الثورة نت:
2025-06-21@06:53:27 GMT

المولد والنسق القيمي

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

 

 

في حياة الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام محطات لم يقف عندها الفكر متأملا أو متبصرا كالهجرة مثلا، فالهجرة لم تكن إلا انتقالا من حال دل عليه المكان بكل دلالاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولذلك غفل الفكر العربي عن تفسير الحالة تفسيرا منطقيا يتسق ورسالة الإسلام كرسالة سماوية خاتمة للبشرية، ذلك أن إيماننا المطلق بالله يرى أن الله قادر أن يزرع المحبة في قلوب كفار قريش ويجعل منهم أمة تتقبل الرسالة وتبشر بها العالم من حولها، لكن حدث العكس، فقد كانت قريش بكل مدلولات المكانة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بيئة طاردة للرسالة وغير قابلة للتحولات وحالات الانتقال التي يحملها الرسول الأكرم للبشرية، لذلك كانت الهجرة تعبيرا عن المناخ الملائم للإسلام بدلالة اسم المكان الجديد « المدينة « وتعبيرا عن رفض المحمول الثقافي للقرية، ومثل ذلك ثابت بالنص، فالقرآن حين يتحدث عن مكة فهو لا يتجاوز ملفوظ القرية إلى غيره، وحين يتحدث عن يثرب كمكان جديد حاضن للرسالة المحمدية فهو يسميها بالمدينة، وفي ذلك دلالة حضرية ذات بعد نظري عميق لم يقف عنده أرباب المذاهب ولا علماء الكلام كما وقفوا عند باب الطهارة والنجاسة وباب النكاح .


ما يميز الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام هو التزامن مع فكرة التغيير والبناء والوعي بضرورات الإصلاح، فالإصلاح نسق فكري ثقافي حضاري تقدم عليه الأمم لإنجازه بخطاب وتقنيات ومعطيات قادرة على التفاعل مع الواقع لا القفز على شروطه الموضوعية وقادرة على فرض طابعها الخاص الذي تتسم به المرحلة أو يتسم به المستوى الحضاري الحديث .
ما يحدث اليوم في عموم الجغرافيا اليمنية هو عملية ثقافية تحفيزية تهدف إلى إكساب المجتمع هوية إيمانية مضافة وهي تعتمد اعتمادا متزايدا على مختلف الجماعات بهدف الوصول للوحدة المشتركة أو الإحساس بها في ظل ما يتعرض له الإسلام من هجوم ومن تشويه متعمد ويحمل شلال الإيحاء المتدفق من بين حروفها مشروعا نهضويا كبيرا يصنع من الفكرة الدينية مشروعا سياسيا واعيا وقادرا على إحداث التحولات وتحريك عجلتها، وهذا ما تدل عليه رموز وإشارات خطاب السيد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي.
ولا بد من التأكيد على فكرة أن رسالة الإسلام جاءت لتستكمل البعد القيمي والأخلاقي عند البشر بعد أن بلغت الرسالات كمالها في الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولذلك عبر الرسول الأكرم عن ذلك بقوله: « إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق « بل مدح الله رسوله في محكم الذكر الحكيم بقوله : وإنك لعلى خلق عظيم « في إشارة إلى حالة التكامل التي أرادها الله كما تشير آخر آية نزلت على الرسول الأكرم وهي قوله تعالى : « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» .
هذا البعد القيمي والأخلاقي غاب عن البحث والتنظير والتأصيل في مسارنا الثقافي التاريخي، بل لم يتم التأليف فيه إلا نادرا قديما وحديثا، والسؤال الأخلاقي أثاره وبسط عنه القول الجابري في مشروعه النقدي «نقد العقل العربي « وفصل القول عنه في كتابه « العقل الأخلاقي العربي « .
ولعلنا نستبين الخلل البنيوي في مسارنا الثقافي والسياسي من خلال هذا الغياب أو التغييب، فالإسلام الذي هدم منظومة الثقافات الكبرى في زمنه، وهي الثقافة الفارسية والرومانية، والثقافة الفارسية هي ثقافة وثنية « مجوسية « لا تلتقي مع الإسلام في نقاط، بعكس الثقافة الرومانية التي تشترك في كثير من محدداتها مع الإسلام، ولذلك حاولت الثقافة الفارسية مقاومة عوامل الفناء من خلال إعادة إنتاج نفسها في الثقافة الإسلامية فتركت أثرا واضحا في نظرية الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وفي اللغة والآداب، وفي الحياة الاجتماعية، والقارئ لكتب الأخبار كـ»العقد الفريد « لابن عبد ربه، و «أخبار الزمان « للمسعودي، وغيرهما، يكتشف ذلك الأثر للثقافة الفارسية، كما يكتشف الرؤية المنهجية التي حاولت صرف العقل العربي عن الغوص في نظرية الأخلاق العربية وهو بالتالي تعبير عن انحراف في مسار الرسالة المحمدية وقد كان من نتائج ذلك حالة الهوان والضعف التي وصل إليها العقل العربي والمجتمع العربي منذ العصر العباسي الثاني إلى اليوم .
ولذلك فالاحتفاء بالرسول الأكرم لا بد أن يكون بعثا وبحثا وتحقيقا وتصويبا للمسارات ، ويفترض بنا أن نحاكم التاريخ ونحاكم واقعنا محاكمة عادلة لنعيد ترتيب نسقنا، ونعيد بناء الحيوات وفق قيم ومبادئ الإسلام لا غيره ووفق المستوى الحضاري والفكري للبشرية، فالإسلام رسالة متجددة وليس قالبا جامدا، وهو فكرة ثورية، والفكرة الثورية التي قادها الرسول الأكرم أحدثت تحولا وتبدلا ما زال يذهل المفكرين إلى اليوم والذين جعلوا الإسلام كهنوتا وحالة تسلط جماعات على أخرى تأثرا بما دخل على الإسلام من ثقافات لم يفلحوا بل ساهموا في تراجع فكرة الثورة وأثرها في واقع البشر بل كانوا سببا جوهريا ومباشرا في حالة التخلف والتراجع الحضاري للعرب والمسلمين وهو حال من الذل والهوان يعانونه اليوم كما هو مقروء في الواقع .

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

داعية بنغلاديش البارز.. سيرة الشيخ دلوار سعيدي بين المنبر والبرلمان

الشيخ دلوار حسين سعيدي عَلَمٌ من أعلام الدعوة، ومفسِّر بارع، وخطيب مفوَّه، وسياسي محنَّك، وقائد حكيم. اجتمعت فيه صفات القيادة والبيان، فكان من أعمدة الخطابة الإسلامية في بنغلاديش والعالم الإسلامي.

امتدّ أثره وتجاوزت شهرته حدود الوطن، فبلغ صدى كلماته آفاق العالم، وتردد اسمه في مشارق الأرض ومغاربها، ولا سيما في أوساط الجاليات البنغالية المقيمة في الخارج. نال محبةً وتقديرًا واسعين بين أبناء الجالية في الجزيرة العربية وسائر البلدان؛ فكان حيثما حلّ ناصحًا مخلصًا، وموجِّهًا أمينًا، يحمل رسالة الدعوة والوعظ، ويغرس القيم والمبادئ في القلوب.

كان الشيخ سعيدي من الخطباء الذين تركوا أثرًا لا يُمحى، وذكرى عطرة في نفوس من عرفوه وسمعوه. جمع بين فصاحة اللسان، وصدق البيان، وحرارة الإيمان، فكان أحد أبرز الرموز الدعوية في عصره، وأحد القلائل الذين تصنعهم المبادئ وتخلّدهم الرسالة.

مولده ونشأته

وُلد الشيخ دلوار حسين سعيدي، العالم الرباني والخطيب اللامع، في محافظة فيروزبور، إحدى حواضر الإقليم الجنوبي من بنغلاديش، عام 1940م، إبان الحكم البريطاني للبلاد. نشأ في بيت عُرف بالعلم والتقوى، في كنف والده الشيخ يوسف سعيدي، الخطيب المفوَّه والداعية الملهم، الذي عمّ صوته جنبات الجنوب داعيًا إلى الله ومذكّرًا بالحق.

نشأ الشيخ دلوار في بيئة طاهرة، وتربى في أجواء روحانية عابقة بنفحات الإيمان، وتفتحت مداركه في رحاب الدعوة والخطابة والموعظة.

بدأ الشيخ دلوار رحلته العلمية في مدرسة أسسها والده، الذي استلهم من روح عصره همّة التأسيس وغرس بذور العلم في البيئة الأولى. ثم التحق بمدرسة "سار سينا العالية الإسلامية"، حيث درس بجدّ واجتهاد حتى تخرّج فيها عام 1962م.

كان للشيخ سعيدي دورٌ محوريٌّ في مواجهة الفتن والانحرافات العقدية، وعلى رأسها فتنة القاديانية، التي ظهرت أولى بوادرها عام 1882م. فكان من أوائل من تصدوا لها، وفضحوا زيفها، داعيًا إلى تحصين الأمة منها. ألف كتابًا بعنوان "القاديانية طائفة كافرة"، ضمن فيه الحجج العلمية والدينية التي تدحض هذه النحلة المارقة.بعد إتمامه الدراسة النظامية، انكبّ على تحصيل العلم ذاتيًا، غائصًا في بحار علوم الحديث والتفسير والفقه، وباحثًا عن جوهر الحقيقة ونقاء المنهج. لم يقتصر على العلوم الشرعية، بل اطّلع أيضًا على العلوم السياسية والاقتصادية، ودرس العلاقات الدولية، واللغات، والعقائد المختلفة، ليُصوغ رؤية إسلامية نابضة بالحياة ومنسجمة مع مقتضيات العصر.

خلال خمس سنوات من الجهاد العلمي، تعلّم عدة لغات حيّة: العربية، البنغالية، الأردية، والإنجليزية، مما أتاح له نافذة واسعة على الفكر الإنساني، وفتح أمامه آفاقًا للحوار مع المدارس الفكرية المتنوعة.

أنشطته الدعوية

انطلقت المسيرة الدعوية للشيخ دلوار سعيدي عام 1967م، حاملاً على عاتقه رسالة الإسلام الخالدة، ساعيًا بكل ما أوتي من علم وإخلاص إلى إعلاء كلمة الله، وإحياء شعائر الدين في أرض البنغال.

أجمع أبناء الأمة البنغالية على أنه كان رمزًا من رموز الصحوة الإسلامية، وصوتًا يُوقظ العقول، ويُلهب القلوب، ويؤسس لمشروع نهضوي أصيل، يستمد روحه من مقومات الأمة وأمجادها، ويستشرف مستقبلها بوعي وبصيرة.

سخّر حياته للدعوة، متنقلاً بين المنابر والمحافل، ناشرًا نور العلم، ومربّيًا ومرشدًا ومصلحًا. لم يكن خطيبًا منعزلاً، بل كان من رجال الميدان، يسير في مقدمة الصفوف، لا يلين أمام الشدائد، ولا يتراجع في وجه الباطل.

دعا إلى شمول الإسلام، وألهم الناس بضرورة الالتفاف حول رايته الجامعة، مذكّرًا بأن الإسلام ليس طقوسًا جامدة، بل منهاج حياة، ونظام رباني يُنظّم شؤون الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء.

مواقفه في مواجهة الانحراف والعدوان

كان للشيخ سعيدي دورٌ محوريٌّ في مواجهة الفتن والانحرافات العقدية، وعلى رأسها فتنة القاديانية، التي ظهرت أولى بوادرها عام 1882م. فكان من أوائل من تصدوا لها، وفضحوا زيفها، داعيًا إلى تحصين الأمة منها. ألف كتابًا بعنوان "القاديانية طائفة كافرة"، ضمن فيه الحجج العلمية والدينية التي تدحض هذه النحلة المارقة.

كما كان له موقف جريء في مواجهة العدوان الهندي على المسلمين البنغاليين، فندد بقتلهم على الحدود، واحتج على بناء السدود الجائرة، وأدان بشدة هدم المسجد البابري على أيدي الهندوس المتعصبين.

انخراطه في العمل السياسي

في عام 1979م، انضم الشيخ سعيدي إلى الجماعة الإسلامية البنغلاديشية، مؤمنًا بأن العمل الجماعي المنظم هو السبيل إلى النهضة. وكان يرى أن الجماعة امتدادٌ لفكر الإمام أبو الأعلى المودودي، ومشروعها لا يقتصر على السياسة، بل هو دعوة لإقامة الدين على كافة المستويات.

كان له دور بارز في ترسيخ دعائم الجماعة، وتنشيط ميادينها الدعوية والتنظيمية. حضر الاجتماعات، وشارك في المؤتمرات، وكان صوته داعمًا ومحفزًا في كل موقع.

وفي المجال السياسي، انتُخب نائبًا في البرلمان الوطني مرتين، عن دائرة بيروج بور، وحقق فوزًا كاسحًا في انتخابات 2002م، حتى إن أصواتًا من أبناء الطائفة الهندوسية صبت لصالحه، لما لمسوه فيه من عدل وأمانة.

صوت الإسلام في البرلمان

في عام 1996م، ترأس الشيخ الكتلة البرلمانية للجماعة الإسلامية، وبرز صوته من المعارضة، مناهضًا سياسات حزب رابطة العوام. وعلى الرغم من التضييق وإغلاق منابر الإعلام أمامه، بقي صامدًا، لا يلين ولا يتراجع.

دعا إلى شمول الإسلام، وألهم الناس بضرورة الالتفاف حول رايته الجامعة، مذكّرًا بأن الإسلام ليس طقوسًا جامدة، بل منهاج حياة، ونظام رباني يُنظّم شؤون الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء.شارك في البرلمان الدولي للكومنويلث عام 2003م بكندا، وكان حضوره هناك امتدادًا لصوته الوطني والإسلامي.

ومن أبرز مواقفه داخل البرلمان اعتراضه على تقليد الانحناء لرئيس المجلس، معتبرًا إياه مخالفًا للعقيدة الإسلامية، فطالب بإلغائه، ونجح لاحقًا في ذلك حين أُعيد انتخابه، فصدر القانون واعتُمد رسميًا.

كما قدّم مشروع قانون لحظر الخمر والميسر عام 1996م، لكنه رُفض حينها لأسباب سياسية، إلا أنه شكّل خطوة بارزة في مشروعه الإصلاحي تحت قبة البرلمان.

كان الشيخ دلوار حسين سعيدي مدرسةً قائمة في الثبات على المبدأ، وعلمًا من أعلام الدعوة والفكر والسياسة. امتزج فيه العمق الفكري بنفاذ البصيرة، والجرأة بالاتزان، والقيادة بالتواضع.

*عميد كلية اللغة العربية بجامعة الشيخ محمد الحسن الددو الإسلامية – بنغلاديش

مقالات مشابهة

  • السيرة النبوية والتأسيس الأخلاقي.. قراءة فلسفية جديدة في شخصية الرسول
  • داعية بنغلاديش البارز.. سيرة الشيخ دلوار سعيدي بين المنبر والبرلمان
  • العام الهجري الجديد .. دعوة للتغيير واليقظة
  • العيد الـ 50 لسيامة نيافة الأنبا ويصا أسقفًا
  • فلكيا.. موعد رأس العام الهجري الجديد 2025
  • على الباغي تدور الدوائر
  • ماذا كان يقول الرسول عند المساء؟.. أدعية مستجابة | رددها الآن
  • اليوم الثالث من تصحيح أوراق “البيام” ..هذه هي النقاط التي تحصل عليها التلاميذ
  • اجتماع برئاسة وزير الإعلام يناقش جوانب التحضير والتهيئة الإعلامية لمؤتمر الرسول الأعظم
  • اجتماع بصنعاء يناقش جوانب التحضير والتهيئة الإعلامية لمؤتمر الرسول الأعظم