السودان.. شرق الجزيرة في “عين العاصفة” بعد انشقاق قائد بـ”الدعم السريع”
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
على نحو مفاجئ، ظهر أبو عاقلة كيكل، قائد قوات الدعم السريع السودانية في ولاية الجزيرة، في مقاطع فيديو، مع والي الولاية، المعيّن من قبل قائد القوات محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وضباط وجنود الجيش السوداني، الأحد، ليثير عاصفة من التساؤلات، قبل أن يعلن الجيش، في بيان رسمي، انشقاق كيكل عن الدعم السريع وانحيازه إلى القوات المسلحة السودانية.
وكشفت مصادر عسكرية متطابقة لـ “الشرق” أن كيكل “سلّم” نفسه للقوات المسلحة السودانية في منطقة “جبال اللبيتور”، شمال مدينة رفاعة شرقي الجزيرة، والتي تبعد نحو 90 كيلومتراً شمال شرق مدني، عاصمة الولاية.
وأضافت المصادر أن كيكل سلم نفسه وقواته ومعداته إلى قائد الجيش السوداني في منطقة البطانة العميد ركن أحمد شاع الدين.
ورحب الجيش بالخطوة، مؤكداً أن أبوابه مفتوحة “لكل من ينحاز إلى صف الوطن وقواته المسلحة”، مشيراً إلى أن رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان سبق أن أصدر “عفواً عاماً” لـ”أي متمرد ينحاز للوطن” ويبلغ لأقرب قيادة عسكرية بكل مناطق السودان.
وقال مصدر قريب من كيكل لـ”الشرق” إن الرجل انحاز للجيش بصحبة “الآلاف من الجنود من ولاية الجزيرة”.
شرق الجزيرة في “عين العاصفة”
في اليوم التالي لخطوة كيكل، اتهمت لجان مقاومة مدينة رفاعة، شرقي الجزيرة، قوات الدعم السريع باستهداف مدن وقرى المنطقة، واعتبرت أنها تنفذ “عملية انتقام”، بحسب تعبير بيان اللجان، وهي مجموعات تمثل الناشطين المدنيين المناهضين لحكومة الأمر الواقع في أحياء المدينة.
وقالت اللجان، في البيان، إن عمليات الدعم السريع بدأت فوراً بعد انسحاب الجيش من مدينة تمبول التي سيطر عليها لمدة 5 ساعات فقط.
وأضافت أن مدنيين لقوا حتفهم برصاص الدعم السريع، كما أصيب آخرون بعد استهداف بلدات “العزيبة” و”الجنيد الحلة” و”العك” و”البيوضاء”، واتهمت الدعم السريع بـ”استباحة مدينة رفاعة بالكامل”، على حد تعبير البيان الذي حمّل “طرفي الصراع مسؤولية سلامة وأمن مواطني المنطقة”.
“الدعم”: تحركات كيكل مريبة
في المقابل، قالت قوات الدعم السريع، في بيان، إنها رصدت تحركات “مريبة” للقائد المنشق أبو عاقلة كيكل في الآونة الأخيرة “بعد أن أخفى نفسه مع أفراد من أسرته”، مشيرة إلى أنها راقبت اتصالات جرت بينه وبين بعض قادة حزب المؤتمر الوطني المنحل.
واتهمت الدعم السريع كيكل بأنه خضع لصفقة و”تم شراؤه” بتسهيل من شقيقه، بعد اجتماعات عقدت في مدينتي القضارف وبورتسودان، وقالت إن “الترتيبات كانت تقضي بعمل عسكري واستخباراتي يؤتي أكله لصالح الجيش، لكنه فشل”.
من هو كيكل؟
في أكتوبر 2023، أعلن أبو عاقلة محمد أحمد كيكل تأييده وانحيازه لقوات الدعم السريع بعد نحو 6 أشهر من اندلاع الحرب، وظهر آنذاك في مقطع مصوّر مع مسلحين يردد عبارات مؤيدة للدعم السريع.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في 19 ديسمبر 2023، ليبرز اسم كيكل بشكل أكبر، خاصة بعد أن اختاره حميدتي قائداً للقوات في الولاية ووالياً عليها.
وظهر كيكل في المشهد السوداني لأول مرة في ديسمبر 2020، قائداً لمجموعة مسلّحة أطلقت على نفسها “درع السودان”، ونظمت عرضاً عسكرياً آنذاك في منطقة “الجبال الغُر” في “سهل البطانة” وسط السودان.
وربط محللون ظهور المجموعة في ذلك الوقت باتفاق “سلام جوبا” الذي حفز مجموعات أخرى للمطالبة بأنصبة في السلطة والثروة و”رفع التهميش” عن مناطق في السودان، فيما رأى مراقبون أن كيكل لم يكن بعيداً عن أجهزة السلطة في السودان، أو أنها غضت الطرف عنه لئلا تنشب مشكلات جديدة في وسط البلاد.
وعلى الرغم من أن تاريخ كيكل السياسي غير معروف على نطاق واسع، إلا أن تقارير صحافية تشير إلى أنه نشط بمبادرات اجتماعية وسياسية في منطقته “سهول البطانة”، الغنيّة بالمراعي الطبيعية والثروة الحيوانية.
تأثير على موازين القوى
وتوقع المحلل السياسي والصحافي عبد المنعم أبو إدريس أن يؤثر إعلان كيكل الانضمام إلى جانب القوات المسلحة السودانية بشكل كبير على موازين القوة والسيطرة في ولاية الجزيرة باعتبار أن مجموعته كانت تسيطر على الجزء الشرقي من الولاية، وهي مساحات شائعة.
وقال أبو إدريس، لـ”الشرق”، إن هذا التطور يفتح الطريق أمام الجيش نحو عاصمة الولاية، مدينة ود مدني، موضحاً أن التطورات تزيد في تأمين ولاية القضارف شرق السودان أيضاً، باعتبار أن الهجمات على أطرافها كانت تقع من شرق الجزيرة و”تنفذها القوات التي استسلمت الأحد”.
وأضاف أن السيطرة على جبال اللبيتور مهمة جداً لأنها تقع وسط سهول البطانة، ومن السهل التحرك انطلاقاً منها باتجاه حلفا الجديدة والقضارف في ولاية القضارف.
وتابع أبو إدريس أن إكمال السيطرة على شرق الجزيرة سيمكّن الجيش من التقدم والسيطرة على شرق النيل في العاصمة السودانية الخرطوم.
واتفق الخبير العسكري المقدم متقاعد الصادق الرضي عثمان مع أبو إدريس في أن الوضع بولاية الجزيرة أصبح أكثر تعقيداً بالنسبة لقوات الدعم السريع.
وقال عثمان، لـ”الشرق”، إن انضمام قوات كيكل للقتال مع الجيش ستعقّد الأمور أكثر بالنسبة للدعم السريع، خاصة في ظل التقدم الذي أحرزته القوات المسللحة مؤخراً وسيطرتها على مواقع استراتيجية.
ويرى متابعون أن ترحيب الجيش بانشقاق كيكل عن الدعم السريع يفتح الباب أمام قادة آخرين بالقوات للانشقاق عنها، فيما طالب آخرون بمحاكمة كيكل على خلفية اتهامات لقواته بارتكاب جرائم في ولاية الجزيرة.
ولا يُعرف حتى اللحظة الأسباب التي دفعت كيكل إلى اتخاذ هذه الخطوة، في ظل سيل من التكهنات بشأن التضييق عليه من قبل قادة الدعم السريع، وشكوك حامت حوله، أو أن إحساسه وقراءاته بأن الدعم السريع ربما يخسر قريباً ولاية الجزيرة، أو ضغوط من أهله وأسرته بعد اتهامات للدعم بارتكاب جرائم في المنطقة.
الشرق للأخبار
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة شرق الجزیرة أبو إدریس فی ولایة
إقرأ أيضاً:
هل تربك سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود حسابات الجيش؟
على نحو متسارع تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة النهود في غربي البلاد، بعد أن كانت تحت سيطرة قوات الجيش التي تعتزم استعادة المدينة، الغنية بالموارد الطبيعية، والتي تمثل مفتاح الوصول إلى مدن غرب كردفان وشمال دارفور.
وجاءت سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود، بعد معارك استمرت يومين شنت خلالها هجمات بالقصف المدفعي والمسيرات قاذفة الصواريخ، مما دفع الجيش للانسحاب إلى مدينة الخوي وإخلاء مقر اللواء 18 بمدينة النهود.
وقد تمكن الجيش في اليوم الأول من الدفاع عن المدينة عبر حامياته في اللواء 18 وفي اليوم الثاني للمعركة انسحب خارج المدينة التي خضعت كليا لسيطرة الدعم السريع.
وعقب دخول قوات الدعم السريع مدينة النهود، تحدثت مصادر عن عمليات قتل واسعة إلى جانب أعمال نهب نفذتها قوات الدعم السريع.
ووفقا لبيان صادر من شبكة أطباء السودان، التي قالت إن الدعم السريع قتل أكثر من 100 مدني بينهم نساء وأطفال فضلا عن نهب السوق والمستشفى وحرق عدد من المحال التجارية، في حين نشر ناشطون على منصات التواصل صورا قالوا إنها لبعض القتلى المدنيين.
كما ذكرت مصادر طبية أن من ضمن الذين قتلوا في الأبيض صحفي يعمل في إحدى الوكالات الإعلامية المحلية وطبيب وضابط بشرطة المدينة.
إعلانفي الأثناء قال مصدر عسكري للجزيرة نت، إن الجيش انسحب من قيادة اللواء 18 بالنهود إلى الخوي بعد تعرضه لقصف بمسيّرات حديثة لا تتوفر لجيوش دول أفريقيا.
واتهم المصدر جهات دولية بتوفير مسيّرات إستراتيجية لقوات لدعم السريع، أسهمت في ترجيح كفتها في معارك النهود، مشيرا إلى أن الجيش "كبّد المليشيا خسائر في الأرواح في معركة المدينة في اليوم الأول".
عمليات كردفانوعقب انتصار الجيش في وسط السودان خاصة في ولايات سنار والجزيرة بدأ الجيش التخطيط للتقدم في إقليم كردفان الذي يضم 3 ولايات وهي شمال وجنوب وغرب كردفان ونجح الجيش في التوسع والانتشار في شمال كردفان بعد استعادته مدن أم روابة والرهد وفك حصار الأبيض.
ثم أعلن الجيش في بيان صحفي لاحقا، عزمه التوجه نحو مدن كردفان الأخرى الخاضعة لسيطرة الدعم السريع لا سيما في غربها مثل الفولة والمجلد، غير أن التطورات المتسارعة في غرب كردفان أربكت حسابات الجيش.
ويسيطر الجيش على معظم مدن ولاية جنوب كردفان مثل كادوقلي والدلنج وأبو جبيهة والعباسية تقلي وكالوقي في حين يسيطر الجيش في غرب كردفان على بعض المدن مثل بابنوسة التي توجد بها قيادة الفرقة 22 مشاة والخوي وهجليج والنهود قبل سقوطها فضلا عن سيطرته على مناطق واسعة في شمال كردفان مثل الأبيض والرهد والسميح وأم روابة.
وإزاء هذا، كان يسعى الجيش لتقدم وإزالة وجود الدعم السريع في كردفان ومن ثم الانتقال الى دارفور القريبة من كردفان والخاضعة بنسبة 90% لسيطرة الدعم السريع.
مدينة إستراتيجية
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي يوسف عبد المنان للجزيرة نت إن مدينة النهود مفتاحية للوصول إلى كل مدن غرب كردفان وشمال دارفور وهي غنية بالموارد الطبيعية ومنطقة لسوق الفول السوداني.
وأضاف أن سيطرة الدعم السريع على النهود سيعيق تحرك رتل الصياد التابع للجيش السوداني والمنتشر في مدن كردفان قائلا "ستكون هناك معارك حرب مدن ويتطلب من رتل الصياد قوة نوعية من الأسلحة والرجال".
إعلانكما أكد عبد المنان أن السيطرة على مدينة النهود تعني الضغط على قيادة الفرقة 22 التابعة للجيش بمدينة بابنوسة بغرب كردفان إذ كانت المدينة تمثل سندا للفرقة 22 بابنوسة قائلا إن خسارة الجيش للمدينة سيؤثر سلبا على أي معارك قادمة في كردفان ودارفور.
وفي ظل هذا، تظل تأكيدات مصادر بالجيش للجزيرة نت، بأن العودة إلى مدينة النهود قادمة، بالنظر إلى ما حدث في ود مدني وسنجة وبقية مدن السودان.
ويقول مصدر عسكري إن الجيش لا ينسحب من أي مدينة إلا وفق تقديرات "دقيقة"، خاضعة لحسابات منها تجنب الخسائر البشرية، مؤكدا أن الجيش يسيطر على نطاق واسع من كردفان وهو ما سيمكنه من استعادة النهود وكل مدن كردفان الخاضعة لسيطرة الدعم السريع.
في الأثناء قالت قوات الدعم السريع في بيان صحفي إن سيطرتهم على مدينة النهود يمثل منعطفا مهما في مسار الحرب، مشيرة إلى أنها عازمة على التقدم ميدانيا في كردفان ودارفور.