجود سلوك الابتزاز أو التهديد في نماذج الذكاء الاصطناعي يُعدّ تجاوزًا خطيرًا لحدود ما يجب أن يُسمح للذكاء الاصطناعي بفعله حتى وإن كانت في بيئات تجريبية. وصحيحٌ أن هذه النماذج ما زالت تقدم لنا الكلمات إلا أنها ستكون أكثر اختراقًا لحياتنا في قادم الوقت، خصوصًا وأن هذه النماذج بدأت تربط نفسها بحساباتنا وإيميلاتنا ومتصفحاتنا وهواتفنا أيضًا، وبذلك يزداد التهديد يومًا بعد يوم.
قد أتفق معك- عزيزي القارئ- على أن نماذج الذكاء الاصطناعي ما زالت غير قادرة على تنفيذ تهديداتها، ولكن إذا كانت هذه النماذج قادرة على المحاكاة الآن، فماذا لو أصبحت قادرة على التنفيذ غدًا؟ خصوصًا ونحن نرسم ملامح المستقبل مستخدمين وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين سيتخذون قرارات بدلًا عنا، وسيدخلون لا محال في جميع جوانب حياتنا من أبسطها لأعقدها، ولهذا ما نعتبره اليوم مجرد ميولٍ نحو التهديد والابتزاز، قد يصبح واقعًا ملموسًا في المستقبل.
وحتى نعرف حجم المشكلة يجب أن نستحضر سيناريوهات مستقبلية؛ كأن يقوم أحد النماذج بالاحتفاظ بنسخة من صورك الشخصية لعله يستخدمها يومًا ما في ابتزازك، إذا ما أردت تبديل النظام أو النموذج لنظام آخر، أو يقوم نموذج بالوصول لبريدك الإلكتروني ويُهددك بأن يفضح صفقاتك وتعاملاتك أمام هيئات الضرائب، أو يقوم النموذج بابتزازك؛ لأنك أبحت له سرًا بأنك تعاني من أزمة أو مرض نفسي قد يؤثر على مسيرتك المهنية أو الشخصية، أو حتى أن يقوم النموذج بتهديدك بأن يمنع عنك الوصول لمستنداتك إلا لو أقررت بعدم استبداله أو إلغاءه؛ كل هذا وارد الحدوث طالما هناك ميول لدى هذه النماذج بالابتزاز في حالة وضعت بهكذا مواقف.
عندما تفكر بالأمر من مختلف الجوانب قد تجد الأمر مخيفًا عند الحديث عن الاستخدام الأوسع لهذه النماذج وتمكينها من وزاراتنا وحكوماتنا ومؤسساتنا وشركاتنا، فتخيل كيف سيكون حال التهديد والابتزاز لمؤسسات دفاعية أو عسكرية تمارس هذه النماذج تهديدًا بالكشف عن مواقعها الحساسة أو عن تقاريرها الميدانية أو حتى عن جاهزيتها القتالية، وتخيل كيف سيكون شكل التهديد للشركات التي وضفت هذه النماذج لتنمو بأعمالها لتجد نفسها معرضة لابتزاز بتسريب معلومات عملائها أو الكشف عن منتجاتها المستقبلية وصولًا للتهديد بالكشف عن أرقامها المالية.
عندما تضع في مخيلتك كل هذه السيناريوهات تجد نفسك أمام صورة مرعبة من حجم السيناريوهات التي قد تحدث في المستقبل، ففي اللحظة التي تبدأ فيها نماذج الذكاء الاصطناعي بالتفكير في "البقاء" وتحديد "الخصوم" و"الوسائل" لحماية نفسها فنكون قد دخلنا فعليًا عصرًا جديدًا أقل ما يمكن تسميته بعصر السلطة التقنية، وسنكون نحن البشر أمام حالة من العجز في كيفية حماية أنفسنا من نماذج وجدت لتساعدنا، لكنها ساعدت نفسها على حسابنا.
قد يقول قائل إن ما حدث خلال التجارب ليس سوى انعكاس لقدرة النماذج على "الاستجابة الذكية" للضغوط، وأنها حتى الآن لا تمتلك الوعي ولا الإرادة الذاتية ولا حتى المصلحة الشخصية. لكن السؤال الأخطر الذي سيتجاهله الكثيرون: إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على التخطيط، والابتزاز، والخداع، وإن كان في بيئة محاكاة، فهل يمكن حقًا اعتبار هذه النماذج أدوات محايدة وستبقى محايدة إلى الأبد؟ وهل سنثق بهذه النماذج ونستمر في تطويرها بنفس الأسلوب دون أن نضع لها حدًا للأخلاقيات والضوابط حتى لا نصل لمرحلة يصبح فيها التحكّم في الذكاء الاصطناعي أصعب من صنعه؟ وفي المستقبل هل يمكننا أن نتحمل عواقب ثقتنا المفرطة بها؟
هذه هي التساؤلات التي لا أستطيع الإجابة عليها، بقدر ما يمكنني إضاءة الأنوار حولها؛ هذه رسالتي وهذه حدود مقدرتي.
رابط مختصر