لا زالت آثار العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان يلقي بظلاله السلبية على علاقات الاحتلال بدول العالم عموما، ودول المنطقة خصوصا، ورغم أنه يرى أن علاقات السلام والتطبيع مع الدول العربية أمر بديهي، لكن حقيقة أن اتفاقيتي السلام مع الأردن ومصر، 30 عاما و45 عاما، على التوالي، استمرت لسنوات عديدة، لا تخفي شعور الاحتلال بأن هناك عوامل رفض داخلية فيهما، لاسيما مع استمرار سفك دماء الفلسطينيين، وهذا تقييم واقعي أكثر منه متشائم.



البروفيسور إيلي فودا أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية، وعضو اللجنة التنفيذية للمعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية- ميتافيم، قال "في الأيام نحتفل بالذكرى الثلاثين لاتفاقية السلام مع الأردن، ولكن يبدو أن خطر الكساد العميق أصبح على أعتاب هذه العلاقات، رغم أن مصالح الجانبين أعمق من مصالح جميع الدول الأخرى التي أقامت إسرائيل معها علاقات دبلوماسية، صحيح أن الأردن شاركت في حربي 1948 و1967 ضد الاحتلال، لكن ملوكها حافظوا على علاقات سرية مع قادته".


وأضاف في مقال نشرته القناة "12" العبرية، وترجمته "عربي21"، أن "استمرار هذه العلاقة، ولو سرية في بادئ الأمر، يعود لوجود أعداء مشتركين، وحاجة الأردن للاعتماد على قوة غربية، بريطانيا ثم الولايات المتحدة، ومع مرور الوقت تحولت دولة الاحتلال حليفة للحفاظ على بقاء المملكة، التي حظيت بمساعدة الاحتلال في قتالها ضد سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال "أيلول الأسود" عام 1970، وكدليل على الامتنان حذرها الأردن من الحرب المصرية السورية الوشيكة في لقاء جمع الملك حسين مع غولدا مائير في سبتمبر 1973".

وأشار إلى أنه "على النقيض من مصر، لم يكن الأردن قوياً بما يكفي لمواجهة معارضة العالم العربي، مثل مصر، ولذلك اضطرت المملكة تحت ضغط العامل الفلسطيني على إبقاء العلاقات مع الاحتلال في الظل، ولعله من قبيل الصدفة أن توقيع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير عام 1993 أضفى الشرعية على توقيع اتفاقية السلام مع المملكة بعام واحد، وبعد سنوات عديدة من محاولته تمثيل القضية الفلسطينية، ترك الأردن المشهد لمنظمة التحرير وحدها، واحتفظ لنفسه بدور في الأماكن المقدسة في القدس المحتلة".

واعترف بالقول إن "الاحتلال الإسرائيلي لا يخفي حقيقة أنه يمكن الاعتماد على حقيقة أن الجيش الأردني يحافظ على الحدود الطويلة ضد تسلل المقاومين الفلسطينيين، وعلى مرّ السنين، أضيفت مصالح إضافية من وجهة نظر الأردن، مثل حاجته الملحة للمياه والغاز، ورغم ذلك فإن عدم حلّ القضية الفلسطينية يضع النظام الأردني في معضلة تتمثل بكيفية الجمع بين ما يبدو أنهما متناقضين: مصالح المملكة ومطالب مواطنيها المتعاطفة مع الفلسطينيين، الأمر الذي تمثل بالحفاظ على أدنى مستوى ممكن من العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، وفي نفس الوقت إدارة العلاقات السرية في المجالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية".


ولفت إلى أن "الأردن لديه أكثر من نصف سكانه من الفلسطينيين، وقد أدت التوترات في المسجد الأقصى والعدوانات الإسرائيلية على الفلسطينيين، إلى تدهور العلاقات بين عمان وتل أبيب، صحيح أن عودة السفير الأردني منها، والإدانات القاسية منذ فترة طويلة، أصبحت إجراءات متناسبة ومعتادة، لكنها لم تعرّض اتفاق السلام نفسه للخطر".

وختم بالقول إنه "رغم كل ذلك، يمكن الإشارة أنه كلما استمرت الحرب، واستمرت معاناة الفلسطينيين في غزة، ولم يقدم الاحتلال أفقاً للحل السياسي، فمن المرجح أن الأصوات الأردنية التي تدعو لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد دولة الاحتلال تزداد قوة، وقد يكون لها تأثير على صناع القرار في المملكة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاحتلال الفلسطينيين الاردن فلسطين الاحتلال صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

هيمنة تتجاوز الأرض إلى الإقليم.. كيف حولت إسرائيل الأبارتايد إلى منتج؟

يعمل الاحتلال على الترويج لنفسه بوصفه قوة استقرار في المنطقة، بينما يخلق واقعا من عدم الاستقرار طويل الأمد يمنعها من التعافي. فقد استطاع خلق نموذج هيمنة يتجاوز الجغرافيا عبر صياغته لأبارتايد عابر لحدود النكبة، يستعمل فيه السلاح وتطور التكنولوجيا، إلى جانب بناء التحالفات والسيطرة الاقتصادية من خلال أدوات التفتيت السياسي.

مصالح الاحتلال وأبارتايد عابر لحدود النكبة

يمكن فهم الاحتلال كمشروع نفوذ إقليمي يتشابك مع مصالح دول، وتتعقد خيوطه داخل التحالفات الدولية، مع مصالح خطوط الغاز والملاحة، وتجارة الحروب الأهلية، ورغبته في اللعب على توازنات القوى. هو عمليا خلق أبارتايد بلا حدود، فمنذ النكبة سنة 1948 لم يكتفِ الاحتلال بإخضاع الفلسطيني داخل حدود السيطرة المباشرة، بل مضى أبعد من ذلك، باحثا عن عمق نفوذ يتجاوز فلسطين سياسيا وأمنيا واقتصاديا وجغرافيا، يمكن فهم الاحتلال كمشروع نفوذ إقليمي يتشابك مع مصالح دول، وتتعقد خيوطه داخل التحالفات الدولية، مع مصالح خطوط الغاز والملاحة، وتجارة الحروب الأهلية، ورغبته في اللعب على توازنات القوىعبر شبكات عابرة للحدود تعمل على خلق أبارتايد ممتد خارج فلسطين، تُصدَّر فيه أدوات السيطرة والرقابة، وتُعاد هندسة خرائط المنطقة بحيث تُخنق أي إمكانية لولادة بيئة داعمة لحق الفلسطيني في التحرر.

من أبارتايد الداخل إلى أبارتايد الإقليم

توسعت النكبة من حدث على أرض فلسطين إلى بنية إقليمية تمنع شفاء المنطقة من تبعاتها. فقد تجلى الأبارتايد بشكل مختلف على أراضٍ عدة في الداخل المحتل، فيها يقوم الاحتلال على الهيمنة والسيطرة القومية والعرقية ومصادرة الأرض وترسيخ تفوق المستوطن على صاحب الأرض. أما خارج الحدود فعمل على تطويق المحيط العربي سياسيا وأمنيا، إلى جانب سعيه لتفكيك البنى المقاومة أو إغراقها في صراعات جانبية لوأدها، مع بصمات واضحة في تصدير تقنيات القمع والرقابة إلى أنظمة أخرى، في سبيل إدارة الأزمات الإقليمية بما يخدم أمنه القومي، بغية التحكم بالبحار والمضائق وخطوط الطاقة.

من الحدود إلى المحيط

يمكن رؤية الحدود كما قسمها الاحتلال ضمن دائرتين، فاعتبر الدائرة الأولى وهي حدود فلسطين المباشرة (لبنان، سوريا، الأردن، مصر) مجالا تمارَس فيه القوة بأشكال مباشرة، سواء عبر ضربات جوية كما في سوريا ولبنان، أو عبر التنسيق الأمني وتتبع الحدود وإطباق الخناق على الجوار الفلسطيني كما في غزة، إلى جانب اهتمامه المباشر بإدارة ملفات اللاجئين الفلسطينيين فيها، ومحاولات ضبط البيئة المحيطة بالمقاومة؛ باعتبار أن أي مشروع داعم لفلسطين في المحيط يُعد خطرا وجوديا عليه. لا يتحرك الاحتلال في الدائرة الأولى فقط بالقوة العسكرية، بل تستثمر في الأمن الحدودي، اتفاقيات الغاز، الضغط الدبلوماسي، وبرامج التطبيع الناعم.

يصبح الفلسطيني مادة خام في صناعة أمنية عالمية يقدمها الاحتلال لآسيا وأفريقيا كأسواق سلاح وتقنيات مراقبة. فالاحتلال لا يبيع فقط السلاح، بل يبيع التجربة، ويسوّق خبراته في كيفية السيطرة على الشعوب
أما الدائرة الثانية، فقد اعتبرها ساحات صراع إقليمي (العراق، اليمن، السودان، الخليج). وبرغم بعدها الجغرافي نسبيا وعدم جدوى أي مشاريع مقاومة فيها بشكل مباشر تجاه الاحتلال، تداخلت مصالح الاحتلال مع قوى دولية فيها، لذا اعتُبرت هذه الساحات مجالا لموازنة النفوذ المناوئ له، أو لخلق ممرات ضغط إقليمي عبر تغذية خصومات داخلية تطيل عمر التفوق العسكري الإسرائيلي في الإقليم.

الأبارتايد خدمة للتصدير

الأبارتايد هنا لم يعد سياسة داخلية فقط، بل منتجات تُصدر. فمع تحول فلسطين إلى مختبر تكنولوجي للرقابة والسيطرة عبر منظومات مثل الطائرات بدون طيار، وأنظمة التعرف إلى بصمة الوجه، ومراقبة الهواتف، والأسوار الإلكترونية.. فهي أسلحة وتقنيات جُرّبت في الضفة وغزة، ثم تُباع لاحقا لدول أخرى تستخدمها لقمع شعوبها أو لضبط حدودها. وتظهر آثار هذا التصدير في ساحات مختلفة، منها استخدام المسيّرات الإسرائيلية في حرب أذربيجان وإثيوبيا، إضافة إلى صفقات وشبهات حول أدوار أمنية في صراعات مثل السودان، سواء عبر تسليح أطراف أو دعم مجموعات انفصالية بما يخدم مصالح الطاقة والممرات التجارية. هكذا يتحول الصراع إلى اقتصاد حرب يمنح الاحتلال نفوذا وأوراق ضغط إقليمية مربحة مستقبلا.

إن الحديث عن مصالح الاحتلال خارج حدود فلسطين ليس توصيفا جانبيا، بل مدخل لفهم معادلة التحرر اليوم. فهنا تنتقل الأبارتايد من ممارسة داخلية إلى سلعة أمنية قابلة للتصدير، وهكذا يصبح الفلسطيني مادة خام في صناعة أمنية عالمية يقدمها الاحتلال لآسيا وأفريقيا كأسواق سلاح وتقنيات مراقبة. فالاحتلال لا يبيع فقط السلاح، بل يبيع التجربة، ويسوّق خبراته في كيفية السيطرة على الشعوب، وأصبح أستاذا في إدارة السكان وتنفيذ تقنيات اختراق المجتمع، لتحويل الحرب إلى اقتصاد يدر المليارات ويجعله في مصاف الدول المتقدمة في التقنية والسلاح. فإذا كان الاحتلال يصدّر الأبارتايد نموذجا، كيف يُواجَه بالتحرر نموذجا مضادا؟

مقالات مشابهة

  • سلطنة عُمان ولبنان.. علاقات متجذرة ومرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية
  • منتدى الدوحة.. علاقات الخليج بأوروبا استراتيجية للأمن والاستقرار العالميين
  • الحكومة اليمنية: تعطل خارطة السلام في ظل غياب شريك حقيقي للتفاوض
  • تحذير إسرائيلي من صعود ممداني: جرس إنذار بخسارة يهود الشتات
  • تحذير عربي - إسلامي من تهجير الفلسطينيين: 8 دول بينها مصر وقطر ترفض فتح معبر رفح باتجاه واحد
  • القاهرة الإخبارية: القنيطرة تشهد تصعيدًا إسرائيليًا مع قصف مدفعي وتوغلات يومية
  • القنيطرة تشهد تصعيدًا إسرائيليًا مع قصف مدفعي وتوغلات يومية
  • هيمنة تتجاوز الأرض إلى الإقليم.. كيف حولت إسرائيل الأبارتايد إلى منتج؟
  • استشاري علاقات أسرية تكشف لـ "الوفد" تاثير السوشيال ميديا على المخطوبين والمتزوجين
  • الأونروا تؤكد أن التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يكون بالأفعال