الشارقة - الوكالات
أكد عدد من النقاد والأدباء أن الأدب المغربي يشكل ركيزة أصيلة في الثقافة العربية، ويتميز بتفاعل نقدي مستمر وغني يتجاوز مجرد تقييم الأعمال الأدبية ليكون حوارًا حول الهوية والقضايا الاجتماعية والتجارب الإنسانية.


جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان "الأدب المغربي والتفاعل النقدي"، أقيمت في الدورة الـ 43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، وشارك فيها: الأديب أحمد المديني، الباحث سعيد يقطين، والناقدة الأكاديمية حورية الخمليشي، وأدارها الناقد عبد الرحمن التمارة.

 

الأديب ناقدًا

تحدث الأديب أحمد المديني عن العلاقة المتداخلة بين الأدب والنقد، مشيرًا إلى أن الكتابة الأدبية هي نوع من النقد الذاتي. وأوضح أنه يمارس النقد على أعماله بصرامة تصل أحيانًا إلى شطب نصوص كاملة، وقال: "الكتابة بالنسبة لي هي عملية نقدية بالدرجة الأولى"، مشيرًا إلى أن الأدب المغربي شهد تحولاً كبيرًا منذ بدايات القرن العشرين، مما أثر على طبيعة النقد، حيث توجه النقاد للاهتمام بالمضامين الاجتماعية والسياسية في الأعمال الأدبية.

 

النقد والإبداع: علاقة تكاملية

من جانبه، شدد الباحث والناقد سعيد يقطين على أهمية النقد الأدبي ودوره في إثراء الأدب المغربي، مشيرًا إلى أن النقد في المغرب يبرز بشكل أكبر من الإنتاج الأدبي نفسه. وأكد على الحاجة إلى دعم حكومي لتعزيز دور الأدباء، وأضاف: "المبدعون في المغرب ينتمون إلى مشارب متعددة، بينهم علماء وأدباء وشعراء ونقاد، وهذا التنوع يغني الحركة الثقافية." وأكد أن الترابط بين النقد والإبداع أساسي لاستمرار الحراك الثقافي، قائلاً: "الناقد يسكن في قريحة كل مبدع."

 

وأشار يقطين إلى أن التحول الرقمي يمكن أن يساهم في تطوير النقد الأدبي المغربي ونشره بسهولة أكبر، مع التركيز على قضايا معاصرة مثل الهوية والتعددية الثقافية والبيئة، مما يساعد في الحفاظ على الخصوصية الثقافية للأدب المغربي.

 

النقد رقيب الأدب

بدورها، أكدت الناقدة الأكاديمية حورية الخمليشي على ضرورة التمييز بين الأدب والنقد، موضحة أن النقد يعتمد على أسس علمية ونظريات خاصة، في حين يركز الأدب على التعبير الذاتي. وقالت: "النقد ليس جنسًا أدبيًا، بل هو وسيلة لتقييم الأدب وتوجيهه." وأضافت أن الحركة النقدية المغربية قدمت رؤى عميقة دفعت الأدباء إلى استكشاف أشكال وأساليب جديدة، مشيرة إلى أن النقد الأدبي يسهم في فهم أفضل للتحديات والقضايا الاجتماعية التي يعايشها المجتمع المغربي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: إلى أن

إقرأ أيضاً:

حين يسقط العالِم في فخ التبسيط .. خطيئة جمال حمدان حين أفتى في الأدب

في لحظة ثقافية تتشابك فيها الأسئلة أكثر مما تتضح الإجابات، يطلّ الكاتب عبد الوهاب داود من خلال كتابه «معادلات مختلّة» ليقلب حجراً ثقيلاً في ذاكرة الثقافة المصرية. حجرٌ يحمل اسمًا كبيرًا نادرًا ما يُمسّ بالنقد: الدكتور جمال حمدان.

العالم العبقري، صاحب «شخصية مصر»، الذي غيّر طريقة المصريين والعرب في فهم الجغرافيا والتاريخ والهوية، لكنه ـ كما يقول الكاتب ـ «لم يكن معصوما»، بل ارتكب خطيئة فكرية كبرى حين تحدث عن الأدب من موقع من لا يعرفه، وأصدر أحكامًا قاطعة على فنون الكتابة دون أن يقرأ منها إلا ما كان موجّهًا للأطفال والمبتدئين.

في هذا الفصل اللافت من «معادلات مختلّة»، لا يهاجم عبد الوهاب داود شخصية جمال حمدان، ولا يقلل من شأنه، بقدر ما يفتح سؤالاً فلسفيًا عميقًا: هل يجوز لعالِم أن يحكم على مجال كامل خارج تخصصه دون أن يكون قد تعرّف إليه بعمق؟ وهل يمكن لذكاء علمي حاد أن يعصم صاحبه من السقوط في أحكام سطحية عندما يغادر منطقة معرفته، السؤال الذي يطرق به الكاتب هذا الباب ليس سهلاً، ولا خفيفًا. إنه سؤال يمسّ قدسية الرموز، ويعيد النظر في صورة العالِم الكامل، ويؤكد أن «غلطة الكبير بألف».

حوار قديم.. لكن صدمته متجددة

ينطلق الفصل من حوار منشور في مجلة «آخر ساعة» بتاريخ 30 أغسطس 1986، وهو حوار بدا عابرًا في وقته، لكنه صار اليوم وثيقة كاشفة، وفي هذا الحوار، يفاجئ جمال حمدان القارئ بتصريحات صادمة يقول فيها إن الأدب «سقط متاع العقل البشري»، وإن قيمته «محدودة للغاية»،  وإنه لم يجد للأدب «موضوعًا حقيقيًا»، وإنه ظل طوال سنوات «مشْكوكًا في وجوده».

وبقدر قسوة التصريح، بقدر ما يكتشف القارئ أن حمدان بنى كل ذلك على أساس متهالك: خمسمائة رواية قرأها في شبابه… كلها من روايات الجيب، الموجّهة للأطفال والمراهقين، والمختصرة اختصارًا مخلاً لحدّ التشويه، وهنا يشعل الكاتب أول شرارة في النقاش، عندما يتساءل بدهشة:
كيف يمكن لعالِم في حجم جمال حمدان أن يبني تصورًا معرفيًا عن الأدب العالمي اعتمادًا على نصوص مختصرة، لا تمت بصلة للأعمال الأصلية؟، وهل يمكن لمن قرأ ملخصًا بائسًا لرواية مثل «مائة عام من العزلة»، أو «آنا كارنينا»، أو «البؤساء»، أن يكوّن حكمًا على تولستوي أو هوغو أو ماركيز؟

يعترف حمدان في الحوار بأن تلك التصورات «صبيانية»، وأنها من «فترة التلمذة»، لكنه يعود، وهو في السادسة والخمسين، ليصف الأدب بأنه مجرد “ترف عقلي”، وأن دوره هامشي على «جانب الحياة»، ويضيف تشبيهًا بدا للكاتب جارحًا حين قال إن الأدباء الكبار «تسلّقوا ترام العالمية في غفلة من الزمن».

هنا تبدأ المعادلة المختلة

يرى عبد الوهاب داود أن المشكلة ليست في رأي جمال حمدان، فلكل مفكر الحق في رؤية مختلفة، لكن المشكلة تكمن في خطأ المنهج: أن يُصدر عالم كبير حكمًا حاسمًا على مجال لا يعرفه، بل ولم يمنحه فرصة ثانية لتصحيح الانطباعات الأولى.

فالعالِم الذي صنع واحدة من أعمق الدراسات عن عبقرية المكان في مصر، والذي أدرك قيمة التفاصيل الجغرافية والبشرية، بدا هنا ـ من وجهة نظر الكاتب ـ أسير قراءة مراهقة لم يراجعها لاحقًا، وظلت تتحكم في رؤيته لعقود، حتى أصبحت “معادلة فكرية مختلّة” أثّرت على حكمه على الأدب كله.

ويشير الكاتب إلى أنّ ما يؤلم في تلك التصريحات ليس قسوتها فقط، بل أنها صادرة من عقل يعرف قيمة التخصص. يعرف أن العلوم تتكامل، وأن خريطة العالم لا تُقرأ من جغرافيا الأرض وحدها، بل من جغرافيا الإنسان أيضًا، ومن حكاياته وأساطيره وإبداعاته.

الأدب.. ذاكرة الإنسانية قبل الخرائط

يتوقف عبد الوهاب داود  مطولاً عند نقطة محورية: أن الأدب أقدم من العلم، وأعمق من الجغرافيا، وأرسخ من الخرائط.

فإنسان الكهوف لم يكن يرسم الحدود، لكنه كان يحكي، والحضارات لم تحفظ نفسها بالنظريات العلمية وحدها، بل بالحكايات والأساطير والملاحم.

ويرى الكاتب أن استبعاد الأدب من سياق المعرفة الإنسانية يشبه الرغبة في قراءة تاريخ البشر بلا أصواتهم، أو فهم رحلة الحضارة بلا تجاربها، أو تتبع أثر المكان بلا قصص من سكنوه.
ومن هنا، يسوق أمثلة تكشف مفارقة مؤلمة: كيف لم يرَ عالم جغرافيا مثل جمال حمدان أن نصوصًا مثل أسطورة إيزيس وأوزوريس تحتوي على معلومات تتجاوز الواقع العلمي؟، كيف لم ينتبه إلى أن «فساد الأمكنة» لصبري موسى تقدّم تحليلًا للمكان الصحراوي لا يقل ثراءً عما يقدمه بحث علمي؟
وكيف لم يلاحظ أن أعمالًا حديثة مثل «السيد من حقل السبانخ» تطرح عبر الخيال أسئلة علمية تحولت لاحقًا إلى واقع ملموس؟

الأدب ـ كما يقول الكاتب ـ ليس مجرد «أسلوب جميل»، كما قال حمدان، بل هو وعي الإنسان بذاته، ومرآته التي يرى فيها ما لا تقوله الخرائط.

تبسيط لا يليق بعالم

في الحوار، يذهب جمال حمدان إلى القول إن الفيلم السينمائي يمكنه أن يختصر رواية «الحرب والسلام» في ساعة، وإن السينما «ورثت» الأدب، وإن الصحافة سبقتها في ذلك، هنا ينفجر الكاتب غضبًا صامتًا، واصفًا هذا الرأي بأنه «تبسيط مهين»، لا يليق بعالم يعرف أن كل فن له لغته، ووسيلته، ودوره الخاص، فالرواية لا تختصر في ساعة، وما يُختَصر ليس الرواية، بل مجرد هيكلها.

والسينما ليست بديلاً عن الأدب، بل فنًا آخر له جماليات مختلفة، تمامًا كما أن الخريطة ليست بديلًا عن التاريخ، ولا الصورة الجوية بديلًا عن التحليل الميداني.

يرى الكاتب أن قول حمدان هذا أوقعه في فخّ لم يتوقعه: فخّ السطحية، الذي لم يكن من المفترض أن يقترب منه عالم مثله.

العبقري.. والإنسان

الفصل لا يهدف إلى هدم صورة جمال حمدان، بل إلى تذكير القارئ بأن العباقرة بشر، وأن العقول الكبيرة قد تزلّ، وأن العالم الذي صنع مجدًا فكريًا قد يقع في خطأ صادم خارج تخصصه، فالمكانة العلمية لا تمنع السقوط في أحكام ناقصة، ولا تلغي الحاجة إلى إعادة النظر والمراجعة.

يقدم عبد الوهاب داود  جمال حمدان باعتباره واحدًا من أعظم ما أنجبت مصر، لكنه في الوقت نفسه يعتبر حديثه عن الأدب «هشًا»، و«متسرعًا»، و«لا يتناسب إطلاقًا مع حجم صاحبه».
وفي ذلك يضع الكاتب معادلة جديدة: أن احترام الرموز لا يعني تقديس كل أفكارهم، وأن النقد لا ينتقص من القيمة، بل يحررها من طبقات الصمت.

قيمـة الفصل.. وقيمة النقاش

ينتهي الفصل إلى رؤية واضحة: أن الأدب ليس ترفًا، ولا هامشًا، ولا سقط متاع، بل هو أحد الأعمدة التي قامت عليها الحضارة الإنسانية، فالحكاية هي التي بنت الوعي، ونقلت التجارب، وعبّرت عن خوف البشر ورغباتهم، وقادتهم إلى اكتشاف أنفسهم والعالم.

وما طرحه جمال حمدان في ذلك الحوار ـ كما يرى الكاتب ـ لا ينبغي السكوت عنه، ولا ينبغي تمريره بدعوى احترام العلماء.
بل يجب الوقوف عنده لأن مراجعة الكبار جزء من احترام العلم ذاته.

بهذا الفصل، يقدّم عبد الوهاب داود عملاً شجاعًا، يفتح بابًا للنقاش حول حدود التخصص، ومزالق الأحكام الجاهزة، ومخاطر أن يصدر عالم كبير فتوى فكرية دون أدوات المعرفة الكاملة.

ويمنح القارئ فرصة لرؤية العلاقة بين الأدب والعلم بوصفها علاقة تكامل لا خصومة، وأن العقل الذي يصنع الخرائط لا يكتمل فهمه للعالم دون أن يصغي إلى من يصنعون الحكايات.

طباعة شارك الكاتب عبد الوهاب داود معادلات مختلّة شخصية مصر جمال حمدان قدسية الرموز مجلة «آخر ساعة

مقالات مشابهة

  • عام الرحيل الثقافي.. مصر تودّع قامات بارزة من الكتابة والنشر والنقد خلال 2025
  • تيتيه: الحوار ركيزة في خارطة الطريق الأممية لتوسيع المشاركة الوطنية
  • لماذا يجب وقف معارضة المسؤولين السابقين؟
  • مظاهرات أسبوعية ونشاطات ثقافية في بورتوريكو دعما للقضية الفلسطينية
  • جامعة مطروح تنظم زيارة ميدانية علمية إلى آثار سيوة
  • حين يسقط العالِم في فخ التبسيط .. خطيئة جمال حمدان حين أفتى في الأدب
  • الوداد المغربي يفاوض نجم المصري .. سيف زاهر يكشف
  • العراق يدعو لاستئناف الجهود الدبلوماسية بين إيران والمجتمع الدولي
  • مخزومي: الاجتماع الرباعي يؤكد أن الجيش ركيزة الاستقرار
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان