لجريدة عمان:
2025-05-16@15:06:25 GMT

القرطاس والقلم

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

ماذا لو أنّ الأعمال الكُبرى التي تركها مفكّرون وأدباء أخذهم الموت ولم يتمكّنوا من نشرها في حياتهم كانت مُخزّنة في جهاز حاسوب ومحمية بكلمة سرّ وتمسّك الورثة باحترام ميّتهم وعدم العمل على فكّ المُشفّر، وترْك الأسرار لأصحابها، أو عجزوا عن فكّ رموز تشفيرها؟ ماذا لو أنّ الكتاب العظيم الذي ما زال يؤثّر في التفكير السياسي «الأمير» لميكيافيللي لم يُوجَد بعد موته في نسخة ورقية مخطوطة وغاب في غياهب كتمان الحاسوب؟ ماذا لو أنّ الأعمال التي تركها كافكا، وخاصّة منها «المحاكمة» والأعمال التي تركها همنجواي بعد مماته، وخاصّة منها المجموعة القصصيّة «الصيف الخطير»، والكتاب الذي يتناول فيه حياته «وليمة متنقلة» قد أكلتها الحواسيب، ولم تُتْرَك ورقيّا؟ أعمالٌ عديدةٌ خرجت للعالم بعد موت أصحابها، وكانت الأوراق حافظتها من الفناء والموت.

صلةُ المبدع الكاتب بالورقة والقلم هي رابطةُ وجودٍ وتحقّق، فهي أدواته التي يأنس إليها ويتفاعل معها، ولذلك فإنّ الكُتّاب أوْجَدوا طُرقا ووسائط وطقوسا وعادات في التعامل مع أشياء الكتابة وخاصّة منها الورقة والقلم قبل سيادة الحواسيب، ولعلّ من أبين هذه الطقوس التي بدأت تُفْقَد آثارُها، تمزيق الورق وإلقاؤه، الشطْبُ، والمحو، وممارسة تفاعل إراديّ ولا إراديّ مع القلم ومع الورق، كلّ ذلك هو بصدد التهاوي والاستبدال، بِشاشة حاسوب ولوحة حروف، المحو فيها يسيرٌ والخطّ فيها آليّ، ولا يُمكن أن نكسر الشاشة دوما كلّما انزعجنا من فقرة أو صفحة أو مجموع صفحات، في حين كان من اليسير أن يغضب الكاتب ممّا كتب فيُفرغ شحنة غضبه في الورق، يُبعْثره، يُمزّقه، يُشعل فيه النار، يفعل فيه ما يُشفي غليله، كذلك فِعْله مع القلم، يكسره، يُقِيمه، يتخيّره، يُمارس معه طقسا صار نادرا. لقد مثّلت أدوات الكتابة عبر تاريخ الكتابة فعلَ إنشاءٍ واحتفاء. يفقد الكاتب جزءا من وجوده في علاقته بالكتابة، ويكتسبُ وجودا جديدا، هو وجود الجلوس على الشاشة، وتَيَسُّر المعلومة، التي أضحت متاحة بضغط زرّ، لهذا الأمر محاسن لا تُحصَى، وهو مكسبٌ لا تراجع عنه، ولكنّي من جيل مُخضرَم، ما زلتُ لم أتخلّص بعد من الرغبة في البحث عن المعلومة بتصفّح عدد من الموسوعات، ما زلت أرى أنّ البحث عن المعلومة بالطريقة البطيئة هو سبيل لتحصيل معارف ملقاة على قارعة الطريق، الكاتب المخضرم في ظنّي يعيش اغترابا واضطرابا، بين الورقة والقلم، الكتب وروائحها التليدة من جهة، وبين الأجهزة الذكيّة وما تقدّمه من سريع المعلومات ويسر الكتابة من جهة ثانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

علي جمعة يفجّر مفاجآت عن توثيق السنة: الصحابة كانوا يحرصون على الكتابة فى عهد النبي

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، مفتى الجمهورية الأسبق، إن العلماء منذ العصور الأولى للإسلام وحتى عهد الصحابة والتابعين كانوا يحرصون على كتابة الأحاديث النبوية من وقت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال حياً.

وأشار عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، مفتى الجمهورية الأسبق، خلال حلقة بودكاست "مع نور الدين"، المذاع على قاة الناس، اليوم الخميس، إلى حادثة مشهورة حينما جاء رجل اسمه "أبو شاه" وطلب من النبي أن يكتب له حديثه، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: "اكتبوا لأبي شاه"، وهذا دليل على أن التدوين كان موجوداً منذ ذلك الوقت.

وأضاف الدكتور علي جمعة أن التابعين أيضاً حرصوا على جمع الأحاديث، مثل صحيفة وهب بن منبه التي تضم حوالي 132 حديثاً، والتي يعدها البعض من مصادر جمع البخاري، ولهذا فإن من يقول إن البخاري جمع أحاديثه من فراغ، فهناك أسانيد تاريخية واضحة مثل هذه الصحيفة.

ولفت إلى أن بعض الصحابة كانوا يكتبون الأحاديث والبعض الآخر كان يعتمد على الحفظ فقط، وهذا سبب اختلاف عدد الروايات التي نقلها بعض الصحابة، حيث إن الكتابة كانت تساعد في التذكر وتسمى الآن "مذكرات"، بينما البعض الآخر كان يعتمد فقط على الذاكرة، فكان يتذكر أحياناً ولا يتذكر أحياناً.

وقال الدكتور علي جمعة إن عدد الصحابة الذين شهدوا حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويطلق عليهم الصحابة عليهم حوالي 114 ألف صحابي، وقد رُصد عددهم في حج الوداع، حيث ثبت وجود 114 ألفاً منهم، وأن الصحابة كانوا ينقسمون إلى دوائر بحسب قربهم من النبي، فمنهم من جلس معه سنين وغزا معه غزوات كثيرة، ومنهم من رآه مرة أو مرتين فقط.

وأضاف أن تعداد الصحابة الذين نعرف أسمائهم يصل إلى حوالي 9500 اسم، بناءً على تتبع التاريخ والنقل والعقل، ولكن من هؤلاء لم يروِ عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حوالي 1720 صحابي فقط، موضحا أن هؤلاء الصحابة الذين رووا الحديث عن النبي هم الذين ظهرت أسماؤهم في كتب الحديث، مثل مسند الإمام أحمد، مسند عبد الله بن مسعود، ومسند أنس بن مالك.

وتابع الدكتور علي جمعة: "أما الصحابة الآخرون، أي حوالي 800 منهم، فقد رووا حديثاً واحداً فقط، ونحو 1000 صحابي من الـ1720 رووا حديثاً واحداً فقط، وهذا له دلالة مهمة، فهو رد على من يشكك في صحة السنة النبوية، إذ كيف لشخص أن يعيش حياته كلها ويتبع أوامر النبي ويعيش على حديث واحد فقط؟!".

وأضاف: "هذا الحديث الواحد قد يكون سطراً أو حكمة عظيمة مثل قوله تعالى: 'اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن'، وهو معيشة كاملة وسلوك يحيا بها الإنسان، فهل يعقل أن كل هذا يروى في سطر واحد فقط؟ هذا يدل على قوة التوثيق والحرص على السنة من الصحابة والتابعين رحمهم الله".

مقالات مشابهة

  • علي جمعة عن توثيق السنة: الصحابة كانوا يحرصون على الكتابة فى عهد النبي
  • علي جمعة يفجّر مفاجآت عن توثيق السنة: الصحابة كانوا يحرصون على الكتابة فى عهد النبي
  • فنانون يجسدون شعار من النقش إلى الكتابة في معرض الدوحة الدولي للكتاب
  • بالفيديو الكاتب "البيشي" لـ "ياهلا بالعرفج": المشي حماني من الكرش وأغلب المقالات والمنشيتات أصيغها وأنا أمشي
  • لازاريني: لا أجد الكلمات لوصف البؤس والمأساة التي يعاني منها سكان غزة
  • مجلة الدوحة.. من الورق إلى الرقمنة في جلسة نقاشية بمعرض الكتاب
  • «من النقش إلى الكتابة» يعزز التواصل الثقافي مع تركيا
  • النيران أتت على الورق .. تفاصيل حريق بمخزن مصنع كرتون بقليوب .. صور
  • شهدنا الانهيار التسلسلي المريع للمليشيا بمناطقِ وسط السودان بعد أنْ تحرّر جبل موية
  • وزير الثقافة يزور الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم بعد خضوعه لجراحة أمس ويطمئن محبيه على حالته الصحية