معظمنا يعيش حياة تتخللها بعض الضوضاء، ما بين بيئة عملية دائمة الحركة، وحياة اجتماعية وعائلية لا تتوقف، لذلك في كل مرة أشعر بالسوء، ألجأ للصمت، لأنه يساعدني كثيرًا في استعادة توازني النفسي، وتهدئة صوت أفكاري، وقد أتخذه وسيلة لإنهاء حوار قد يتطور لمشاحنة، أو علو في الصوت، لذلك وفي حوار مع أحدهم حول الصمت، ذكر شطر ما قاله الشاعر تركي المزيني عنه: “للصمت في بعض المواقف مهابة” حينها لم أنظر له من الناحية النفسية، وحاجتنا له، ودعوة منظمة الصحة العالمية للتمتُّع به، وما ينتج عنه من هدوء وسلام نفسي، بل طرأ لي الصمت الذي ذُكر في الأدب، خصوصًا أني متعمِّقة بهذا المجال.
فالصمت لغة، يمكن لكل كاتب أن يستخدمه، كأداة لتصوير المشاعر المعقَّدة، والحالات النفسية، التي يصعب أحيانًا التعبير عنها بشكل مباشر، حيث يكون تعبيرًا غير معلن، بالإضافة إلى أنه يستخدم كشكل من أشكال التواصل، وكيف يفسر القراء هذه المشاعر غير المعلنة، ويتواصلون في لحظات مؤثرة، تصل من خلال الورق إلى القارئ، ففي رواية “بقايا النهار” لإيشيغورو ، يظهر الصمت في ندم الخادم المسن ستيفنز، من خلال الأشياء التي يفشل في التعبير عنها، كذلك جاء الصمت في رواية “الأمواج” للكاتبة فرجينيا وولف، حيث يتناغم الصمت مع شخصية برنارد، حين يروق له صمت الطاولة وفنجان القهوة، حينها يقارن نفسه بـ “طائر بحري وحيد يفتح جناحيه على وتد”، إنه يتمنى أن يجلس إلى الأبد في صمت مع أشياء غير حية، وفي رواية “ثم لم يبق أحد” لأجاثا كريستي ، تجد الشخصيات نفسها تائهة على جزيرة، وكل واحد منها يحمل سرًا مظلمًا، إن غياب التواصل بينهما، والذي يتخلله فقط الاتهامات والضحك العصبي، يزيد من حدِّة التوتر.
وفي الأدب العربي، نال الصمت مكانه فيه، فقد كان في شعر الأمام الشافعي من أعظم ماقيل فيه حين قال:
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف
وفيه أيضا لصون العرض إصلاحُ
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة
والكلب يخسى لعَمري وهو نبَّاحُ
وفي العصر الحديث، ذُكر الصمت في أعظم قصيدة للأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، فقصيدة “زمان الصمت” والتي تغنى بها الفنان طلال مداح -رحمها الله -وبالمناسبه هذا الأغنية والقصيدة المقرَّبة لي دون الجميع- حيث جاء الصمت فيها في قول:
زمان الصمت.. يا عُمر الحُزن والشكوى
يا خطوة ما غدت تقوى.. على الخطوة.. على همّ السنين.
لكن، وإن كان الصمت في الأدب حضر بهيئة السكون، أو الحزن، أو التوتر، فإنه في الحب، يجيء بلغة الجمال، حين تقف الأحرف في حلق الكلمات، فلا يمكنها شرحه أو أن تعبر عنه، وتفشل الأسطر في إيصال ما يسكن القلب، فيكون الصمت أبلغ من الكلمات، وتبدأ الأعين في البحث عمّا يساعد القول في البوح، ولهذا حين قال نزار قباني: الصمت في حرم الجمال جمال، كان يقصد الحب لا شيء غيره.
@i1_nuha
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الصمت فی
إقرأ أيضاً:
حقوق النواب: كلمة مصر في الأمم المتحدة صرخة ضمير عالمي ضد الصمت والتواطؤ
قال النائب الدكتور أيمن أبو العلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن الكلمة التي ألقاها السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، تمثل صوتًا أخلاقيًا واضحًا في زمن اختلطت فيه المصالح بالعدالة، وارتبكت فيه مواقف المجتمع الدولي أمام الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
وأوضح أبو العلا أن ما قاله مندوب مصر لم يكن مجرد خطاب دبلوماسي، بل صرخة ضمير تعبّر عن حجم الكارثة الإنسانية التي يواجهها أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع المحاصر، وتضع العالم أمام مسئولياته القانونية والإنسانية بعد شهور من التجاهل والتقاعس.
وأكد أن حديث مصر في الأمم المتحدة يعكس إدراكًا عميقًا لجذور الصراع، ورفضًا صريحًا لمحاولات التهوين من مأساة غزة أو تبريرها تحت غطاء “الدفاع عن النفس”، مشيرًا إلى أن الإبادة الجماعية لا تبررها أي حجة، وأن تهجير الأبرياء وقتل الأطفال والنساء لا يمكن أن يصبح أمرًا طبيعيًا تحت أنظار العالم.
وأضاف أبو العلا أن الموقف المصري، كما عبّر عنه السفير عبد الخالق، يعكس التوازن بين القوة الأخلاقية والتحرك الفعلي، فمصر تتحرك على أكثر من مستوى: سياسي وإنساني وقانوني، دون مزايدة أو شعارات، بل بأفعال واضحة ودبلوماسية فعالة تسعى إلى وقف العدوان، وإنهاء الحصار، واستعادة الحقوق.
واختتم وكيل لجنة حقوق الإنسان بيانه بالتأكيد على أن مصر لا تدافع فقط عن غزة، بل عن القيم الإنسانية نفسها، داعيًا كل الدول إلى أن تتوقف عن الاكتفاء بالبيانات الشكلية، وأن تلتحق بالتحرك المصري الجاد لإنقاذ ما تبقى من إنسانية في هذا العالم.