كيف مرّ الاقتحام الإسرائيلي الأطول على كتيبة جنين؟
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
جنين– في الساعات الأولى بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من مخيم جنين شمال الضفة الغربية، أمس الجمعة، انشغل (ف غ) المقاوم من كتيبة جنين -وبقية أفراد مجموعته- في وداع رفاقهم الشهداء، وتفقّد عائلاتهم، ثم التجوّل في المخيم، ومراجعة أحداث أيام الاقتحام العسكري الأطول والأوسع منذ الاجتياح في الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وبعد 10 أيام من المواجهة والتصدي، كانت عملية الانسحاب نفسها هي الأصعب كما روى المقاوم (ف غ) للجزيرة نت "لأنها بالعادة لحظات يحاول الاحتلال فيها تحقيق أية غنيمة" من خلال تكثيف النار والدمار.
وبخبرته كمقاوم يعمل تحت إمرته 14 عنصرا من الكتيبة، عليه توفير الحماية لهم لحظات الانسحاب، وأن يراعي أقصى درجات الحيطة والحذر "لأن الجيش الإسرائيلي اعتاد الغدر، فإما أن يقصف بالمسيّرات أو أن يعمل على إطلاق الرصاص بكثافة كبيرة وبطريقة عشوائية، مما قد يوقع إصابات بين المقاومين في الخطوط الخلفية".
ويضيف "صرنا أكثر حذراً وتأنيا، نتأخر في الخروج، حتى نتأكد من انسحاب آخر جندي من كل حارات المخيم، بل حتى نتأكد من ابتعاد الآليات العسكرية عن مدينة جنين كلها".
ومع تكرار الاقتحامات الإسرائيلية العنيفة، بنت مجموعات المقاومة في مخيم جنين خبرتها بشكل تراكمي على مدى 3 سنوات. ويقول أفرادها إن قدرتهم على التخفي صارت أكبر، وإن أساليب المواجهة اختلفت.
فالمجموعة التي بدأت بعدد محدود لا يتجاوز 25 مقاوما، يحمل كل واحد منهم سلاحاً شخصياً. وأعلنت انطلاقها في مخيم جنين بعد عمليات إطلاق نار على الحواجز العسكرية المحيطة بالمدينة، وأخذت تكبر مع توالي الأحداث حتى باتت من أقوى التنظيمات الفلسطينية المسلحة شمال الضفة الغربية. وتضاعف عدد المنتسبين لها عشرات المرات، وتمددت جغرافياً حتى وصلت إلى قرى أقصى غرب جنين.
ويقول (ف غ) "أنا مسؤول عن 14 شاباً، وغيري مسؤول عن عدد مماثل، وغيرنا عن عدد أكبر. وانتشرت فكرة الكتيبة، وازداد انضمام المقاومين إليها بسبب فعلها على الأرض، ولإيمان الشباب بجدوى ما نقوم به".
وبين لحظة وأخرى، كان المقاوم الذي خرج من معركة طويلة يأخذ نظرة على جهازه اللاسلكي، ويتتبع الإشارات الواردة من مجموعات الرصد في الكتيبة، ومن خلالها يعرف حركة الطائرات في سماء المدينة، وتحرك الآليات العسكرية على الحواجز.
وبعد حديثه القصير للجزيرة نت، قال إن عليه الاستعجال لأن صوت طائرات الاستطلاع اشتد، مما ينذر بخطر عليه وعلى بقية المقاومين.
أيام صعبة
وخلال حديثه مع الجزيرة نت، روى (ف غ) تفاصيل أيام الاجتياح والحصار العشرة التي مرّت على جنين ومخيمها، وما عايشه المقاومون في تلك الفترة من اشتباك مباشر في كثير من الأحيان، واستدراج للجنود في أحيان أخرى، وتفجير عبوات ناسفة في الآليات العسكرية التي كانت تحاول التوغل في شوارع المدينة وحارات المخيم.
ويقول المقاوم في الكتيبة "عشنا الحصار كبقية أهالي المخيم والحي الشرقي للمدينة، بدون ماء ولا كهرباء، وكانت أياماً صعبة لكن عملنا بما يلزم، وامتد الاشتباك إلى خارج المخيم في عدة محاور داخل المدينة، وكذلك إلى خارج المدينة في بلدتي كفردان وسيلة الحارثية، وأوقعنا العدو في كمائن محكمة، وفجرنا عبوات جديدة وبفعالية كبيرة".
ويضيف "كان هدف الاحتلال الوصول إلى أكبر عدد من المقاومين، وقتلهم، لا ننكر أننا خسرنا من خيرة شبابنا، لكن لم نفقدهم من خلال الاشتباك، بل بالقصف. ولو كان المحتل يحتمل المواجهة المباشرة لما أرسل طائرات مسيّرة لتفجير المقاومين".
وتمكن المقاتلون من الصمود لأيام، وكانت الأخبار التي ترد من المخيم تؤكد إصابة أهداف إسرائيلية. ويرى أفراد الكتيبة أنه من خلال قدراتهم المحدودة، واجهوا جيشاً منظماً وبأعداد كبيرة، لذا يعتبرون ما حدث نوعا من "الصمود والإنجاز".
ويقول (في غ) "تمكنّا من إعطاب آليات للعدو بعد تفجيرها بالعبوات الناسفة التي صنعناها بأنفسنا، وسمع الكل بكمين الدمج الذي اعترف فيه الاحتلال بمقتل أحد جنوده. لقد واجه شابان من المقاومين قوة إسرائيلية كاملة واشتبكوا معهم من مسافة الصفر، ولم يتمكن الاحتلال منهم إلا بعد ضرب المنزل بقذائف إنيرجا".
ويضيف "خضنا مرحلة من مراحل المواجهة هذه المرة، ومستعدون لمراحل أخرى في حال عاد العدو إلينا".
"مخيمات رعب"وكانت هذه الرواية من المرات القليلة التي تحدّث فيها المقاومون من كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، خلال مسيرات تشييع الشهداء، حيث يحرصون على الوجود فيها، وسرعان ما يختفي أثرهم، بعد انتهاء الدفن.
ويقول (ف غ) "حتى وإن كانت هذه مخاطرة، لكن لا بد أن نودع رفاقنا، وأن نزفهم ونكرّمهم".
وكان هذا المقاوم يؤمّن في الوقت نفسه المراقبة لأحد أبرز قادة الكتيبة الموجود في المقبرة تزامناً مع تشييع الشهداء، ويُرتّب أيضاً تصريحاته المقتضبة والسريعة مع الصحفيين.
ويمكن للناظر أن يلحظ التفاف الناس حول المقاومين وقادتهم، فالكل يبادر للسلام عليهم والاطمئنان عليهم.
وعلى بوابة المقبرة وقبل مغادرته، حيث يحظر على الإعلام مقابلته بعد ذلك، تحدث (أ ع) أحد أكبر وأبرز قادة كتيبة جنين -للجزيرة نت- عن حال الكتيبة بعد معركة تُعد الأطول التي يخوضها المقاومون في مخيم جنين منذ تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية عام 2021.
ويقول (أ ع) "سموها مخيمات صيفية، وأسميناها مخيمات رعب على الاحتلال". ويضيف "نحن بخير.. فقدنا مجاهدين أبطالا شرسين، لكن العدو أيضا خسر، والحالة بيننا وبينهم كر وفر، كل مجاهد يستشهد يدخل مقابله 10 مجاهدين. وعلى العدو أن يفصح عن خسارته في هذه المعركة".
وختم برسالة "نقول لمحور المقاومة وإخوتنا في غزة ولبنان وباقي مدن الضفة، نحن على الطريق نفسه، ونحن بخير ومستمرون".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات کتیبة جنین مخیم جنین من خلال
إقرأ أيضاً:
ما المساعدات التي دخلت قطاع غزة؟ ومن المستفيد منها؟
غزة- أعلن الجيش الإسرائيلي، أول أمس السبت، أنه بدأ بتوجيهات من المستوى السياسي سلسلة عمليات لتحسين الاستجابة الإنسانية في قطاع غزة، بإسقاط المساعدات من الجو وتحديد ممرات إنسانية يسمح عبرها لقوافل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالتحرك الآمن بغرض إدخال المواد الغذائية والأدوية.
ويأتي الإعلان الإسرائيلي مع اشتداد التجويع الذي يعصف بأكثر من مليوني فلسطيني في غزة بعد مرور 5 أشهر على إغلاق إسرائيل المحكم لمعابر القطاع، ومنع دخول إمدادات الغذاء والدواء.
وتجيب الأسئلة التالية على تفاصيل التجويع التي يعيشها سكان غزة، وآليات إدخال المساعدات التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكميات المواد الغذائية التي يحتاجها القطاع يوميا.
كيف تعمقت المجاعة في قطاع غزة؟
منذ 2 مارس/آذار الماضي، أغلق الاحتلال الإسرائيلي جميع معابر قطاع غزة منقلبا بذلك على اتفاق التهدئة الموقع في 18 يناير/كانون الثاني، والذي نص على إدخال 600 شاحنة مساعدات و50 شاحنة وقود يوميا إلى قطاع غزة.
ومنذ ذلك الحين، اعتمد سكان القطاع على المواد الغذائية التي كانت لديهم، والتي بدأت تنفد تدريجيا من الأسواق، حتى انتشر التجويع بين السكان وظهرت عليهم علامات وأمراض سوء التغذية سيما مع نقص المواد الأساسية من مشتقات الحليب واللحوم والدواجن والخضراوات، كما طال المنع الأدوية ومستلزمات النظافة الشخصية.
وأدى التجويع إلى وفاة 133 فلسطينيا، بينهم 87 طفلا، حسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة، بعدما منع الاحتلال منذ ذلك الوقت -وحتى الآن- إدخال أكثر من 80 ألف شاحنة مساعدات ووقود.
كيف عادت المساعدات إلى غزة؟في 27 مايو/أيار الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتماد آلية جديدة لتوزيع المساعدات تعتمد على "مؤسسة غزة الإنسانية" الممولة أميركيا ويديرها ضباط خدموا في الجيش الأميركي، وافتتحت نقطة توزيع في المناطق الغربية لـرفح التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ومن ثم أقيمت نقطة أخرى في ذات المدينة، وبعدها نقطة ثالثة في محور نتساريم وسط قطاع غزة الخاضع لسيطرة جيش الاحتلال أيضا.
إعلانوأبقت المساعدات الأميركية سكان غزة في دوامة المجاعة، ولم تحدث تغييرا على واقعهم المعيشي الصعب لعدة أسباب:
تقام نقاط التوزيع في مناطق خطيرة "مصنفة حمراء" ويسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. لا يوجد آلية معتمدة بتوزيع المساعدات، ويغيب أي قاعدة بيانات للقائمين عليها، وتترك المجال للجوعى للتدافع والحصول على ما يمكنهم، دون عدالة في التوزيع. يضع القائمون على هذه المراكز كميات محدودة جدا من المساعدات لا تكفي لمئات الأسر الفلسطينية، وتبقي معظم سكان القطاع بدون طعام. ساهمت مراكز التوزيع الأميركية بنشر الفوضى وتشكيل عصابات للسطو عليها ومنع وصول المواطنين إليها. يتعمد الجيش الإسرائيلي إطلاق النار على الذين اضطروا بسبب الجوع للوصول إلى هذه المراكز، مما أدى لاستشهاد أكثر من 1100 فلسطيني من منتظري المساعدات، وأصيب 7207 آخرون، وفقد 45 شخصا منذ إنشائها، حسب وزارة الصحة بغزة. أغلقت المؤسسة الأميركية نقطتي توزيع خلال الأيام الماضية، وأبقت على واحدة فقط غربي رفح، مما فاقم أزمة الجوع.
وفي 28 مايو/أيار الماضي، أعلن جيش الاحتلال أنه سيسمح بإدخال المساعدات إلى غزة عبر المعابر البرية التي يسيطر عليها، وذلك عقب الاتفاق بين أميركا وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) القاضي بإطلاق سراح الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر مقابل السماح بتدفق المساعدات للقطاع.
ومنذ ذلك الحين، لم يلتزم جيش الاحتلال بالاتفاق، وسمح بمرور غير منتظم وبعدد شاحنات محدود جدا عبر معبر كرم أبو سالم جنوب شرق قطاع غزة، ومنفذ زيكيم شمال غرب القطاع، ومحور نتساريم وسط غزة، لكن الاحتلال:
يرفض وصول المساعدات إلى المخازن، ويمنع توزيعها عبر المؤسسات الدولية. يستهدف عناصر تأمين المساعدات بشكل مباشر، مما أدى لاستشهاد 777 شخصا، واستهداف 121 قافلة مساعدات منذ بداية الحرب. يريد البقاء على حالة الفوضى واعتماد المواطنين على أنفسهم في التدافع للحصول على القليل من الطعام، وفي معظم الأحيان يفشلون في ذلك. يستدرج المواطنين لمصايد الموت، ويطلق النار عليهم.بعد ارتفاع الأصوات المنادية بضرورة وقف تجويع سكان قطاع غزة والضغط الذي مارسته المؤسسات الدولية، والتحرك الشعبي سواء العربي أو الأوروبي الرافض لمنع دخول المواد الغذائية، أعلن الجيش الإسرائيلي، أول أمس السبت، السماح بإدخال المساعدات بما فيها تلك العالقة على الجهة المصرية من معبر رفح والسماح بمرورها عبر معبر كرم أبو سالم.
ورغم أن الاحتلال حاول إظهار أنه سمح لتدفق المساعدات بكميات كبيرة، إلا أن قراره جاء لامتصاص الغضب المتصاعد، وذلك ما تؤكده الكميات المحدودة جدا التي سمح بإدخالها إلى قطاع غزة، أمس، واقتصرت على 73 شاحنة فقط دخلت من معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة، ومنفذ زيكيم شماله، و3 عمليات إنزال جوي فقط بما يعادل أقل من حمولة شاحنتين.
من يستفيد من المساعدات الواردة لغزة؟مع رفض الاحتلال الإسرائيلي عمليات تأمين وصول المساعدات إلى مخازن المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة، وتعمده إظهار مشاهد الفوضى بين الفلسطينيين، يتجمع مئات الآلاف من المواطنين يوميا أمام المنافذ البرية التي تدخل منها المساعدات، وكذلك مراكز التوزيع الأميركية رغم خطورة ذلك على حياتهم، ويتدافعون بقوة على أمل الحصول على أي من المساعدات الواردة، ويضطرون لقطع مسافات طويلة مشيا على الأقدام في سبيل ذلك.
إعلانوأفرزت هذه الحالة التي يعززها الاحتلال الإسرائيلي ظهور عصابات للسطو على المساعدات وبيعها في الأسواق بأسعار مرتفعة.
تُقدر الجهات المختصة حاجة قطاع غزة من المساعدات بـ600 شاحنة يوميا، و500 ألف كيس طحين أسبوعيا، و250 ألف علبة حليب شهريا للأطفال لإنقاذ حياة 100 ألف رضيع دون العامين، بينهم 40 ألفا تقل أعمارهم عن عام واحد، مع ضرورة السماح بتأمينها ووصولها للمؤسسات الدولية بهدف توزيعها بعدالة على سكان القطاع، والسماح بإدخال البضائع للقطاع الخاص التي توفر جميع المواد والسلع التي يحتاجها الفلسطينيون يوميا.