سياحة الأثرياء.. كم يكلفك السفر إلى الفضاء؟
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
يبدو أن العالم لم يعد قرية صغيرة فحسب، لكنه ضاق أيضا على عدد من أثرياء العالم من محبي السفر والاستكشاف الذين خاضوا مغامرات عدة حول العالم لمشاهدة المعالم السياحية والتعرف على الثقافات المختلفة، فما كان منهم إلا اللجوء إلى الخروج من كوكب الأرض لخوض تجربة جديدة لم يسبقهم إليها سوى رواد الفضاء.
إنها السياحة الفضائية، لم تعد تلك الرحلات مقتصرة على رواد الفضاء وحدهم عبر الكبسولات والمركبات المدارسة، وإنما باتت مصممة في السنوات الأخيرة تجاريا لتحقيق أحلام سياح الفضاء، وذلك بعد تطوير أبحاث وبرامج وكالة "ناسا" مع وكالات الطيران الفضائي، لتقديم رحلات ملائمة لغير المحترفين توفر لهم المتعة والراحة وتجربة سفر آمنة.
وعلى الرغم من أن سياحة الفضاء الخارجي لا تزال في مراحلها الأولى فإن الحجوزات لبعض مشغلي السياحة الفضائية في تزايد مستمر، ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أن تلك الرحلات باتت آمنة فما أبرز معالم الرحلة؟ وكم تستغرق من الوقت؟ وكم تكلفتها؟
السياحة الفضائيةهي تجربة السفر إلى الفضاء بواسطة مركبات فضائية خاصة، وهي أحد جوانب الاقتصاد الفضائي الذي يشمل استكشاف الفضاء واستخدام موارده، انطلقت الفكرة فعليا في 2021 عندما نفذت شركات مثل "سبيس إكس" و"بلو أوريجن" و"فيرجن غالاكتيك" أولى رحلاتها التي تضمنت نقل مسافرين مدنيين إلى الفضاء.
وعلى الرغم من التكلفة الباهظة فإن من المتوقع أن تتناقص مع تقدم التكنولوجيا وزيادة الطلب.
وأطلقت "سبيس إكس" أول رحلة فضائية خاصة بالكامل في 2021، ونقلت "بلو أوريجن" أولى مجموعاتها من المدنيين في رحلة شبه مدارية بقيادة جيف بيزوس، في حين بدأت "فيرجن غالاكتيك" رحلاتها مع ريتشارد برانسون على متن مركبة فضائية.
السلامة والمخاطرتتضمن سياحة الفضاء مخاطر كبيرة، بدءا من فشل الإطلاق والمشاكل المتعلقة بالجاذبية الصغرى، وصولا إلى تحديات العودة للأرض.
السلامة هي أولوية قصوى، إذ تستفيد الشركات من دروس في مجالات أخرى مثل استكشاف أعماق البحار لضمان أقصى درجات الحماية للركاب.
تكلفة رحلة سياحية إلى الفضاءتعد التكلفة من أكبر العقبات أمام الانتشار الواسع للسياحة الفضائية، إذ تصل أسعار التذاكر إلى مئات آلاف الدولارات، ومع ذلك يُتوقع أن تنخفض الأسعار مع استمرار الابتكارات التكنولوجية وتزايد الاهتمام بالسفر الفضائي.
وتتراوح التكلفة بين 250 ألف دولار و450 ألفا للشخص الواحد في الرحلات شبه المدارية القصيرة، مثل تلك التي تقدمها شركة "بلو أوريجن" و"فيرجن غالاكتيك".
أما بالنسبة للرحلات المدارية الأكثر تطورا مثل الرحلات التي تقدمها "سبيس إكس" فقد تصل تكلفة التذكرة إلى 55 مليون دولار، وتشمل إقامة مؤقتة على متن محطة الفضاء الدولية.
الاستعدادات اللازمة للمسافرلا يشترط أن تكون لدى المسافرين خبرة سابقة في الفضاء، لكنهم يخضعون لتدريبات مكثفة قبل الرحلة، ويشمل التدريب الاستعدادات النفسية والبدنية لتحمل تأثيرات انعدام الجاذبية، والإجراءات الطارئة والسلامة، وكذلك الإلمام ببعض العمليات الأساسية في المركبة الفضائية، ويستغرق عادة أياما أو أسابيع حسب طبيعة الرحلة وشركة التشغيل.
وتتطلب معايير السلامة الحالية من الشركات العاملة تلبية معايير إدارة الطيران الفدرالية (إف إيه إيه) لسلامة الجمهور أثناء الصعود والعودة، ويتطلب القانون أيضا من الطاقم والركاب التوقيع على اتفاقيات الموافقة المستنيرة التي تتضمن حقوق الراكب والعواقب المحتملة خلال الرحلة.
الرحلات شبه المدارية مثل تلك التي تقدمها "بلو أورجين" و"فيرجن غالاكتيك" تكون قصيرة جدا، إذ تستمر 10 إلى 15 دقيقة، ويشمل ذلك بضع دقائق في حالة انعدام الوزن.
أما الرحلات المدارية مثل التي تقدمها "سبيس إكس" فتستمر من أيام عدة إلى أسبوعين، وتتيح للركاب الإقامة في محطة الفضاء الدولية.
طبيعة الرحلة السياحية إلى الفضاءخلال الرحلة الفضائية يعيش المسافرون تجربة فريدة تبدأ بإطلاق المركبة الفضائية بسرعة كبيرة إلى الغلاف الجوي.
أما الرحلات شبه المدارية مثل تلك التي تقدمها "بلو أورجين" و"فيرجن غالاكتيك" فإن المركبة تصل إلى ارتفاع يتراوح بين 80 و100 كيلومتر فوق سطح الأرض، حيث يدخل المسافرون في حالة انعدام الوزن لمدة تتراوح بين 3 و5 دقائق.
وخلال هذه الفترة يمكن للركاب الاستمتاع بالتخلص من الجاذبية وانعدام الوزن والطفو بحرية داخل المركبة والشعور بانعدام الجاذبية.
ما يمكن للمسافر رؤيتهيرى المسافرون مناظر مدهشة للأرض من الفضاء، إذ يتمكنون من مشاهدة منحنى كوكب الأرض بوضوح مع خلفية الفضاء الأسود، وفي هذه اللحظات يمكنهم رؤية الغلاف الجوي كخط رفيع يحيط بالأرض، إضافة إلى مشاهد بانورامية للكواكب والنجوم بطريقة لا يمكن رؤيتها من الأرض.
في الرحلات المدارية مثل تلك التي توفرها "سبيس إكس" قد يستمر المسافرون لفترة أطول في الفضاء ويدورون حول الأرض مرات عدة، مما يتيح لهم مشاهدة مناظر مختلفة للأرض من زوايا عدة، بما في ذلك مرورهم فوق القارات والمحيطات.
الأثر البيئيتثير سياحة الفضاء مخاوف بيئية بسبب انبعاثات الصواريخ التي قد تؤثر على طبقة الأوزون والمناخ، ولم تُفهم بعد تأثيرات هذه الرحلات بشكل كامل، ولكن مع زيادة وتيرة الإطلاقات قد يظهر تأثير ملموس على الغلاف الجوي.
شركات أعلنت إفلاسهابعض شركات سياحة الفضاء واجهت صعوبات مالية، إذ أعلنت إفلاسها قبل إطلاق خدماتها بشكل منتظم، على سبيل المثال:
فيرجن أوربيت: قدمت هذه الشركة -التي هي جزء من مجموعة فيرجن- طلبا للإفلاس 11 في أبريل/نيسان 2023، وعلى الرغم من النجاح الأولي مع نظام الصواريخ "لونشر وان" فإنها واجهت مشاكل فنية وخسائر مالية، مما أدى إلى إفلاسها.
"آركا سبيس": كانت لديها طموحات كبيرة في مجال الرحلات الفرعية المأهولة، لكنها واجهت تحديات كبيرة، وقد عانت الشركة من صعوبات مالية ومشاكل فنية، مما أدى إلى إلغاء بعض مشاريعها.
ماذا يحمل لنا المستقبل؟يُتوقع أن تتوسع سياحة الفضاء لتشمل رحلات أطول وزيارات للمدار القمري.
وبالإضافة إلى ذلك هناك مشاريع مستقبلية لإنشاء فنادق فضائية، مثل مشروع "فوياجر ستيشن" المتوقع أن يبدأ تشغيله في عام 2027، مما سيوفر للسياح إمكانية الإقامة في الفضاء.
في الوقت الحالي سياحة الفضاء لم تصل بعد إلى القمر بشكل تجاري، ولكن هناك تقدم ملحوظ نحو تحقيق ذلك، بعض الشركات تعمل على تطوير تقنيات وتجارب سياحية تشمل السفر إلى القمر:
تحت قيادة إيلون ماسك تعمل "سبيس إكس" على مشاريع تهدف إلى إرسال رحلات إلى القمر، أحد هذه المشاريع هو رحلة "دير مون" التي تهدف إلى إرسال مجموعة من الفنانين والمبدعين حول القمر باستخدام مركبة ستارشيب.
ورغم أن "بلو أوريجن" تركز حاليا على الرحلات الفضائية حول الأرض فإنها تملك خططا مستقبلية يمكن أن تشمل رحلات إلى القمر، وقد أعلنت أيضا شركة "سبيس فار" الناشئة عن خطط لرحلات سياحية إلى القمر باستخدام صواريخها المستقبلية.
وعلى الرغم من هذه التطورات فإن الرحلات إلى القمر لا تزال مكلفة للغاية وتتطلب تقنيات متقدمة، ولكن هناك توقعات بأن تصبح هذه الرحلات ممكنة تجاريا في المستقبل القريب.
وأخيرا، سياحة الفضاء تتطور بوتيرة سريعة، ولكنها لا تزال حكرا على الأثرياء بسبب تكاليفها العالية والتحديات البيئية والسلامة التي يجب التعامل معها بفعالية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فیرجن غالاکتیک التی تقدمها إلى الفضاء إلى القمر فی الفضاء سبیس إکس
إقرأ أيضاً:
الحياة على المريخ.. هل ستكون سجنًا حديثًا؟
عندما يستقر البشر أخيرًا على سطح المريخ، فلن تكون حياتهم مغامرة خيالية كما نراها في أفلام الفضاء، بل ستكون أشبه بالحياة في أقسى البيئات التي عرفها الإنسان، ولفهم طبيعة هذه الحياة، يقترح العلماء النظر لا إلى محطات الأبحاث في القطب الجنوبي أو المختبرات المغلقة فحسب، بل إلى السجون الأرضية، التي قد تمثل النموذج الأقرب لما ينتظر رواد الفضاء على الكوكب الأحمر، وذلك وفقًا لما ذكرته الصحيفة البريطانية (ديلي ميل).
أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الدراسات تُظهر أن الظروف النفسية والبيئية التي سيعيش فيها رواد الفضاء على المريخ تشبه إلى حد كبير حياة السجناء في الزنازين، من حيث:
قلة المساحة الشخصيةالعزلة الشديدةالطعام السيءالروتين الصارمانعدام الاستقلاليةهذا التشابه قد لا يكون صدفة، فقد أمضت وكالات الفضاء عقودًا في دراسة البيئات القاسية على الأرض، مثل محطات الأبحاث في أنتاركتيكا، ولكن السجون قد تقدم نموذجًا نفسيًا أكثر واقعية.
السجن والمريخ.. بيئتان خانقتانتؤكد البروفيسورة لوسي بيرثود، مهندسة أنظمة الفضاء بجامعة بريستول، أن رواد الفضاء سيواجهون تحديات مماثلة لتلك التي يواجهها السجناء، قائلة إن "الحرمان من الخصوصية، وضيق المساحة، والروتين المقيد، كلها عناصر مشتركة".
ومع الفارق الكبير في المسافة – 225 مليون كيلومتر من الأرض – قد يشعر رواد الفضاء بعزلة أكثر حدة من السجناء على الأرض.
المساحة المحدودة.. من الزنزانة إلى الكبسولةفي السجون، يبلغ المعيار الأوروبي للمساحة الفردية أربعة أمتار مربعة، لكن الواقع في كثير من الأحيان أسوأ بسبب الاكتظاظ. وفي مستعمرة مريخية، حيث الموارد محدودة، قد تكون المساحة أشد ضيقًا.
ففي برنامج أبولو التابع لناسا، كانت مساحة وحدة القيادة والخدمة لا تتجاوز 6.2 متر مكعب لثلاثة أشخاص، وهو ما يبرز مدى الضيق الذي قد يواجهه طاقم مستعمرة المريخ المستقبلية.
خطر التوتر والصراع في بيئة مغلقةتؤدي هذه الظروف المغلقة إلى تصاعد التوتر بين الأفراد، لا سيما مع انعدام الخصوصية والتواصل المستمر مع نفس المجموعة الصغيرة من الأشخاص، وهذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى صراعات نفسية وسلوكية قد تُهدد بقاء الطاقم نفسه.
مستوى تهديد دائم يؤثر على النفسيةسواء في السجون أو على المريخ، فإن التهديد المستمر للحياة يترك أثرًا نفسيًا عميقًا، في السجون قد يكون التهديد ناتجًا عن عنف محتمل أو ظروف غير صحية، بينما على المريخ، يمثل الخطر البيئة القاتلة خارج الجدران، حيث لا مجال للخطأ.
جدول زمني صارم ونمط حياة مكرررواد الفضاء والسجناء يشتركون أيضًا في الروتين الصارم. في السجون، يُحدد كل جزء من اليوم مسبقًا، من الأكل والنوم إلى العمل والراحة، وهذا بالضبط ما يواجهه رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية، حيث يعملون 15 ساعة يوميًا، تشمل:
8 ساعات عملساعتان للتمارين الرياضية الإجباريةساعة واحدة فقط للوقت الشخصيالفارق الجوهريرغم كل أوجه التشابه، يظل هناك فارق جوهري بين الاثنين: السجين يُجبر على البقاء، أما رائد الفضاء فيختار مهمته طوعًا، إلا أن هذا لا يقلل من قسوة الحياة التي قد يواجهها المستوطنون الأوائل على سطح المريخ، والذين سيكون عليهم التكيف مع بيئة لا ترحم، في عزلة مطلقة، من أجل بناء مستقبل للبشرية.