جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-09@21:41:18 GMT

نجاحه يبدأ من فشل الآخرين

تاريخ النشر: 9th, December 2025 GMT

نجاحه يبدأ من فشل الآخرين

 

 

 

 

خالد بن حمد الرواحي

في بعض المكاتب، تبدو الصورة مُضلِّلة من النظرة الأولى: مديرٌ يحيط نفسه بمساعدين لا يكفون عن الثناء عليه، ويُغرقونه بالإعجاب كلما لمحوا منه إشارة. لا أحد يخالفه أو يناقشه، وكل فكرةٍ- مهما كانت بسيطة- تُقدَّم له باعتبارها اكتشافًا عبقريًا. في تلك البيئة، يصبح الصمت فضيلة، والمجاملة قاعدة، والاختلاف مخاطرة لا يجرؤ عليها أحد.

وهكذا يترسخ لديه شعورٌ بأنه الأذكى… لا لأنه يتفوق حقًا؛ بل لأنه أحاط نفسه بمن هم أقلّ منه قدرةً وحضورًا.

الخوف من الكفاءة لا يبدأ من ضعفٍ في المهارات بقدر ما يبدأ من ضعفٍ في النفس. فالمسؤول الذي اعتاد الثناء لا الإنجاز، يخشى المقارنة أكثر مما يخشى الفشل. وعندما يدخل موظفٌ موهوب، يتحدث بثقة ويطرح فكرةً ناضجة، يشعر ذلك المسؤول أن حجمه الحقيقي انكشف. لا يقول شيئًا، لكنه يبدأ في بناء جدران غير مرئية: يُقلّل من قيمة الفكرة، يتجاهل الاقتراح، أو يُحمِّل غيره مسؤولية التأخير. وكلما ازداد النجاح من حوله، ازداد الانزعاج داخله؛ لأن بريق الآخرين يكشف خواء الضوء الذي يملكه.

محاربة الكفاءات لا تتمّ بقرارٍ مباشر؛ بل بأساليب ناعمة يصعب التقاطها. تبدأ أولًا بتقليل ظهور الموهوبين: لا يُدعَون إلى الاجتماعات المهمة، تُسند إليهم مهام جانبية، ويُحجب عنهم الاتصال بمراكز القرار. ثم تأتي المرحلة الثانية: تحميلهم أعمالًا كثيرة لا قيمة لها، تُرهقهم وتشغل وقتهم دون أن تمنحهم فرصة للتألق. وفي العلن يبدو كل شيء طبيعيًا، كأنها مجرد «توزيع مسؤوليات»، بينما في الحقيقة هو إقصاءٌ محسوب للموهبة كي يبقى المسؤول وحيدًا تحت الأضواء.

هذا النوع من الإدارة يترك خسائر لا تُقاس بالأرقام. فحين تُهمَّش الكفاءات، يغادر المتميزون بهدوء، ويُستبدلون بأشخاصٍ «لا يزعجون». ومع الوقت، يصبح المعيار ليس جودة العمل؛ بل الولاء الشخصي. تنخفض جودة التقارير، وتتكرر الأخطاء، لكن لا أحد يجرؤ على القول: المشكلة ليست في الفريق… بل فيمن يقوده. وكل شيء يبدو جيدًا على الورق، بينما المؤسسة تسير نحو التراجع، لأنها خسرت أثمن أصولها: الإنسان الكفء الذي كان يمكن أن يُغيّر الواقع بدلًا من أن يُستبعد منه.

المفارقة أن القائد القوي لا يحتاج أن يقلِّل من الآخرين ليبدو كبيرًا؛ بل يزداد قوة بوجودهم. فالموهوبون حوله ليسوا تهديدًا؛ بل مضاعفة لطاقته. والقائد الحقيقي يشبه الضوء: لا يقلّ ضياؤه حين تُضاء مصابيح أخرى بجانبه؛ بل يتسع المشهد ويزداد وضوحًا. لهذا تنجح المؤسسات التي تبحث عن المواهب وتستثمرها. فنجاح الفريق ليس خصمًا من رصيد القائد؛ بل إضافة إليه. ومن يملك ثقةً بنفسه لا ينزعج من تفوق الآخرين، لأنه يدرك أن دوره ليس أن يكون الأفضل في كل شيء؛ بل أن يجعل الجميع أفضل مما كانوا عليه.

حين يُقصى المبدعون، لا يغادرون وحدهم؛ بل يرحل معهم شيء لا يُعوّض: روح المبادرة. الموظفون الذين يشاهدون زميلًا مجتهدًا يُهمَّش، يتعلمون الدرس سريعًا: الإبداع مُكلف، والتميز خطر. فيبدأ الجميع بالاختباء في منطقة الأمان؛ حيث لا توجد أفكار جديدة ولا اقتراحات جريئة؛ بل تنفيذٌ حرفي بلا روح. ومع الوقت، تتحول المؤسسة إلى نسخةٍ باهتة من نفسها، تنجز ما هو مطلوب، لا ما هو ممكن. هذه هي الكلفة الخفية التي لا تظهر في الميزانيات: خسارة العقول قبل خسارة الأرقام.

وفي النهاية، لا يُقاس القائد بجمع المصفقين حوله؛ بل بجمع المختلفين والمؤثرين والمبدعين. فالمؤسسة التي تسمح للكفاءات بأن تتنفس وتُشارك، تزداد قوةً واحترامًا. أما المسؤول الذي لا يرى نفسه إلا إذا صغُر الآخرون من حوله، فسيبقى أسير صورته، يخشى الضوء، ويُطفئ المصابيح التي كان يمكن أن تُنير الطريق للجميع. إن النجاح الحقيقي لا يبدأ من فشل الآخرين؛ بل من الشجاعة في احتضان الموهبة، ومن الإيمان بأن التفوق الجماعي إرثٌ يبقى أطول من أي إنجازٍ فردي عابر. فالمؤسسات لا ترتقي بالمجاملة؛ بل بالجدارة، ولا تبني مستقبلها بإقصاء الأقوياء؛ بل بمنحهم مكانًا يليق بهم وبالوطن الذي يخدمونه.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صوت هند رجب يواصل نجاحه العالمي بترشيح رسمي لجائزة الجولدن جلوب

ترشح الفيلم التونسى صوت هند رجب لـ جائزة أفضل فيلم غير ناطق باللغة الإنجليزية فى جوائز الجولدن جلوب 2026، على أن يقام حفل توزيع الجوائز يوم 11 يناير على شبكة CBS وبثه على Paramount+ في الولايات المتحدة.

هدى الإتربي تتألق بإطلالة شتوية على إنستجرام فيلم One Battle After Another يحصد 9 ترشيحات في جولدن جلوب 83 إلهام شاهين توثق لحظاتها في اليوم الخامس من مهرجان البحر الأحمر السينمائي إيمي سمير غانم تكشف حقيقة انفصال شقيقتها دنيا ورامي رضوان مهرجان البحر الأحمر يحتفي بفيلم "القصص" في أولى عروضه بلاش تبقي زي أرملة إبراهيم شيكا.. سعد الصغير يوجه رسالة قوية لـ أرملة إسماعيل الليثي أول تعليق من ريم سامي بعد إصابة نجلها الصغير هالة صدقي تحتفل بحكم ضد مساعدتها وتتوعد صديقتها بعقوبة مماثلة رسالة تقدير روسية للفنان محمد صبحي بعد تهنئته للمئوية الدبلوماسية مريم عامر منيب تستعيد ذكرياتها مع عمرو ستين بصورة مؤثرة

وكان قد شهد فيلم صوت هند رجب للمخرجة كوثر بن هنية اهتماما كبيرا من المهرجانات العربية، حيث استقبل مهرجان القاهرة السينمائي الفيلم وسط ترحاب شديد، فيما يعرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر في عرض خاص، وذلك بعدما افتتح الفيلم مهرجان الدوحة السينمائي، بحضور طاقم عمل الفيلم سجا الكيلاني ومعتز ملحيس وعامر حليحل مع مخرجته، ونديم شيخ روحه منتجه، بالإضافة إلى طاقم الهلال الأحمر الذي شهد الحدث، ووسام حمادة والدة الطفلة هند التي يحكي الفيلم مأساة مقتلها على يد الاحتلال الإسرائيلي.

وتدور أحداث الفيلم في 29 يناير 2024، حين تلقى متطوعو الهلال الأحمر اتصالًا طارئًا؛ طفلة في السادسة من عمرها عالقة في سيارة تحت نيران الاحتلال في غزة، تتوسل لإنقاذها، وبينما كانوا يحاولون إبقاءها على الخط، بذلوا قصارى جهدهم لإحضار سيارة إسعاف إليها. كان اسمها هند رجب.

فيلم صوت هند رجب بطولة سجا الكيلاني ومعتز ملحيس وكلارا خوري وعامر حليحل.
وشارك في بطولة الفيلم سجا الكيلاني ومعتز ملحيس وكلارا خوري وعامر حليحل، وتصوير خوان سارمينتو جي، ومونتاج قتيبة برهمجي وماكسيم ماتيس وكوثر بن هنية، وموسيقى تصويرية لأمين بوحافة، وتصميم إنتاج باسم مرزوق.

مقالات مشابهة

  • بوقرة: “حققنا المطلوب… والعمل الحقيقي يبدأ الآن”
  • المسيرة القرآنية .. إعصار الوعي الذي حطم أدوات التضليل ونسف منظومة الحرب الناعمة للعدوان
  • رئيس الشاباك السابق: التحقيق الحقيقي في 7 أكتوبر يبدأ بلجنة مستقلة
  • النائب البدادوة: الاستثمار الحقيقي يبدأ بالإنسان الأردني الصابر
  • صوت هند رجب يواصل نجاحه العالمي بترشيح رسمي لجائزة الجولدن جلوب
  • عضو سابق بـ«الشورى: المبالغة في توثيق السفرات السياحية قد لا تراعي مشاعر الآخرين
  • عيادة الدكتورة شروق القاسم - فيديو رقص شروق قاسم والجدل حوله
  • أسطورة ليفربول يهاجم صلاح: لقد جعل الأمر كله يدور حوله
  • برج الحمل.. حظك اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025: ادعم الآخرين