عادة ما يقف غياب الحوار وراء كل الاضطرابات التي تعصف بالعلاقات سواء الإنسانية أو تلك التي تقوم بين الكيانات السياسية ففقدان التواصل كفيل بصنع الأزمات وتضخيمها بل وإحالتها إلى إشكالات عميقة تُكلف حلحلتها أثمانًا باهظة.
ولا يعنينا هنا الحديث عما يترتب على تعذر الحوار بين الدول فذاك أمره متروك للساسة وتحكمه قواعد منظِمة ومصالح معقدة رغم أنه سبب كل المآسي التي يُعاني منها عالم اليوم إنما يهمنا دور الحوار في تعميق الروابط الأسرية بصفته أداة لنقل وتصحيح الأفكار وتحقيق أهداف التربية الصحيحة.
ويعود افتقاد الحوار بين أفراد الأسرة الصغيرة إلى أسباب اجتماعية كثيرة أهمها على الإطلاق عدم الإيمان بمبدأ الحوار استنادًا إلى «العُرف» حيث لا ينبغي للابن أو الابنة أن يطرحا وجهة نظر مختلفة أو أن يُعارضا فكرة مطروحة من منطلق الاحترام المطلق للأكبر سنًا.. كما لا يجب أن يجاوز دور الزوجة حاجز الطاعة وتنفيذ الأوامر حتى وإن تم الاستماع إلى رأيها فيكون ذلك من باب «شاورها وخالفها» كما يقول المثل الغريب الشائع.
ولأن الهُوة بين أفراد الأسرة تتسع يومًا بعد يوم نتيجة تغييب النقاش البنّاء والمسؤول وبداعي الانشغالات الفعلية أو الانشغالات المُتوهمة إضافة تأثير وسائل الإعلام والاتصال ومنصات التواصل الاجتماعي اهتزت العلاقات وظهرت الكثير من المعضلات النفسية والاجتماعية التي غالبًا ما يسقط بين براثنها المراهقين والشباب.
إن ضعف أو انعدام الحوار مع الأبناء مثلًا قد يقف وراء ضعف التحصيل العلمي والعُزلة والانطوائية والعدوانية والتسرب من المدارس وحتى السقوط في عالم الإدمان والانحراف السلوكي والأخلاقي مشكلات كان من الممكن ألا تظهر لو توفرت الأجواء الأسرية الصحية المؤسسة على قواعد من الإنصات الجيد والتعاطي المُتزن مع الآراء المُخالفة واعتبار الاستماع أداة تأسيس للثقة بالنفس قبل الاضطرار للجوء إليها كوسيلة للتقويم والإصلاح.
يُدهشني الحوار الذي دار بين الله سبحانه وتعالى وسيدنا موسى عليه السلام في الآيات « ١٧ ـــ ٢١ « من سورة « طه « عندما يسأل جل وعلا نبيه قائلًا: وما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال: هي عصاي أتوكأ عليها وأهُش بها على غنمي ولي فيها مآرب أُخرى، قال: ألقها يا موسى، فألقاها فإذا هي حية تسعى، قال: خذها ولا تخف سنُعيدها سيرتها الأولى».
كنت أتساءل دائما: لماذا لم يأمر الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى دون مقدمات بالذهاب إلى عدوهما فرعون ودعوته للتوحيد؟ لماذا يطرح عليه كل تلك الأسئلة وهو يعلم إجاباتها ويعلم كل شاردة وواردة تحدث في السماوات والأرض؟ إلى أن استنتجت أنه يُعلمنا سبحانه كيف ندير الحوار مع الآخر وما هو وقع الأسلوب المتزن الذي لا يرتكز عدم إظهار التفوق والاستعلاء واستعراض المعرفة إنما الاحتواء.. كيف يمكن للنقاش الهادئ أن يكون أداة إقناع يمكن من خلاله التأثير الإيجابي المنشود.
النقطة الأخيرة..
يُخلف الاستبداد بالرأي نتائج كارثية، ليس أقلها من تصرم الوشائج بين البشر، وفقدان البوصلة، ثم انهيار الأداء بالنسبة للمؤسسات بمختلف تصنيفاتها ونشاطاتها
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مُحافظ جدة يُدشّن فعاليات اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية
المناطق_واس
دشّن صاحب السمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي مُحافظ جدة بمكتبه اليوم، فعاليات اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية لعام 2025، التي ينظمها فرع هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة، بالتعاون مع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بجدة، تحت عنوان “الحوار بين الحضارات من منطلقات حقوق الإنسان”، بحضور مدير عام فرع الهيئة بالمنطقة زيدي بن راكد الرويلي.
وهدفت الفعّالية؛ إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة، وإبراز مكانة المملكة في نشر ثقافة التسامح والاحترام المتبادل بين الشعوب، ودعم التنوع الثقافي.
أخبار قد تهمك مُحافظ “الأمن الغذائي” يتفقد جاهزية الصوامع التخزينية وشركات المطاحن بمنطقة مكة المكرمة 27 مايو 2025 - 2:24 مساءً الداخلية: غرامة تصل لـ100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرات الزيارة إلى مكة والمشاعر 26 مايو 2025 - 4:11 مساءًوتسعى هيئة حقوق الإنسان من خلال هذه المبادرات، إلى تعزيز مبادئ حقوق الإنسان عبر بوابة الثقافة والفنون، وإيجاد مساحة للحوار بين مختلف المكونات الحضارية.