الإعلام العِبْري.. و"دولة الدّم"
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
الحرب الدائرة في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، مكَّنتْنا من متابعة الإعلام العِبْرِي سواء من خلال استضافة محللين إسرائيليين في القنوات العربية، أو متابعة الآراء والتعليقات والتحليلات التي تبثها القنوات والمواقع الإسرائيلية، وأحسب أننا في هذه الحرب قد انتقلنا من الرفض المطلق للعدو، إلى الاستماع له، دون أن يخل ذلك بالمواقف الثابتة منه.
متابعة الإعلام الإسرائيلي، خاصة القنوات الفضائية والصحف، تكشف لنا عن تصور إسرائيل الحالي والمستقبلي لصراعها مع الفلسطينيِّين ومع دول الجوار، خاصة لبنان وسوريا، من حيث إدارتها له عبر حرب ضروس لا تبقي ولا تذر، أي أن َّالحل لديها يكون من خلال تطويع الأعداء بقتلهم، الأمر الذي دفع ببعض الكتاب الإسرائيليين إلى تسميتها بـ" دولة الّدم"، انطلاقاً من مواقف بعض قادتها المتطرفين، وحفاظا على انتمائهم الحزبي، ومصالحهم الخاصَّة، كما ظاهر لدى رئيس الوزراء بن يامين نتنياهو سواء في الفعل أو ردّ الفعل.
وعلى صعيد الوصف، فقد تبيّن لنا أن الإعلام الإسرائيلي يتمتع بحرية عالية في النقد، لكنه لا يخلو من تشنج وميل وشفونية يصطف عبرها كثير من الكتاب والمحللين إلى جانب المواقف الخاطئة لصُنَّاع القرار، ومع هذا تطرح جملة من التساؤلات منبعها ليس الخوف فقط، ولكن أيضا الحرص على بقاء إسرائيل ديمقراطية، وامتداداً للغرب في المنطقة، ولكن يبدو أن هذا لن يتحقق لسببين:
أولهما: أن زمن الحرب ـ كما في كل الدول التي خاضت حروباً خارجية أو متعلقة بوجودها ـ لا تقبل التعايش مع الممارسة الديمقراطية، لأن" العسكرة" تشمل كل المجالات بما فيها الإعلام.
وثانيها: أظهرت إسرائيل في هذه الحرب أنها جزء من العالم الثالث، وأنها بنت الجغرافيا، وهي ليست ـ ولن تكون ـ كما يصورّها الغرب أنموذجاً يقتدى به في الفضاء العربي.
أسئلة كثيرة يطرحُها الإعلام الإسرائيلي، علينا الوقوف أمامها لأنها تتعلق بمستقبل فلسطين ومصير المنطقة كلها، منها: متى ستضع هذه الحرب أوزراها؟، وهل الوصول إلى التفاوض والسلام يقتضي فتح عدة جبهات للحرب في وقت واحد؟، وماذا عن تغير الجبهة الداخلية وغياب الدولة الآمنة؟، وكيف ستخرج إسرائيل من حرب استنزاف طويلة المدى؟
الأسئلة السابقة وغيرها تحمل مخاوف مشروعة، نابعة من مواقف القيادة السياسية الإسرائيلية التي تصر على أن الحل في إبادة الفلسطينيين، للتقليل من عددهم أوّلاً، وللضغط على فصائل المقاومة ثانياً، وكذلك في القضاء على قوى الدعم والمساندة، خاصة على الجبهة اللبنانية، ما يعني عدم إقرار إسرائيل بالهزيمة، وهذا الموقف صعّب من مهمتها العسكرية.
مهما يكن، فإن الإعلام الإسرائيلي يتابع بشكل منتظم مجريات الحرب الدائرة، ويدرك أن قيادته السياسية، وحتى العسكرية، في أزمة، ومع ذلك يقود حرباً مساندة وموازية للعمل العسكري، غير أنه أحيانا يخطئ في التحليل نتيجة المعلومات المزورة الصادرة من مؤسسات الدولة الرسمية، وخاصة مكتب نتنياهو، كما يذهب بعيداً في الشطط من صحافيين وكتاب ولاءاتهم للأحزاب المتطرفة وللقيادة، أكثر منه للدولة.
من ناحية أخرى، يُسْهم الإعلام الإسرائيلي في دفاعه المستميت عن أخطاء قادته السياسيين في صناعة" دولة الدم" التي تحدث عنها كتاب إسرائيليّون ـ كما ذكرنا سابقاً ـ أبدوا قلقهم من المصير الذي ستؤول إليه دولتهم، في الغد القريب، وحتى في المستقبل البعيد.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل الإعلام الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
ثلاثة أهداف لزيارة "ويتكوف" لغزة أهمها تلميع صورة "إسرائيل" المشوهة عالميًا
غزة - خاص صفا
ليست الأهداف المعلنة لزيارة المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي "ستيفن ويتكوف" للكيان الاسرائيلي وغزة، والمتعلقة بالاطلاع على الوضع الإنساني في الأخيرة، بالحقيقية، ولكن الرجل الأمريكي، جاء لـ" عدة ملفات، منها ايجاد صيغة لمواجهة الضغط العالمي الذي تتعرض له إسرائيل".
ويؤكد محللون سياسيون في أحاديث منفصلة مع وكالة "صفا"، أن "ويتكوف" جاء لمحاولة تلميع صورة "إسرائيل" المشوهة عالميًا بسبب الإبادة والتجويع الذي تمارسه بحق مليوني قطاع غزة بالقطاع، وأيضًا لهدفين آخرين متعلقين بالمفاوضات والوضع الداخلي الإسرائيلي.
ووصل المبعوث الأمريكي "ويتكوف" للكيان الإسرائيلي الليلة الماضية، وزار مركز ما تسمى المساعدات الأمريكية الإسرائيلية جنوبي قطاع غزة، والتقط صورًا فيها، وغادر قبل أن يتم استئناف استهداف منتظري المساعدات من قبل جيش الاحتلال.
وقبيل وصول "ويتكوف" صباح اليوم للمؤسسة الأمريكية، تم تنظيم المكان، وتسوية المنطقة الرملية، التي سالت فيها دماء المئات من طالبي المساعدات، وإبعاد الدبابات والقناصة، وتقليص عشرات الآلاف من طالبي المساعدات، لعددٍ قليل من أسر عناصر ياسر أبو شباب، ضمن "مسرحية هزلية أمام العالم"، لتلميع المكان.
مواجهة المزاج العالمي
ويقول المختص بالشأن السياسي والإسرائيلي عماد عوّاد "إن الهدف الأول لزيارة ويتكوف، هو صياغة استراتيجية مع إسرائيل للوقوف بوجه تشوه صورتها على العالمية، خاصة بظل الحراك العالمي الحالي والاعترافات بالدولة الفلسطينية من عدة دول، وهو ما أعاد القضية الفلسطينية لزخمها".
ولم يكمل عواد حديثه عن زيارة "ويتكوف" قبل أن يستدرك بأن "الاعترافات بالدولة الفلسطينية وصفة لاقتتال فلسطيني داخلي، لأن الدولة الفلسطينية المقصودة على المقاس الغربي والإسرائيلي".
ويكمل "لكن المقلق لإسرائيل وويتكوف، هو أن هناك مزاج عالمي يتغير، وبالتالي هم بحاجة لإيجاد صيغة ما لمواجهتها".
ومن أجل مواجهة هذا المزاج السلبي، يرى عواد أن الجانبين يصيرون بعدة اتجاهات، الأول إيجاد آلية لادخال المساعدات بحدودها الدنيا، تؤدي إلى إيقاف الزخم العالمي ضد "إسرائيل" في هذه القضية، خاصة أنها ترتفع بشكل متسارع.
ملف المفاوضات والضغط الداخلي
والأمر الثاني من وجهة نظره، هو محاولة تحريك ملف المفاوضات، معللًا ذلك بـ"أن إسرائيل كانت تعتقد أنه سيكون هناك موافقة من قبل حماس على كل الشروط، ولن يكون هناك اعتراضاً، وحينما اعترضت حماس فاجأها ذلك".
وبحسب عواد، فإن الجانب الثالث لزيارة "ويتكوف"، هو أن هناك صراع داخلي إسرائيلي حول استمرار الحرب، خاصة أن الجيش الإسرائيلي يسحب بعض ألوية جنوده من غزة، وهناك خلاف عميق بين اليمين المتطرف والجيش فيما يتعلق بهذه القضية.
ويجزم "برأي نعم هوه جاء أيضاً لتحريك ملف المفاوضات، لكن من خلال محاولة الحفاظ على الجزء الأهم من الشروط الإسرائيلية".
ويستدرك "ولكن باعتقادي هذا الموضوع ليس سهلاً، خاصة أنه من الواضح أن إسرائيل والولايات المتحدة، تدركان تماماً أن هناك شروطًا لا يمكن أن تتنازل عنها حماس، خاصة في ظل النية الإسرائيلية الأمريكية المبيتة، أنهما ذاهبتان ما بعد الهدنة لتطبيق مشروع التهجير من غزة".
وبالمحصلة فإن "ويتكوف جاء لأجل العديد من الملفات، منها المفاوضات، وإيجاد صيغة لتخفيف الضغط الدولي على إسرائيل، ومنها محاولة فكفكة الملف الداخلي الإسرائيلي، لأن من يتابع ما يجري بالوضع الداخلي الإسرائيلي يدرك تماماً أن ما يحدث ليس سهلًا أبدًا"، يقول عواد.
وعقب مغادرة "ويتكوف" لمركز ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" لتوزيع المساعدات، فتح جيش الاحتلال النار على طالبيها بذات المركز، ما أدى لاستشهاد خمسة منهم على الأقل، وإصابة العشرات.
عزلة دولية
من جانبه، يرى المحلل السياسي طلال عوكل في حديثه لوكالة "صفا"، أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لم يكن يرغب بزيارة ويتكوف، لسبب أنه يريد دفع المفاوضات.
ويقول "إن ويتكوف يزور إسرائيل أيضًا للضغط من أجل دفع المفاوضات، ويستهدف أيضاً تحسين آليات إرسال وتوزيع المساعدات في القطاع، بعد أن انفضحت سردية التواطؤ على المجاعة وقتل طالبي المساعدات".
ويشير هنا إلى تصريحات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، تجاه الوضع الإنساني في القطاع، والتي خرج بها بالتزامن مع زيارة "ويتكوف".
ويوضح أن الولايات المتحدة تريد حزم هذه المهزلة، بسبب أنها لم تعد تتحمل ممارسات "نتنياهو" وحكومته، والتي تدفع البلدين نحو عزله دولية متزايدة.
يُذكر أن "ترامب" عيّن ستيفن ويتكوف (67 عاما)، مبعوثاً خاصًا له في الشرق الأوسط بمايو عام 2024 المنصرم، وهو يهودي، شكل تعيينه مفاجأة للعالم، لعدم وجود أي خبرات سياسية له، وهو صاحب مقترح وقف إطلاق النار بغزة الذي تدور حوله المفاوضات، دون الوصول لاتفاق حتى اليوم.
ومنذ أكتوبر للعام 2023 ترتكب "إسرائيل" بدعم أمريكي، حرب إبادة جماعية وجريمة تجويع، أدت لاستشهاد ما يزيد عن 60 ألف شهيد، بالإضافة لـ حوالي 145 ألف إصابة، وما يزيد عن 14 ألف مفقود تحت الأنقاض.