الجزيرة:
2025-11-06@02:52:51 GMT

ما بعد التعاون التركي المصري في الصومال

تاريخ النشر: 5th, September 2024 GMT

ما بعد التعاون التركي المصري في الصومال

عشرة آلاف جندي مصري يصلون الأراضي الصومالية، نصفهم سيكون تحت تصرف بعثة الاتحاد الأفريقي المعنية بحفظ الأمن والاستقرار "أميصوم"، فيما سيتمركز النصف الآخر قريبًا من الحدود الإثيوبية.
الانخراط المصري العسكري في المسألة الصومالية، يعدّ تطورًا بارزًا في السياسة الخارجية المصرية، حيث نأت القاهرة بنفسها عسكريًا منذ عقود، عن مناطق الصراع المشتعلة، إلا ما كان منه ضمن مشاركة أممية أو إقليمية.

فقد شهد هذا العام (2024) زيارتين للرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، للقاهرة، قادتا إلى توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين، اللذين تربطهما علاقات تاريخية قديمة، وتوقيع بروتوكول للتعاون العسكري.
الخطوة المصرية تزامنت مع تحركات تركية جيوستراتيجية في الصومال وفي المنطقة كلها بما في ذلك إثيوبيا، كما سيأتي ذكره.

إرسال القوات المصرية جاء في أعقاب بدء إثيوبيا الملء الخامس لسد النهضة في يوليو/تموز الماضي، والذي من المقرر أن ينتهي في سبتمبر/أيلول الجاري.

الملء الجديد الذي أضاف 23 مليار متر مكعب من الماء، إلى حوالي 41 مليار متر مكعب، تم احتجازها في المراحل السابقة، عمّق الخلافات بين أديس أبابا والقاهرة، ما دفع الأخيرة إلى إرسال رسالة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي، أكدت فيها "رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي".

تثير هذه التطورات في القرن الأفريقي التساؤلات بشأن التعاون المصري التركي في الصومال، وإمكانية أن يكون نواة لتعاون بين البلدين في ملفات حساسة أخرى كالعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والأزمة السودانية، والأوضاع في ليبيا.

التموضع التركي

قبل الحديث عن التعاون المصري التركي في الصومال، لا بدّ من التطرق إلى الوضع التركي المتميز في كل من الصومال وإثيوبيا.
فقد أولت تركيا منذ وقت مبكر تلك المنطقة الإستراتيجية مزيدًا من العناية والاهتمام، فاستخدمت إمكاناتها العسكرية والاقتصادية، إضافة إلى قوتها الناعمة لبسط نفوذها، وتعظيم وجودها الحيوي والإستراتيجي.
أعادت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع الصومال في وقت مبكر من الألفية الحالية، وافتتحت أكبر سفارة لها في الخارج في مقديشو، كما أنشأت هناك أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج البلاد، وهي تستخدمها للتدريب وإعادة تأهيل الجيش الصومالي، وقوات الأمن، ومساعدة الصوماليين في مواجهة التنظيمات الإرهابية.

وتوجت تلك العلاقات بأكبر اتفاق دفاعي وأمني بين البلدين تم توقيعه العام الجاري، وهو يمكن القوات التركية من مدّ مظلة الحماية على الأراضي والمياه الصومالية، ومنح الشركات التركية تراخيص التنقيب عن الثروة المعدنية في المياه الاقتصادية للصومال.
قال الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، عن هذه الاتفاقية إنها "تهدف إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين البلدين. هذه القوة ستحمي سواحل الصومال ومياهه الإقليمية، وستستثمر في موارده البحرية لمدة عشر سنوات. هذه القوات المشتركة ستعمل فقط لمدة عشر سنوات، وبعد ذلك سيكون لدى الصومال قواته البحرية الخاصة التي ستتولى هذه المهمة".

على الجانب الآخر من الحدود، تحتفظ تركيا بعلاقات إستراتيجية مع إثيوبيا تضرب بجذورها إلى نحو 130 عامًا، وتربط بين البلدين في إطارها عدة اتفاقيات أمنية وعسكرية ومالية متنوعة.
قدمت أنقرة الدعم لأديس أبابا في صراعها ضد المتمردين في إقليم تيغراي، ما دفع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد حينها للقول إن "إثيوبيا لن تنسى أبدًا التعاون الذي قدّمه شعب وحكومة تركيا في الأوقات الحرجة".

هذه العلاقات المتميزة لتركيا مع الغريمَين الصومال وإثيوبيا، مكّنت أنقرة من لعب دور الوسيط بينهما، حيث نجحت في لمّ شمل وزيري خارجية البلدين في جولتين للمفاوضات بشأن إنهاء التوتر، وحلّ الخلافات بين البلدين.

وإلى جانب هاتَين الدولتَين المهمتَين ترتبط تركيا أيضًا مع جيبوتي باتفاقيات عسكرية ومالية.

التعاون التركي المصري

وفي ضوء هذا النشاط المكثف لتركيا في منطقة القرن الأفريقي، فإنّ التحركات العسكرية المصرية هناك، لا بدّ أن تكون تمّت بتنسيق بين الدولتين؛ منعًا لتضارب المصالح بينهما، ولا سيما في وقت تشهد فيه علاقتهما صعودًا مطردًا، مع إعادة تفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي المشترك، وزيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أنقرة للمرّة الأولى منذ توليه الرئاسة.

في ملفّ تعاون البلدين، يأتي ملف سد النهضة في مقدمة الأولويات، فمنذ وصول القوات المصرية، لم تتوقف التكهنات بشأن إمكانية تحول النزاع المصري الإثيوبي إلى صراع مسلح.
ساعد في ذلك التصريحات الإثيوبية، إذ حذّر بيان رسمي عن خارجيتها "قوى (لم يسمّها) تحاول تأجيج التوتر لتحقيق أهداف قصيرة الأجل، بأنها ستتحمل عواقب وخيمة".

لكن يبقى احتمال نشوب حرب مصرية إثيوبية انطلاقًا من الأراضي الصومالية أمرًا صعبًا، وذلك لأسباب سياسية ولوجيستية. والأهم أن سد النهضة صار واقعًا، يصعب تخيل سهولة تدميره في ظل مساهمة العديد من الدول في تمويله.

من هنا فإن التفاوض بشأن ضمان مصر حصتَها من المياه دون نقصان، يبقى الخيار الأكثر قبولًا ومعقولية، ويبدو أنّ القاهرة أرادت أن يتم ذلك تحت ضغط وجود بعض من قواتها قرب الحدود الإثيوبية.
وهنا تبرز أهمية الدور التركي في تقريب وجهات النظر بين البلدين، بما تملكه من علاقات مميزة معهما.

تتفق كلمة الدولتين، تركيا ومصر، أيضًا، فيما يتعلق بضرورة المحافظة على وحدة وسلامة أراضي الصومال، وعدم الاعتراف بأي محاولات انفصالية من جانب ما يعرف بـ "أرض الصومال" أو "صوماليلاند" التي أعلنت انفصالها في مايو/أيار 1991، ولم تحظَ باعتراف دولي، إلا أنها حظيت باعتراف إثيوبيا التي عينت فيها سفيرًا في أغسطس/آب الماضي.

لذا فإن الصومال ينتظر من الحليفين الكبيرين أن يقوما بدور فعال في التصدي للدعم الإثيوبي للانفصاليين، مقابل تأجير أديس أبابا لميناء بربرة من "أرض الصومال" لأغراض تجارية وعسكرية، وهي الخطوة التي  رفضتها القاهرة وأنقرة.

مستقبل التعاون المشترك

يعدّ نجاح التعاون التركي المصري في الصومال، نموذجًا أوليًا لما يمكن أن يكون عليه تعاون الدولتَين في العديد من ملفات المنطقة ذات الحساسية العالية.
في مقدمة هذه الملفات، العدوان الإسرائيلي المتواصل والمتصاعد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، الذي وصل إلى درجات غير مسبوقة من التوحّش. فالتنسيق بين الدولتين يجب أن يتجاوز الجانب الإنساني من إيصال مساعدات وغيره، إلى اتخاذ خطوات فعالة في اتجاه إيقاف الحرب، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة.

كما أنّ تفاقم الأوضاع في السودان جراء الصراع المسلح بين القوات الحكومية، وقوات الدعم السريع، يجب أن يحمل الدولتَين على العمل على إيقاف الحرب وإحلال السلام، سواء كان ذلك بجهود ثنائية، أو داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

وفي الملف الليبي حيث تتمتع الدولتان بنفوذ واضح، من الضروري التحرك صوب إنهاء الانقسام بين الشرق والغرب، وتوحيد الدولة تحت مظلة حكومة منتخبة.

وأخيرًا، فإن نجاح ذلك التعاون بين البلدين وتناميه سيسهم في إحلال الاستقرار في منطقة تعاني من الفوضى منذ أكثر من عقد من الزمان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بین البلدین فی الصومال

إقرأ أيضاً:

وزير الصحة يلتقي رئيس جمهورية ألبانيا لبحث آفاق التعاون الصحي بين البلدين

التقى الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، فخامة الرئيس باجرام بيجاي رئيس جمهورية ألبانيا، لبحث سبل دعم وتعزيز التعاون الثنائي في القطاع الصحي، بحضور السيد سامي شيبا سفير جمهورية ألبانيا في مصر.

بتكلفة تتجاوز 50 مليون جنيه.. تشغيل وحدتي "الحروق المتكاملة" و"المناظير والجهاز الهضمي" بمجمع الأقصر الطبي الدولي "في إنتظار زيارتك القادمة".. ليلة ترحيب بملكة الدنمارك في مصر بحضور يسرا وزيدان (تفاصيل) وزير الصحة: التعاون مع مستشفى جوستاف روسي الفرنسي نقلة مهمة للقطاع الصحي في مصر وزير الصحة يكشف عن قيمة الإنفاق السنوي على علاج الأورام (تفاصيل) وزير الصحة: مستشفى "دار السلام هرمل" أجرى 81 عملية زرع نخاع خلال 5 أشهر كلمات ضحكتني أنا وزوجي.. أول تعليق من السبرانو شيرين أحمد على اتهامها بدعم "المثليين" "الصحة" تحذر.. 3 فئات معرضة للوفاة بسبب مضاعفات الإنفلونزا (تعرف عليهم) مهم للأمهات الجدد.. "الصحة" تكشف أسرار زيادة إدرار لبن الأم بطريقة طبيعية "الصحة" تقدم نصائح مهمة للتغلب على التوتر والقلق آمال ماهر تطرح أحدث أغانيها الجديدة "خذلني".. قريبا

رحب الدكتور عبدالغفار بفخامة الرئيس الألباني، موكداً أهمية تبادل الخبرات والتجارب الناجحة كركيزة أساسية لتعزيز جودة الخدمات الصحية وتحقيق الأمن الصحي المشترك، وأعرب عن تطلع مصر لتعميق التعاون مع الجانب الألباني في مجالات تدريب الكوادر الطبية، والتحول الرقمي للخدمات الصحية، والسياسات الصحية، والتصنيع الدوائي.

وأشار إلى حرص الوزارة على الإسراع في استكمال إجراءات توقيع مذكرة التفاهم بين وزارتي الصحة في البلدين، تمهيداً لإطلاق برامج تنفيذية مشتركة تعود بالنفع على الشعبين وتعزز العلاقات المصرية الألبانية في المجال الصحي.

 

استعرض الدكتور خالد عبدالغفار جهود الوزارة في التعامل مع تداعيات الأزمة الفلسطينية، واستقبال الجرحى والمصابين من قطاع غزة، وتقديم الخدمات الطبية العاجلة داخل المستشفيات المصرية، وأكد أن مصر تعاملت مع الأزمة بجاهزية كاملة، من خلال رفع درجة الاستعداد في المنشآت الصحية، وتوفير الأطقم الطبية والأدوية والمستلزمات، إلى جانب دعم منظومة الإجلاء الطبي ونقل الحالات الحرجة إلى مستشفيات شمال سيناء والقاهرة ومحافظات الدلتا.

من جانبه، أعرب فخامة الرئيس باجرام بيجاي عن تقديره للخبرات المصرية المتطورة في الرعاية الصحية والدواء، موكداً أن التعاون مع مصر يمثل قيمة استراتيجية لألبانيا بفضل قدراتها المتميزة وبنيتها الصحية الحديثة.

 

ولفت إلى تطلع بلاده لبناء علاقة صحية مستدامة قائمة على الشراكة وتبادل الخبرات، خاصة في برامج التدريب وتطوير نظم التأمين الصحي، مشيداً بالتطور اللافت الذي حققته مصر في القطاع الصحي خلال السنوات الأخيرة.

 

أوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي للوزارة، أن الاجتماع تناول التعاون في مكافحة الأمراض السارية وغير السارية، والاستفادة من التجربة المصرية في تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل، والتحول الرقمي للخدمات الطبية، وبرامج تدريب الأطقم الطبية الألبانية، إلى جانب تصنيع اللقاحات والمستحضرات البيولوجية وتوطين الصناعات الدوائية.

 

وأضاف أن الجانبين أكدا أهمية تشكيل مجموعة عمل مشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات، وتفعيل برامج التعاون في مجالات الطوارئ الصحية، والصحة العامة، والرعاية الأولية، والبحث العلمي.

 

وأكد عبدالغفار أن اللقاء يأتي تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية بدعم الشراكات الصحية الدولية، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات الطبية وتحقيق التنمية المستدامة في البلدين.

 

حضر الاجتماع الدكتور بيتر وجيه مساعد الوزير للطب العلاجي، والدكتور محمد عبدالحكيم رئيس الإدارة المركزية للشئون العلاجية.

مقالات مشابهة

  • جلالة السُّلطان وملك إسبانيا يؤكّدان على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين
  • مرقص استقبل الحسن ووفدًا ليبيًا في إطار تعزيز التعاون بين البلدين
  • قبلان عرض الاوضاع وسبل التعاون مع السفير التركي
  • وزيرا داخلية تركيا وبريطانيا يبحثان التعاون بين البلدين
  • ولي العهد السعودي وملك ماليزيا يبحثان تعزيز التعاون بين البلدين
  • وزير الصحة يلتقي رئيس جمهورية ألبانيا لبحث آفاق التعاون الصحي بين البلدين
  • الدبيبة يبحث مع السفير التركي مستجدات الأوضاع وتعزيز التعاون
  • فريق الخبراء لمجلس الأمن: تعاون الحوثيين مع التنظيمات الإرهابية في الصومال يُهدد أمن المنطقة
  • الحجار بحث مع الشيباني في سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين
  • العراق وتركيا يؤكدان على تعزيز التعاون القضائي بين البلدين