الثورة نت:
2025-08-12@03:34:12 GMT

المولد والنسق القيمي

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

 

 

في حياة الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام محطات لم يقف عندها الفكر متأملا أو متبصرا كالهجرة مثلا، فالهجرة لم تكن إلا انتقالا من حال دل عليه المكان بكل دلالاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولذلك غفل الفكر العربي عن تفسير الحالة تفسيرا منطقيا يتسق ورسالة الإسلام كرسالة سماوية خاتمة للبشرية، ذلك أن إيماننا المطلق بالله يرى أن الله قادر أن يزرع المحبة في قلوب كفار قريش ويجعل منهم أمة تتقبل الرسالة وتبشر بها العالم من حولها، لكن حدث العكس، فقد كانت قريش بكل مدلولات المكانة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بيئة طاردة للرسالة وغير قابلة للتحولات وحالات الانتقال التي يحملها الرسول الأكرم للبشرية، لذلك كانت الهجرة تعبيرا عن المناخ الملائم للإسلام بدلالة اسم المكان الجديد « المدينة « وتعبيرا عن رفض المحمول الثقافي للقرية، ومثل ذلك ثابت بالنص، فالقرآن حين يتحدث عن مكة فهو لا يتجاوز ملفوظ القرية إلى غيره، وحين يتحدث عن يثرب كمكان جديد حاضن للرسالة المحمدية فهو يسميها بالمدينة، وفي ذلك دلالة حضرية ذات بعد نظري عميق لم يقف عنده أرباب المذاهب ولا علماء الكلام كما وقفوا عند باب الطهارة والنجاسة وباب النكاح .


ما يميز الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام هو التزامن مع فكرة التغيير والبناء والوعي بضرورات الإصلاح، فالإصلاح نسق فكري ثقافي حضاري تقدم عليه الأمم لإنجازه بخطاب وتقنيات ومعطيات قادرة على التفاعل مع الواقع لا القفز على شروطه الموضوعية وقادرة على فرض طابعها الخاص الذي تتسم به المرحلة أو يتسم به المستوى الحضاري الحديث .
ما يحدث اليوم في عموم الجغرافيا اليمنية هو عملية ثقافية تحفيزية تهدف إلى إكساب المجتمع هوية إيمانية مضافة وهي تعتمد اعتمادا متزايدا على مختلف الجماعات بهدف الوصول للوحدة المشتركة أو الإحساس بها في ظل ما يتعرض له الإسلام من هجوم ومن تشويه متعمد ويحمل شلال الإيحاء المتدفق من بين حروفها مشروعا نهضويا كبيرا يصنع من الفكرة الدينية مشروعا سياسيا واعيا وقادرا على إحداث التحولات وتحريك عجلتها، وهذا ما تدل عليه رموز وإشارات خطاب السيد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي.
ولا بد من التأكيد على فكرة أن رسالة الإسلام جاءت لتستكمل البعد القيمي والأخلاقي عند البشر بعد أن بلغت الرسالات كمالها في الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولذلك عبر الرسول الأكرم عن ذلك بقوله: « إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق « بل مدح الله رسوله في محكم الذكر الحكيم بقوله : وإنك لعلى خلق عظيم « في إشارة إلى حالة التكامل التي أرادها الله كما تشير آخر آية نزلت على الرسول الأكرم وهي قوله تعالى : « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» .
هذا البعد القيمي والأخلاقي غاب عن البحث والتنظير والتأصيل في مسارنا الثقافي التاريخي، بل لم يتم التأليف فيه إلا نادرا قديما وحديثا، والسؤال الأخلاقي أثاره وبسط عنه القول الجابري في مشروعه النقدي «نقد العقل العربي « وفصل القول عنه في كتابه « العقل الأخلاقي العربي « .
ولعلنا نستبين الخلل البنيوي في مسارنا الثقافي والسياسي من خلال هذا الغياب أو التغييب، فالإسلام الذي هدم منظومة الثقافات الكبرى في زمنه، وهي الثقافة الفارسية والرومانية، والثقافة الفارسية هي ثقافة وثنية « مجوسية « لا تلتقي مع الإسلام في نقاط، بعكس الثقافة الرومانية التي تشترك في كثير من محدداتها مع الإسلام، ولذلك حاولت الثقافة الفارسية مقاومة عوامل الفناء من خلال إعادة إنتاج نفسها في الثقافة الإسلامية فتركت أثرا واضحا في نظرية الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وفي اللغة والآداب، وفي الحياة الاجتماعية، والقارئ لكتب الأخبار كـ»العقد الفريد « لابن عبد ربه، و «أخبار الزمان « للمسعودي، وغيرهما، يكتشف ذلك الأثر للثقافة الفارسية، كما يكتشف الرؤية المنهجية التي حاولت صرف العقل العربي عن الغوص في نظرية الأخلاق العربية وهو بالتالي تعبير عن انحراف في مسار الرسالة المحمدية وقد كان من نتائج ذلك حالة الهوان والضعف التي وصل إليها العقل العربي والمجتمع العربي منذ العصر العباسي الثاني إلى اليوم .
ولذلك فالاحتفاء بالرسول الأكرم لا بد أن يكون بعثا وبحثا وتحقيقا وتصويبا للمسارات ، ويفترض بنا أن نحاكم التاريخ ونحاكم واقعنا محاكمة عادلة لنعيد ترتيب نسقنا، ونعيد بناء الحيوات وفق قيم ومبادئ الإسلام لا غيره ووفق المستوى الحضاري والفكري للبشرية، فالإسلام رسالة متجددة وليس قالبا جامدا، وهو فكرة ثورية، والفكرة الثورية التي قادها الرسول الأكرم أحدثت تحولا وتبدلا ما زال يذهل المفكرين إلى اليوم والذين جعلوا الإسلام كهنوتا وحالة تسلط جماعات على أخرى تأثرا بما دخل على الإسلام من ثقافات لم يفلحوا بل ساهموا في تراجع فكرة الثورة وأثرها في واقع البشر بل كانوا سببا جوهريا ومباشرا في حالة التخلف والتراجع الحضاري للعرب والمسلمين وهو حال من الذل والهوان يعانونه اليوم كما هو مقروء في الواقع .

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

علي عزت بيغوفيتش.. جسر التسامح بين الإسلام والغرب ونموذج القيادة الإنسانية

في عصر التحديات والاصطفافات التي تشطر المجتمعات بين الهويات والثقافات، يبرز اسم علي عزت بيغوفيتش كواحد من النماذج الفريدة التي جمعت بين التمسك العميق بالإسلام والالتزام بالحوار الحضاري مع الثقافة الأوروبية.

لم يكن بيغوفيتش مجرد سياسي أو مفكر عادي، بل كان جسراً حقيقياً يربط بين أصالة الهوية الإسلامية ومنهجية العقل الأوروبي، مدافعاً عن قيم التسامح والحرية في مواجهة الوحشية والتعصب. فقد أثبت أن الإيمان العميق والتربية الدينية لا تتناقض أبداً مع الفكر المستنير والانفتاح، بل إنهما يمكن أن يشكلا معاً نموذجاً فريداً في القيادة الإنسانية التي لا تتنازل عن الحق ولا تقبل بالظلم، حاملةً رسالة السلام والمحبة رغم القسوة التي عاشها وطنه وشعبه.

الكاتب والإعلامي المصري جمال سلطان، أعاد فتح سيرة علي عزت بيغوفيتش في الذكرى المئوية لميلاده، من خلال استحضار مآثره النضالية والفكرية التي جسدت نموذج القائد المسلم المعتدل، الذي جمع بين صلابة الموقف الإسلامي ورؤية التسامح الحضاري، مؤكدًا كيف شكّل بيغوفيتش جسراً بين الثقافتين الإسلامية والأوروبية، ورفض كل أشكال التعصب والعنف، ليبقى إرثه مرجعًا حيًا لكل من يسعى إلى فهم الإسلام كدين سلام وإنسانية في عالم معاصر مضطرب.

في الذكرى المئوية لمولده ـ 8 أغسطس 1925

تمثل شخصية الرئيس البوسنوي الراحل علي عزت بيغوفيتش حالة استثنائية في كل من الثقافة الأوربية والثقافة الإسلامية على حد سواء ، أما من جانب الثقافة الأوربية فلأنه مثقف مسلم المولد والنشأة والتفكير والهوية ، لم يتحول عن المسيحية أو اليهودية إلى الإسلام مثل المفكر والفيلسوف الراحل ليوبولد فايس "محمد أسد"، أو السفير الألماني "مراد هوفمان"، كما لم يكتب باحترام وإنصاف وحب عن الإسلام من خارجه مثل بعض المستشرقين الأكثر إنصافا ومروءة مثل "زيغريد هونكه" أو "مونتجومري وات" أو "آن ماري شميل"، وإنما هو مسلم المولد والجذور والهوية ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو مثقف من طراز خاص، فهو محام، وأستاذ للقانون يحمل شهادة الدكتوراة في القانون والاقتصاد، كما أنه مناضل سياسي دفع سنوات من عمره في السجون التي دخلها عدة مرات دفاعا عن الحرية وعن فكرته وهويته وأمته، كما قاد عملا سياسيا وترأس حزبا قاد بلاده إلى الحرية، كما قاد باقتدار معركة التحرير العسكرية ضد طغمة صربية فاشية متوحشة مدعومة من دول أوربية كبيرة، كما ترك لنا مؤلفات فكرية عميقة ورصينة ومعطرة بالروح الإنسانية الأكثر تسامحا.

علي عزت شخصية شديدة التواضع أعرف ذلك من أصدقاء صحفيين ومثقفين وإسلاميين التقوه وعرفوه عن قرب كما أنها الصورة التي تخرج بها مباشرة من أسلوبه في كتابة مذكراته..فهو لم يقف بالثقافة في طورها النظري والتجريدي، وإنما خاض نضالا مريرا ضد قوى التعصب والوحشية، دفاعا عن إنسانية الإنسان، ودفاعا عن وطنه وبني أمته، ودفع الضريبة من حريته، ثم خاض حربا فرضت عليه كان فيها القائد النبيل الذي يقابل الوحشية الصربية بنبل المثقف الإنسان المتسامح، والذي ينطلق في هذا التسامح من أرضيته الإسلامية، وكان لافتا للنظر جدا إجابته على سؤال مراسل صحيفة "شتيرن" الألمانية عندما فاجأه بالسؤال: السيد الرئيس أنت معروف كمسلم حريص على التقاليد الأوربية والتسامح الأوروبي وأنك منفتح على العالم بأسره.." فيجيبه على الفور: أود فقط أن أصحح لك في نقطة واحدة، وهي أن تسامحي ليس مرده إلى أنني أوروبي، وإنما مصدره الأصلي هو الإسلام، فإذا كنت متسامحا حقا فذلك لأنني أولا وقبل كل شيئ مسلم، ثم بعد ذلك لأنني أوروبي"، وحتى يزيل أية مشاعر سلبية في نفسية الصحفي الألماني أضاف إليه إشارة علمية تاريخية مقارنة بقوله: أسوق إليك حقيقة تاريخية، فقد حكم الأتراك العثمانيون البلقان خمسمائة عام فلم يهدموا كنيسة ولم يبيدوا شعبا، بل حافظوا على الأديرة الشهيرة في جبال فروشكا جورا (قريبا من بلجراد) لأن إسلامهم يأمرهم بهذا، ولكن هذه الآثار الدينية التاريخية لم تصمد ثلاثة أعوام فقط تحت الحكم الأوربي، فقد دمرها الشيوعيون والفاشيون خلال الحرب العالمية الثانية، وهؤلاء لم يكونوا نتاجا آسيويا بل صناعة أوربية "!.

أما من ناحية ثقافته الإسلامية فلأنه مثقف أوربي التفكير والمنهج والنشأة والخبرة والحياة، ومع ذلك استطاع أن يصل إلى مفاصل بالغة الأهمية في منهج التفكير الإسلامي، لم يصل إليها مع الأسف بعض ممن عاشوا في جوار أسوار الأزهر أو الزيتونة أو القرويين، لم ير في الإسلام وتاريخه تلك الصورة السوداوية الحاقدة التي روجها ويروجها مثقفون عرب ومسلمون ـ مع الأسف ـ من أنه تاريخ دم وحروب وجهل ومحاربة للعلم والاستنارة ومجون، مثل بعض بني جلدتنا الذين يحترفون التنقيب في صندوق قمامة التاريخ وليس التاريخ نفسه للرغبة في تشويه تاريخ الأمة ، بل رآه تاريخ فخر واستنارة ونموذجا للتسامح والعطاء الحضاري الفذ، الغريب أن علي عزت في مذكراته التي نشرت ـ وترجمت إلى العربية "هروبي إلى الحرية" ـ يتحدث بمرارة شديدة عن نماذج من المثقفين البوسنويين المسلمين ممن باعوا قضية وطنهم وهويتهم تحت شعارات سطحية عن الإنسانية والتعايش والسلام ، بينما الدماء تسيل أنهارا من اعتداءات جيرانهم وأهليهم الوحشية ، تحدثوا عن نبذ الحرب والتعصب وإراقة الدماء ، ولكنهم لم يملكوا شجاعة أن يقولوا من الذي يشن الحرب ومن الذي يسحق البشر ومن يريق الدماء ، تحدث الرجل عن نماذج من المثقفين وكأنه يتحدث عن "شلل" نعرفهم في مقاهي بعض عواصم العرب والعجم على السواء.

علي عزت شخصية شديدة التواضع أعرف ذلك من أصدقاء صحفيين ومثقفين وإسلاميين التقوه وعرفوه عن قرب كما أنها الصورة التي تخرج بها مباشرة من أسلوبه في كتابة مذكراته، بداية من وصف نفسه بأنه كان طالبا متوسط الذكاء، وكانت نتائجه في بعض المواد أقل من المتوسط، وانتهاء بوصفه للمفاجأة التي استشعرها عندما خرج من السجن ليجد نفسه زعيما للحزب الديمقراطي الذي أسس في البوسنة والذي حكم البلاد بعد ذلك ويصف نفسه بأنه لم يكن أفضل الموجودين، بل إن عيوبه كانت أكثر من عيوب الكثيرين غيره، بيد أن اللافت للنظر سماحته الرائعة، عندما تولى الحكم، وسألوه عن الزبانية الذين لفقوا له التهمة الزور وحكموا عليه بالسجن أربعة عشر عاما، قضى منها ستة ثم خرج إلى الحكم، رغم أن ما ارتكبوه جريمة في حق الإنسانية بشهادة محققين أوروبيين، وقد أصبحوا بعد ذلك تحت سلطته وسيطرته، إلا أنه رفض أن يمسهم بأي عقاب وقال حرفيا "لقد عفوت عنهم كسياسي في السلطة، ولكني كإنسان لم أستطع أن أغفر لهم في أعماق نفسي ذلك الظلم الذي لحق بي وبزملائي بلا ذنب أو جريرة"، إنها منتهى الأمانة في فصل القائد بين مشاعره الشخصية وبين أمانة الحكم واستخدام السلطات المتاحة.

والحقيقة أنه من الصعب أن أستوعب في هذه الأسطر القليلة لمحات من سيرة هذا الرجل الفذة، ولا أخفي أن شخصيته آسرة لضميري ومشاعري، ولكني أظن أن الرجل كإنسان ومثقف ومناضل ، يستحق كل الاحترام، كما يستحق أن يكون نموذجا نعرف عليه الجيل المسلم الجديد، ليكون أقرب إلى الوسطية والتسامح وحب الحرية، بنفس القدر الذي يكون فيه صلبا في الدفاع عن حقوقه وهويته، وقد حظي الراحل الكبير باحترام كبير من مختلف الدوائر السياسية والفكرية والإنسانية، في الغرب والشرق على حد سواء، وتم تكريمه في المملكة العربية السعودية بمنحه جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، كما كرم في تركيا ومنح جائزة مولانا جلال الدين الرومي لخدمة الإسلام، كما كرم من قبل المركز الأمريكي للدفاع عن الديمقراطية والحريات، وغير ذلك من وقائع التكريم والاحتفال بشخصه وتجربته ونضاله وميراثه، كما كانت جنازته في 22 أكتوبر عام 2003، حدثا تاريخيا لم تعرفه سراييفو من قبل، عندما سار فيها أكثر من 200 ألف إنسان، يشيعون جثمانه إلى مثواه الأخير، وأصروا على حمل نعشه على الأكتاف لمسافات طويلة.

السيد الرئيس علي عزت بيغوفيتش حالة إنسانية جديرة بأن يبقى ميراثها على الدوام في ذاكرة الإنسانية، ملهما للأجيال بالخير وكل معنى نبيل في هذه الحياة.

مقالات مشابهة

  • الحزبية في الإسلام
  •  فعالية ثقافية في مديرية معين بذكرى المولد النبوي
  • قطاع التربية والبحث العلمي ومحو الأمية والتعليم الفني في البيضاء يحتفلان بذكرى المولد النبوي
  • تخرج دفعة “الرسول الأعظم” بالمنطقة العسكرية الخامسة، بالحديدة تزامناً مع الاحتفاء بذكرى المولد النبوي
  • علي عزت بيغوفيتش.. جسر التسامح بين الإسلام والغرب ونموذج القيادة الإنسانية
  • فن المديح النبوي الشريف
  • مديريات إب تدشن فعاليات المولد النبوي الشريف
  • تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف بصنعاء القديمة
  • مكاتب الاتصالات والبريد والتأمينات والانشاءات في البيضاء تحتفي بذكرى المولد النبوي
  • قطاع النقل في الحديدة يحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف