لجريدة عمان:
2025-08-02@22:50:33 GMT

إدوارد سعيد في الجامعة

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

لم يكن لأحد أن يتوقع عودة إدوَارد سعيد للواجهة بهذه القوة، لكنه عاد وبقوة. فالتلامذة «الخارجون عن المقرر» في جامعة كولومبيا، معقلِه الحصين، نجحوا في بعث حضوره من جديد كمفكر فذٍّ بعيد الرؤية، حيث يمكننا أن نرى اليوم بوضوح، وأكثر من أي وقت مضى، خلاصات نقده الاستشراق الغربي وهو يتجلى في أكثر صوره عنفًا.

فمنذ اندلاع حملة الإبادة الصهيونية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، عقب السابع من أكتوبر الماضي، أي بعد مرور أيام قليلة على الذكرى العشرين لرحيل إدوَارد سعيد عن عالمنا (25 سبتمبر عام 2003) تكرر اسمه «الطباقي» ببروز، ليس في النقاشات الثقافية فحسب، بل قُرِئ في اللافتات المرفوعة خلال المظاهرات الطلابية التي شهدتها ساحة كولومبيا مؤخرًا: «يا جامعة كولومبيا، لماذا تطلبين منّي أن أقرأ للأستاذ إدوَارد سعيد إن كنتِ لا تودين أن أستعمله؟» هكذا كتبت إحدى الطالبات المتظاهرات على لافتتها.

هل نستطيع أن نتخيل إدوارد سعيد مثقفًا بلا جامعة؟ كانت الجامعة بالنسبة لإدوَارد «معقلاً» بالفعل، بكل ما تعنيه الكلمة، وإلا من يتخيل أن أستاذا للأدب الإنجليزي يجلس في مكتب جامعي زجاجه مضاد للرصاص؟! لا شكَّ أن الجامعة العريقة وفَّرت له منبرا عالميا لإذاعة أفكاره، وخاصة خلال السنوات الضارية من معركته الفكرية الشرسة مع المؤسسة الاستشراقية في الغرب ممثلةً بأهم رموزها المعاصرين، المعركة التي لم تتوقف «اشتباكاتها» حتى نهاية حياته. وبالتأكيد فإن الإشارة إلى دور المؤسسة المهم في صناعة المثقف ومركزيتها في بلورة مشروعه مسألة ضرورية عند مراجعة تجربة مفكر مثل إدوَارد سعيد، دون أن يتعارض هذا الاعتبار لدور المؤسسة أو يُنقص شيئا من حقيقة أنه كان مفكرا ألمعيا وعقلاً نقديًّا حرًّا تشكلت ملامح نبوغه في المراحل المبكرة التي سبقت وصوله إلى كولومبيا في ستينيات القرن الماضي وبعد مروره بجامعتي برنستون وهارفارد. والأهم أنه كان شخصية «طِباقية» بامتياز منذ التكوين، لا هي شرقية تماما ولا هي غربيةٌ تماما، بل هوية كونية مفتوحة للتعدد بكل ما يتمتع صاحبها ومطورها من تعدد للأدوار والمواهب والأماكن. فأينما حل ترك تأثيره العميق، سواء كان أستاذا في الجامعة أو متحدثا في البرامج التلفزيونية أو عازفا للبيانو أو سياسيا في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية.

غير أن كل ما سبق لن يمنع ناقديه ومناوئيه - بصورة لا تخلو من الحسد الواضح - من المجادلة بأن «كولومبيا» هي الرافعة التي منحت إدوَارد سعيد كل هذه الشهرة والمكانة العلمية المرموقة والمقروئية الواسعة في الغرب حتى تصديره للشرق، وذلك منذ أن دخل إلى الوظيفة الأكاديمية فيها شابا في نهايات العشرين. لكن المفاجأة أن رئيس الجامعة الأسبق يرجح الحقيقة المعاكسة تماما؛ فقد اجتمع بجوقة من الطلبة اليهود الذين تظاهروا ضد إدوَارد سعيد عام 2000 للمطالبة بفصله من الجامعة بعد أن استفزهم بصورته الشهيرة التي التُقطت له وهو يقذف حجرا على برج المراقبة المهجور عند بوابة فاطمة في الجنوب اللبناني بعد تحريره. همس رئيس الجامعة في الطلبة المتظاهرين ليثنيهم عن موقفهم المتطرف، مُذكرا بأن شهرة جامعتهم والامتيازات التي يتمتعون بها بعد تخرجهم فيها إنما تعود لوجود من وصفوه بأنه «فيلسوف الإرهاب» كعلم من أعلام الهيئة التدريسية بالجامعة. من يؤكد هذه الحادثة هو تلميذه تِمُثي بْرِنَن الذي قدَّم لنا سيرةً غيرية ممتازة عن أستاذه الراحل بعنوان «إدْوَارْد سعيد: أماكن الفكر». علاقة الأستاذ بالجامعة في قصة كهذه لا بدَّ أن تستوقفنا لنتخيَّل، ولو من باب التسلية، كيف سيبدو موقف إدارة كولومبيا من المفكر الكبير لو أن المصرية البريطانية الأمريكية، نعمت شفيق، كانت هي من يرأس الجامعة آن ذاك؟!

ربما يمكننا أن نقول اليوم بأن استقالتها على خلفية المظاهرات الطلابية كانت انتصارا سياسيا لأسطورة إدوَارد سعيد العائدة إلى معقلها التليد. لقد انتصر «السعيديون» على نعمت شفيق إذن، وهو برهان آخر على حضوره القوي بين أجيال متأخرة من طلاب الذين لم يقابلوه يوما، بل منهم من هم طلاب طلابه في الواقع. العبرة في الأمر أن قيمة المؤسسة الجامعية ومكانتها العلمية تتحدد بقيمة أساتذتها. فالاستثمارات الضخمة والمباني العملاقة والمرافق والمختبرات المعدَّة بأحدث الأجهزة والإنفاق الحكومي كلها عوامل مادية تغدو بلا معنى يُذكر لبناء جامعة مرموقة إذا لم تستقطب الجامعة الأساتذة الرائعين، ضامنةً لهم حرية الرأي والفكر، وهم الذين سينجبون بدورهم تلامذة رائعين أوفياء لمعلميهم ومدافعين عنهم بوجه السلطة الجامعية إن استدعى الأمر. فالمدافعون الحقيقيون عن إدوَارد سعيد في الجامعة لم يكونوا سوى طلابه الذين يتسابقون على مقاعد محاضراته. وهو بالفعل النموذج الحقيقي للحياة الجامعية التي يفتقدها الطلاب في جامعاتنا العربية، حيث أساتذتهم ليسوا أكثر من «موظفين» حالهم كحال سائر الموظفين في الدوائر الحكومية البيروقراطية، وهذا بحد ذاته تفسير كاف لتخلُّف الجامعات العربية عن التفاعل السياسي في لحظة تاريخية حاسمة كهذه، بينما تنتفض أهم قلاع الأكاديميا الغربية ضد الإبادة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

سعيد: الدفاع عن لبنان ليس اختصاصاً لحزب أو طائفة


إعتبر رئيس "لقاء سيدة الجبل" النائب السابق فارس سعيد أن "الدفاع عن لبنان ليس اختصاصاً لفئة أو حزب أو طائفة".

وأكد سعيد عبر "إكس" أنها مسؤوليّة وطنيّة تتولاّها الشرعية اللبنانية وفقاً للدستور. من يرفض هذه الثابتة فليعدّل الدستور ...إذا استطاع". مواضيع ذات صلة سعيد و" التيار" و"الحزب": تحالف الضرورة Lebanon 24 سعيد و" التيار" و"الحزب": تحالف الضرورة 01/08/2025 08:56:35 01/08/2025 08:56:35 Lebanon 24 Lebanon 24 اتصالات فرنسية للتمديد لليونيفيل وحزب الله: الدفاع عن الأرض لا يحتاج إلى إذن Lebanon 24 اتصالات فرنسية للتمديد لليونيفيل وحزب الله: الدفاع عن الأرض لا يحتاج إلى إذن 01/08/2025 08:56:35 01/08/2025 08:56:35 Lebanon 24 Lebanon 24 عراقجي: سنواصل دعم حماس وحزب الله ما داموا متمسّكين بمبادئهم في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم Lebanon 24 عراقجي: سنواصل دعم حماس وحزب الله ما داموا متمسّكين بمبادئهم في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم 01/08/2025 08:56:35 01/08/2025 08:56:35 Lebanon 24 Lebanon 24 الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: نواجه العدو بالدفاع عن لبنان وهذا الدفاع سيستمر ولو اجتمعت الدنيا بأسرها والتحرير واجب ولو طال الزمن Lebanon 24 الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: نواجه العدو بالدفاع عن لبنان وهذا الدفاع سيستمر ولو اجتمعت الدنيا بأسرها والتحرير واجب ولو طال الزمن 01/08/2025 08:56:35 01/08/2025 08:56:35 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً مخاوف من الخلايا النائمة Lebanon 24 مخاوف من الخلايا النائمة 08:45 | 2025-08-01 01/08/2025 08:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 نائب غاضب: لن اقبل Lebanon 24 نائب غاضب: لن اقبل 08:30 | 2025-08-01 01/08/2025 08:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي في عيد الجيش: هو قادر على القيام بكل المهام المطلوبة منه لحماية الوطن Lebanon 24 ميقاتي في عيد الجيش: هو قادر على القيام بكل المهام المطلوبة منه لحماية الوطن 08:29 | 2025-08-01 01/08/2025 08:29:14 Lebanon 24 Lebanon 24 سلام في عيد الجيش: لا إنقاذ للبنان إلا بحصر السلاح Lebanon 24 سلام في عيد الجيش: لا إنقاذ للبنان إلا بحصر السلاح 08:20 | 2025-08-01 01/08/2025 08:20:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس عون يزور "الريجي" Lebanon 24 الرئيس عون يزور "الريجي" 08:16 | 2025-08-01 01/08/2025 08:16:44 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة ارتفاع كبير في أسعار "الحامض" في لبنان.. ما السبب؟ Lebanon 24 ارتفاع كبير في أسعار "الحامض" في لبنان.. ما السبب؟ 14:30 | 2025-07-31 31/07/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 هذا الفيديو بألف كلمة Lebanon 24 هذا الفيديو بألف كلمة 13:09 | 2025-07-31 31/07/2025 01:09:20 Lebanon 24 Lebanon 24 رسائل مبطّنة في خطاب قاسم تحت سقف الثوابت! Lebanon 24 رسائل مبطّنة في خطاب قاسم تحت سقف الثوابت! 18:00 | 2025-07-31 31/07/2025 06:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تصعيد قبل جلسة الحكومة او بعدها؟ Lebanon 24 تصعيد قبل جلسة الحكومة او بعدها؟ 16:30 | 2025-07-31 31/07/2025 04:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور... مراسل الـ"أم تي في" في المستشفى Lebanon 24 بالصور... مراسل الـ"أم تي في" في المستشفى 23:15 | 2025-07-31 31/07/2025 11:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 08:45 | 2025-08-01 مخاوف من الخلايا النائمة 08:30 | 2025-08-01 نائب غاضب: لن اقبل 08:29 | 2025-08-01 ميقاتي في عيد الجيش: هو قادر على القيام بكل المهام المطلوبة منه لحماية الوطن 08:20 | 2025-08-01 سلام في عيد الجيش: لا إنقاذ للبنان إلا بحصر السلاح 08:16 | 2025-08-01 الرئيس عون يزور "الريجي" 08:15 | 2025-08-01 النواب مرتاحون: خطاب عون يعيد الثقة بعهده فيديو انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) Lebanon 24 انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) 09:31 | 2025-07-30 01/08/2025 08:56:35 Lebanon 24 Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) 08:32 | 2025-07-30 01/08/2025 08:56:35 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! 19:35 | 2025-07-29 01/08/2025 08:56:35 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • كولومبيا: الحكم على الرئيس السابق ألفارو أوريبي بالإقامة الجبرية لمدة 12 عاماً
  • كولومبيا.. المجلس الوطني للسلامة يفوز بجائزة دولية في مؤتمر منظمة orp
  • الدردير يكشف مفاجأة بشأن جون إدوارد واتحاد الكرة..تفاصيل
  • سردية معاداة السامية تجبر جامعة كولومبيا على تسوية مع إدارة ترامب
  • «انتظروا خناقة».. تامر عبد الحميد يكشف مفاجأة بشأن علاقة ممدوح عباس وجون إدوارد بسبب الزمالك «فيديو»
  • بقرار رئاسي.. ممثل إباحي وزيراً في كولومبيا
  • سعيد: الدفاع عن لبنان ليس اختصاصاً لحزب أو طائفة
  • المشيشي يتحدث عن احتجازه في قرطاج عند انقلاب قيس سعيد
  • «أفضل سيناريو حصل».. ميدو يتحدث عن تجربة جون إدوارد داخل الزمالك
  • مصدر بالزمالك: ملف التجديد مؤجل.. والتركيز على إبرام الصفقات الجديدة أولا