تسارعت الأحداث أمس في منطقة «الشرق الأوسط» وذهبت إلى مسار سقطت فيه كل الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك التي كانت قد بدأت تتداعى بين إيران وإسرائيل منذ أبريل الماضي، وذهب الجميع، فيما يبدو، إلى خيار «الحرب الشاملة» بعد عام كامل من الاشتباكات المحدودة بين الطرفين، وقع أغلبها في مساحات طرف ثالث.
لم تكن فلول الظلام قد غطت كل مساحات الشرق الأوسط عندما كانت طبول الحرب تسمع في كل مكان، ودخلت المنطقة في مفترق طرق تاريخي، بعد أن شنت إيران هجوما واسعا وغير مسبوق ضرب العمق الإسرائيلي وأسفر عن خسائر دقيقة؛ ردا على إقدام إسرائيل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال وجوده في العاصمة الإيرانية طهران إضافة إلى إقدامها على اغتيال حسن نصر الله أمين عام حزب الله يوم الجمعة الماضي وبين الاغتيالين وقع عشرات آلاف الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى، ونزح الملايين في غزة ولبنان.
وعلى عكس ما أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عند تصعيده الأخير على لبنان سواء بعمليات الاغتيال أو بالهجمات الصاروخية أو محاولات الاجتياح البري لا يبدو هدفه المتمثل في عودة السكان إلى شمال إسرائيل، وفق تعبيره، ممكنا في القريب العاجل.. بل إن الأمر يبدو الآن أكثر تعقيدا مما كان قبل الهجوم الإيراني الذي قد يتسبب في هجرة إلى خارج إسرائيل بالكامل خاصة أن الحدث ستكون له تبعات كبيرة وردود فعل من جانب إسرائيل وكذلك سيدفع حزب الله إلى الرد هو الآخر على حادث اغتيال أمينه العام بشكل لا يقل عن الرد الإيراني.
لقد قاد نتنياهو المنطقة بأكملها إلى حرب ستكون إسرائيل أكبر الخاسرين فيها مهما اعتقدت أنها حققت إنجازات، فما دامت فكرة المقاومة باقية ولو في عقل شخص واحد فإن أمن إسرائيل واستقرارها غير ممكن وسيكون على نتنياهو أن يحدِّث أهدافه على أن تكون أكثر تواضعا مما كانت عليه في بداية الحرب، والتي كان يمكنه تحقيق بعضها على أقل تقدير لو لم يكن اهتمامه منصبا على حماية نفسه من دخول السجن.
لا يبدو تصعيد إيران التاريخي يمكن أن ينتهي عند آخر صاروخ فشلت القبة الحديدية في اصطياده أمس، ولكن الأمر ذاهب، مع الأسف الشديد، إلى حرب شاملة كان العالم يقول إنه يحاول منعها رغم أن أحدا، بما في ذلك أمريكا والاتحاد الأوروبي، لم يعمل جادا من أجل ذلك، بل كانت قوافل الأسلحة تغذي الحرب وتدفع بها نحو المزيد من الاشتعال.
وينظر العالم إلى الوضع الإنساني في غزة وفي جنوب لبنان بكثير من القلق، وتدعو دول غربية لها وزنها إلى حلول تتجاوز الجوانب العسكرية، وإعادة النازحين اللبنانيين الذين تجاوز عددهم المليون نازح خلال أسبوع إلى منازلهم يحتاج إلى ضمانات أمنية طويلة الأمد.. وفي ظل استمرار الحرب، تصبح أي جهود عالمية حتى لتضميد جراح المصابين وتقطيبها شبه مستحيلة، مما يجعل تحقيق الهدف بعيد المنال في الوقت الحالي. لكن هذا الأمر ينطبق أيضا على الإسرائيليين أنفسهم، فأمر عودتهم أقرب إلى المستحيل في ظل استمرار الحرب ولو في حدها الأدنى.
ولذلك لا يبدو هدف نتنياهو قابلا للتحقق.. حتى لو اعتقد أنه يحقق أهدافا يمكن أن تظهر نتائجها على المدى المتوسط خاصة عندما يعتقد أن اغتيال نصر الله يمكن أن يضعف الحزب ويفككه. ولكن حتى لو ضعف الحزب، إلا أن فكرة المقاومة ستبقى قائمة، وتلاشي قواعد الاشتباك بين الطرفين من شأنه أن يزعزع الأمن ليس في شمال «إسرائيل» فقط ولكن حتى في عمقها أيضا.. وكما قال نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله إن إسرائيل قد تندم لأنها اغتالت نصر الله ودفعت الحزب إلى خيارات جديدة كانت مستبعدة خلال رئاسة نصر الله.
كل يوم تستمر فيه الحرب أو يدخل فيه نتنياهو في مغامرة جديدة من شأنه أن يعقِّد المشهد الأمني في المنطقة ويضاعف فرص دخول أطراف جديدة إلى محور المقاومة، وما يحدث في لبنان الآن له تبعات خطيرة على إسرائيل وعلى مستقبل المنطقة بأكملها.. وهذا كله يؤكد نقص الرؤية الاستراتيجية في حكومة نتنياهو وعدم بناء التقديرات الصحيحة لمسار الأحداث.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: نصر الله
إقرأ أيضاً:
فريدمان: نتنياهو خدع ترامب في غزة ولن يحقق النصر الكامل
قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خدع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما خرق وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي وفق حسابات سياسية داخلية كانت الغاية منها بقاءه في السلطة تحت ضغط حلفائه في الائتلاف اليميني المتطرف.
وأوضح فريدمان في مقال بـ"نيويورك تايمز" أن نتنياهو خرق بشكل أحادي اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة تحت ضغط وزير المالية بتسلئيل سموتريتش والمتطرفين الآخرين الذين خيّروه بين استئناف الحرب أو الإطاحة به من رئاسة الحكومة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الإعلام الإسرائيلي يرصد حجم التناقض في التصريحات بشأن المجاعة بغزةlist 2 of 2ماذا يحدث إذا اعترفت بريطانيا بالدولة الفلسطينية؟ صحف بريطانية تجيبend of listوسعيا للبقاء في السلطة -يضيف فريدمان- فقد خدع نتنياهو الرئيس ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وأقنعهما بأنه يستطيع تحرير الرهائن الإسرائيليين في غزة من خلال تصعيد الحرب على حماس ومحاصرة سكان غزة في زاوية صغيرة من القطاع.
ولاحظ فريدمان المعروف بدفاعه القوي عن إسرائيل من منظور ديمقراطي أن ذلك الترتيب كان خطأ فادحا، إذ إن حماس لم تُهزم، وإن إسرائيل اضطرت في النهاية إلى استئناف إمداد الغذاء عبر منظمة تابعة لها هي "مؤسسة غزة الإنسانية" التي كان أداؤها متعثرا لدرجة أن أعدادا لا تحصى من أهل غزة كانوا يُقتلون يوميا أثناء انتظار المساعدات الغذائية.
وفي هذا الصدد، نقل فريدمان عن الكاتب الإسرائيلي عمير تيبون قوله إن "نتنياهو جر ترامب وويتكوف إلى تبني سياسة فاشلة، سياسة لم تُعِد أي رهائن أحياء، وأودت بحياة ما يقارب 50 جنديا إسرائيليا منذ استئناف الحرب في مارس/آذار".
وفي مقال بصحيفة هآرتس بعنوان "كيف سهّل ترامب سياسة نتنياهو لتجويع غزة وفشل في تحرير الرهائن؟" قال تيبون إنه لم يكن هناك مبرر عسكري يدفع نتنياهو لاستئناف الحرب التي أدت إلى مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين، وتسببت في كارثة إنسانية شاملة، وإن عواقب ذلك الفشل ستلاحق إسرائيل لسنوات.
إعلانوتعليقا على مقتل ذلك العدد من الفلسطينيين، قال فريدمان إن الأمر ليس من باب الصدفة، بل هو نتاج أمر أعمق وصفه بالأمر المخزي للغاية الذي يعتمل داخل حكومة نتنياهو المتطرفة، ويتجسد من خلال مجاهرة شخصيات بارزة في الائتلاف الحاكم مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بسياسة من شأنها أن تفضي إلى تجويع العديد من سكان غزة، لدرجة اضطرارهم لمغادرة القطاع تماما.
وأشار فريدمان إلى أن أمر هذه السياسة افتضح أمام الملأ بانتشار صور مروعة للأطفال المجوعين في غزة، وإقرار الرئيس ترامب بأن ما يحدث هناك "مجاعة حقيقية"، وذكر في السياق أن سموتريتش أكد العام الماضي أن منع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة "مبرر وأخلاقي" حتى لو أدى ذلك إلى موت مليوني مدني جوعا.
واعتبر الكاتب الأميركي أن ذلك التصريح وغيره من السياسات الأخرى يعكس وجه الحكومة الإسرائيلية الحالية التي وصفها بأنها سيئة للغاية وتنذر بـ"زوال إسرائيل التي عرفناها"، وهو عنوان مقال كتبه في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 غداة انتخاب تلك الحكومة.
وأوضح فريدمان أن ما قاله سموتريتش يعكس جوهر ما فعله نتنياهو بإسرائيل، والمتمثل في التحالف حكوميا مع من سماهم ممثلي أقلية ظلت مقموعة منذ زمن طويل في التاريخ اليهودي، وهي تؤمن بأن بقاء اليهود في هذه المنطقة يجب أن يكون على حساب الآخرين.
فرديمان: لا أستطيع معرفة كيف ولا متى ستنتهي الحرب، لأن نتنياهو لا يزال يصر على "النصر الكامل" على حماس، وهو ما لن يحققه أبدا، في ظل إصرار الحركة على البقاء في القطاع
وتوقف فريدمان عند الكثير من قرارات حكومة نتنياهو التي انخرطت في حملة متواصلة لسحب السلطة من حُماة إسرائيل المستقلين والأخلاقيين، من مسؤولين أمنيين وعسكريين وقضائيين، وذلك تحديدا لتحقيق أمر لم يسبق لأي حكومة إسرائيلية أن فعلته: ضم الضفة الغربية رسميا، إن لم يكن غزة أيضا، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين.
ويرى فريدمان أن الرئيس ترامب ومبعوثه إلى المنطقة ويتكوف لم يفهما هذا الأمر اعتقادا منهما أن الجميع -بمن في ذلك فلاديمير بوتين ونتنياهو- يتعاملون من منظور تبادل المصالح ويريدون "السلام" أولا وقبل كل شيء، وليس "قطعة" من أوكرانيا أو "قطعة" من الضفة الغربية أو غزة، وبذلك نجح نتنياهو وبوتين في تضليل ترامب وويتكوف لفترة طويلة.
وعن مآل الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة، قال فريدمان إنه لا يستطيع معرفة كيف أو متى سينتهي الأمر، لأن نتنياهو لا يزال يصر على "النصر الكامل" على حماس، وهو ما لن يحققه أبدا، في ظل إصرار الحركة على البقاء في القطاع.