يشهد العالم حاليا مرحلة مهمة من مراحل الإبداع والتميز الإداري.. حيث شكلت الحقب الزمنية المنصرمة مراحل انتقالية ومنعطفات خصبة لتأسيس فكر إداري مبني على مناهج ورؤى تعدى مرحلة الطرح الفلسفي لمفاهيم ونظريات مجردة إلى إبراز هياكل وظيفية وبنيوية، سخرت لتأطير الصلاحيات والأدوار على مستوى منظمات الأعمال والإنتاج، وتجاوز استخدام الإدارة إلى أبعد من ذلك من خلال تسخيرها لتبرير الهيمنة والنفوذ من الزاوية السياسية على مستوى الدول والكيانات .

...

ولقد حفلت بدايات القرن الحادي والعشرين بالعديد من التغيرات في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فضلًا عن التغيرات التكنولوجية والتي نتج عنها مجموعة من التحولات المهمة التي ساهمت في تطوير الإدارة وميادينها الأكاديمية والتطبيقية التي من ضمنها:

- التحول من ممارسات النظم المركزية إلى ممارسات النظم اللامركزية.

- التحول من التكنولوجيا البسيطة والمحدودة إلى التكنولوجيا عالية التطور.

- التحول من اهتمامات قصيرة المدى إلى الاهتمامات إستراتيجية طويلة المدى.

- التحول إلى اقتصاد السوق الحر وتطبيقات الخصخصة.

وقد كان لهذه التحولات الأربعة انعكاس واضح ومؤثر على الإدارة ونظمها وأساليبها ومعايير الحكم عليها وتقييمها وطرق تنميتها وتطويرها، إلا أن الأثر الأكبر لها يدور حول الإنسان سواء الفرد أو الجماعة، مما ساهم في تأسيس وتأصيل علم وممارسة إدارة الموارد البشرية كأحد أهم الإسهامات الإدارية للربط بين أسس وممارسات إدارية والموارد البشرية التي تعتبر الأصل المتجدد للدول والمؤسسات بغرض تحقيق سيطرة وتحكم بالأداء والإنتاج... وقد واكبت سلطنة عمان هذا الاهتمام العالمي والإقليمي بمواضيع إدارة الموارد البشرية وتنميتها، وذلك من خلال تركيز جلالة السلطان المفدى - حفظه الله ورعاه- على إبراز هذا الجانب في خطاباته وتوجيهاته السامية في مختلف المناسبات واللقاءات بصفته محورا مفصليا مهما في تحقيق التنمية البشرية والفكرية والاقتصادية.. وشكل هذا الاهتمام رؤية مستقبلية شكلت أرضية خصبة صالحة لتأسيس ممارسة إستراتيجية لإدارة الموارد البشرية لقطاعات العمل في سلطنة عمان (العام والخاص).

ولعل المطلوب خلال المرحلة المقبلة الاستفادة من الإمكانيات الهائلة التي تقدمها منهجية إدارة الموارد البشرية في تحقيق نموذج إستراتيجي وطني لمجالات وأنشطة الموارد البشرية على المستويين الوطني (macro) وعلى مستوى الممارسة في المنظمات الحكومية والقطاع الخاص (micro) - مع تسليمنا أن المؤسسات الكبرى في القطاع الخاص تحديدا لديها تجربة رائدة ومهمة في هذا المجال-.

إن الحاجة لإيجاد نموذج متطور لممارسات الموارد البشرية المختلفة ومن ثم إدارتها وفقا لمعطيات التطور والطموحات المرحلية والمستقبلية سيساعد على تحقيق الأهداف المتعلقة بالممارسة الإستراتيجية والميزة التنافسية من خلال ممارسة إدارة الموارد البشرية بشكلها الصحيح والإستراتيجي وبتطبيق مختلف تماما عن النماذج البسيطة القديمة الروتينية لإدارة الأفراد أو شؤون الموظفين.

وهذا لن يتأتّى دون إحداث تحول وحراك مصاحب في الفكر من محدودية المجال النظري الضيق إلى مجالات أكثر اتساعا لتطبيق أفضل الممارسات التي تقدمها نماذج إدارة الموارد البشرية المتطورة. ومثل هذا التحول يستلزم بالضرورة متطلبات أساسية ورئيسية يمكن أن نوجزها في العناصر التالية:

أولا: التفكير الشامل في أداء إدارة الموارد البشرية، من خلال إيجاد نظام إدارة الموارد بشرية يتضمن ممارسات مترابطة ومندمجة على مستويين، الأول على مستوى تكامل الممارسات فيما بينها والثاني التكامل مع إستراتيجية المؤسسة.

ثانيا: تعظيم التوقعات من إمكانية إسهام جهود إدارة الموارد البشرية في تحقيق معدلات العائد على الاستثمار البشري من خلال نتائج الأداء وبالتالي تحقيق الأهداف الاستراتيجية سواء على مستوى الدولة أو المؤسسات العامة والخاصة.

ثالثا :دمج إدارة الموارد البشرية على المستوى الاستراتيجي واتخاذ القرار بحيث تصبح العلاقة علاقة تعاون وشراكة بين الإدارة العليا وإدارة الموارد البشرية لتحقيق التكامل في النظم والسياسات وبالتالي زيادة معدلات الإنتاجية وتجويد الأداء.

رابعا: دعم عملية التحول على مستوى الفكر وممارسات التحسين وصولا للارتقاء بالعنصر البشري باعتباره أصلا وموردا يمكن الاستثمار فيه لتحقيق الميزة التنافسية والموقع المرعوب فيه على مستوى قطاع العمل أو الإنتاج.

خامسا: إيجاد مؤسسات استشارية وبحثية تعنى بتأسيس ممارسة وطنية لأفضل ممارسات أنشطة إدارة الموارد البشرية، وتقدم خبرات استشارية للتطبيق المتطور إلى جانب إبراز الأهمية الكبرى للبحث العلمي والتجريب التطويري في مجال إدارة الموارد البشرية وذلك قد يتطلب إعادة النظر في المؤسسات العامة والخاصة القائمة حاليا وهيكلتها بشكل يتناسب للعب أدوار أكثر تأثيرا وبعيدا عن النمطية .

والجدير بالذكر أن التحولات السابقة ستفرض تغييرات جوهرية في طريقة التفكير وفي العقلية التي تحكم سلوكيات وأنماط القائمين على إدارة الموارد البشرية، وفي الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المتخصصون في مجال إدارة الموارد البشرية (أكاديميون ومشتغلون) في المجالات الوظيفية النوعية المتعلقة بتسيير وتطوير أنشطة الموارد البشرية بحيث يساهم كل منهم في تجويد الممارسة والدفع قدما للبحث عن استراتيجيات تحسين وتطوير الأداء وبدعم ومباركة من قبل الإدارات العليا لتحقيق هذه الاستراتيجيات. .. وسيلقى ذلك بظلاله على الكيفية التي يمكن من خلالها تحقيق التواؤم المنشود مع التكنولوجيا الجديدة في مجالات العمل والأنشطة الخاصة بالموارد البشرية .

إن هذه الجوانب وغيرها إنما تمثل ما يمكن أن نطلق عليه تعبير الثورة العقلية أو الفكرية في إدارة الموارد البشرية، وهي الخطوة أو المرحلة الأولى من إدارة التغيير لمراحل إعادة هندسة نظم وسياسات وتطبيقات الفكر المنهجي العلمي لإدارة الموارد البشرية، وصولا إلى مساعدة المديرين التنفيذيين على التحول من «عقلية الروتين اليومي» إلى عقلية «الاندماج الإستراتيجي» وبالتالي المساهمة في تحقيق موقع أفضل لممارسة إدارة الموارد البشرية على صعيد اتخاذ القرار والأهمية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إدارة الموارد البشریة على مستوى التحول من فی تحقیق من خلال

إقرأ أيضاً:

بزشكيان يحذر من دخول إيران بأزمة جفاف نتيجة تراجع حاد في السدود

حذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من الاستهلاك المفرط للمياه الذي قال إن البلاد لا يمكنها تحمله وقد يضعها في مواجهة نقص حاد في المياه بحلول أيلول/سبتمبر.

ومع مواجهة سوء إدارة الموارد والاستهلاك المفرط، تواجه إيران أيضا نقصا متكررا في الكهرباء والغاز والمياه خلال أشهر ذروة الطلب.

وقال بزشكيان "إذا لم نتمكن من إدارة الموارد ولم يتعاون الناس في التحكم في الاستهلاك في طهران، فلن تكون هناك أي مياه في السدود بحلول سبتمبر أو أكتوبر".

وقالت شينا أنصاري مديرة منظمة حماية البيئة إن البلاد واجهت ظروف الجفاف على مدى السنوات الخمس الماضية، وسجلت منظمة الأرصاد الجوية انخفاضا بلغ 40 بالمئة في هطول الأمطار خلال الأشهر الأربعة الماضية مقارنة بالمتوسط على المدى الطويل.

وذكرت شينا لوسائل إعلام حكومية اليوم "أدى إهمال التنمية المستدامة إلى مواجهتنا الآن العديد من المشكلات البيئية مثل ندرة المياه".



ويمثل الاستهلاك المفرط للمياه تحديا كبيرا لإدارة المياه في إيران، إذ قال محسن أردكاني رئيس شركة المياه والصرف الصحي في إقليم طهران لوكالة مهر للأنباء إن 70 بالمئة من سكان طهران يستهلكون أكثر من الحد القياسي البالغ 130 لترا في اليوم.

وتشكل إدارة الموارد الطبيعية تحديا مزمنا للسلطات، سواء في استهلاك الغاز الطبيعي أو استخدام المياه، إذ تتطلب الحلول إصلاحات كبيرة، لا سيما في القطاع الزراعي الذي يمثل ما يصل إلى 80 بالمئة من استهلاك المياه.

ورفض بزشكيان أمس مقترحا حكوميا بفرض عطلة في كل أربعاء أو قضاء عطلة لأسبوع خلال فصل الصيف، قائلا إن "العطلات تغطي على مشكلة نقص المياه ولا تحلها".

وكانت مناطق جنوب غرب إيران، شهدت احتجاجات من السكان، خلال فصل الصيف عام 2021، احتجاجا على نقص المياه وكثرة الانقطاعات.

مقالات مشابهة

  • بزشكيان يحذر من دخول إيران بأزمة جفاف نتيجة تراجع حاد في السدود
  • وزير «الموارد البشرية» يجتمع مع 200 مستثمرٍ في قطاع رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة
  • تعاون بين "الطاقة" و"الموارد البشرية" لتمكين مستفيدي الضمان الاجتماعي
  • من هو أبو شباب؟ .. تحقيق يُعرّي الميليشيا التي تحكم بالمساعدات التي تنهبها وتُهدد مستقبل غزة
  • وزير “الموارد البشرية” يُشيد بتكامل الجهود الوطنية في مكافحة الإتجار بالأشخاص
  • 411 ألف زيارة رقابية ساهمت في خفض البطالة.. الموارد: أدوات ذكية ترفع نسب الامتثال الوظيفي إلى %94  
  • «الموارد البشرية» تشرح مفهوم الاتجار بالأشخاص وأشكاله
  • “الموارد البشرية”: أدوات رقابية ذكية رفعت نسب الامتثال إلى 94% وخفض معدل البطالة
  • "الموارد البشرية" تُسهم بأدوات رقابية ذكية في رفع نسب الامتثال إلى 94% وخفض معدل البطالة
  • لرفع مستوى الامتثال وتثبيت قواعد الحوكمة.. “الموارد البشرية” تُنفّذ 411 ألف زيارة رقابية خلال الربع الأول من 2025