بين التصعيد المدمر والاحتواء.. كيف ستتشكل ملامح المرحلة المقبلة في لبنان؟
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
في إطار الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ “الصدمة والرعب”، كما أشار إليها دانيال بايمان، وسيث جي جونز، وألكسندر بالمر، في تقرير أمني نُشر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن، في 4 أكتوبر 2024، تحت عنوان: “التصعيد إلى حرب بين إسرائيل وحزب الله وإيران”، تُنفذ إسرائيل عمليةً عسكريةً “سهام الشمال” في جنوبي لبنان، غير أن العملية لم تكن مفاجئةً للمراقبين العسكريين والمحللين السياسيين؛ نتيجة سخونة تلك الجبهة منذ أكثر من عام، إلا أن المفاجأة تمثلت في السرعة التي نجحت بها إسرائيل في تحييد قيادات حزب الله البارزين، وفي مقدمتهم زعيم الحزب حسن نصر الله، وضرب عدد من قوات النخبة التابعة له، عبر عمليات رصد استخباري، وسطع جوي، وقصف مكثف على مدار الأسبوعين الماضيين.
تكبد حزب الله خسائر فادحة تتجاوز خسارة قادته الكبار، وتدمير بعض مخزونات أسلحته، تمثلت في فقدان هيبته ودوره الفاعل لدى جمهوره والمناصرين له، حيث اِنهارت أسطورة “حزب الله الذي لا يُقهر” بسرعة، ووجد أكثر من مليون لبناني أنفسهم في الشوارع، ونازحين داخل لبنان، وإلى سورية، بعد أن دمّر الإسرائيليون أكثر من 50 قرية ومزرعة في جنوب لبنان، وهو ما يجعل لبنان على مفترق طرق بين التصعيد الإسرائيلي المدمّر، والاحتواء الدبلوماسي المعقّد لهذه الحرب.
حسابات حزب الله الخاطئة، وتوجه إسرائيل نحو الشمال
على مدى عامٍ كاملٍ، أصبحت إسرائيل أقل ردعًا؛ ففي البداية جاء هجوم المقاومة الوطنية الفلسطينية من داخل غزّة في 7 أكتوبر 2023، ومن ثم تلاه التأثير التراكمي لرشقات “حزب الله” الصاروخية المتقطعة على مستوطنات شمالي إسرائيل، ورغم أن تلك الضربات لم تكن مؤثرّة على مستوى التغيير الميداني، فهي لم تدفع الإسرائيليين إلى التوقف عن استهداف غزّة، أو تُؤثر في قدرة الجيش الإسرائيلي، لكنها وضعت ضغوطاً متزايدة على إسرائيل، وخصوصاً أن تلك الهجمات أدت إلى نزوح نحو 60,000 مدني إسرائيلي من مستوطناتهم وقراهم على طول الحدود المحتلة مع لبنان (Matthew Levitt، 2024).
ومع مرور الوقت فقد الإسرائيليون صبرَهم من مناوشات حزب الله، وفي العام الماضي، قبل ثلاثة أشهر من 7 أكتوبر 2023، هدد حسن نصر الله إسرائيل بعبارات لا لبس فيها: “ستعودون إلى العصر الحجري إذا ذهبتم إلى الحرب”. وزاد تأثر نتنياهو بما كان يكرره حسن نصر الله حول إيمانه العميق بأن يوم السابع من أكتوبر “يوم نصرة مسرى ومعراج النبي العدنان”، والأحداث التي تلته كشفت عن أن إسرائيل “أضعف من بيت العنكبوت”، وقوله: “إن المجتمع الإسرائيلي وجيشه يبدوان قويين، لكن مع مرور الوقت سيهزمان بسهولة”، ومع استمرار قلق المجتمع الإسرائيلي، وبعد تقليص جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية الرئيسية في غزّة، ازداد التأييد لفكرة أن الجيش يجب أن يفعل ما عليه فعله؛ لتمكين المدنيين من العودة إلى ديارهم في مدن ومستوطنات الشمال (Matthew Levitt، 2024).
لحظة الفرصة النادرة لإسرائيل في لبنان
بعد سلسلة من الهجمات الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية التي أدت إلى تدهور القدرة القتالية لحزب الله تدهوراً شديداً، وتفكك كوادره القيادية. ومع قصف مقر القيادة العسكرية لحزب الله، ومقتل زعيمه حسن نصر الله، في 27 سبتمبر 2024، وتصدُّع بناء أحد أهم المرتكزات العسكرية التي تعتمد عليها إيران في المنطقة، إذ كان حزب الله يشكل العمود الفقري لشبكة أتباع وحلفاء إيران المسلحين، أو ما يسمى بمحور المقاومة، تأتي لحظة الفرصة النادرة لإسرائيل، إذ أعلن رئيس وزراء لبنان المؤقت نجيب ميقاتي دعم حكومته لتنفيذ “قرار مجلس الأمن رقم 1701″، وهو القرار الذي أُقِر في يوليو عام 2006، الذي نص على أن “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) ستساعد الجيش اللبناني على ضمان أن تكون المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود مع فلسطين المحتلة خالية من أي عناصر مسلحة، أو أصول، أو أسلحة غير حكومية” (David Schenker، 2024).
وعبر سياسة العصا والجزرة التي تعتمدها إدارة نتنياهو في محاولة تغيير الوضع القائم في الشرق الأوسط، وتقسيم المنطقة بخرائطه إلى مناطق سوداء “أعداء” وخضراء “أصدقاء” لإسرائيل، وبدعم أمريكي، ظهرت مبادرات تفاوضية برعاية غربية، ورغم إعلان قيادة حزب الله رغبتها في الهدنة، واستعدادها للانفكاك عن جبهة غزة، فإن قتل الأمين العام الثاني هاشم صفي الدين، وعدد من القيادة العليا بعد حسن نصر الله، واستهداف شبكة الأنفاق الواسعة في الجنوب، وممرات السلاح على الحدود السورية، وعدم تعاضد إيران بشكل مؤثر مع حليفها، أعطى إسرائيل فائض قوة، وربما أرادت إسرائيل وحلفاؤها إضعاف “حزب الله” إلى الحد الذي يُمكّن الجيش اللبناني الضعيف من الانتشار في جنوبي نهر الليطاني إلى حدود فلسطين المحتلة.
ويشير مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إلى أن تنفيذ “قرار مجلس الأمن رقم 1701″ سيتطلب نشر نحو 6,000 جندي من الجيش اللبناني للقيام بدوريات في منطقة الحدود اللبنانية مع إسرائيل، بالتعاون مع نحو 11,500 من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل). وبعد انسحاب جميع العناصر المسلحة لـ”حزب الله” سيكون من المفترض أن تتمكن هذه القوات من التحرك بحرّية في جميع المناطق الواقعة جنوبي نهر الليطاني، والبحث بنشاط عن الأسلحة المتبقية، والاستحواذ عليها، وتفكيك مواقع “حزب الله”، ومنصات الإطلاق، وضمان عدم إعادة تسلل عناصر الحزب أو أي مليشيا إلى المنطقة، وقد يتيح الدعم الغربي والخليجي (من وجهة النظر الأمريكية) لتنفيذ هذه الجهود في تهدئة المناطق الجنوبية من لبنان.
المضي قدماً إلى الأمام.. كيف ستتشكل ملامح المرحلة المقبلة في لبنان؟
نظراً للجمود السياسي المزمن في لبنان، وتأثير إيران العميق، فإن تغيير المسار العام للسياسة اللبنانية أمر بعيد المنال في أفضل الأحوال، ولكن مع ضعف حزب الله، وبعد عامين من إغلاق قصر بعبدا لعدم وجود رئيس، سيكون تصويت مجلس النواب اللبناني على رئيس جديد تطوراً مُرحباً به.
وعلى نفس القدر من الأهمية لتحقيق الأمل البعيد في قيام لبنان مستقر، ذي سيادة، تنفيذ “قرار مجلس الأمن رقم 1559″، الذي ينص على نزع سلاح المليشيات في لبنان، ولكن يبدو تنفيذ هذا القرار هدفاً بعيد المنال؛ بسبب بعض العراقيل المؤسسية، والبنية الثقافية داخل الجيش، الذي تبنى خلال عقدين سابقين شعار الحزب “الجيش، الشعب، المقاومة”، حيث تُدرِّس كتيبات التوجيه الخاصة بالحزب المجندين اللبنانيين الجدد “الجيش والمقاومة معاً”، هذا بالإضافة إلى طبيعة التركيبة الطائفية للجيش اللبناني، واِختراقه من قبل “حركة أمل” و”حزب الله”، ولذلك فإن مسألة الانضباط والتغيير قضية إشكالية في المرحلة القادمة (David Schenker، 2024).
وبطبيعة الحال، وحسب ما رأت الباحثة اللبنانية المتخصصة في السياسة الشيعية في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى حنين غدار: “فإن الضربات الإسرائيلية المستمرة قد أتاحت فرصة كبيرة لبدء العملية الدبلوماسية والسياسية قبل أن يستيقظ الحزب من الصدمة” ((Hanin Ghaddar,2024، ولذلك فإني أرجّح ثلاثة احتمالات في المرحلة المقبلة في لبنان، على النحو الآتي:
1- حرب مفتوحة: تحوّل كتائب مليشيا حزب الله إلى عصابات شوارع، وتضم آلاف المقاتلين المسلحين، بدعم من مجتمع خائف خياراته محدودة. ومن شأن ذلك أن يكون الوصفة المثالية للانبعاث الطائفي من جديد، ما قد يجعل لبنان أرضاً خصبة لجميع أنواع الفصائل الجهادية العابرة للحدود، والتي تزدهر في مثل هذه الصراعات، وخاصة مع غياب مؤسسات الدولة، وعدم قدرة الجيش على القيام بدوره.
2- التوسع إلى حرب إقليمية: نتيجة رفض النظام الإيراني التخلي عن حزب الله، وقد يأمر الحرس الثوري بالتركيز باهتمام أكبر على إعادة بناء الحزب، وترتيب كوادره القيادية، وتتبنَّى إيران في هذه المعركة نهجاً عملياً أكثر من خلال إرسال مستشارين وجنرالات على الأرض، حتى تُدرَّب وتعيَّن فئة جديدة من قادة “حزب الله” الشباب. ومن المرجَّح أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الضربات الإسرائيلية المدمّرة، والتوسع البرّي، وربما تدور حرب شبيهة بحرب غزّة، وتدخل فيها أطراف من خارج الإقليم.
3- تغيير الوضع السياسي والأمني القائم: تفكيك قوات حزب الله، على مبدأ الخبير الاستراتيجي العسكري توماس شيلينغ: “ما تريده إسرائيل الآن هو أن مزيداً من الضرر القادم هو الذي يمكن أن يجعل شخصاً ما يستسلم أو يمتثل”. ويتضمن هذا الاحتمال انتشار الجيش اللبناني واليونيفيل بين نهر الليطاني وحدود فلسطين المحتلة، وبقاء الإسرائيليين فترة داخل لبنان، بجهود الدبلوماسية الأمريكية والفرنسية؛ بهدف الحيلولة دون توسيع دائرة الحرب، وهنا قد تترك إيران حليفها “حزب الله” بمفرده لمعرفة هويته، ومهمته الجديدة، في حين يثبت الجيش اللبناني استعداده، وقدرته على احتواء العصابات المسلحة، ومنع العنف الطائفي على نطاق واسع بدمج بعض تلك التشكيلات في قواته “مطلب فرنسي”. ويتم اختيار الرئيس اللبناني الجديد. وظهرت عدة تقارير تبين لقاءات مسؤولين غربيين مع الإيرانيين واللبنانيين في بيروت، وهناك ترجيح لاختيار رئيس لبناني، وهو إما جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، أو قائد الجيش جوزيف خليل عون (حسب مصادر الإعلام)، وهذا هو الخيار المثالي، وربما يكون الاحتمال الأسلم بنظر الفاعلين الإقليميين والدوليين؛ لتجنب الاحتمالين الآخرين اللذين يقودان إلى تدمير وفوضى في لبنان.
المراجع:
Matthew Levitt, After Hezbollah’s Miscalculations, It Has Lost Much of Its Power, The Washington Institute, Oct 1, 2024. At:
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/after-hezbollahs-miscalculations-it-has-lost-much-its-power
David Schenker, In Lebanon, a Rare Moment of Opportunity, The Washington Institute, Oct 8, 2024.
In Lebanon, a Rare Moment of Opportunity | The Washington Institute
Hanin Ghader, A Roadmap to an Enduring Ceasefire in Lebanon, The Washington Institute, Oct 9, 2024, at:
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/roadmap-enduring-ceasefire-lebanon
Daniel Byman, Seth G. Jones, and Alexander Palmer, Escalating to War between Israel, Hezbollah, and Iran, Center for Strategic and International Studies – CSIS, October 4, 2024, at; Escalating to War between Israel, Hezbollah, and Iran (csis.org)
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الجیش اللبنانی نهر اللیطانی حسن نصر الله فی لبنان حزب الله The Washington أکثر من
إقرأ أيضاً:
الرئيس اللبناني: تعبنا من حروب الآخرين على أراضينا وعلينا وقف الانتحار وسحب سلاح حزب الله
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- زار الرئيس اللبناني، جوزاف عون وزارة الدفاع، بمناسبة عيد الجيش، الخميس، وألقى كلمة أكد فيها، ضرورة حصر السلاح بيد الدولة من كل الجماعات بما فيها حزب الله، وأنه يجب علينا أن "نوقف الموت والدمار والانتحار على أراضينا"، بحسب الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام.
وقال جوزاف عون: "أيها العسكريون، يا رفاق السلاح، قبل نحو أربعين عاما، أقسمت مثلكم قسما صار لي حياة، وقبل نحو ثمانية أشهر، أقسمت أمام اللبنانيين، قسما لا رجوع عنه...أدرك أن شعبا يستحق الحياة، لا يترك شهداءه، يسقطون مرتين، مرة في الدفاع عنه، ومرة بالنسيان أو الإنكار أو المساومات، فكل شهيد قاتل وقاوم وسقط من أجل لبنان، أيا كان مسقط رأسه أو قبلة ربه، هو ذخر لنا".
وأضاف الرئيس اللبناني: "والوفاء للشهداء ولتضحياتهم وللقضية التي ارتقوا من أجلها، يقتضي منا جميعا، أن نوقف الموت على أرضنا، وأن نوقف الدمار، وأن نوقف الانتحار، خصوصا حين تصبح الحروب عبثية مجانية ومستدامة، لمصالح الآخرين. وذلك حفاظا على كرامة شعبنا وأرضنا ودولتنا ووطننا"، حسب قوله.
وأوضح عون: "لا مؤسسة في الدولة اللبنانية، يجمع عليها اللبنانيون، أكثر من الجيش اللبناني. ولا مؤسسة قدمت التضحيات، مثل مؤسسة الجيش. ولا مؤسسة صمدت في وجه الفساد والضيق معا، كصمود الجيش. ولا مؤسسة حمت وحدة لبنان، وضمنت أمنه، مثل عناصر وضباط الجيش. فقد انهار اقتصاد كامل، ولم تنهر. واستبيحت الحدود والسيادة، ولم تستسلم"، طبقا لما نقلت عنه الوكالة الوطنية اللبنانية الرسمية للإعلام.
وأردف جوزاف عون قائلا: "من هنا، واجبي وواجب الأطراف السياسية كافة أن نقتنص الفرصة التاريخية، وندفع من دون تردد، إلى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، دون سواها، وعلى الأراضي اللبنانية كافة، اليوم قبل غد. كي نستعيد ثقة العالم بنا، وبقدرة الدولة على الحفاظ على أمنها بوجه الاعتداءات الإسرائيلية، التي لا تترك فرصة إلا وتنتهك فيها سيادتنا. كما بوجه الإرهاب الذي يرتدي ثوب التطرف، وهو من الأديان براء".
وقال: "لقد انتهكت اسرائيل السيادة اللبنانية آلاف المرات، وقتلت مئات المواطنين، منذ اعلان وقف إطلاق النار عام 2024"، طبقا للوكالة.
وأردف: "أوكلت للجيش مهمات تطبيق وقف النار. بالتنسيق مع اللجنة العسكرية الخماسية. وتمكن من أن يبسط سلطته على منطقة جنوب الليطاني غير المحتلة، وأن يجمع السلاح، ويدمر ما لا يمكن استخدامه منه. وهو مصمم على استكمال مهامه".
وأشار الرئيس اللبناني إلى أن الجانب الأمريكي قد "عرض علينا مسودة أفكار، أجرينا عليها تعديلات جوهرية"، وتشمل في أهم بنودها: وقف فوري للأعمال العدائية الإسرائيلية، في الجو والبر والبحر، بما في ذلك الاغتيالات، وانسحاب إسرائيل خلف الحدود المعترف بها دوليا، وإطلاق سراح الأسرى، وبسط سلطة الدولة اللبنانية، على كافة أراضيها، وسحب سلاح جميع القوى المسلحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني، وتأمين مليار دولار أمريكي سنويا، ولفترة 10 سنوات، من الدول الصديقة، لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وتعزيز قدراتهما، وإقامة مؤتمر دولي للجهات المانحة لإعادة إعمار لبنان في الخريف المقبل، وتحديد وترسيم وتثبيت الحدود البرية والبحرية مع سوريا، وحل مسألة النازحين السوريين، ومكافحة التهريب والمخدرات، ودعم زراعات وصناعات بديلة.
وأكد جوزاف عون: "لقد تعبنا من حروب الآخرين وحروبنا على أرضنا، ومن رهاناتنا ومن كل المغامرات. وآن لنا أن ننهي أعذار وأطماع أعدائنا الذين يستثمرون في انشقاقاتنا وهواجسنا. والذين واجهناهم أحيانا فرادى من خارج أطر الدولة، اعتقادا من بعضنا، ولو عن حسن نية، بأن الدولة أضعف من أن تقاوم. أو أن العدو هو في الداخل. أو أن طرفا خارجيا يدعم أحدنا، سيحارب نيابة عنه. وقد سقطت هذه الأوهام كلها. بعدما أسقطت الآلاف من شهدائنا ودمرت قسما كبيرا من وطننا".
وأضاف: "ليس أضمن من سلاح الجيش بوجه العدوان. جيش وراءه دولة مبنية على المؤسسات والعدالة والمصلحة العامة. فلنحتم جميعا خلف الجيش. لأن التجربة أثبتت أن سلاحه هو الأمضى، وقيادته هي الأضمن، والولاء له هو الأمتن".
وتابع: "ندائي إلى الذين واجهوا العدوان، أن يكون رهانكم على الدولة اللبنانية وحدها. وإلا سقطت تضحياتكم هدرا".
وقال عون: "للمرة الألف أؤكد لكم، أن حرصي على حصرية السلاح، نابع من حرصي على الدفاع عن سيادة لبنان وحدوده، وعلى تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة".
وأضاف: "أيها الجيش اللبناني الأبي، لقد دفعت الكثير من رصيدي الشعبي، كي أجنبك وأجنب الشعب اللبناني حروبا أو صراعات عبثية. ولكن ساعة الحقيقة بدأت تدق. فالمنطقة من حولنا في غليان، وهي تتأرجح بين حفة الهاوية وسلم الازدهار. فعلينا اليوم أن نختار، إما الانهيار، وإما الاستقرار. أنا اخترت العبور معكم، بوطننا لبنان نحو مستقبل أفضل لجميع أبنائه. معا، لن نفرط بفرصة إنقاذ لبنان ولن نتهاون مع من لا يعنيه إنقاذ، أو لا يهمه وطن".