تُعدُّ السياحة البيئية من بين الأنواع السياحية الحديثة التي تعتمد على استثمار البيئة والمواقع الطبيعية والتراثية وتسويقها باعتبارها مواقع جذب سياحي، ولهذا يتم عرض تلك المواقع بوصفها منتجا قادرا على تلبية احتياجات السائحين وتحقيق شعورهم بالإمتاع، إضافة إلى اعتماد هذا النوع من السياحة على قدرته على دمج المجتمع المحلي في المشاركة، من خلال إسهامه في تنفيذ العديد من المشروعات التي تُقام في البيئة المحلية والحضرية، والعمل مع المؤسسات من أجل إنجاح تلك المشروعات، لأنهم جزء أصيل في التخطيط والتنفيذ.
ومنذ أن ظهر مصطلح السياحة البيئية في سبعينات القرن الماضي والعالم منشغل بالكيفية التي يمكن من خلالها استثمار المقومات البيئية والتراثية في زيادة نسبة مساهمتها في اقتصاديات السياحة، إلاَّ أن هذا الاستثمار لا يتعلَّق فقط ببرامج الجذب السياحي سواء للسياحة المحلية أو الخارجية، وإنما بقدرة المجتمعات على المحافظة على البيئة والمواقع المرتبطة بها، وإمكانية تهيئة المواقع التراثية والحفاظ عليها؛ فالسياحة البيئية لا تتحقَّق سوى بتوفُّر البيئة النظيفة الخالية من التلوث، والمتميِّزة بالتوازن الطبيعي، إذ لا يمكن أن تمثِّل المواقع الملوَّثة مناطق جذب حتى وإن كانت جميلة.
ولأن عُمان من الدول التي تتميَّز بالسياحة البيئية، فإنها تتَّصف بمقومات متنوِّعة شكَّلت أساسا لازدهار هذا النوع من السياحة؛ حيث تتوفَّر الحياة البرية، والصحراوية، والجبال والكهوف، والوديان والعيون وامتداد الشواطئ والبحار وعالمها المتنوِّع، إضافة إلى المحميات الطبيعية، والتنوُّع الأحيائي والسلاحف وغيرها، ولهذا فإنها حرصت على الدوام على تحقيق التوازن بين الاستثمار السياحي لهذه المواقع، وحمايتها من أجل تحقيق استدامتها، صونا للتوازن بين برامج التنمية الوطنية وصون الموارد الطبيعية والتراثية، لما تمثِّله من قيمة حضارية وبيئية.
إن السياحة البيئية جزء أصيل في مجال السياحة المستدامة؛ فهي أداة في تنمية المجتمعات المحلية، من خلال إقامة علاقات تكافلية بين المجتمع والبيئة؛ حيث تعتمد السياحة البيئية على اتخاذ إجراءات مسؤولة من أجل حماية البيئة والتراث الثقافي وصونهما، ولهذا فإنه مهما كانت هناك فرص استثمارية فلابد أن تكون ضمن أهداف هذه الحماية من ناحية، ومشاركة المجتمع المحلي من ناحية أخرى، فهذا النوع من السياحة يرتبط بالتنمية المستدامة باعتباره أكثر قدرة على الارتباط بالأنواع السياحية الأخرى كالسياحة الثقافية، والتعليمية، والرياضية والسياحة المائية وسياحة المغامرات وغيرها، فكلها أنواع ترتبط بالبيئة وقدرة المجتمعات على إيجاد أنماط جديدة من البرامج السياحية توازن بين البيئة والسياحة والثقافة والتعليم والاقتصاد.
عليه فإن هذا النوع من السياحة يساعد الدول على تنمية مجتمعها المحلي من خلال توفير مصادر بديلة للاستثمار الاقتصادي المرتبط بالبيئة، لذا فهي الأكثر استدامة، لأن هدفها الحفاظ على الموارد، وخاصة التنوُّع البيولوجي وصون الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية والتراثية؛ فالسياحة البيئية تعتمد على قدرة الدولة على استدامة الموارد من خلال المشروعات التي تقدمها والتي يشارك ضمنها المجتمع بحيث تكون قابلة للتطبيق المستدام.
لذا فإن ما تشهده عُمان خلال العام كله والصيف بشكل خاص من تنشيط للسياحة البيئية، يرتبط بما تتميَّز به من بيئة متنوعِّة وتراث ثقافي غني، إضافة إلى قدرة المؤسسات والمجتمع لإنتاج برامج سياحية وثقافية مرتبطة بالبيئة وقادرة على جذب الزوُّار، فما تشهده محافظة ظفار هذا الموسم من برامج ومناشط، يعتمد على ما تتفرَّد به من مناخ وبيئة متنوعة جاذبة، فهي باعتبارها منتجا سياحيا، تمنح المجتمع الفرص الاستثمارية التي يمكنه من خلالها تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية موازية، على أن يرتبط نهج التخطيط بالحفاظ على البيئة وحمايتها، وهذا ما نجده من مشاركات فاعلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتخصصين في مجالات السياحة البيئية من منظمي الرحلات بأنواعها وأشكالها المتعددة أو المشاركين في الفعاليات والمناشط المصاحبة.
إن مسؤولية المجتمع بوصفه مشاركا فاعلا في السياحة البيئية المستدامة، تقوم على تعزيز الموارد الطبيعية وصونها، من خلال المشاركة الإيجابية ليس من خلال تخطيط البرامج وتنفيذها وحسب، بل أيضا كونه زائرا أو سائحا مؤثِّرا في صناعة السياحة البيئية؛ فكلما كان الزائر واعيا بأهمية البيئة والتراث الثقافي، وقدرتهما على توليد الموارد الطبيعية والاقتصادية، كلما كانت هذه الصناعة قادرة على النمو والاستدامة، فما يتميَّز به السائح البيئي هو حفاظه على موارد البيئة والطبيعة، وتقديره لتراث المجتمع وثقافته، وهي أُسس تقوم عليها السياحة البيئية وتنشط بها الثقافة وتُستدام بها البيئة.
ولأن هذا النوع من السياحة يرتبط بالبيئة والمجتمع بشكل مباشر فإنها تواجه الكثير من التحديات المتعلِّقة بالتخطيط وكيفية الحفاظ على مواقع السياحة البيئية، وتطوُّير الصناعة السياحية بما يعود على المجتمع بالمنافع الاقتصادية، إضافة إلى ما تمثِّله هذه السياحة من تحديات مرتبطة بالثقافة المحلية، ووعي الزائر أو السائح بأهمية الحفاظ عليها. إن السياحة البيئية تحتاج إلى وعي المجتمع بأهمية الحفاظ على المكتسبات الطبيعية التي تتمتع بها أوطاننا.
إن السياحة البيئية إذا ما أحسنَّا التعامل معها ووعينا أهميتها، فإنها تُسِهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزِّز الإشراف عليها وتحمي الموارد الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى أهميتها لأفراد المجتمع المحلي في فتح فرص لنجاح مشروعاتهم سواء أكانت مرتبطة بالصناعة السياحية مباشرة أو بالأنشطة المساندة لها، ولهذا فإنها تزدهر كلما كان المجتمع واعيا وفاعلا إيجابيا، ومطوِّرا ومجدِّدا في مشاركته، وقادرا على إيجاد التوازن بين أنماط السياحة البيئية وموارد الطبيعة.
لذلك فإن علينا في موسم السياحة البيئية أن نُحسن التعامل مع البيئة باعتبارنا سائحين بيئيين، واعين بحياة الموارد الطبيعية ومساهمين في الحفاظ عليها من ناحية، وملتزمين بالأنظمة والسياسات التي تسنها الدولة للحفاظ على البيئة وصون الموارد الطبيعية من ناحية ثانية. إن الاستمتاع بالبيئة والأجواء المناخية التي تتميَّز بها عُمان، خاصة في مواسم السياحة، لا يعني القضاء عليها أو عدم المحافظة على أصولها، من منطلق أنها قادرة على الحياة في الموسم القادم، فالموارد الطبيعية لها نظام بيئي علينا احترامه، واتِّباع القواعد الأخلاقية التي تحمي ذلك النظام.
إن السياحة البيئية بما تتميَّز به من مشاركة مجتمعية محلية قبل أن تكون إقليمية أو دولية، فإن استدامتها غاية المجتمعات؛ لما تمثِّله من أهمية في تنمية القطاعات الأخرى، فكلما نشطت هذه السياحة وازدهرت كلما ازدهر المجتمع المحلي، وتحسَّنت الأوضاع الاقتصادية للأفراد، لأنهم مشاركون في الفعل السياحي، وقادرون على إحداث التغيير للأفضل، ولهذا فإن السياحة تعتمد على أفكار الأفراد ومساهماتهم وبرامجهم، كما تعتمد على المؤسسات المعنية.
فلنكن واعين بالبيئة، محافظين عليها، قادرين على المشاركة الفاعلة والإيجابية، والأمر هنا لا يتعلَّق بفعل السياحة وحده، وإنما أيضا بكل ما يقدِّمه ذلك السائح أثناء الزيارة بدءا من وجوده في المواقع وانتهاءً بما يكتبه أو يصوِّره في مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ عليه أن يقدِّم الوجه الإيجابي، والصورة المُثلى للوطن، التي تُسهم في ازدهار هذه السياحة، وتنمية قدرتها على الاستدامة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الموارد الطبیعیة المجتمع المحلی الحفاظ على تعتمد على إضافة إلى من ناحیة من خلال التی ت
إقرأ أيضاً:
"البيئة وضرورة الحفاظ عليها.. الماء والهواء نموذجا" فعاليات الأسبوع الثقافي بأوقاف الفيوم
انطلقت فعاليات اليوم الثاني من الأسبوع الدعوي بمسجد الفتح،التابع لإدارة بندر ثان بالفيوم، بعنوان: "البيئة وضرورة الحفاظ عليها..الماء والهواء نموذجا "، حاضرفيه الشيخ يحى محمد، مدير الدعوة، والشيخ طه علي، مسؤول المساجد بالمديرية، وحضر جمع غفير من رواد المسجد.
في إطار الدورالتثقيفي الذي تقوم به وزارة الأوقاف المصرية، وتنفيذا لتوجيهات وزير الأوقاف الدكتورأسامة السيد الأزهري، وبرعاية كريمة من الشيخ سلامة عبد الرازق، وكيل وزارة الأوقاف بالفيوم .
وخلال اللقاء، أكد العلماء أن الإسلام اعتنى بالبيئة والكون وحث على الاهتمام بهما والمحافظة عليهما، وشرع لتحقيق ذلك كمًّا كبيرًا من التشريعات التى تهدف إلى تحقيق التوازن البيئى والأستقرار فى هذا الكون الفسيح، وأعتبر الإسلام حماية البيئة ورعايتها مسئولية الجميع، وهى أمانة فى أعناق الأمة، وتتحمل وزرالتقصير فى أدائها أمام الله تعالى، قال:"إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا".
كما أشار العلماء، أن الإسلام أعتبر ما فى هذا الكون من مخلوقات حية وغير حية سخرت وذللت لخدمة الإنسان ورعايته وبقائه، فالأرض وما فيها من خيرات تحقق هذا المقصد الربانى العظيم، كما أن السماء وما فيها من شموس وكواكب وهواء وما ينزل منها من ماء مبارك جزء من هذا الكون، وآية من آيات الله تعالى ونعمة عظيمة لكل المخلوقات على هذه الأرض الواسعة.
وفي الختام أوضح العلماء،أن النصوص الشرعية تحذر من إفساد مقومات البيئة أو الإضرار بها، وقد بينت أن تجرؤ الناس على إفساد مقومات البيئة وثرواتها المائية والنباتية والحيوانية وغيرها ضرب من ضروب التسلط والعدوان، مشددين على أن المقصود الأساس للشريعة الإسلامية والذى اتفقت عليه كلمة العلماء يتمثل فى المحافظة على مقومات الحياة من الدين والنفس والنسل والعقل والمال والوطن، ومن المعلوم بالقطع أن تلوث البيئة يضر بهذه المقومات، إما ضررًا كليًّا يصل إليها فيفسدها ويفوت الحياة على أهلها ويرجع أصحابها بالخسران فى الآخرة، أو ضررًا جزئيًّا فى أحيان كثيرة تفوت من خلاله المصالح الحاجية والتحسينية، وتوقع الحرج والمشقة لدى فئات من الناس من جراء تلوث المياه بالنجاسات وبالآفات التى تصيب الثروة النباتية والحيوانية، أو بنشر الروائح الكريهة والمناظر القبيحة التى تشوه جمال الطبيعة، وتأنفها العقول السليمة، وتسيء للآداب ومكارم الأخلاق.
وكيل اوقاف الفيوم يجتمع بالمفتشين ومديري إدارات أبشواي والعجميين والشواشنة 7cc579d9-0015-4734-a58e-b86ccf567603 921c6a52-e9af-4ee9-b70f-7d7a0b8699c2 9728b371-1eb6-457f-a27e-8566267fe2b5 bdfa8d80-dda3-482c-888c-6ee6a519939b