ما بعد التعاون التركي المصري في الصومال
تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT
عشرة آلاف جندي مصري يصلون الأراضي الصومالية، نصفهم سيكون تحت تصرف بعثة الاتحاد الأفريقي المعنية بحفظ الأمن والاستقرار "أميصوم"، فيما سيتمركز النصف الآخر قريبًا من الحدود الإثيوبية.
الانخراط المصري العسكري في المسألة الصومالية، يعدّ تطورًا بارزًا في السياسة الخارجية المصرية، حيث نأت القاهرة بنفسها عسكريًا منذ عقود، عن مناطق الصراع المشتعلة، إلا ما كان منه ضمن مشاركة أممية أو إقليمية.
فقد شهد هذا العام (2024) زيارتين للرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، للقاهرة، قادتا إلى توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين، اللذين تربطهما علاقات تاريخية قديمة، وتوقيع بروتوكول للتعاون العسكري.
الخطوة المصرية تزامنت مع تحركات تركية جيوستراتيجية في الصومال وفي المنطقة كلها بما في ذلك إثيوبيا، كما سيأتي ذكره.
إرسال القوات المصرية جاء في أعقاب بدء إثيوبيا الملء الخامس لسد النهضة في يوليو/تموز الماضي، والذي من المقرر أن ينتهي في سبتمبر/أيلول الجاري.
الملء الجديد الذي أضاف 23 مليار متر مكعب من الماء، إلى حوالي 41 مليار متر مكعب، تم احتجازها في المراحل السابقة، عمّق الخلافات بين أديس أبابا والقاهرة، ما دفع الأخيرة إلى إرسال رسالة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي، أكدت فيها "رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي".
تثير هذه التطورات في القرن الأفريقي التساؤلات بشأن التعاون المصري التركي في الصومال، وإمكانية أن يكون نواة لتعاون بين البلدين في ملفات حساسة أخرى كالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والأزمة السودانية، والأوضاع في ليبيا.
التموضع التركيقبل الحديث عن التعاون المصري التركي في الصومال، لا بدّ من التطرق إلى الوضع التركي المتميز في كل من الصومال وإثيوبيا.
فقد أولت تركيا منذ وقت مبكر تلك المنطقة الإستراتيجية مزيدًا من العناية والاهتمام، فاستخدمت إمكاناتها العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى قوتها الناعمة لبسط نفوذها، وتعظيم وجودها الحيوي والإستراتيجي.
أعادت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع الصومال في وقت مبكر من الألفية الحالية، وافتتحت أكبر سفارة لها في الخارج في مقديشو، كما أنشأت هناك أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد، وهي تستخدمها للتدريب وإعادة تأهيل الجيش الصومالي، وقوات الأمن، ومساعدة الصوماليين في مواجهة التنظيمات الإرهابية.
وتوجت تلك العلاقات بأكبر اتفاق دفاعي وأمني بين البلدين تم توقيعه العام الجاري، وهو يمكن القوات التركية من مدّ مظلة الحماية على الأراضي والمياه الصومالية، ومنح الشركات التركية تراخيص التنقيب عن الثروة المعدنية في المياه الاقتصادية للصومال.
قال الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، عن هذه الاتفاقية إنها "تهدف إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين البلدين. هذه القوة ستحمي سواحل الصومال ومياهه الإقليمية، وستستثمر في موارده البحرية لمدة عشر سنوات. هذه القوات المشتركة ستعمل فقط لمدة عشر سنوات، وبعد ذلك سيكون لدى الصومال قواته البحرية الخاصة التي ستتولى هذه المهمة".
على الجانب الآخر من الحدود، تحتفظ تركيا بعلاقات إستراتيجية مع إثيوبيا تضرب بجذورها إلى نحو 130 عامًا، وتربط بين البلدين في إطارها عدة اتفاقيات أمنية وعسكرية ومالية متنوعة.
قدمت أنقرة الدعم لأديس أبابا في صراعها ضد المتمردين في إقليم تيغراي، ما دفع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد حينها للقول إن "إثيوبيا لن تنسى أبدًا التعاون الذي قدّمه شعب وحكومة تركيا في الأوقات الحرجة".
هذه العلاقات المتميزة لتركيا مع الغريمَين الصومال وإثيوبيا، مكّنت أنقرة من لعب دور الوسيط بينهما، حيث نجحت في لمّ شمل وزيري خارجية البلدين في جولتين للمفاوضات بشأن إنهاء التوتر، وحلّ الخلافات بين البلدين.
وإلى جانب هاتَين الدولتَين المهمتَين ترتبط تركيا أيضًا مع جيبوتي باتفاقيات عسكرية ومالية.
التعاون التركي المصريوفي ضوء هذا النشاط المكثف لتركيا في منطقة القرن الأفريقي، فإنّ التحركات العسكرية المصرية هناك، لا بدّ أن تكون تمّت بتنسيق بين الدولتين؛ منعًا لتضارب المصالح بينهما، ولا سيما في وقت تشهد فيه علاقتهما صعودًا مطردًا، مع إعادة تفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي المشترك، وزيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنقرة للمرّة الأولى منذ توليه الرئاسة.
في ملفّ تعاون البلدين، يأتي ملف سد النهضة في مقدمة الأولويات، فمنذ وصول القوات المصرية، لم تتوقف التكهنات بشأن إمكانية تحول النزاع المصري الإثيوبي إلى صراع مسلح.
ساعد في ذلك التصريحات الإثيوبية، إذ حذّر بيان رسمي عن خارجيتها "قوى (لم يسمّها) تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهداف قصيرة الأجل، بأنها ستتحمل عواقب وخيمة".
لكن يبقى احتمال نشوب حرب مصرية إثيوبية انطلاقًا من الأراضي الصومالية أمرًا صعبًا، وذلك لأسباب سياسية ولوجيستية. والأهم أن سد النهضة صار واقعًا، يصعب تخيل سهولة تدميره في ظل مساهمة العديد من الدول في تمويله.
من هنا فإن التفاوض بشأن ضمان مصر حصتَها من المياه دون نقصان، يبقى الخيار الأكثر قبولًا ومعقولية، ويبدو أنّ القاهرة أرادت أن يتم ذلك تحت ضغط وجود بعض من قواتها قرب الحدود الإثيوبية.
وهنا تبرز أهمية الدور التركي في تقريب وجهات النظر بين البلدين، بما تملكه من علاقات مميزة معهما.
تتفق كلمة الدولتين، تركيا ومصر، أيضًا، فيما يتعلق بضرورة المحافظة على وحدة وسلامة أراضي الصومال، وعدم الاعتراف بأي محاولات انفصالية من جانب ما يعرف بـ "أرض الصومال" أو "صوماليلاند" التي أعلنت انفصالها في مايو/أيار 1991، ولم تحظَ باعتراف دولي، إلا أنها حظيت باعتراف إثيوبيا التي عينت فيها سفيرًا في أغسطس/آب الماضي.
لذا فإن الصومال ينتظر من الحليفين الكبيرين أن يقوما بدور فعال في التصدي للدعم الإثيوبي للانفصاليين، مقابل تأجير أديس أبابا لميناء بربرة من "أرض الصومال" لأغراض تجارية وعسكرية، وهي الخطوة التي رفضتها القاهرة وأنقرة.
مستقبل التعاون المشتركيعدّ نجاح التعاون التركي المصري في الصومال، نموذجًا أوليًا لما يمكن أن يكون عليه تعاون الدولتَين في العديد من ملفات المنطقة ذات الحساسية العالية.
في مقدمة هذه الملفات، العدوان الإسرائيلي المتواصل والمتصاعد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، الذي وصل إلى درجات غير مسبوقة من التوحّش. فالتنسيق بين الدولتين يجب أن يتجاوز الجانب الإنساني من إيصال مساعدات وغيره، إلى اتخاذ خطوات فعالة في اتجاه إيقاف الحرب، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة.
كما أنّ تفاقم الأوضاع في السودان جراء الصراع المسلح بين القوات الحكومية، وقوات الدعم السريع، يجب أن يحمل الدولتَين على العمل على إيقاف الحرب وإحلال السلام، سواء كان ذلك بجهود ثنائية، أو داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وفي الملف الليبي حيث تتمتع الدولتان بنفوذ واضح، من الضروري التحرك صوب إنهاء الانقسام بين الشرق والغرب، وتوحيد الدولة تحت مظلة حكومة منتخبة.
وأخيرًا، فإن نجاح ذلك التعاون بين البلدين وتناميه سيسهم في إحلال الاستقرار في منطقة تعاني من الفوضى منذ أكثر من عقد من الزمان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بین البلدین فی الصومال
إقرأ أيضاً:
الحرب الروسية الأوكرانية.. وفود البلدين في إسطنبول لحضور محادثات السلام
وصل وفدان من أوكرانيا وروسيا إلى مدينة إسطنبول برفقة كبار المسؤولين الأتراك للمشاركة في الجولة الثانية من محادثات السلام المباشرة، وفقا لما ذكرته وكالة رويترز للأنباء.
وتستضيف مدينة إسطنبول التركية، اليوم الإثنين، الجولة الثانية من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، وسط تصعيد ميداني لافت من الطرفين.
وتأتي هذه الجولة بعد ساعات من هجوم أوكراني بطائرات مسيّرة استهدف أربع قواعد جوية روسية، تزامناً مع أعنف غارات تشنها موسكو على أوكرانيا منذ عام 2022.
وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأوكرانية وصول الوفد الأوكراني إلى إسطنبول لإجراء المحادثات، فيما أشار رئيس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي إلى تسلُّمهم مذكرة تفاهم أوكرانية مكتوبة باللغتين الأوكرانية والإنجليزية بشأن التسوية السلمية.
وستجري الجلسة الرسمية في قصر "تشاراجان" الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت إسطنبول، برئاسة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وبمشاركة رئيس الاستخبارات إبراهيم قالن.
وكانت إسطنبول قد جمعت الوفدين في مايو الماضي لأول مرة منذ ثلاث سنوات. ويشارك في هذه الجولة الفريق الروسي ذاته، بينما تم توسيع الوفد الأوكراني إلى 14 عضواً بقيادة وزير الدفاع رستم عمروف.
وفي الجولة الأولى، توصّل الطرفان إلى اتفاق على تبادل 1000 أسير من كل جانب، واستعرضا مقترحات أولية لوقف إطلاق النار. وأُعلن لاحقاً اكتمال عملية التبادل في 25 مايو.
من جهته، أعرب نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو عن أمل موسكو في تحقيق "نتائج ملموسة" خلال هذه الجولة، مشيراً إلى دعم صيني محتمل لهذا التوجه.
فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف استعداد بلاده لتقديم مذكرة للوفد الأوكراني، بينما شدد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على سرية المواقف التفاوضية.
كما نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر أوكرانية أن وفد كييف يحمل خارطة طريق تتضمن وقفاً لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، تبادل الأسرى، وإعادة الأطفال الأوكرانيين من الأراضي الروسية، وصولاً إلى عقد قمة بين الرئيسين زيلينسكي وبوتين.