الجزيرة:
2025-08-03@03:45:36 GMT

كيف يواجه المصريون أزمة اختفاء الأدوية من الأسواق؟

تاريخ النشر: 1st, September 2024 GMT

كيف يواجه المصريون أزمة اختفاء الأدوية من الأسواق؟

القاهرة- بعد أن ودعت الصفوف المزدحمة، أمعنت الشابة ندى النظر فيما بين يديها، لا تصدق أنها أخيرا تمسك بالدواء الذي ظلت تبحث عنه طيلة 3 أشهر في الصيدليات والمستشفيات دون جدوى.

وأمام صيدلية الإسعاف بمنطقة وسط البلد في القاهرة، انتظرت ندى 5 ساعات، مع العشرات من المرضى أو ذويهم للحصول على الدواء، والبعض يحتمي بمظلة ضخمة وآخرون يفترشون الرصيف بينما ينسحب آخرون ثم يعودون للانتظار مرة أخرى.

ولا أحد يشكو الانتظار، وكلما شوهد الدواء المرجو بين يدي طالبه، يعم الرضا والصبر على المشقة، وحين ينتشر خبر غياب صنف معين تعود خيبة الأمل.

أمام صيدلية الإسعاف وسط القاهرة (الجزيرة) رحلة بحث

ويشهد سوق الدواء المصري، منذ أشهر، اختفاء عدد كبير من أصناف خاصة تتعلق بالأمراض المزمنة كالضغط والسكري والأمراض المناعية.

وتشير تقديرات شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية إلى نقص في حجم المعروض بالأسواق يبلغ حوالي ألف نوع من أصل 17 ألف صنف، غير أن الاستغاثات عبر منصات التواصل وشكاوى الصيادلة تؤشر إلى تفاقم الأزمة وتضاعف حجم الأدوية غير المتوفرة.

وتعاني والدة ندى من مرض السكري، وتحتاج إلى جرعة يومية من الأنسولين من نوع "ماكستراد 30".

وداومت المواطنة على شراء الصنف المستورد لضمان جودته، لكن حين ارتفع ثمنه نتيجة لارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، اقترحت على والدتها -وهي موظفة على المعاش- صرف الأنسولين "النوع المحلي" من هيئة التأمين الصحي وهي جهة رسمية تصرف الدواء بالمجان لمن يمتلك بطاقة التأمين الصحي.

واستمرت في استعمال الأنسولين المحلي ولكن عندما توجهت قبل 4 أشهر إلى فرع الهيئة للحصول على جرعتها الشهرية، فوجئت بعدم توفره كباقي الأصناف التي اختفت فجأة من الأسواق. وبعد رحلة بحث طويلة، عرض عليها أحد العاملين بإحدى الصيدليات علبة واحدة بـ5 أضعاف ثمنها فاشترتها فورا.

ويبلغ عدد مرضى السكري المسجلين فقط بهيئة التأمين الصحي نحو 11 مليون مواطن حتى ديسمبر/كانون الأول 2022، وفق تصريحات رسمية.

رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام بالغرف التجارية علي عوف يقول في تصريح متلفز إن الإنسولين متوفر في صيدليات الإسعاف ولم ينقص ويتم بيعه بالروشتة والرقم القومي وتحليل السكري pic.twitter.com/dXGgI0ZQVB

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) August 30, 2024

ولم تتمكن والدة ندى من الحصول على الأنسولين مرة أخرى بأي سعر، مما اضطرها لاستخدام نوع آخر منه "حبوب" فتدهورت حالتها الصحية ونُقلت إلى المستشفى. وصادفت الابنة منشورا عبر فيسبوك يفيد بوجود أصناف أدوية كثيرة -مختفية من الأسواق- في صيدلية الإسعاف، فتوجهت على الفور إليها لتبدأ رحلة جديدة للحصول على الدواء.

وتقول ندى -للجزيرة نت- إنها صرفت من الصيدلية علبتين من الأنسولين بسعر 92 جنيها (قرابة دولارين) للعلبة الواحدة بزيادة بنحو 30% مقارنة بسعره قبل أزمة الدواء الأخيرة.

وتضيف أنها لم تستخدم الأوراق التي سبق وتم الإعلان عنها لصرف الأنسولين من الإسعاف وهي صورة بطاقة الرقم القومي والروشتة العلاجية للمريض وتحليل حديث للسكر فـ"لم يسألني الموظف عن أي مستند، فقط سألني إذا ما كنت أحتاج شراء علبة أم اثنتين وهو الحد الأقصى للصرف من الصيدلية".

في انتظار المرحلة الأخيرة لصرف الدواء (الجزيرة) صيدليات الإسعاف

تعد صيدلية الإسعاف منفذا لبيع المنتجات الدوائية للشركة المصرية لتجارة الأدوية. وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد الطبي عن افتتاح 13 فرعا لها في 12 محافظة لتسهيل وصول العلاج للمرضى.

وقد تأسست هذه الشركة عام 1965 وهي تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، ثم انتقلت ملكيتها عام 2020 إلى هيئة الشراء الموحد (حكومية) وتعد أحد أكبر مستوردي وموزعي الدواء بمصر. وتوجد في مصر نحو 84 ألف صيدلية موزعة على مختلف المحافظات، حسب الهيئة العامة للدواء.

وبحسب تجربة قامت بها الجزيرة نت لشراء دواء "يوروسولفين" (لا يتوفر بالأسواق) من صيدلية الإسعاف، لاحظت وجود 3 مراحل لصرف الأدوية هي:

الأولى: الوقوف في صف طويل ينتهي إلى نافذة يجلس خلفها موظف استعلام للتأكد من توفر الدواء من عدمه داخل الصيدلية ومراجعة وصفة الطبيب بالنسبة للأدوية التي تحتاج تأشيرة طبيب معالج. وبعد التأكد من توفر الدواء يتسلم الزائر ورقة مدونا بها رقم ترتيبه للدخول إلى مقر الصيدلية، وتوجب على الجزيرة نت انتظار 287 شخصا قبل الوصول إلى ترتيبها بالقائمة. الثانية: بعد ذلك يكون الانتظار ساعات طويلة خارج الصيدلية. الثالثة: تتم داخل الصيدلية، فيسمح فقط لـ20 شخصا بالوجود بينما يجلس 3 موظفين خلف لوح زجاجي أحدهم مسؤول عن تحديد عدد الأصناف المسموح بها للفرد، وآخر لاستلام ثمن الدواء، والثالث يتكفل بتسليمه للمشتري.

وليست كل المحاولات ناجحة بصيدلية الإسعاف، فهناك أصناف دوائية غير موجودة مما يجعل السائل أمام مصير مجهول حيال المرض.

وذلك ما حدث مع أشرف الذي جاء لاهثا إلى الصيدلية من مدينة بنها (شمالي القاهرة، تبعد نحو 50 كيلومترا) ليبحث عن دواء "كونكور" الخاص بمرض الضغط. وانتظر في الصف الطويل لكنه صُدم بأن الدواء غير متوفر. ولم يعد أمامه سوى العودة إلى بلدته وزيارة الطبيب المعالج كي يحدد دواء آخر بدلا من النوع الذي داوم على استخدامه لسنوات وكان مناسبا لحالته.

سوق الدواء بمصر يشهد اختفاء عدد من الأصناف (الجزيرة) سر الاختفاء

تتنوع الأسباب التي يطرحها المسؤولون الحكوميون، والجهات المختصة بصناعة الأدوية والإشراف عليها، حول أزمة اختفاء عدد كبير من الأدوية من السوق المصرية. ويعد عدم استقرار سعر صرف العملة أحد أهم الأسباب لتبرير الأزمة، إذ تواجه الشركات المنتجة مشكلة تدبير العملة الصعبة لاستيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع.

ففي مارس/آذار الماضي، تم تحرير سعر صرف الجنيه مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار أمامه من 31 إلى أكثر من 48 جنيها.

كما أحال تحرير سعر الصرف إلى سبب آخر، حيث إن تسعير الدواء ظل على حسب السعر القديم للدولار مما تسبب في خسائر للشركات المنتجة، وأدى لإعلان شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، في يونيو/حزيران الماضي، تحريك أسعار عدد من الأدوية بنسب ارتفاع تتراوح بين 10 و40%، وسط توقعات بزيادة أخرى في الأسعار خلال الأشهر القادمة.

وهذا بالإضافة لوجود أسباب أخرى تتعلق بأمور رقابية وأمنية مثل عدم مطابقة المادة الفعالة وإعدام المنتج، وتهريب الأدوية خارج البلاد وخاصة إلى ليبيا والسودان.

تجارة الدواء بمصر تحقق مليارات الدولارات سنويا (الجزيرة)

وتتعقد أزمة الدواء بتخزين بعض التجار كميات منه لإيجاد سوق موازية لتداوله لاختلاق طلب متزايد وإعادة طرحه بسعر أعلى.

ويوجد بمصر 170 مصنعا لإنتاج الدواء، وتبلغ نسبة التصنيع المحلي من احتياجات المصريين أكثر من 75% بالقيمة المالية، وأكثر من 90% من عدد الوحدات الدوائية. ويبلغ حجم المبيعات بسوق الدواء نحو 7 مليارات دولار خلال العام الماضي ممثلة في 4 مليارات وحدة مبيعة، وفق الإحصاءات الرسمية.

وبلغت قيمة تصدير المستحضرات الدوائية نحو 1.5 مليار دولار العام الماضي، كما ارتفعت قيمة صادرات الأدوية خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين بنسبة 14.8%، لتسجل 52.45 مليون دولار مقارنة بـ45.68 مليونا خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وبحسب رئيس هيئة الدواء المصرية، لا يتم تصدير أي من الأدوية التي بها نقص فى السوق المحلي إلا بعد التنسيق لضمان توافر كمية كافية تلبي احتياجات السوق لفترة تتراوح بين شهر و3 أشهر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات صیدلیة الإسعاف

إقرأ أيضاً:

مراسلة الجزيرة نت.. قصة أم تطعم أبناءها من رماد المجاعة

غزة- في معركة الجوع يكون صراعك مع شبح وهمي، حتما يهزمك لأنه يوهن قوتك من الداخل، يرديك صريعا، أو يصنع منك جثة واهنة أشبه ما تكون برجل آلي، تجرُّ الخطى جرا.

تحتاج أن تكرر قراءة الخبر كي تفهمه، ويحتاج من يحدثك أن يعيد مرارا كي تدرك ما يقول، ستضطر للجلوس لالتقاط أنفاسك بعد عدة أمتار من المشي.

أنت كصائم منذ مدة، لكن صيامه مستمر لأجل غير معلوم، وليس في جسده وقود مخزّن أو زاد مشبّع إلا بألم الفقد وشحنات الخوف وبؤس النزوح.

وكل ذلك عاشته ولا تزال مراسلة الجزيرة نت في غزة يسرى العكلوك، وهي اليوم تروي تفاصيله كواحدة من أهالي القطاع الذين يواجهون التجويع الإسرائيلي بكل أشكاله، ويعيشون الحصار والحرب دون حول ولا قوة بتأمين حتى أبسط احتياجاتهم.

الصحفية الأم

صباح أمس، هرول طفلي الصغير نحوي حاملا حذاءه، يطلب مني أن أساعده في انتعاله، أسأله عن السبب، فيجيبني أنه يريد أن يصطف كما الأطفال الذين رآهم من النافذة حاملين أواني ليعبئوها طعاما أمام قدور التكية في المخيم المقابل أسفل المنزل، كان الطلب أشبه بصفعة على وجه أم لم تتخيل يوما أن تعجز عن "إشباع" أطفالها!

"لقيمات يقمن صلبه" قاعدة جديدة كلَّفني إقناع أطفالي بها جهدا، واستغرقت مني وقتا وجدالا مطولا حتى أُعوِّد أولادي عليها، فملء المعدة ترف نحن في غنى عنه حاليا، لكنني اليوم بتّ أتبعهم كي يأكلوا أو أن يزيدوا لكنهم يرفضون، لا أدري أهو انكماش المعدة، أم أن أنفسهم عافت الأصناف نفسها التي يتناولونها منذ أشهر.

يبدو طبق "البقلة" وجبة أساسية، وهي عشبة تنمو من تلقاء نفسها، كنّا قديما في بستاننا المُجرَّف نجمعها مع خشاش الأرض ونرميها، لكن أمي تراها ورقا يؤكل، تُجمّل طعمها مع قليل من الملح والخل، تجيب عن تساؤلات أحفادها عنها، حين تذوقوا اللقمة الأولى منها "كلها حديد يا تيتا (جدة) مفيدة كثيرا كسبانخ باباي (فلم كرتوني للأطفال)"، يبتلعونها، لكني أزدريها وأبتلع معها دمعي.

إعلان

أما أنا فأخجل من الشكوى بين أهلي وصديقاتي، أو أن أعبّر عن حاجتي الملحة للقهوة التي تعد وقودا للتركيز عندي، بعدما صرنا نحتسي بذور الحمص المحمص والمطحون بدلا منها، شراب لا يشبه القهوة إلا في لونها ومراراتها، لا يعدل مزاجا ولا يبدد شتاتا ولا يصلب تركيزا.

لماذا أصبحت مدة إعدادي لقصة إنسانية تستغرق أكثر من أسبوع بعد أن كنت أتمها بيومين أو 3؟ تتساءل الصحفية يسرى ثم تواصل، كيف تمكنت الحرب مني فنهشت عافيتي حتى صرت أتمنى أن يمر يوم من دون أن أتناول فيه جرعات أدويتي المكثفة؟، والتي أتجرَّعُها معظم الأحيان على معدة فارغة، معدة تستقر فيها الجرثومة، وتتطفل عليها الأنتميبا، ويتفنن القولون العصبي بإيلامي، وترتبك فيه أمعائي المتلبكة من الماء المسموم الذي نملؤه من صهاريج جوالة لا نعرف مصدرها.

الوقوف في الطوابير للحصول على الطعام من التكايا الخيرية صار حال الغزيين جميعا (الجزيرة)حال مشترك

في شوارع غزة جلها كل الآباء نكسوا رؤوسهم، يُرتِّقون عِفَّتهم بالصمت، كخاسر عائد من حرب ضارية مع معركة الظفر بلقمة، مع التجار الذين يتخذون من الجوع صفقات للبيع والشراء.

والناس هائمة على وجوهها، صامتة بملامح يفضحها البؤس، سيدات عفيفات كريمات بشفاه متشققة ووجوه شاحبة يحملن أواني وقدورا في أكياس سوداء لئلا يراها الناس، ويسابقن الخطى قبل أن تنفض التكايا.

يُصرُّ المجوَّعون أن سلاح الجوع بات أشد فتكا من صاروخ يقتلك أو يفتك بك أو يُذيبك مرة واحدة، فالجوع يقتلك ببطء وبرود، ويميت فيك خلاياك، وتتصارع فيه أنفاسك فتسمعها وهي تختفي منك شيئا فشيئا.

صار مشهد فتح أكياس القمامة والتجمع حول الحاويات اعتياديا، أطفال يترصدون حبات حمص تساقطت تحت أقدام الباعة، يلعقون بقايا المكمل الغذائي من قلب سلال القمامة، أو يمدون أصابعهم في داخل المعلبات الفارغة للملمة العوالق في الحواف.

وأطفال آخرون ينتظرون أن يفرغ بائع الفلافل من عمله حتى يلتقطوا فتات ما تناثر ويأكلوها بِنَهم، ورضُع جياع تختلط أصواتهم المنبعثة طيلة الليل جوعا، تسقيهم أمهاتهن ماء أو يغلون لهم الحلبة بدلا من الحليب الصناعي الذي يصل سعره إلى 100 دولار نقدا، غير أن تاريخ صلاحيته منته أصلا.

قرصة الجوع وقرقرتها هو صوت أنين النفس المنكسرة، لأعزة قوم أذلتهم الحرب وأهانهم الجوع، بعد أن كانوا أهل الرفاه وأصحاب الوفرة، حين فاضت أطباقهم بما لذ وطاب.

حتى سياقات محادثاتنا ورسائلنا بين الأصدقاء تغيرت، فقد كنا عن قريب نستقبل رسائل من الصديقات يستعرضن فيها إنجازاتهن، "لقد عجنت العدس خبزا"، و "صنعت كعكة من المُكمِّل الغذائي"، لكننا اليوم صرنا نتبادل طرق النجاة من الموت جوعا، وتحولت الرسائل كيف تحمي أمعاءك من التعفن؟ من يقايضنا حفاضات أطفال بكيلو طحين؟

محاربة النفس

الناس في غزة سواسية في الجوع، إلا التاجر الفاجر واللص والمتسلقين على ظهر جوعنا إلى رغد العيش، فالفقير والغني هنا سيان، ورغم أنني أملك رصيدا في حسابي البنكي كنت أجمعه لأطفالي إلى حين يكبرون أو هكذا كنت أظن، خاصة أن عبء توفير الحياة الكريمة غير مقسوم على اثنين، فهم أبناء لرجل شهيد، وأتحمل وحدي عناء أن يعيشوا كراما.

إعلان

لكنني وجدت أني ألجأ لقرشي الأبيض لاتقاء اليوم الأسود، ولا شيء أشد سوادا من هذه الأيام، فأضطر لكل ما ادخرته يوما كي يأكلوا الحد الأدنى من الطعام الذي يبقيهم "أحياء"، أحياء فقط.

ومع هذا فلا أقبل على نفسي أن أقوم بالبذخ الذي يدفعني لشراء شوكلاتة واحدة بـ20 دولارا بعد أن كان ثمنها ربع دولار، أو شراء كيلو من المانجو بـ100 دولار بدلا من 5 دولارات.

المانجو "فاكهتي الأثيرة" التي رأيتها أول مرة منذ عامين على بسطة يتيمة، حيث مررت من أمامها، وتوقفت أمام جلالتها، خفق قلبي وأنا أقلّبها بكفي كأني أمسك كنزا أتحرّق شوقا لالتهامه، شممتها وعبأت رئتيّ من رائحتها، وبينما أنا في سكرة تذكري لمذاقها، سألت امرأة بجواري البائع كم ثمنها فرد من دون أن يلتفت 80 شيكلا (حوالي 25 دولارا).

تمعَّنتُ تلك الثمرة الجوهرة ووضعتها برفق في مكانها ثم انصرفت، فاشتعل فيّ الصراع بين أن أكون أمّا مثالية بعيون أطفالي، أو متلونة أدّعي المأساة في العلن وأخونها في الخفاء، أو أن أكون مُعينة للتاجر الذي قال للسيدة التي عاتبته من صدمتها بالسعر "ما بدك تشتري غيرك بيشتري"!

يعود الغزيون شهداء وجرحى من مراكز المساعدات التي لا بديل عنها (الفرنسية)معاناة أخرى

تجار ولصوص ينفّذون دورهم باقتدار، يتوحَّدون مع جيش الاحتلال علينا، ويؤدون دورا أساسيا في ملهاة سوداء متكاملة الأركان، تتالت مشاهدها: أن نُقتل ثم نحاصر ثم نجوّع ثم يصير غاية أهدافنا ليس النجاة بأنفسنا من الموت قصفا بل النجاة بأجسادنا منه جوعا.

ويتبع ذلك كله مشاهد إدخال المساعدات يدفعون بذلك أدواتهم من إعلاميين ونشطاء يُروِّجون لانتهاء التجويع، ثم يقتلون من ينوي تأمينها أو توزيعها بالعدل، ويُسهّلون في المقابل الأمر للصوص يسرقونها، فلا التجويع انتهى ولا المساعدات وصلت.

يسألني طفلي (10 سنوات) كيف يتركنا العالم جوعى؟ وبينما أهمّ بالإجابة، تقمّصت ابنتي الكبرى (13 عاما) دوري، وردت "نحن ننزف دما منذ عامين وقد تركونا كذلك هل سيقهرهم أن نموت جياعا؟".

لقد فهما بلا جهد مني وأصابا بلا تعب منهما، واقعٌ يشكل وعي أطفالنا، يبدو بمثابة منهاج أسقطت مدينتهم معظم المسلمات منه حين مات فيها الناس جوعا، وصار دمهم ماء، وحين وجدوا أنهم وحدهم دون نصر من عربي، أو سند من مسلم.

مقالات مشابهة

  • عدن تشتعل بالأوجاع.. أسعار الأدوية ترفض الهبوط رغم تحسن الريال والمواطنون يناشدون
  • الاستخبارات العسكرية الأوكرانية تحذر من اختفاء أوكرانيا كدولة
  • 4 أنواع من الأدوية لا يجب تناولها مع مكملات فيتامين د.. تفاضيل
  • ولاية الجزيرة رمز للجهاد والتضحية
  • مراسلة الجزيرة نت.. قصة أم تطعم أبناءها من رماد المجاعة
  • الصيدلية طلبت والنائب يلبي والنتيجة مضحكة
  • خرجت ولم تعد .. سر اختفاء طالبة بشكل مفاجئ في منشأة ناصر
  • رايتس ووتش تحمّل سلطات بوركينا فاسو مسؤولية اختفاء صحفيين
  • بري عشية عيد الجيش: هو الرهان ومحط آمال اللبنانيين في الأمن والدفاع عن الارض
  • سلوم: لعدم إستغلال أزمة إنقطاع الدواء للسماح بإدخال الدواء المهرب والمزور إلى لبنان