كنت نشرت خلال هذا الأسبوع كلمة من جزءين “وليه ما خرجت الحرب من رحم الاتفاق الإطاري الفطير؟” وجاء محمد حمدان دقلو، قائد مليشيا الدعم السريع، بعدي بيومين أو ثلاثة ليقول إنه حذر من يهمهم الأمر من ذلك الاتفاق لأنه منذر بحرب. وددت لو عرفنا منه لماذا تشاءم من الإطاري في يومه. ولكني في كلمتي قلت إنه كره من يومه الأول في الدعم السريع الإطاري حتى قبل أن يولد.
السؤال هل ربح حميدتي من الحرب.
نعم.
فإذا طالعت الوثيقة التي وقعها حميدتي مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) في أديس أبابا (يناير 2024) لوجدتها في جانب الإصلاح العسكري والأمني مطابقة لما جاء في “رؤية الدعم السريع” عن “قضايا إنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية”. فكلاهما دعت إلى جيش مهني قومي جديد “لنج” خلا من مبدأ دمج أي قوة سواء الدعم السريع أو الحركات المسلحة في القوات المسلحة القائمة. فجاء في وثيقة أديس أبابا في المادة الثانية منه وجوب قيام إصلاح عسكري أمني:
” القطاع الأمني من القطاعات المهمة في الدولة الحديثة وعليه يجب تنفيذ برامج شاملة لإعادة بناء وتأسيس القطاع الأمني وفقاً للمعايير المتوافق عليها دولياً. على أن تبدأ هذه البرامج بالتعاطي إيجابياً مع المؤسسات الموجودة حالياً، وعلى أن تفضي هذه العمليات للوصول إلى جيش واحد مهني وقومي يعبر عن كل السودانيين وفقاً لمعيار التعداد السكانين ويخضع للسلطة المدنية ويدرك واجباته ومهامه وفقاً للدستور، لتضع حداً لظاهرة تعدد الجيوش (القوات المسلحة، الدعم السريع، الحركات المسلحة، المليشيات) خارج إطار الجيش المهني القومي الواحد، مع ضمان خروج المنظومة الأمنية (القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة وجهاز المخابرات) من النشاط السياسي والاقتصادي وقبولهم بالمبادئ المذكورة أعلاه، وتعهدهم بساندة عمليات الانتقال المدني الديمقراطي والعمل عل استدامة واستقرار النظام الديمقراطي وتوفير الضمانات المطلوبة لقيام حكومة لاستكمال مهام الانتقال والتأسيس الدستوري والسياسي والإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي، وإزالة آثار وإعادة بناء ما دمرته الحرب”. (التشديد من وضع الكاتب)
ولم يحتج الدعم السريع في “رؤيته” إلا إلى ما قل ودل. قال:
“الإقرار بضرورة تأسيس وبناء جيش سوداني جديد من الجيوش المتعددة الحالية وذلك بغرض بناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة تأنى عن السياسة وتعكس تنوع السوان في قيادتها وقاعدتها وفقاً للثقل السكاني”.
ففي النصين تساوت الكتل المسلحة وتلاحقت كتوفها. فجميعها سواء في كونها حالة “تعدد جيوش” (إعلان أديس أبابا” أو “جيوش متعدد” (رؤية الدعم السريع) تنحل في “جيش واحد مهني يعبر عن السودانيين وفقاً لمعيار التعداد السكاني” (اتفاق أديس أبابا) أو في “مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة . . . وفقاً للثقل السكاني”.
ربح البيع. تبخر مطلب دمجه في الجيش الذي صار بآخرة واحداً في “تعدد الجيوش”.
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القوات المسلحة الدعم السریع أدیس أبابا
إقرأ أيضاً:
يوم للعزة والكرامة ومنعة عُمان وصلابتها
في تاريخ الأمم والشعوب هناك أيام خالدة لا يمكن تجاوزها دون التفكير في دلالتها العميقة وما أضفته من رمزية على حركة النضال الشعبي والتضحيات الكبيرة من أجل وحدة التراب وصون مقدسات الوطن واستقلاله. وينظر العمانيون إلى يوم الحادي عشر من ديسمبر، وهو يوم القوات المسلحة، بأنه يوم خالد من أيام عُمان الذي تتجلى فيه خلاصة تاريخ طويل من التضحيات التي خاضها الجندي العماني ـ وكل العمانيين جنود من أجل الوطن ـ عبر التاريخ ليبقى هذا الوطن شامخا وحرا يعيش أهله في أمن وكرامة.
وهذا اليوم -وإن ارتبط بداية بعام 1975- فإنه امتداد في الحقيقة لسلسلة طويلة من المواقف التي أثبت فيها العمانيون أن الدفاع عن الأرض شيء متأصل في وجدانهم منذ مالك بن فهم حتى الأئمة والسلاطين الذين حفظوا هذا الكيان السياسي والجغرافي من الأطماع المتشابكة والمعقدة إلى هذه اللحظة التي يمر فيها الإقليم بحالة من الارتباك والتحول وإعادة التشكل من جديد. وبذلك يغدو يوم القوات المسلحة يوما يرمز إلى القوة العمانية والمنعة في وجه كل من تسوّل له نفسه التفكير في النيل من أمن أو استقرار عُمان. وهذا الذي يحول هذا اليوم إلى ذكرى وطنية يحتفي بها العمانيون جميعا.
وتحضر قوات السلطان المسلحة باعتبارها المنظم لكل الذاكرة العسكرية والأمنية العمانية، وهي مؤسسات تجاوزت وظيفتها القتالية والأمنية لتصبح مؤسسات حديثة عالية التنظيم تستطيع إسناد الدولة في السلم كما في الحرب، من تأمين الحدود وحراسة الممرات البحرية وخطوط الطاقة، إلى الحضور في الأنواء المناخية والكوارث الطبيعية، وعمليات الإغاثة والإخلاء الطبي، وتمتد أدوار القوات المسلحة إلى تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع العُماني في المدن والجبال والقرى البعيدة.
ومن المهم القول إن دور هذه المؤسسات مرتبط بكل مفاصل الحياة، فلا تنمية بلا أمن ولا تنويع اقتصادي بلا بيئة مستقرة تحمي الاستثمار وتؤمّن حركة التجارة واللوجستيات. في هذا المعنى، تبدو المعسكرات والثكنات، والبرامج التدريبية المتقدمة، وأنظمة التسليح الحديثة، جزءا من البنية الأساسية غير المرئية للاقتصاد الوطني. الجندي الذي يحرس الحدود، والطيار الذي يؤمّن سماء عُمان، والبحّار الذي يراقب الممرات البحرية، جميعهم شركاء في حماية فرص العمل الجديدة، والمناطق الاقتصادية، والموانئ التي تتطلع لأن تكون عقدة وصل بين آسيا وأفريقيا والخليج.
ولا بد أن تعرف أجيال عُمان الجديدة أن الاستقرار والهدوء الذي يعيشون في ظله اليوم لم يأتِ صدفة، ولكنه صُنع عبر مسار طويل من الصبر والشجاعة والانضباط، وأن صورة الجندي في الوعي العام ليست صورة القوة المجردة، بل صورة الانضباط الأخلاقي، واحترام المدنيين، والالتزام بقيم الدولة التي يحميها.
وفي هذا اليوم الذي يرمز أيضا إلى عزة العمانيين وكرامتهم ومنعتهم، لا بد من تذكر الشهداء الذين ارتقوا في كل جبهة من جبهات التاريخ العُماني من أجل أن يصان حمى الوطن وأن يبقى شامخا كشموخ الجبال. وهذا يفرض علينا تذكر وشكر من يواصلون اليوم، في البر والبحر والجو، مهمة صون تراب هذا الوطن الغالي، وأن نجدد العهد خلف القائد الأعلى، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، بأن نبقى جميعا درعا للوطن وجسرا بين ماضٍ مليء بالتجارب الوطنية المجيدة ومستقبل تُبنى فيه القوة لخدمة السلم والتنمية وكرامة الإنسان العُماني حيثما كان.