المفتي حجازي : القمة الروحية خارطة طريق إنقاذية للوطن
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
أشاد مفتي راشيا الشيخ الدكتور وفيق محمد حجازي بـ"القمة الروحية التي عقدت الأربعاء الماضي في بكركي ، حيث تمحورت بنودها على وجوب خروج الوطن من أزماته ، بإيقاف آلة الحرب ، وانتخاب رئيس للجمهورية والذي يتجلى بوحدة القرار اللبناني متمثلا في السلطات الرسمية".
واعتبر في بيان أنه على "الساسة تلقف مقررات هذه القمة ،ليبنى عليها العمل الإنقاذي للوطن بخاصة وأن الحرب على لبنان تدخل ضمن أجندة الآخرين على أرض الوطن ، والتي أسهمت بتشتيت شمل العائلات وتدمير البنية التحتية في كثير من البلدات والقرى فضلا عن سقوط كثير من الضحايا والجرحى من أبناء الوطن" ، معتبرا أن" استمرار هذا الأمر سيولد المزيد من الدمار والضحايا ، ودخول لبنان في نفق مظلم لا فائدة من ورائه سوى مزيد من التفكك والضياع".
واعتبر أن "الوحدة الوطنية في لبنان هي أهم عامل بناء لوقوف الوطن وعدم انهياره ، والقوى السياسية "،مطالبا "بصحوة ضمير تجاه لبنان ، وعدم التلطي وراء مصالحهم الشخصية على حساب وحدة الوطن وسلامته ، ذلك أن مصلحة الوطن أغلى من أنانياتهم ومصالحهم".
وحذر من "خطورة التفرد بالقرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل الوطن بعيدا عن منطق الدولة، لأن هذا بحد ذاته جريمة لا تغتفر ، وقد جرت ويلات على لبنان ولا تزال ، ولبنان لا يمكن أن يكون بريدا أو ملعبا يتدرب الآخرون فيه وهم الخاسرون دائما ، حيث أثبت التاريخ لهم ذلك، فمصلحة لبنان مقدمة على مصالح الآخرين والوحدة الوطنية هي المسار الصحيح للنهوض بالوطن وإعادة إعماره واستقراره، كما وحيا سماحته تضحيات الفلسطينيين في غزة مباركا لهم جهادهم وتضحياتهم".
وطالب المجتمع الدولي بـ"ضرورة الوقوف مع لبنان ووقف آلة الحرب الهمجية عليه ،حمى الله لبنان من كيد الكائدين".
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
نجاحه يبدأ من فشل الآخرين
خالد بن حمد الرواحي
في بعض المكاتب، تبدو الصورة مُضلِّلة من النظرة الأولى: مديرٌ يحيط نفسه بمساعدين لا يكفون عن الثناء عليه، ويُغرقونه بالإعجاب كلما لمحوا منه إشارة. لا أحد يخالفه أو يناقشه، وكل فكرةٍ- مهما كانت بسيطة- تُقدَّم له باعتبارها اكتشافًا عبقريًا. في تلك البيئة، يصبح الصمت فضيلة، والمجاملة قاعدة، والاختلاف مخاطرة لا يجرؤ عليها أحد. وهكذا يترسخ لديه شعورٌ بأنه الأذكى… لا لأنه يتفوق حقًا؛ بل لأنه أحاط نفسه بمن هم أقلّ منه قدرةً وحضورًا.
الخوف من الكفاءة لا يبدأ من ضعفٍ في المهارات بقدر ما يبدأ من ضعفٍ في النفس. فالمسؤول الذي اعتاد الثناء لا الإنجاز، يخشى المقارنة أكثر مما يخشى الفشل. وعندما يدخل موظفٌ موهوب، يتحدث بثقة ويطرح فكرةً ناضجة، يشعر ذلك المسؤول أن حجمه الحقيقي انكشف. لا يقول شيئًا، لكنه يبدأ في بناء جدران غير مرئية: يُقلّل من قيمة الفكرة، يتجاهل الاقتراح، أو يُحمِّل غيره مسؤولية التأخير. وكلما ازداد النجاح من حوله، ازداد الانزعاج داخله؛ لأن بريق الآخرين يكشف خواء الضوء الذي يملكه.
محاربة الكفاءات لا تتمّ بقرارٍ مباشر؛ بل بأساليب ناعمة يصعب التقاطها. تبدأ أولًا بتقليل ظهور الموهوبين: لا يُدعَون إلى الاجتماعات المهمة، تُسند إليهم مهام جانبية، ويُحجب عنهم الاتصال بمراكز القرار. ثم تأتي المرحلة الثانية: تحميلهم أعمالًا كثيرة لا قيمة لها، تُرهقهم وتشغل وقتهم دون أن تمنحهم فرصة للتألق. وفي العلن يبدو كل شيء طبيعيًا، كأنها مجرد «توزيع مسؤوليات»، بينما في الحقيقة هو إقصاءٌ محسوب للموهبة كي يبقى المسؤول وحيدًا تحت الأضواء.
هذا النوع من الإدارة يترك خسائر لا تُقاس بالأرقام. فحين تُهمَّش الكفاءات، يغادر المتميزون بهدوء، ويُستبدلون بأشخاصٍ «لا يزعجون». ومع الوقت، يصبح المعيار ليس جودة العمل؛ بل الولاء الشخصي. تنخفض جودة التقارير، وتتكرر الأخطاء، لكن لا أحد يجرؤ على القول: المشكلة ليست في الفريق… بل فيمن يقوده. وكل شيء يبدو جيدًا على الورق، بينما المؤسسة تسير نحو التراجع، لأنها خسرت أثمن أصولها: الإنسان الكفء الذي كان يمكن أن يُغيّر الواقع بدلًا من أن يُستبعد منه.
المفارقة أن القائد القوي لا يحتاج أن يقلِّل من الآخرين ليبدو كبيرًا؛ بل يزداد قوة بوجودهم. فالموهوبون حوله ليسوا تهديدًا؛ بل مضاعفة لطاقته. والقائد الحقيقي يشبه الضوء: لا يقلّ ضياؤه حين تُضاء مصابيح أخرى بجانبه؛ بل يتسع المشهد ويزداد وضوحًا. لهذا تنجح المؤسسات التي تبحث عن المواهب وتستثمرها. فنجاح الفريق ليس خصمًا من رصيد القائد؛ بل إضافة إليه. ومن يملك ثقةً بنفسه لا ينزعج من تفوق الآخرين، لأنه يدرك أن دوره ليس أن يكون الأفضل في كل شيء؛ بل أن يجعل الجميع أفضل مما كانوا عليه.
حين يُقصى المبدعون، لا يغادرون وحدهم؛ بل يرحل معهم شيء لا يُعوّض: روح المبادرة. الموظفون الذين يشاهدون زميلًا مجتهدًا يُهمَّش، يتعلمون الدرس سريعًا: الإبداع مُكلف، والتميز خطر. فيبدأ الجميع بالاختباء في منطقة الأمان؛ حيث لا توجد أفكار جديدة ولا اقتراحات جريئة؛ بل تنفيذٌ حرفي بلا روح. ومع الوقت، تتحول المؤسسة إلى نسخةٍ باهتة من نفسها، تنجز ما هو مطلوب، لا ما هو ممكن. هذه هي الكلفة الخفية التي لا تظهر في الميزانيات: خسارة العقول قبل خسارة الأرقام.
وفي النهاية، لا يُقاس القائد بجمع المصفقين حوله؛ بل بجمع المختلفين والمؤثرين والمبدعين. فالمؤسسة التي تسمح للكفاءات بأن تتنفس وتُشارك، تزداد قوةً واحترامًا. أما المسؤول الذي لا يرى نفسه إلا إذا صغُر الآخرون من حوله، فسيبقى أسير صورته، يخشى الضوء، ويُطفئ المصابيح التي كان يمكن أن تُنير الطريق للجميع. إن النجاح الحقيقي لا يبدأ من فشل الآخرين؛ بل من الشجاعة في احتضان الموهبة، ومن الإيمان بأن التفوق الجماعي إرثٌ يبقى أطول من أي إنجازٍ فردي عابر. فالمؤسسات لا ترتقي بالمجاملة؛ بل بالجدارة، ولا تبني مستقبلها بإقصاء الأقوياء؛ بل بمنحهم مكانًا يليق بهم وبالوطن الذي يخدمونه.
رابط مختصر