يبدو أن وصول امرأة إلى رأس السلطة في أمريكا صار مؤجلا إلى حين بعد فوز ترامب، فوز يحمل في طياته مجموعة من المعاني والرسائل السياسية ومن المحتمل أن تصاحبه تداعيات جيوسياسية وتحولات طارئة وجوهرية مع مطلع سنة 2025 حين يتسلم السلطة، عودة ترامب تأتي بعد سنوات عجاف من التحقيقات والمتابعات القضائية في قضايا جنائية، متابعات تلاشت اليوم مع الحصانة التي بات يتوفر عليها كرئيس لأمريكا، وهي صفة ستدفعه دون شك إلى إصدار عفوا رئاسيا على نفسه خلال هذه الولاية مستغلا ما يتيحه النظام الرئاسي الأمريكي من إمكانات ومساحات دستورية وقضائية.


ومع عودته الثانية للبيت الأبيض، من المحتمل أن يظل هذا الرجل وفيا لأسلوبه وطريقته المثيرة للجدل في إدارة وتسيير أقوى دولة في العالم. ملفات عديدة متداخلة ومعقدة، الحرب والسلم والطاقة على طاولة الرئيس ترامب. لكن، ما هي السياسات المحتملة لأمريكا في عهد ترامب تجاه روسيا والصين والحرب في أوكرانيا وغزة والشرق الأوسط و أوروبا والعالم العربي والصحراء؟ ما هو مصير اتفاقات ابراهام ؟ ما هي معالم السياسة الخارجية الامريكية في عهد ترامب؟
أسئلة عديدة وتساؤلات عدة تطرح حول تداعيات عودة ترامب على السياسات الخارجية الامريكية وانعكاساتها على الرقعة العربية، وفي إطار محاولة تقديم أجوبة أولية واستباقية، تحاول هذه الورقة أن تحلل وتستشرف سياسات ترامب الخارجية خلال السنوات القادمة تجاه قضية الصحراء. أما باقي الملفات الأخرى، كالحرب على غزة، والعلاقة مع روسيا ومستقبل الناتو، والعرب واتفاقات ابراهام، فمن المحتمل أن مواقف الإدارة الامريكية الجديدة ستظل على نفس المنوال وايقاع الإدارة السابقة لبايدن، سيما وأن اللوبي اليهودي في أمريكا يسيطر على كافة المؤسسات الحيوية والمؤثرة في صناعة القرار.
وفي إطار استشراف بعض التحولات وتداعيات فوز ترامب على المستوى الدولي، يمكن الإشارة إلى ثلاث ملاحظات أولية، على مستوى، الحرب الروسية الأوكرانية، فالتحول الجوهري المرتقب يتعلق بإنهاء الحرب على حساب المصالح الأوربية، إذ العبء الأكبر لربما ستتحمله أوربا وبالتحديد فرنسا وألمانيا، بالإضافة لمستقبل حلف الناتو، خاصة وأن ترامب خلال ولايته السابقة، هدد أكثر من مرة بإمكانية انسحاب أمريكا من الناتو، سيناريو، يؤشر على إمكانية تراجع ترامب على دعم أوكرانيا خاصة والاتحاد الأوربي بشكل عام.
أما الملاحظة الثانية، فتتعلق، بالحرب على غزة وإيران، إذ من المحتمل أن تستمر الحرب على غزة بنفس الإيقاع إذا لم تستطع إدارة بايدن ايقافها خلال الشهرين المتبقيين، بل من غير المستبعد أن يحصل نتياهو على ضوء أخضر من ترامب لتوسيع دائرة الحرب والصراع لانهاء النفوذ الإيراني في المنطقة، دعم أمريكي لإسرائيل سيدفعها للمضي قدما في سياساتها، ومحاولة وضع كافة السيناريوهات لايقاف الطموح النووي الإيراني، الدعم الترامبي لنتياهو من البديهي أنه سيقوي ويرجح فرضية أو سيناريو وقوع حرب إقليمية إذا لم تقدم ايران تنازلات مؤلمة إقليميا –التخلي عن مليشاتها في المنطقة-وداخليا فيما يتعلق بمشروعها النووي.
الملاحظة الثالثة، فتتعلق، باتفاقات ابراهام، فمن المرجح أن ترامب، سيعمل على إعادة إحياء هذه الاتفاقات، لاسيما على مستوى دول الخليج، هذا المسار في ظل الحرب على غزة، من المحتمل أن يؤدي إلى الفتور والتباعد الذي قد يصل إلى الاصطدام بين دول الخليج وإدارة ترامب، وبالتالي بروز ملفات خلافية قد ترخي بظلالها على الدول العربية ككل.
أما بشأن قضية الصحراء، فمن المؤكد أن المغاربة –بغض النظر عن مواقعهم وخلفياتهم- تلقوا خبر عودة ترامب إلى البيت الأبيض بنوع من الارتياح والانتشاء، سيما وأن هذا الرجل خلال ولايته السابقة أخرج أمريكا جهرا وبلا مقدمات ودون تردد من المنطقة الرمادية فيما يتعلق بقضية الوحدة الترابية، إذ اعترف بمغربية الصحراء في إطار الاتفاق الثلاثي أو ما سمي آنذاك « باتفاقية ابراهام » بين المغرب وأمريكا وإسرائيل.
ترامب رجل التسويات والصفقات بامتياز، يتفاوض ويساوم ويناور ويضغط وهو شخص متقلب المزاج، طموحات هذا الرجل ليس لها حدود، يفكر بمنطق رجل الاعمال، بمنطق الربح والخسارة، يحاول أن يحقق ما يبدو له صائبا بغض النظر عن محاذير ومتطلبات السياسة الخارجية الامريكية وتأثير اللوبيات، ولغة التوازنات والتحالفات.
شخصية ترامب المثيرة صارت مادة دسمة للديمقراطيين خلال حملتهم الانتخابية، إذ يصفون الرجل على أنه يهدد وحدة وتماسك أمريكا، بل، ظلت منافسته هارس تردد طيلة حملتها بأن ترامب يشكل خطرا على الديمقراطية الامريكية.
وارتباطا بقضية الصحراء، فالنظرة التفاؤلية، تجعل من ترامب الرجل » المناسب والمثالي » في الظرفية الراهنة لإدارة وتدبير تعقيدات الملف وكسب مساحات جديدة في ظل الزخم الدولي الداعم للمملكة، إذ يعتبر مجيء ترامب أحد السيناريوهات التي لربما ستخدم استراتيجيا مصالح المغرب، فالرجل التزم بمقتضى الاتفاق الثلاثي بعدة التزامات لم تفي بها إدارة بايدن -بل كان مصيرها التجاهل- خاصة فيما يتعلق بفتح قنصلية أمريكية بمدينة الداخلة، لاسيما وأن المملكة عملت على مسايرة وتدبير  » الاعتراف البارد » الذي انتجه طيلة أربعة سنوات- إدارة بايدن-.
وبمنطق التفاؤل دائما، يمكن للرئيس ترامب أن يذهب بعيدا في ملف الصحراء من خلال الوفاء والتزام بفتح قنصلية بالداخلة، والعمل على تنزيل الاعتراف الأمريكي بشكل فعلي على مستوى مجلس الامن، أو على مستوى رفع الاستثمارات الامريكية في المناطق الجنوبية سيما وأن ترامب لديه أغلبية مريحة –بحسب الأرقام المعلنة الى غاية اللحظة- على مستوى مجلس الشيوخ تتيح له إصدار قرارات بكل أريحية على مستوى السياسة الخارجية.
لكن، ماذا عن النظرة التشاؤمية أو الواقعية إن صح التوصيف، ومن منطلق أن لا شيء ثابت في العلاقات الدولية، وارتباطا بالواقعية السياسية، فشخصية ترامب المزاجية ستؤثر وستنعكس دون شك على السياسة الخارجية الامريكية، مما يعني أن المضي قدما في اتفاقات ابراهام، ستجعل ترامب يضغط بشكل أكبر من أجل تنزيل مشروع الشرق الأوسط الجديد أو مشروع  » السلام في الشرق الأوسط » بحسب الرؤية أو السردية الاسرائيلية، وما يتطلب ذلك من انخراط مغربي في مشاريع أمريكية غير محددة وغير مؤطرة سلفا وقد لا تكون في صالح حلفاء المملكة في دول الخليج. أما مجال التأثير واللوبيات في أمريكا، فهو مجال متشعب ومعقد ومتغير، وهو مجال يتيح للجزائر الوصول إلى إدارة ترامب والتفاوض معها في بعض الملفات والسياسات.
ختاما، إن عودة ترامب إلى البيت الأبيض بأغلبية مريحة داخل مجلس الشيوخ، يعتبر « تحولا جوهريا » سيؤثر دون شك على السياسة الخارجية الامريكية إزاء بعض الملفات الحساسة والمشتعلة، غير أن التعامل مع شخصية ترامب يتطلب التحلي بكثير من الحذر والواقعية السياسية لتوسيع دائرة المكاسب وخلق هوامش للمناورة والتحرك على المستوى الدبلوماسي، وذلك، لن يتأتى إلا من خلال البحث عن أوراق جديدة ورابحة للتفاوض قبل الجلوس مع إدارته.

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: السیاسة الخارجیة الامریکیة من المحتمل أن الحرب على غزة عودة ترامب على مستوى أن ترامب

إقرأ أيضاً:

ماسك يحذف المنشور الذي اتهم فيه ترامب بالضلوع في قضية إبستين

حذف الملياردير الأمريكي الشهير إيلون ماسك منشورا أكد فيه أن الرئيس دونالد ترامب "ضالع في ملفات إبستين".

ونشر ماسك المنشور عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) الخميس، في خضمّ حرب كلامية شرسة بين ملياردير التكنولوجيا والرئيس الأمريكي، بعد أن شكّل الخلاف حول مشروع قانون الإنفاق الرئيسي الذي طرحه ترامب نهايةً مفاجئةً لتحالفهما الوثيق.

مع تصاعد الخلاف، اقترح ماسك أيضًا عزل ترامب من منصبه.

ويذكر أن "ملفات إبستين" عبارةٌ تُستخدم عاميًا لوصف المعلومات الاستخباراتية التي بحوزة السلطات الأمريكية عن جيفري إبستين، الممول المتحرش بالأطفال الذي توفي عام 2019.


ومع ذلك، بحلول صباح السبت، حذف ماسك منشوره، وبدا وأن ترامب أيضًا يُلمّح إلى تجاوز الخلاف، إذ قال للصحفيين خلال رحلة جوية إلى نيوجيرسي: "بصراحة، كنت مشغولًا جدًا بالعمل على الصين، والعمل على روسيا، والعمل على إيران.. لا أفكر في إيلون ماسك. أتمنى له كل التوفيق فقط".

وبدأ الخلاف عندما انتقد ماسك، الذي تنحى الأسبوع الماضي عن منصبه كرئيس لإدارة كفاءة الحكومة، مشروع قانون الرئيس القادم ووصفه بأنه "عمل مقزز" وزعم أنه سيزيد الدين العام.

ردّ ترامب بالقول إن الملياردير منزعج لأن أحد حلفائه لم يُختَر لدور في إدارة ناسا الجديدة.
وألمح ترامب أيضًا إلى أن ماسك منزعج لأن "مشروع القانون الكبير الجميل" الذي أقره البيت الأبيض سيُنهي الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات لشركة سياراته تيسلا.

وقال ترامب "لقد كان يعرف ذلك أفضل من أي شخص آخر تقريبا، ولم تكن لديه أي مشكلة حتى بعد مغادرته مباشرة".

صرح الرئيس لاحقًا، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع فريدريش ميرز، المستشار الألماني، أن ماسك يعاني من "متلازمة اضطراب ترامب". وأضاف الجمهوري لاحقًا أنه "يشعر بخيبة أمل كبيرة" تجاه رجل الأعمال.


ومع ذلك، سارع ماسك بالرد، مدعيًا أن الرئيس لم يفز في انتخابات العام الماضي إلا بفضل دعمه.

وكتب على منصة "إكس أنه "لولا دعمي، لكان ترامب قد خسر الانتخابات. لكان الديمقراطيون سيسيطرون على مجلس النواب، ولحصل الجمهوريون على 51 مقعدًا مقابل 49 مقعدًا في مجلس الشيوخ... يا له من جحود!".

ثم نشر أغنى رجل في العالم منشوره عن الرئيس وملفات إبستين، لكنه لم يقدم أي دليل يدعم ادعائه.
وكان ترامب وإبستين ينتميان إلى نفس الدوائر الاجتماعية في نيويورك، وقد صُوِّرا وهما يحتفلان معًا في مناسبات مختلفة في الثمانينيات والتسعينيات.

وانتحر إبستين عام 2019 في زنزانة سجن في مانهاتن أثناء انتظاره المحاكمة بتهم الاتجار بالجنس. 

في شباط/ فبراير، تعهدت بام بوندي، المدعية العامة الأمريكية، بنشر ملفات إبستين، إلا أن وثائق "المرحلة الأولى" التي أُفرج عنها لمجموعة مختارة من المؤثرين المحافظين احتوت على معلومات كانت في معظمها متاحة للعامة.

ومع تصاعد الخلاف، أعلن ماسك أنه سيُوقف تشغيل مركبة دراغون الفضائية، التي تستخدمها ناسا لنقل رواد الفضاء من محطة الفضاء الدولية.
بدوره، هدد ترامب بإلغاء جميع العقود الحكومية المبرمة مع مالك شركتي تسلا وسبيس إكس، قائلا: "أسهل طريقة لتوفير مليارات الدولارات في ميزانيتنا هي إنهاء الدعم الحكومي والعقود الممنوحة لإيلون".

مقالات مشابهة

  • حاكم كاليفورنيا يهاجم ترامب.. والبيت الأبيض يرد
  • عودة “مهرجان تنوير” إلى صحراء مليحة في دورته الثانية من 21 إلى 23 نوفمبر 2025 … ثلاثة أيام من الموسيقى الملهمة والفن التفاعلي وورش العمل والتجارب المستوحاة من الطبيعة
  • الذهب يرتفع وسط تراجع الدولار وترقب المحادثات التجارية بين أمريكا والصين
  • لكمات وشجار داخل البيت الأبيض.. هذا ما جرى بين ماسك ووزير الخزانة
  • البيت الأبيض ينفي وقوع شجار بين ماسك وبيسينت
  • ترامب: سأبني قاعة رقص جديدة في البيت الأبيض
  • شخص خطير أشعل الحرب بين ترامب وماسك.. وهكذا انهار التحالف الأقوى في أمريكا
  • البيت الأبيض: ترامب ينشر 2000 من أفراد الحرس الوطني وسط احتجاجات لوس أنجلوس
  • ماسك يحذف المنشور الذي اتهم فيه ترامب بالضلوع في قضية إبستين
  • ماهي أهداف:احتواء المقاتلين الاجانب في سوريا؟..حذاري من الالغام !