سلطنة عمان تحقق الاستدامة البيئية في قطاع النفط والغاز
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
- مشروع الأراضي الرطبة تستخدم المياه المصاحبة لإنتاج النفط في زراعة أشجار القصب وزيادة الرقعة الخضراء
- مشروع مرآة يستخدم الطاقة الشمسية في إنتاج بخار الماء واستخدامه في تعزيز إنتاج النفط
برزت سلطنة عمان كواحدة من الدول الرائدة في تبني ممارسات الاستدامة البيئية في قطاع النفط والغاز من خلال استخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيا المتقدمة، وتسعى سلطنة عمان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية لضمان عدم التلوث البيئي من خلال الاستفادة من الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى التركيز على جهود البحث والتطوير في هذا المجال.
وقال الدكتور صالح بن علي العنبوري مدير عام المديرية العامة للاستكشاف والإنتاج بوزارة الطاقة والمعادن لـ"عمان": إن قطاع النفط والغاز في سلطنة عمان من القطاعات السباقة في تبني المبادرات والمشروعات التي تساهم في الحفاظ على البيئة العمانية. لذلك تقدم سلطنة عمان نموذجا مثاليا في إمكانية تحقيق الالتزام بمتطلبات حماية البيئة والتحول إلى طاقة منخفضة الكربون مع المحافظة على إمداد العالم بمنتجات بترولية نظيفة.
وتم وضع العديد من المبادرات منها مراقبة جودة الهواء في مناطق الامتياز البترولية وذلك بوضع محطات لمراقبة جودة الهواء وربط هذه المحطات بمنصة "نقي" التابعة لهيئة البيئة. وهناك أيضا مبادرات الحد من الانبعاثات من خلال تحسين كفاءة الطاقة والحد من استخدام الوقود في عمليات الحقول والاستعانة بالربط بالشبكة الكهربائية واستخدام وسائل الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح لإنتاج الكهرباء، والحد من حرق الغاز في الحقول ومحطات المعالجة.
ثم تأتي مبادرات إعادة استخدام الانبعاثات وذلك من خلال استخدام تقنيات مبتكرة لالتقاطها وإعادة استخدامها في توليد الطاقة، بالإضافة إلى مبادرات التخلص من الانبعاثات من خلال التقاط الكربون وتخزينه ليتم استخدامه في عمليات الاستخلاص المعزز للنفط. كما أن زراعة النباتات في حقول النفط والمحطات تساعد أيضا في زيادة معدلات التمثيل الضوئي والتخلص من الانبعاثات الكربونية.
وأضاف الدكتور صالح العنبوري: إن من المبادرات التي حصلت على جوائز بيئية مشروع إعادة تدوير المياه الناتجة من عمليات النفط والغاز بحقل نمر التابع لشركة تنمية نفط عمان، حيث يوفر هذا المشروع بيئة صديقة للحياة البرية لأكثر من 100 نوع من الطيور. يساعد هذا المشروع في تقليل التصحر وتعزيز التنوع البيولوجي في المناطق الصحراوية كما أنه يوفر الطاقة ويقلل من الانبعاثات.
تقليل الانبعاثات الكربونية
وحول دور تكنولوجيا الاستخلاص المعزز في تقليل الانبعاثات الكربونية، أشار العنبوري إلى أن تكنولوجيا الاستخلاص المعزز للنفط تعد من التقنيات المتقدمة التي تسهم في زيادة معدلات الاستخلاص من الحقول البترولية، وتلعب هذه التقنية دورا مهما ليس فقط في زيادة معدلات استخلاص الحقول، وإنما أيضا في تقليل الانبعاثات الكربونية، وذلك من خلال مجموعة من المشروعات المتكاملة التي تدمج بين زيادة الإنتاج والحفاظ على البيئة، كتقنية التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون وحقنه في مكامن النفط التي بلغت إنتاجيتها مرحلة النضج وبدأت في الانخفاض، ليقوم ثاني أكسيد الكربون بتحفيز المكمن مجددا واستخراج كميات أخرى من النفط العالق في الصخور وبالتالي فإن هذه العملية تتم في حلقة مغلقة لا يوجد بها ضرر من الانبعاثات ومن جهة أخرى تزيد من الإنتاج. كذلك تعتبر عمليات إعادة تدوير المياه المصاحبة لتوليد البخار باستخدام وسائل الطاقة المتجددة ثم حقن هذا البخار في مكامن النفط الثقيلة إحدى وسائل الاستخلاص المعزز للنفط التي تقلل الانبعاثات الكربونية.
وأضاف الدكتور صالح العنبوري: قضت التوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- باعتماد عام 2050 عاما للوصول إلى الحياد الصفري لسلطنة عمان، وبحكم انضمام البلاد إلى العديد من المبادرات والمعاهدات الدولية فإنه من الضرورة وبالأخص في قطاع النفط والغاز الإيفاء بالالتزامات على تلك المعاهدات، وعليه قامت وزارة الطاقة والمعادن بالعمل مع جميع الشركات المشغلة بتوجيه مشروعاتها إلى الحفاظ على البيئة وتقليل الانبعاثات ومنها مبادرة البنك الدولي للوصول لصفر حرق روتيني عام 2030م، ومبادرة التعهد العالمي لغاز الميثان والتي تهدف لخفض انبعاثات غاز الميثان من قطاع النفط والغاز بنسبة 30% من خط أساس عام 2020م وذلك بحلول عام 2030م.
مضيفا: تحرص وزارة الطاقة والمعادن على تعزيز التكامل بين المجتمع المحلي وحماية البيئة من خلال التوعية ودعم المبادرات المحلية والمسؤولية الاجتماعية حيث تقدم الشركات المشغلة حلقات عمل للمجتمع المحلي والمدارس المحلية لزيادة وعيهم بأهمية الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتطوير مهارات الشباب في المجالات البيئية. كما تقدم هذه الشركات الدعم اللازم للمشروعات التنموية والمبادرات البيئية. ومن ضمن تلك المبادرات على سبيل المثال وليس الحصر قامت شركة شل بمشروع " الطاقة الشمسية في المدارس" والتي ضمت 22 مدرسة في مختلف محافظات سلطنة عمان، كما وفرت شركة تنمية نفط عمان التدريب والتأهيل للأفراد المشاركين في الأنشطة البيئية المستدامة كإعادة تدوير النفايات والزراعة المستدامة. وأطلقت شركة أوكسي عمان مشروع أوتاد للطباعة ثلاثية الأبعاد لتعزيز الابتكار التعليمي والبيئي الذي شجع المشاركين على التفكير في تصاميم صديقة للبيئة الذي يقلل من استهلاك الموارد التقليدية.
ضمان عدم تلوث البيئة
وأوضح الدكتور صالح العنبوري أن الشركات المشغلة تسعى في الحقول النفطية إلى إيجاد طرق مبتكرة لضمان حماية البيئة منها معالجة المياه المصاحبة لعمليات النفط والغاز ثم التخلص منها بطرق آمنة على أعماق عميقة في باطن الأرض بعيدة عن مصادر المياه الجوفية، كما أن إعادة حقن المياه المعالجة تعتبر أحد أهم الوسائل المستخدمة في المحافظة على ضغط المكمن النفطي. وفي حقل نمر تعالج المياه المصاحبة باستخدام أنظمة طبيعية تعتمد على النباتات حيث تقوم بامتصاص الملوثات وتحسين جودة المياه بشكل مستدام وصديق للبيئة مما يسهم في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومن طرق المعالجة المتبعة لدى بعض الحقول النفطية هي الفلترة لإزالة الشوائب الصلبة من المياه والتناضح العكسي reverse osmosis لإزالة الشوائب الصلبة والأملاح وتحويلها إلى مياه نظيفة قابلة لإعادة الاستخدام.
وتسهم المبادرات والتقنيات التي تعتمدها الشركات المشغلة في قطاع النفط والغاز باستخدام الطاقة المتجددة إلى تعزيز الاستدامة البيئية وخفض الانبعاثات الكربونية من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومشروعات الهيدروجين الأخضر. حيث تستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل المعدات والتقليل من استخدام الشبكات الكهربائية أو مولدات الديزل. كما تسهم الطاقة الشمسية في عمليات الاستخلاص المعزز للنفط وذلك عن طريق إنتاج بخار الماء وضخه في باطن الأرض لتعزيز الإنتاج النفطي.
مشروعات ناجحة
وقال مدير عام المديرية العامة للاستكشاف والإنتاج: إن هناك الكثير من المشروعات التي قامت بها وزارة الطاقة والمعادن مع شركائها من شركات النفط والغاز والتي أسهمت في الحفاظ على البيئة وتقليل التلوث وخفض الانبعاثات الكربونية، ومن هذه المشروعات الناجحة مشروع شركة دليل للنفط في استغلال الغاز المصاحب بدلا من حرقه، وأيضا مشروع الأراضي الرطبة الموجودة في منطقة نمر من أكبر الأراضي الرطبة الصناعية في العالم والتي تستخدم المياه المصاحبة لإنتاج النفط في زراعة أشجار القصب وزيادة الرقعة الخضراء في سلطنة عمان.
كما أن مشروع مرآة هو أحد مشروعات استغلال الطاقة المتجددة في سلطنة عمان حيث يستخدم المشروع الطاقة الشمسية في إنتاج بخار الماء واستخدامه في تعزيز إنتاج النفط. كما قامت شركة سي سي إنرجي ديفالومبنت بتشغيل مشروع تحويل الغاز إلى طاقة مما حدّ من كمية الغازات المحروقة. كما قامت بعض الشركات باستغلال مخلفات الطعام لإنتاج الأسمدة، وغيرها من المشروعات التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تقلیل الانبعاثات الکربونیة الاستخلاص المعزز للنفط فی قطاع النفط والغاز الحفاظ على البیئة الطاقة الشمسیة فی الشرکات المشغلة الطاقة والمعادن المیاه المصاحبة الطاقة المتجددة من الانبعاثات الدکتور صالح إنتاج النفط سلطنة عمان من النفط من خلال کما أن
إقرأ أيضاً:
اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني
بالنظر إلى التطورات المتسارعة في المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي، تبدو اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند خطوة تحمل طابعًا استراتيجيًا واسع التأثير، ليس فقط من حيث تعزيز التبادل التجاري، بل من حيث إعادة صياغة الدور الاقتصادي لسلطنة عمان على مدى السنوات المقبلة. فالمؤشرات الأولية القائمة اليوم تُظهر أن التعاون بين البلدين آخذ في النمو بوتيرة ثابتة، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية خلال العام المالي 2024-2025 ما يقارب 10.61 مليار دولار، وهو رقم يعكس علاقة اقتصادية راسخة قابلة للتوسع بمجرد تفعيل الاتفاقية المرتقبة. ويأتي ذلك في وقت تتطلع فيه سلطنة عُمان إلى اقتصاد أكثر تنوعًا، وأكثر قدرة على المنافسة، وأكثر انفتاحًا على الأسواق الآسيوية والعالمية.
وإذا ما نظرنا إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لعُمان يمنحها نقطة قوة محورية. فالموانئ العُمانية مثل صلالة والدقم وصحار لا تُعد بوابات بحرية عادية، بل منصات إقليمية ذات قدرة عالية على خدمة التجارة الدولية وربط آسيا بأفريقيا والخليج وأوروبا. وفي حال اكتملت اتفاقية CEPA، فإن هذه الموانئ لن تكون مجرد نقاط عبور للسلع العُمانية أو الهندية، وإنما محاور لوجستية تجذب الاستثمارات الصناعية والخدمية، وتدعم حركة إعادة التصدير، وتُسهم في بناء منظومة اقتصادية تُضاعف القيمة المضافة داخل سلطنة عُمان. ومن شأن هذه المنظومة أن تُعيد تشكيل قطاعات واسعة تتعلق بالنقل والتخزين والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية، الأمر الذي ينعكس على توسيع فرص العمل وتحسين نوعية الأنشطة الاقتصادية.
ومع أن الاتفاقية تفتح آفاقًا واسعة أمام التجارة في الاتجاهين، إلا أن الجانب الأكثر أهمية لسلطنة عمان يكمن في تعزيز الصناعات المحلية. إذ تستهدف عُمان ضمن رؤيتها 2040 بناء اقتصاد متنوع قائم على الصناعة والتكنولوجيا والخدمات المتقدمة، وليس اقتصادًا يعتمد على سلعة واحدة. ومع الحصول على نفاذ تفضيلي إلى سوق تتجاوز قوامها 1.4 مليار نسمة، فإن مجالات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألمنيوم، الأسمنت، الرخام، المنتجات الزراعية، والمنتجات التقليدية العُمانية يمكن أن تشهد توسعًا نوعيًا في صادراتها. هذه الأسواق الضخمة لا تستوعب المنتجات فحسب، بل تحفّز أيضًا الصناعات المحلية على رفع مستويات الجودة، وتحسين سلاسل الإنتاج، وزيادة الطاقة التشغيلية، وإيجاد مساحات أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تطمح إلى التصدير.
ومن زاوية مستقبلية، يمكن اعتماد سيناريويهن لتقدير أثر الاتفاقية على حجم التجارة الثنائية: سيناريو متحفظ يفترض نموًا سنويًا بمتوسط 8%، وسيناريو تفاؤلي يفترض نمواً بمتوسط 12%، وذلك مقارنة بمعدل النمو الطبيعي للتجارة الذي يدور حول 3%. وبناء على هذه الحسابات، يمكن أن يرتفع حجم التجارة الثنائية من 10.6 مليار دولار اليوم إلى ما يقارب 15.6 مليار دولار خلال خمس سنوات في السيناريو المتحفظ، وإلى ما يتجاوز 18.7 مليار دولار في السيناريو المتفائل. ومع استمرار النمو لعشر سنوات، يمكن أن يصل الحجم التجاري بين البلدين إلى نحو 23 مليار دولار في السيناريو المتحفظ، فيما قد يصل إلى قرابة 33 مليار دولار في السيناريو التفاؤلي. وهذه القفزات المحتملة لا تأتي فقط من زيادة حجم المبادلات التقليدية، بل من توسع في الصناعات التحويلية، والاستثمار في خطوط إنتاج جديدة تستهدف السوقين معًا.
ومن شأن هذه التحولات أن تُعيد تشكيل الاقتصاد العُماني ليصبح أكثر مرونة في مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر قدرة على النمو الذاتي من خلال الإنتاج المحلي والصناعات الوطنية. ومع ازدياد النشاط اللوجستي، وتوسع المناطق الحرة، وتجدد الاستثمارات الصناعية، سيكون لعُمان موقع جديد على خارطة التجارة العالمية، موقع يعكس قدرتها على استغلال مواردها الجغرافية والبشرية والاقتصادية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام. وإذا ما وُظفت هذه الفرص بالشكل الصحيح - عبر التخطيط، وإدارة الموارد بكفاءة، وتطوير التشريعات، وتحفيز الكفاءات الوطنية - فإن السنوات العشر المقبلة قد تشهد تحولًا جذريًا في شكل الاقتصاد العُماني وحجمه.
بينما تتعمق سلطنة عُمان في توسيع شراكاتها الدولية، تمثّل اتفاقية التجارة الحرة مع الهند نقطة تحول قادرة على إطلاق موجة جديدة من النشاط الاقتصادي الذي يترابط فيه التصنيع بالتجارة، ويُكمل فيه الاستثمار اللوجستيات، ويتقاطع فيه النمو الصناعي مع توسع أسواق التصدير. فالعلاقة مع الهند ليست علاقة تجارية عابرة، بل علاقة راسخة تستند إلى تاريخ طويل من التبادل والتداخل الاقتصادي والثقافي، ما يجعل الاتفاقية القادمة امتدادًا طبيعيًا لمسار مشترك يتطور باستمرار. ويُتوقع أن تشكل الاتفاقية حافزًا لعدد من القطاعات التي كانت تتطلع إلى الوصول إلى أسواق أكبر، وفي مقدمتها القطاعات الصناعية التحويلية التي تعتمد على المواد الأولية المتوفرة في سلطنة عُمان، وتستهدف خلق قيمة مضافة قبل التصدير.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيو-اقتصادية عميقة تتجه فيها دول عديدة إلى تعزيز الاندماج الإقليمي والانفتاح على آسيا، ما يجعل توقيع الاتفاقية مع الهند خطوة تجسد فهمًا استراتيجيًا لموازين القوى الاقتصادية الجديدة. فالهند اليوم واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وضمن أكبر خمس اقتصادات عالمية من حيث الناتج المحلي الإجمالي؛ وبالتالي، فإن تأسيس شراكة اقتصادية شاملة معها يضع عُمان ضمن شبكة اقتصادية صاعدة ستعيد تشكيل مسارات التجارة خلال العقود المقبلة. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن لسلطنة عمان أن تعمّق دورها كمركز إقليمي للتجارة والخدمات الصناعية، وأن تستفيد من الطلب الهائل في الهند على المواد الخام والمنتجات الصناعية والسلع الاستهلاكية.
وإذا ما نظرنا إلى تأثير الاتفاقية على الشركات الصغيرة والمتوسطة في عُمان، سنجد أن CEPA قد تكون فرصة تاريخية لهذه الفئة من الشركات لتوسيع آفاق أعمالها. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل جزءًا أساسيًا من هيكل الاقتصاد الوطني، وتحتاج إلى بيئة تجارية تدعم منتجاتها وتمكنها من الوصول إلى أسواق جديدة. ومع تيسير الإجراءات الجمركية، وتخفيض الرسوم، وتسهيل النفاذ إلى الأسواق، يمكن لهذه الشركات أن تجد في السوق الهندية منفذًا واسعًا لتسويق منتجاتها، سواء في قطاعات الأغذية، أو المنسوجات، أو المنتجات العطرية، أو الصناعات التقليدية. وهذه النقلة يمكن أن تُسهم في خلق ثقافة تصدير أقوى، وترسيخ روح المبادرة، وتعزيز الابتكار داخل الشركات العمانية.
أما على مستوى الأمن الغذائي، فإن الهند ـ باعتبارها قوة زراعية ضخمة ـ يمكن أن تكون شريكًا استراتيجيًا لسلطنة عمان في تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة. ومع تسهيل الاستيراد عبر CEPA، يمكن لعُمان أن تؤمن سلة غذائية متنوعة بأسعار تنافسية، ما يرفع من مستوى الاستقرار الغذائي ويعزز من قدرة السوق المحلي على مواجهة تقلبات الأسعار العالمية. وفي المقابل، يمكن للمنتجات العمانية الفريدة - مثل التمور واللبان ومنتجات الرخام - أن تجد طريقها إلى منافذ البيع الهندية بطريقة أكثر سلاسة، وهو ما يشكل مكسبًا اقتصاديًا وثقافيًا في آن واحد. ومع توسع المبادلات التجارية وتحسن كفاءة سلاسل الإمداد، ستصبح عُمان مركزًا لوجستيًا أكثر جاذبية للشركات العالمية التي تبحث عن نقطة ارتكاز بين آسيا وأفريقيا والخليج. ويمثل هذا التحول فرصة كبيرة للقطاع الخاص العماني الذي يمكنه استثمار هذا الموقع عبر إنشاء مراكز تخزين وتوزيع حديثة، وتطوير شبكات نقل، وإطلاق خدمات لوجستية متقدمة تدعم التجارة العابرة للقارات. وهذا التحسين في أداء الموانئ والمناطق الحرة سيؤدي إلى دوران اقتصادي أسرع داخل سلطنة عمان، ويُعزّز إيرادات الدولة من الأنشطة المرتبطة بالنقل والموانئ والجمارك والخدمات المساندة.
وفي ضوء هذه المعطيات المتداخلة، ومع ما تحمله المؤشرات الاقتصادية من دلالات واضحة على اقتراب مرحلة جديدة في العلاقات العمانية الهندية، تبدو سلطنة عمان أمام منعطف تاريخي يمكن أن يغيّر مسار اقتصادها خلال العقد المقبل. فكل الأرقام، وكل التوجهات، وكل السيناريوهات المستقبلية تشير إلى أن تفعيل اتفاقية CEPA لن يكون مجرد حدث اقتصادي عابر، بل نقطة انطلاق نحو دورة نمو أكثر نضجًا وجرأة وتنوعًا. ومن المتوقع، إذا ما سارت الأمور وفق الإيقاع الذي ترسمه اليوم المعطيات، أن تتضاعف التجارة الثنائية خلال سنوات قليلة، وأن تتجاوز حاجز 20 مليار دولار في منتصف العقد القادم، وربما تقترب من 30 مليار دولار خلال عشر سنوات، في حال استفادت سلطنة عمان إلى أقصى حد من مزايا التموضع الجغرافي والتكامل الصناعي مع الهند.
ولا تقف التوقعات عند حدود التجارة وحدها، بل تمتد إلى الصناعات التحويلية التي يُرجّح أن تشهد توسعًا ملحوظًا، خاصة تلك المعتمدة على المعادن والبتروكيماويات والمواد البنائية، إلى جانب فرص متنامية في الصناعات الخضراء والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الصناعية. ومع بروز الموانئ العُمانية كمراكز توزيع إقليمية، يتوقع أن تتسارع حركة الاستثمار في المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة، بما يعيد تشكيل الخريطة اللوجستية في المنطقة، ويجعل من سلطنة عمان محطة رئيسية في سلاسل الإمداد بين آسيا والخليج وأفريقيا.
وعلى مستوى سوق العمل، تشير التقديرات المستقبلية إلى إمكانية خلق الوظائف النوعية التي يمكن أن تمنح الشباب العُماني فرصًا غير مسبوقة للاندماج في قطاعات صناعية وتقنية جديدة، وترفع من مستوى المهارات الوطنية، وتدعم مسار التوطين في القطاع الخاص. ومع اتساع رقعة التصنيع والتصدير، ستنشأ احتياجات موازية في قطاع الخدمات والتعليم والتقنية، ما ينتج دورة اقتصادية متكاملة ترفد بعضها بعضًا، وتُرسي قواعد نمو متواصل ومستقر.
أما على المدى الطويل، فإن تفعيل الاتفاقية قد يمهد لمرحلة يصبح فيها الاقتصاد العُماني أكثر قدرة على مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر استعدادًا لاستيعاب التحولات التقنية والبيئية والاقتصادية. ومع استمرار التنويع، وتوسّع الصادرات، وتعاظم دور سلطنة عمان كمركز لوجستي محوري، يمكن لعُمان أن تنتقل من موقع المنافس الإقليمي إلى موقع اللاعب الفاعل في التجارة الدولية. وقد نشهد خلال عشر سنوات اقتصادصا عمانيًا متجددًا، واسع القاعدة الإنتاجية، متصلًا بشبكات التجارة العالمية، ومتقدمًا بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية عُمان 2040 بوصفها رؤية طموحة لاقتصاد مرن، مبتكر، ومستدام.
من الناحية النوعية، يشير هذا النمو إلى زيادة الصادرات غير النفطية، حيث من المتوقع أن تستفيد قطاعات مثل البتروكيماويات، الفولاذ، الألومنيوم، الأسمنت، الرخام، اللبان، والتمور من تحسن سلاسل التوريد وفتح الأسواق الهندية. النمو في هذه القطاعات، الذي بدأ يظهر بالفعل في بيانات 2025، يعكس قدرة الاقتصاد العُماني على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. عمليا، إذا ارتفعت الصادرات غير النفطية بمعدل يتراوح بين 6% و12% سنويا نتيجة النفاذ إلى السوق الهندي وتحسين اللوجستيات، فإن هذا سيترجم إلى زيادة ملموسة في حصيلة التبادل التجاري الكلي.
تحقيق السيناريو التفاؤلي يتطلب مجموعة من العوامل التمكينية، أبرزها تسريع عمليات التصديق والتوقيع والتنفيذ للاتفاقية مع وضع آلية متابعة مشتركة لضمان تطبيق بنود التفضيل الجمركي وإزالة العوائق الإجرائية. كما يشمل تطوير البنية التحتية اللوجستية للموانئ والمناطق الحرة ومرافق التخزين والتبريد وطرق الربط الداخلي لالتقاط الطلب المتزايد.
كذلك، تعد الحوافز الاستثمارية للقطاعات ذات القيمة المضافة وبرامج التدريب الفنيّة من العناصر الأساسية لضمان استدامة النمو الصناعي. إضافة إلى ذلك، فإن إقامة تحالفات تجارية وشراكات تسويقية مع موزعين هنود يسهم في تسهيل النفاذ إلى الأسواق الهندية على مستوى المدن والمناطق، بينما تتيح حزم الدعم للصادرات الصغيرة والمتوسطة وصول المنتجات العُمانية إلى رفوف السوق الهندي بفعالية وجودة تنافسية.
بشكل عام، تشير هذه التقديرات إلى أن تفعيل CEPA يشكل فرصة استراتيجية لعُمان لتعزيز التجارة الثنائية، تنويع الاقتصاد، جذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل واسعة، ما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام وتقليل الاعتماد على النفط، مع تعزيز قدرة سلطنة عمان على تأدية دور متنامٍ في التجارة الإقليمية والدولية.