بروفيسور حسن بشير محمد نور

شهد السودان العديد من الصراعات المسلحة الداخلية التي خلفت آثاراً جسيمة على مختلف فئات المجتمع، ولكن الأثر الأعمق والمستدام كان على النساء والأطفال، الذين يعانون من أنماط مختلفة من العنف والاستغلال. وتعتبر قضية العنف ضد النوع الاجتماعي واستغلال الأطفال من القضايا الأكثر إلحاحاً التي تحتاج إلى تحليل معمق وفهم دينامياتها في إطار النزاعات.



• واقع المرأة في سياق الحرب

تمثل النساء الفئة الأكثر هشاشة في أوقات النزاع، حيث يتعرضن بشكل خاص لأشكال متعددة من العنف القائم على النوع الاجتماعي. الحروب ليست فقط مواجهات مسلحة بين أطراف متصارعة، بل هي أيضاً ساحات لاستهداف النساء بغرض الإذلال، التفكيك الاجتماعي، والسيطرة على المجتمعات.
في السودان، تتعرض النساء للعنف الجنسي والجسدي بشكل متزايد خلال فترات النزاع، إذ تصبح أجسادهن ساحة للصراع بين الأطراف المتنازعة. من المهم ملاحظة أن هذا النوع من العنف ليس مجرد اثر جانبي للحرب، بل هو أداة من أدوات الحرب نفسها. يتم استهداف النساء من أجل زعزعة استقرار المجتمع وتفكيك نسيجه الاجتماعي، كما أن العنف الجنسي غالباً ما يُستخدم كوسيلة للتطهير العرقي أو الإثني. هذه الأفعال تؤدي إلى تدمير الروابط الاجتماعية وتفكيك الأسرة، ما يفاقم من الأزمة الإنسانية ويترك تأثيرات طويلة الأمد على المرأة وعلى المجتمع ككل.

• الأطفال وقود الصراع المستمر

إلى جانب النساء، نجد ان الأطفال أيضاً هم ضحايا رئيسيون للصراع. في السودان، اذ يُستخدم الأطفال كأدوات في الحرب، سواء كمجندين قسراً أو كضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان. تجنيد الأطفال هو واحد من أكثر الأشكال الوحشية لاستغلالهم، حيث يتم استخدامهم كمقاتلين، كجواسيس، أو حتى كدروع بشرية. هذا الاستغلال ينتهك كل المعايير الإنسانية والدولية، ويترك ندوباً نفسية وجسدية على هؤلاء الأطفال، تعيقهم عن التطور الطبيعي وتعيق فرصهم في الحصول على التعليم والحياة الكريمة.
تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة له تأثير كارثي على مستقبل المجتمع، حيث ينشأ جيل كامل وهو محمّل بذكريات الحرب وآلامها. هؤلاء الأطفال يُحرمون من فرص التعليم والنمو الطبيعي، ويُجرّون إلى عالم من العنف والوحشية التي تشكل وعيهم وسلوكهم في المستقبل. ومن هنا، يصبح إنهاء تجنيد الأطفال واحداً من أهم الأهداف التي يجب أن تسعى لتحقيقها كل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية٫ خاصة في ظروف غياب مؤسسات الدولة والمؤسسات التعليمية والنظم التربوية وتدهور البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها.

•العنف المركب وآثاره الممتدة
الجمع بين العنف ضد النساء واستغلال الأطفال يؤدي إلى ما يمكن وصفه بالعنف المركب، حيث يُستهدف المجتمع بأكمله من خلال تمزيق النسيج الاجتماعي والأسري. النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي غالباً ما يُنبذن من مجتمعاتهن، مما يزيد من العزلة الاجتماعية ويعمق الأزمة النفسية والاقتصادية. وفي نفس الوقت، يتحول الأطفال المجندون أو الذين يشهدون على العنف إلى أشخاص فاقدين للثقة في المجتمع وفي مجمل النظام، مما يسهم في إستدامة دوامة العنف.

تتمثل رؤيتنا المبنية علي مناهج التحليل الاجتماعي والنزاعات، إلى أن الحرب لا يمكن فهمها بشكل منفصل عن السياق الاجتماعي الذي تحدث فيه. ونركز هنا على فكرة أن النزاعات في السودان، بالإضافة إلى أسبابها السياسية والاقتصادية، تتغذى أيضاً من الأنماط الاجتماعية القائمة على التمييز والإقصاء. وفي سياق العنف ضد النساء واستغلال الأطفال، نرى أن هذا العنف يمثل انعكاساً لنظام اجتماعي يحرم النساء والأطفال من حقوقهم الأساسية حتى في أوقات السلم، وبالتالي يصبحون أهدافاً سهلة في زمن الحرب.
يحب التأكيد هنا على أن الحل لا يكمن فقط في إنهاء الصراع المسلح، بل يجب أن يترافق ذلك مع إصلاحات اجتماعية عميقة تهدف إلى تغيير النظرة التقليدية للنساء والأطفال في المجتمع السوداني. بدون القيام بثورة تحقق اصلاحات جوهرية في هذا المجال، سيظل العنف القائم على النوع واستغلال الأطفال أمراً مستمراً حتى بعد انتهاء الصراع.

في الختام إن الأثر المدمر للحرب في السودان على النساء والأطفال هو نتيجة مباشرة لأوضاع اجتماعية وسياسية معقدة، حيث يشكل العنف ضد النوع واستغلال الأطفال جزءاً من استراتيجية الحرب. وبالنظر إلى منهح التحليل المتبع، يتضح أن أي محاولات لحل النزاع يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية لهذا العنف، مع التركيز على إصلاحات شاملة تهدف إلى تمكين النساء والأطفال وحمايتهم من الاستغلال والعنف في مستقبل سودان ما بعد الحرب أي كان تكوينه ومكوناته.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: واستغلال الأطفال النساء والأطفال فی السودان من العنف العنف ضد

إقرأ أيضاً:

مشروع "لها ومعها" من الخوف للقوة قصة تلخص رحلة آلاف النساء في مواجهة العنف

اختتمت "نهوض وتنمية المرأة" مشروع "لها ومعها" وسط إشادة واسعة من الشخصيات العامة والشركاء
السفارة البريطانية بالقاهرة تعلن استمرار شراكتها مع جمعية نهوض وتنمية المرأة في مواجهة العنف ضد المرأة
"أنا شخصيتي اتغيرت بعد جلسات مشروع لها ومعها… بقى عندي جرأة وكرامة. بيتي بقى هادي بعد ما جوزي بطل يضربني… ولادي بقوا يحترموا بعض واتعلمت إن البنت زي الولد… حميت بنتي من أضرار الختان… حافظت على صحتها ومجوزتهاش بدري… بقيت أمشي في الشارع من غير خوف… اتعلمت أقول لأ وأواجه اللي يتحرش بيا… بقيت قيادية في بيتي وجيراني… وخدت قرار الشغل بعد ما كان جوزي رافضه".

بهذه الكلمات المؤثرة افتتحت نور الهدى، إحدى المستفيدات من مشروع لها ومعها، المؤتمر الختامي للمشروع الذي نظمته جمعية نهوض وتنمية المرأة بالشراكة مع السفارة البريطانية بالقاهرة، بحضور ممثلين من  المؤسسات الدولية والسفارات والمجالس القومية والجمعيات الأهلية ولفيف من الشخصيات العامة والإعلاميين.

و أشاد الحضور بتجارب المستفيدات، مؤكدين أن ما تحقق يعكس أثرًا حقيقيًا وملموسًا في حياة الأسر والمجتمعات، ويبرهن على أهمية استمرار هذه البرامج في دعم النساء والفتيات الأكثر احتياجًا.

ما الذي حاول «لها ومعها» تغييره؟
 

وقالت الدكتورة إيمان بيبرس، رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة، إن مشروع «لها ومعها» ركز على توعية السيدات والفتيات بحقوقهن، وتقديم دعم نفسي لهنّ، وإشراك الرجال، مشيرة إلى أن كثيرًا من مستفيدات المشروع أصبحن قيادات طبيعية ينقلن ما تعلمنه لغيرهن داخل مجتمعاتهن، بما يضمن استمرار أثر المشروع.

الأرقام… ترجمة حقيقية للأثر
 

وخلال المؤتمر، أعلنت "بيبرس" نجاح المشروع في الوصول إلى 2،538 مستفيد/ة بشكل مباشر، و17،766 مستفيد/ة بشكل غير مباشر، من خلال العمل مع 21 جمعية أهلية شريكة في 46 منطقة بثلاث محافظات: القاهرة والفيوم والأقصر.
وأكدت اعتزاز الجمعية بالشراكة مع السفارة البريطانية بالقاهرة، مشيرة إلى أن المشروع يُعد من التجارب المهمة، خاصة كونه أول تعاون للجمعية في محافظة الأقصر، بما ساهم في توسيع نطاق العمل في المناطق المهمشة.

"شراكة تتجاوز الإنجاز لاستمرار الدعم"
 

من جهتها، أكدت ريتشل جيل، السكرتيرة الأولى للتنمية بالسفارة البريطانية بالقاهرة، أن الجهود المبذولة في مشروع «لها ومعها» والوصول إلى عدد كبير من المستفيدات تخطى العدد المستهدف يمثل إنجازًا كبيرًا يستحق الدعم والاستمرار والتوسع، مشددةً على أن مناهضة العنف ضد المرأة تعد أولوية أساسية للسفارة البريطانية.

كما أوضحت حنين شاهين، مستشارة العنف القائم على النوع الاجتماعي ومديرة برنامج ISF  بالسفارة البريطانية بالقاهرة، أن هذا ليس ختام لمشروع، بل هو انتهاء المرحلة الأولية منه، مشيرةً إلى أنه سيتم الاعتماد على جمعية نهوض وتنمية المرأة لاستكمال العمل في مواجهة العنف ضد المرأة.

ومن حانب آخر، أكد المؤتمر على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل أداة فاعلة لحماية المرأة، حيث تحدث الدكتور/ رؤوف رشدي، استشاري الصحة الإنجابية وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي، عن أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمان للسيدات والفتيات، مشيرًا إلى اطلاقه لمبادرة تهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في منع حوادث التحرش المرتبطة بوسائل النقل الذكي.

شهادات حية ومعرض في ختام مؤتمر «لها ومعها»
وشهد المؤتمر عدد من الشهادات الحية للمستفيدات، عكست التغيير الحقيقي الذي أحدثه المشروع في حياتهنّ وعلاقتهنّ مع أبنائهنّ وأزواجهنّ، إلى جانب تنظيم معرض لمنتجات المستفيدات، اللاتي تدربنّ عليها ضمن خدمات المشروع لتكون نواه لتمكينهنّ اقتصاديًا من خلال عمل مشروعات تدر عليهنّ وعلى أسرهن دخلًا.

وفي ختام المؤتمر، قدمت الدكتورة  إيمان بيبرس درع جمعية نهوض وتنمية المرأة إلى السفارة البريطانية بالقاهرة، تقديرًا لشراكتها الفاعلة في مشروع "لها ومعها".

"نهوض وتنمية المرأة" IMG_4274 IMG_4276 IMG_4275 IMG_4277

مقالات مشابهة

  • المرعاش: انعدام الأمن في طرابلس خطر مستدام والأطفال والنساء أبرز ضحاياه
  • كيف يعيد التأمين المراعي للنوع الاجتماعي رسم خريطة الشمول المالي؟
  • تحولات مفهوم الاستثمار الاجتماعي واحتياجات المجتمع
  • بلمهدي: العنف ضد النساء والفتيات مرفوض شرعًا وأخلاقًا
  • صلاح نجم يكتب العنف ضد الأطفال " أبشع الجرائم الأنسانيه "
  • مصر تحت صدمة جرائم قتل ست الحبايب وسط فجوة حماية مخيفة
  • تزايد معدلات العنف.. ما الحل؟
  • مشروع "لها ومعها" من الخوف للقوة قصة تلخص رحلة آلاف النساء في مواجهة العنف
  • بريطانيا تفرض عقوبات على قيادات قوات «الدعم السريع» في السودان
  • «صيحة» تكشف أرقام صادمة لحالات العنف الجنسي في السودان