أزمة الاقتصاد السوداني تتفاقم.. زيادة الدولار الجمركي وانتشار النقود المزيفة
تاريخ النشر: 9th, October 2024 GMT
لا تزال أزمة الاقتصاد السوداني تراوح مكانها بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط تدهور متزايد للأوضاع الاقتصادية في ظل شلل قطاعات الإنتاج وغياب الحلول الحكومية. مع توقف الإنتاج والصادرات، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، يزداد الوضع سوءًا نتيجة لتحكم السوق السوداء في أسعار العملات وانتشار النقود المزيفة.
أثار قرار الحكومة السودانية برفع سعر الدولار الجمركي مجددًا إلى 1250 جنيهًا في أكتوبر 2024 حالة من الفوضى في الأسواق. هذا القرار جاء بعد زيادة سابقة في يناير 2024 رفعت سعر الدولار الجمركي من 650 إلى 950 جنيهًا، في محاولة لتغطية العجز الكبير في الإيرادات. لكن هذه الزيادات تسببت في ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، مع عدم استقرار سعر صرف الدولار الذي سجل مستويات قياسية تجاوزت 2750 جنيهًا للدولار الواحد.
تفاقم أزمة النقود المزيفةإلى جانب أزمة العملات الأجنبية، يواجه الاقتصاد السوداني مشكلة أخرى تمثلت في انتشار النقود المزيفة، خاصة في ولايات دارفور التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. أفاد سكان محليون بانتشار عملات مزيفة من فئات 500 و1000 جنيه، مما أدى إلى شلل في التعاملات التجارية في هذه المناطق، وسط تدهور إضافي في الأوضاع المعيشية بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
تداعيات الحرب على الإنتاج والاقتصادالحرب أدت إلى خروج 80% من المناطق الزراعية من دائرة الإنتاج، وارتفاع معدلات التهريب في البلاد. كما توقفت صادرات الثروة الحيوانية، وأصبحت الحكومة عاجزة عن السيطرة على الاقتصاد في ظل تمدد الحرب. ومع استمرار غياب الدعم الخارجي، تتوقع تقارير اقتصادية تحول السودان إلى منطقة محفوفة بمخاطر التجارة غير المشروعة والعصابات المسلحة.
تأثير الأزمة على المواطنيننتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، يعاني المواطنون من ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، ونقص حاد في الغذاء والوقود.
الكثير من الموظفين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر، وأصبحوا مضطرين للتكيف مع الظروف الصعبة بتناول وجبة واحدة يوميًا. في نفس الوقت، أغلق العديد من التجار متاجرهم بسبب الركود الاقتصادي وتضاعف الأسعار.
يشير مراقبون اقتصاديون إلى أن استمرار الحرب سيؤدي إلى انهيار اقتصادي شامل، ما لم تتوقف الحرب أو يحصل السودان على دعم دولي كبير لإنقاذ اقتصاده.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: السودان أخبار السودان الدولار الجمرکی
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد الإنتاجي في العالم العربي
حين ظهرت المصانع الأولى في إنجلترا، كان ذلك إعلانًا عن عصر جديد تغيّرت فيه طريقة التفكير قبل أن تتغير الأدوات. العمل أصبح علماً قائماً على القياس والتنظيم، والإنتاج تحول إلى وسيلة لترسيخ النظام الاجتماعي والاقتصادي. ومع تزايد الوعي بقيمة التنظيم وتطور أدوات الإنتاج، مهدت التحولات الفكرية والاجتماعية لمرحلة جديدة تجسدت في الثورة الصناعية، حيث استخدم الإنسان المعرفة لتوسيع سيطرته على الطبيعة، وتحوّلت المصانع إلى مراكز أعادت رسم المدن والمجتمع والسياسة.
التجربة الغربية تأسست على استثمار طويل في التعليم والتقنية والإدارة. الجامعات تحوّلت إلى محركات للبحث الموجه نحو السوق، والمصارف إلى مؤسسات تموّل الأفكار التي تملك جدوى اقتصادية واضحة. هذا التلاقي بين المعرفة ورأس المال أنتج نموذجاً جعل الإنتاجية معيار التقدّم، وربط التقدم بالقدرة على تحويل الفكرة إلى منتج والخبرة إلى قيمة.
بنية التفوق الغربي
النهضة الصناعية الغربية قامت على فكرة التنظيم الشامل. جميع المرافق، من خطوط الإنتاج إلى المكاتب الحكومية كانت جزءاً من منظومة تعمل بتسلسل دقيق. القانون أوجد استقراراً يسمح بالمخاطرة المحسوبة، والتعليم التقني وفّر الكوادر التي تبني وتبتكر وتدير. ومع توسع التجارة، ظهرت شبكات اقتصادية عابرة للحدود نظّمت العلاقة بين المصانع والمصارف المالية وطرق التجارة. هذا التشابك منح الصناعة الغربية موقع القيادة، وجعل الاقتصاد محور القرار السياسي.
ما يجب أن نعيه هو أن مصدر التقدم في التجربة الغربية لم يأتِ من الآلة وحدها، بل من هندسة العلاقات حولها، من تنظيم العمل، وتوزيع المسؤوليات، وبناء الثقة بين المستثمر والعامل، وتكريس فكرة الزمن والوقت كمورد إنتاجي وجزء من رأس المال الذي يجب استثماره. هكذا أصبح الانضباط قيمة اجتماعية، وأصبحت المصانع مدارس للحداثة، والعقل الصناعي نموذجاً للسلوك العام.
التحولات في القرن الحادي والعشرين
الاقتصاد العالمي اليوم يعيد رسم خرائط الإنتاج من جديد. الميزة لم تعد في امتلاك المواد الخام، وإنما في السيطرة على سلاسل القيمة وعلى مفاتيح التكنولوجيا. الشركات العابرة للقارات تجاوزت مرحلة تصنيع السلع إلى بناء القواعد الموجهة للأسواق، وكمراكز لهندسة السياسات الاقتصادية والتجارية، بمؤسساتها التي أصبحت تدير البيانات والمعلومات وتضع المعايير التي تتحكم في إيقاع التجارة العالمية. هذه البنية الجديدة تمنح من يمتلك التقنية والمعرفة موقعاً متقدماً حتى إن كانت موارده محدودة.
في المقابل، يشهد العالم سباقاً محموماً نحو الطاقة المتجددة، والصناعات المتقدمة، والتقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي. هذا التحول خلق واقعًا جديدًا تتقدّم فيه الدول القادرة على توظيف المعرفة وتعبئة الموارد المالية داخل منظومة إنتاج ذكية. ومع تصاعد هذا النمط من الاقتصاد القائم على التقنية، نشأت مجموعة جديدة من الاقتصادات الصاعدة التي اعتمدت على التخطيط العلمي، والتعليم التطبيقي، والمشروعات المشتركة بين الدولة والقطاع الخاص.
التحدي العربي
الاقتصاد العربي يمتلك ثروة مالية وطبيعية وبشرية، لكنه يفتقر إلى منظومة إنتاج متماسكة. الاعتماد المفرط على الريع جعل النمو هشاً ومتقلباً. تجاوز هذا الوضع لا يمكن تغييره إلا بإعادة بناء العلاقة بين التعليم والصناعة. الجامعات بحاجة إلى التحول من مراكز للمعرفة النظرية إلى مؤسسات للبحث التطبيقي، والمصانع بحاجة إلى أن تصبح ساحات تدريب حقيقية للمهارات الجديدة.
المنطقة العربية بإمكانها أن تؤسس لتكامل صناعي واسع إذا نجحت في ربط طاقاتها المتعددة ضمن شبكة واحدة تجمع بين موارد الخليج، والعمالة الماهرة في شمال أفريقيا، والموقع الجغرافي الذي يصل آسيا بأوروبا، بما يتيح بناء سوق إقليمية قادرة على المنافسة العالمية. هذه المزايا عندما تُدار برؤية واحدة تخلق سوقاً إقليمية قادرة على المنافسة العالمية.
التحول المنشود لا يمكن أن يتوقف عند السياسات الاقتصادية، بل يجب أن يمتد إلى البنية الثقافية للمجتمع. ثقافة تقدير العمل المنتج يجب أن يحتل موقعاً مركزياً في الوعي الجمعي، فالمجتمعات التي تضع قيمة الجهد والإتقان في صميم ثقافتها تنجح في بناء اقتصاد قوي مهما كانت مواردها محدودة.
النموذج الإنتاج العربي
إجمالاً، التحول إلى اقتصاد إنتاجي في العالم العربي يتطلب مشروعاً يوازن بين تحقيق التنمية واقتصاد وطني قائم على العدالة والفرص المتكافئة بما يضمن استقرار المجتمع. الطاقة المتجددة، والصناعات الغذائية والدوائية، والتقنيات الرقمية تشكل مداخل عملية لبناء هذا النموذج. المطلوب هو سياسات تمويل ذكية تربط الاستثمار بالابتكار، وتشريعات تضمن استقرار الأسواق وتحافظ على قواعد المنافسة النزيهة، ومؤسسات قادرة على تحويل الخطط إلى نتائج ملموسة.
حين يُعاد تنظيم العلاقة بين المعرفة والعمل والموارد المالية، تتكوّن بيئة تدفع باتجاه الإبداع وتُقوّي الاعتماد على القدرات المحلية. التغيير الحقيقي يبدأ من بناء ثقة جديدة بين المجتمع والدولة حول معنى الإنتاج ودوره في بناء المستقبل. في هذه البيئة، يصبح الإنتاج جزءاً من الهوية الوطنية، ويتحول التعاون بين المجتمع والدولة إلى طاقة دافعة للتنمية المستدامة من الداخل.