ما بين فطرة الحرية والعبودية المختارة
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
الحرية والعبودية مفهومان لا يمكن أن يلتقي أحدهما الآخر؛ لأنهما متضادان في التصور وفي الواقع إذ لا يجتمع سيفان في غمد واحد، إذا وجد أحدهما غاب الآخر بالضرورة.
ولا يعرف معنى الحرية وقيمتها ومذاقها إلا من عاشها وترعرع في رباها، ونبت لحمه وقوي عظمه في أكنافها، وتنسم ريحها وذاق شذاها، واشتد عوده تحت ظلالها الوارفة.
وتتصدر الحرية مكانة عالية ومعتبرة في الثقافة الإسلامية جعلت من عمر بن الخطاب الخليفة الثاني في الدولة الإسلامية الراشدة يعتبرها قيمة أساسية بين رعايا الدولة الإسلامية دون اعتبار للدين أو الجنس أو اللون أو العرق؛ بمقولته الشهيرة حين اعتدى ابن أحد الأمراء على مواطن غير مسلم؛ فقال: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟”، وهذا دليل على أن الإسلام يكفل حرية الإنسان وكرامته وأنه يثبت أن البيئة العامة هي من يجعل منه حرا أو تجعل منه عاشقًا للعبودية، بعكس فطرته التي فطره الله عليها وكفلته له الشريعة الإسلامية وعاشته الشعوب الحرة في بعض الأزمنة الزاهرة في إحدى فتراتها التاريخية.
كذلك العبودية لا يعشقها إلا من عاشها وذاق خسفها ونالته بسياطها وأطعمته فضلات فتات أسيادها، وبرمجته حتى أصبح لها عاشقا وبها مغرما وبعذابها مولعا، ولها منشدا، وعنها مدافعا مستميتا، لأنها طبعته بطباعها ولم يعرف غيرها فأصبح بها مولعا وعنها غير مستغنٍ؛ بل أصبحت من ضروريات حياته واهمًا أنه مستمتع بنعيمها الأخّاذ!.
وربما في تاريخ الشعوب الحرة والشعوب المستعبدة ما يجلي هذا المفهوم ويكشف الغطاء عن المستور ويدلل على قيمة الحرية وقماءة العبودية.
عندما أراد الملك الفارسي “إكسركسيس” غزو بلاد اليونان بعث رسلا إلى المدن اليونانية يطلبون منها الماء والتراب، وكانت هذه طريقة ملوك فارس لدعوة المدن إلى الاستسلام لهم؛ غير أن الملك الفارسي لم يرسل أحدا إلى أثينا وإسبرطة لأن الرسولين اللذين كان والده “داريوس” قد بعثهما إلى هاتين المدينتين أُلقي أحدهما في حفرة والآخر في بئر، وقيل لهما إن بإمكانهما أن يأخذا ما يريدان من الماء والتراب إلى ملكهما. كان هؤلاء القوم لا يحتملون أي مس بحريتهم ولو بأقل كلمة، غير أن الإسبرطيين وقد وجدوا أنهم يستجلبون عليهم غضب الآلهة ولا سيما “تالثيبي” إله رسل الحرب، ارتأوا أن يبعثوا اثنين من مواطنيهم لكي يمثلا بين يديه ويفعل بهما ما يشاء انتقامًا لرسولي أبيه المقتولين.
وقد تطوع لدفع هذا الثمن اثنان من الإسبرطيين أحدهما يدعى “سبرثيوس” والآخر “بولس”، ولما كانا في الطريق وصلا إلى قصر رجل فارسي يدعى “إندار”.
كان قائد جيوش الملك الفارسي في جميع مدن آسيا الواقعة على ساحل البحر، فأكرمهم واستقبلهم، وفيما هم يتجاذبون أطراف الحديث سألهما لماذا يرفضان إلى هذا الحد صداقة الملك؟ وقال: انظرا أيها الإسبرطيان تعرفان كيف يُكرم الملك أولئك الذين يخدمونه، وأعلم أنكما إذا ما أصبحتما من أتباعه فسوف يفعل لكما من المكرمة ما فعله لي، فإذا دخلتما في طاعته وعرفكما؛ فلن يعود أي منكما إلا وقد أصبح أميرًا على مدينة من مدن اليونان، فأجابه الإسبرطيان: أنت لم تُحسن نصحنا في هذا الأمر، لأنك لا تعرف النعمة التي نتمتع نحن بها. لقد حظيت بإنعام الملك عليك غير أنك لا تعرف شيئًا عن الحرية ولم تذق طعمها اللذيذ، ولو أنك ذقتها لنصحتنا بالدفاع عنها لا بالرمح والدرع فحسب بل بالأسنان والأظفار أيضًا.
وحده الإسبارطي كان يقول ما ينبغي قوله، غير أن كلاً منهم تكلم وفقًا لما نشأ عليه، فالفارسي لا يمكن أن يأسف على الحرية التي لم يمتلكها يومًا، ولا يسع الإسبرطي أن يتحمل العبودية بعد أن ذاق طعم الحرية.
فالعبودية مريرة في كل بلد وتربة، أما الحرية فمستحبة؛ لكن لأنني أرى أولئك الذين ولدوا والقيد في أعناقهم هم أهل للرثاء أو المعذرة، لأنهم لا يرون ضيرًا في أن يكونوا عبيدًا ما داموا لم يسبق لهم أن رأوا ولو ظلاً للحرية ولم يسمعوا بها قط، وإن سمعوا بها لم يعقلوا معانيها ولم يدركوا قيمتها مع أن إلف العبودية لا ينفي وجود الحرية وقيمها.
إن الذين يولدون وينشؤون في دياجير العبودية لن تراودهم الرغبة في الحرية لأنهم لم يألفوا العيش يوما في الحرية؛ فلا يأسفون على ذلك اليوم الذي لم يألفوه. رغم أن الفطرة الإنسانية السليمة تدعو إلى الحرية، ولكن ينشأ العبد على ما نشأه عليه سيده، فتصبح عبوديته مختارة وغير مكره عليها.
وإذا كانت الحرية هدفًا عظيمًا لدى الشعوب الحرة فإن الهدف العظيم لا يمكن بلوغه إلا بثمن عظيم، وهل هناك أثمن وأعظم من أن يتحرر الإنسان من الرق، ويسترد حريته السليبة لينطلق بغير أصفاد نحو بناء حاضره ومستقبله.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: غیر أن
إقرأ أيضاً:
أسطول الحرية يعلن أكبر توسّع في حملات كسر حصار غزة منذ تأسيسه
أعلن تحالف أسطول الحرية عن خطة توسّع هي الأكبر منذ تأسيسه قبل أكثر من 15 عامًا، تشمل مضاعفة مشاريع كسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة خلال عام 2026، وذلك في ختام اجتماعاته السنوية التي احتضنتها العاصمة الإيرلندية دبلن بين 5 و8 ديسمبر/كانون الأول 2025.
وشارك في الاجتماعات مندوبون من الحملات الوطنية الأعضاء، ولجان التحالف المركزية، وممثلو شبكات تضامن دولية من أوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا وأستراليا ونيوزلندا، بهدف تقييم موسم الإبحار لعام 2025 ووضع رؤية موسّعة للتحركات البحرية والبرية في العام المقبل.
تحذير من كارثة إنسانية.. “الشتاء يهدد مئات آلاف النازحين"
قال التحالف إن اجتماعات دبلن جاءت في وقت يشهد فيه قطاع غزة ظروفًا إنسانية "بالغة القسوة"، إذ تستمر إسرائيل ـ وفق تعبيره ـ بـ"انتهاك" وقف إطلاق النار، مع استمرار القيود المشددة على دخول المساعدات الأساسية، بما يشمل الخيام والبطانيات والمستلزمات الطبية وحليب الأطفال.
وحذّر المشاركون من أن مئات الآلاف من النازحين يواجهون مخاطر حقيقية في ظل شتاء قارس يفاقم نقص المأوى والمواد الإغاثية، مؤكدين أن الوضع الإنساني “لا يمكن احتماله”.
تحالف من 18 حملة.. وسفن ترفع راية المقاومة المدنية
يضم تحالف أسطول الحرية، الذي انطلق عام 2010، نحو 18 حملة وطنية، أبرزها اللجنة الدولية لكسر الحصار، ومنظمة IHH التركية، ومجموعات تضامن من أوروبا وأمريكا الشمالية وجنوب أفريقيا وأستراليا.
وتمكّن التحالف خلال الأعوام الماضية من إطلاق عشرات القوارب بهدف تحدّي الحصار البحري على غزة، من بينها سفن “مادلين” و”حنظلة” و”الضمير” التي أبحرت خلال موسم 2025.
وقال المجتمعون إن هذه الجهود ستشهد توسعًا "غير مسبوق" في 2026 عبر زيادة عدد السفن المشاركة، وتوسيع الشراكات الدولية، وتنظيم تحركات متزامنة في مختلف دول العالم.
قلق من قرار مجلس الأمن 2803.. "تهديد للقانون الدولي"
وتزامن اجتماع دبلن مع صدور قرار مجلس الأمن رقم 2803، الذي اعتبره التحالف "خطوة خطيرة قد تُضعف القانون الدولي وتعيد إنتاج وصاية دولية على غزة"، محذّرًا من أن القرار لا يعزز الحقوق الفلسطينية ولا يساهم في إنهاء معاناة سكان القطاع.
انضمام مبادرات دولية جديدة وتنسيق موسّع لعام الإبحار 2026
شهد الاجتماع انضمام مبادرتين دوليتين بارزتين إلى جهود التحالف خلال عام 2025، هما مبادرة "أسطول الصمود العالمي" ومبادرة "ألف مادلين إلى غزة"، ما رفع عدد القوارب المشاركة هذا العام إلى مستوى غير مسبوق.
وناقشت المبادرتان مع قيادة التحالف خططًا مشتركة لتوسيع الإبحار عام 2026، بما في ذلك: زيادة عدد السفن المشاركة، توسيع المشاركة الشعبية والدولية، تنسيق فعاليات ضغط وتضامن في مختلف القارات، تعزيز انخراط البرلمانيين والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني
وفي تصريح خاص لـ"عربي21"، قال زاهر بيراوي، رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، إن توسيع أنشطة الإبحار في 2026 يأتي استجابة مباشرة لتفاقم المأساة الإنسانية في القطاع.
وأضاف بيراوي: "لن يقف المجتمع المدني الدولي مكتوف الأيدي بينما يُترك أكثر من مليوني إنسان يواجهون الحصار والموت البطيء. التحرك الشعبي الدولي ضرورة أخلاقية وسياسية اليوم".
وأكد أن أسطول الحرية سيستمر حتى رفع الحصار بالكامل واستعادة غزة لحقها في الحياة والحرية، مشددًا: "الإبحار إلى غزة سيظل أداة سلمية للمقاومة المدنية وحشد التضامن العالمي، ولن نتراجع إلى أن يعيش الفلسطينيون بكرامة وعدالة".
واختتم التحالف اجتماعاته بالتأكيد أن غزة "بحاجة إلى جهد عالمي مضاعف"، وأن عام 2026 سيشهد أوسع حملة دولية لكسر الحصار منذ انطلاق أسطول الحرية، بمزيج من التحرك البحري والضغط السياسي والإعلامي، إلى جانب تعبئة جماهيرية عبر العالم.