تدارس غربي في الفشل: لماذا غلبنا الحوثيون؟
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
الجديد برس:
لا يتوقف النقاش في الولايات المتحدة حول كيفية التعاطي مع الأزمة التي افتعلتها الأخيرة لنفسها في البحر الأحمر، وهو نقاش يتجدد بعد فشل المساعي الهادفة إلى تقويض قدرات حركة «أنصار الله» وإيقاف مشاركتها في جبهة إسناد غزة.
وتكرّر الجدل هذا الأسبوع على خلفية إحراق السفينة النفطية اليونانية «سونيون»، والذي أرادت صنعاء من خلاله إرساء معادلة التماثل مع واشنطن وحلفائها، وعنوانها: «الأضرار بالأضرار، والخسائر بالخسائر، والنيران بالنيران»، والتأكيد أن اليمن لن يسكت على استباحة أراضيه، ولديه قرار بتفعيل قدراته الرادعة في حال احتاج إليها.
يأتي ذلك فيما تحاول الولايات المتحدة الهروب من المواجهة مع «أنصار الله»، والابتعاد عن مسرح العمليات العسكرية المباشرة، بسبب ما يصفه العسكريون بالقيود السياسية، والتعويض عمّا تقدّم بالعمل الديبلوماسي ومحاولة توسيع التحالف في البحر الأحمر مع شركاء إقليميين ودوليين، فضلاً عن العمل على استغلال الأحداث الأمنية والترويج لها على أنها أعمال إرهابية متهوّرة.
وفي هذا الإطار، قال الناطق باسم البنتاغون إن صنعاء تستمر في زعزعة استقرار التجارة العالمية والإقليمية، وتعرّض حياة البحارة المدنيين الأبرياء للخطر، وتهدّد النظام البحري الحيوي في البحر الأحمر وخليج عدن. على أن القادة العسكريين الأمريكيين لا يتوقفون عن تحميل المسؤولية للقيادة السياسية عن فشل المهمة في البحر الأحمر، كما يلقون باللائمة على الحلفاء المشاطئين للبحر، والذين لم ينخرطوا بدلاً منهم في المواجهة على جري العادة.
وأخيراً، انتقل اللوم إلى مكان آخر، إذ نقلت قناة «العربية – الحدث»، عن أحد المسؤولين العسكريين الأمريكيين، القول إن اللوم طاول البحارة المدنيين. وأضاف المتحدّث المذكور بغضب أن «السبب يعود في أحيان كثيرة إلى أن قباطنة السفن العابرة في منطقة خليج عدن يعارضون التعليمات الأمريكية، ويصرّون على الإبحار وفقاً لخططهم بما يعرض سلامة البحّارة والسفن في الوقت ذاته للخطر»، وأكد أن «هذا بالضبط ما حصل خلال الأيام الماضية».
ويبدو أن العجز عن إيجاد حلول للمأزق الأمريكي في اليمن وضع القيادة العسكرية في موقف متناقض خلال أيام قليلة؛ فبينما قال الناطق باسم «البنتاغون»، نهاية الأسبوع الماضي، إن قوات بلاده قوّضت القدرات اليمنية، عادت إحدى وسائل الإعلام الخليجية وذكرت، الأربعاء، أن تقييم العسكريين الأمريكيين للوضع في البحر الأحمر يقوم على عاملَين إضافيين: الأول هو أن «الحوثيين» يملكون قدرات واسعة، وخصوصاً لجهة عدد الصواريخ والمسيّرات، وهي قدرات الجيش اليمني السابق؛ والثاني خطوط الإنتاج العسكرية المحلية، والتي تعمل، وفق العسكريين الأمريكيين، بمساعدة من حرس الثورة الإيراني.
هجمات صنعاء أدّت إلى سيطرتها الكاملة على القسم الجنوبي من البحر الأحمر
وبالتأكيد، تمتلك واشنطن إمكانية التصعيد في اليمن، والارتقاء بالعمل العسكري إلى مستويات عالية في التدمير وضرب البنى التحتية، غير أن خبراء ومسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين، قالوا إن ذلك سيكون بمثابة تكرار للتجربة الفاشلة للحرب السعودية – الإماراتية على هذا البلد، المدعومة من الولايات المتحدة، والتي استمرت أكثر من سبع سنوات قبل الهدنة الحالية.
كما أن واشنطن تخشى الانزلاق إلى الحرب الشاملة التي يمكن أن تتّسع شرارتها وصولاً إلى تدخل إيران إلى جانب أصدقائها في اليمن، وفق تقارير أمريكية، الأمر الذي لا يتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية للمرحلة الحالية، فضلاً عن انشغال البيت الأبيض بالانتخابات الآتية بعد شهرين ونيف. ووفق تقارير استخبارية، فإن القوات الأمريكية أعدّت الخطط اللازمة للتصعيد، وباتت جاهزة لتنفيذها في حال الانتقال إلى استراتيجية الحرب.
وبعد فشلها الاستخباري في اليمن، تعمل واشنطن على بناء بنك معلومات يتضمّن: المخازن العسكرية، والقدرات الصاروخية، والمنظومات المسيّرة الجوية والبحرية، وصولاً إلى بيانات حول القيادات الفاعلة في «أنصار الله» والقيادات الناشطة في التنسيق مع إيران وبقية محور المقاومة.
يذكر أن الولايات المتحدة قالت، في بداية الشهر الحالي، إنها قتلت أحد الكوادر اليمنية في العراق، أثناء قيامه بمهمة عسكرية مع «الحشد الشعبي». كما تدّعي القيادة العسكرية الأمريكية أن أسطولها الضخم المنتشر في الخليج، وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر قادر على مواجهة التهديد الذي يمثّله اليمن، وأن ما يمنع ذلك هو غياب القرار السياسي.
في المقابل، أدت الهجمات العسكرية للقوات اليمنية إلى سيطرتها الكاملة على القسم الجنوبي من البحر الأحمر، حتى إن سفناً تابعة لبعثة «أسبيدس» الأوروبية لم تجرؤ على التقدّم لإنقاذ السفينة «سونيون» لمجرّد تلقّيها تحذيراً من قوات صنعاء، بحسب الناطق باسم «البنتاغون».
وعلى رغم أن الطيران المسيّر الأمريكي والبريطاني لا يغادر المنطقة، أشارت صحيفة «تلغراف» البريطانية إلى أن «الحوثيين هزموا البحرية الأمريكية وأجبروها على مغادرة البحر الأحمر، مع القوات البريطانية، حيث لم تعد هناك أي سفينة حربية لتحالف حارس الازدهار، الذي لم ينجح في ردع الحوثيين ولم يطمئن حركة الشحن البحري، ولذا فقد يكون من الأفضل له أن يذهب ويفعل شيئاً آخر».
وذكرت الصحيفة أن «هجمات التحالف لم تؤدِّ إلى طمأنة شركات الشحن التي بدأت بالفعل اتخاذ الطريق الطويل حول رأس الرجاء الصالح لأسباب تتعلق بالمخاطر وتكاليف التأمين المرتبطة بها».
وهذا ما أكدته أيضاً، الأربعاء، «هيئة عمليات التجارة البحرية» البريطانية التي يديرها الجيش البريطاني، حيث قالت إن قوات صنعاء «تقوم بتسيير دوريات بحرية في البحر الأحمر»، مضيفة أنها «رصدت مسلحين على متن زوارق تجوب المياه الدولية قبالة الساحل الغربي لليمن»، مؤكدة أن «المسلحين كانوا يقومون أيضاً بعمليات استطلاع بمعيّة سفينة سطحية غير مأهولة».
المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: العسکریین الأمریکیین الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی الیمن
إقرأ أيضاً:
البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.
وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.
ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا
الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنةفي مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.
لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.
لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.
هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.
إعلانلكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.
بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفافيحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.
الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.
أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.
الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.
هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.
ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.
عدم الانحياز الذكي ورهان الداخلضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:
عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.
هذا المسار يعني:
تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.
بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:
توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.
فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.
الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسياما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.
إعلانهي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.
ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.
وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline