كتب الدكتور عزيز سليمان أستاذ السياسة والسياسات العامة

الصراع السوداني الممتد يمثل أحد التحديات الأعقد في تاريخ البلاد الحديث، حيث تشابكت الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبرزت مطالب عاجلة للسلام والاستقرار. ومن بين القضايا المطروحة اليوم بإلحاح من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي بايدن هي إمكانية دمج ما تبقى من قوات الدعم السريع في الجيش السوداني بهدف إنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار.

يطرح هذا الطرح تساؤلات عدة، بين جدلية الاندماج وتأثيره على النسيج الوطني، مرورًا بمسألة المحاسبة والعدالة، وصولاً إلى مواقف الإسلاميين والقوى السياسية والعسكرية التقليدية، ومدى قبول السودانيين أنفسهم لهذه الخطوة بعد كل هذه البشاعات التي قامت بها هذه المليشيات متعددة الجنسيات..

الأبعاد الجدلية لعملية الدمج

قوات الدعم السريع ليست مجرد تشكيل عسكري عادي؛ فهي تتسم ببنية إدارية وتاريخ خاص له ارتباطات مع محاور* ذات أحلام وأمال عراض في موارد السودان وأراضيه وموانئه، نشأت أصلاً كقوة مسلحة شبه مستقلة تحت قيادة منفصلة تحت امرة الرئيس المخلوع البشير كقوات باطشة ومؤمنة للرئيس لضمان حمايته وبقاءه في السلطة، مما أكسبها مكانة فريدة من نوعها، ولكنها مثيرة للجدل داخل الأوساط السودانية. ولعل العامل الأكثر تعقيدًا في عملية دمج هذه القوات هو تاريخها المرتبط بنزاعات عنيفة وارتكاب انتهاكات جسيمة في دارفور وأماكن أخرى، حيث أُلقي على عاتق هذه القوات جرائم كبرى تُصنف تحت بند جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية..

إن مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني تتطلب، بلا شك، حلاً جذريًا لهيكلية هذه القوات وإعادة تنظيمها بما يضمن ولاءها التام للمؤسسة العسكرية الوطنية، وتحت قيادة مركزية موحدة. يرى البعض أن الاندماج قد يكون سبيلًا لإنهاء النزاعات الداخلية وتوحيد الجهود في مواجهة التحديات الأمنية. لكن في المقابل، يعتبر آخرون أن أي خطوة نحو دمجها دون محاسبة واضحة وشفافة ستكون تضحية بقيم العدالة وسيادة القانون.

موقف السودانيين ومسألة احقاق العدالة

يشكل الرأي العام السوداني عاملًا محوريًا في تحديد ملامح هذا الدمج. فالشعب السوداني الذي عانى من سنوات من القمع والحرب والانتهاكات، يطمح إلى تحقيق العدالة قبل السلام. والمحاسبة، في نظر الكثيرين، هي شرط أساسي قبل التفكير في إدماج أي طرف متورط في انتهاكات حقوق الإنسان في نسيج الجيش الوطني.

ومما لا شك فيه أن الإصرار على تحقيق العدالة قد يؤدي إلى صعوبة تطبيق خيار الدمج، فالمواطنون السودانيون لا يرغبون في رؤية من ارتكبوا الجرائم بحقهم وقد انضموا إلى المؤسسة العسكرية دون خضوعهم للمساءلة. ويرى كثيرون أن تجاهل هذه النقطة قد يؤدي إلى فقدان الثقة الشعبية في الجيش كمؤسسة، مما يعرقل تحقيق الاستقرار المنشود.

موقف الإسلاميين والمؤسسة العسكرية

المشهد السياسي السوداني يسيطر عليه توازن حساس بين القوى المدنية والعسكرية والإسلامية. يتجلى موقف الإسلاميين بشكل خاص في النظر إلى قوات الدعم السريع كمنافس وتهديد، بل ويسعى بعضهم إلى تفكيك هذه القوة، في حين يحاول الجيش أن يستعيد دوره التاريخي في حفظ النظام والأمن.

أما الجيش السوداني، فإن خيار الدمج قد يعزز من سيطرته على الوضع الأمني في البلاد، لكنه أيضًا قد ينطوي على تحديات كبرى، خاصة إذا لم يلتزم قادة الدعم السريع بالهيكلية العسكرية الوطنية وبالقوانين المنظمة لعمل الجيش. إن المؤسسة العسكرية السودانية، التي كانت في يوم من الأيام تمثل العمود الفقري للأمن القومي، تجد نفسها اليوم في وضع حرج، يتطلب منها توخي الحذر في التعامل مع أي قوة عسكرية ذات توجهات أو قيادات مستقلة، لتجنب أي انشقاقات مستقبلية.

خاتمة: معادلة السلام أم تسوية سياسية؟

في النهاية، يبدو أن دمج قوات الدعم السريع او اياً من الحركات المسلحة في الجيش السوداني يمثل معادلة معقدة تحتاج إلى توازن دقيق بين تطلعات السودانيين للسلام وضرورة المحاسبة. وعلى القوى الوطنية السودانية والقادة العسكريين أن يتبنوا خطوات صارمة نحو
ضم او الحاق أي فصيل مسلح يحتكم لأسرة في حالة الدعم السريع او لقبيلة او منطقة في حالة بعض حركات الكفاح المسلح لضمان عقيدة جيش الدولة بعيداً عن الاستقلالية الفردية والولاءات الجانبية. فإذا أُحسن التعامل مع هذا الملف بعد التحقق من السودانوية (الجنسية) ، قد يكون الدمج و التسريح خطوة نحو تعزيز الأمن الوطني وتوطيد الاستقرار.

*المحور المقصود هنا هو دولة الامارات العربية المتحدة

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی الجیش السودانی

إقرأ أيضاً:

شاهد بالفيديو.. جنود مرتزقة يقاتلون مع الدعم السريع في مدينة الفاشر

متابعات- تاق برس- أظهر مقطع فيديو متداول جنودا مرتزقة يعتقد أنهم كولومبيون وهم يطلقون النار في أحد شوارع مدينة الفاشر. ويظهرون في أحد الخطوط الأمامية وهم يقاتلون مع قوات الدعم السريع ويشاركون في الهجوم على مدينة “الفاشر”.

https://www.tagpress.net/wp-content/uploads/2025/08/storage_emulated_0_Android_data_com.fawazapp.blackhole_files_DCIM_blackhole_LMYQ2KDDQYE77P60PILY.mp4

وكشفت قوات الجيش السوداني في وقت سابق عن وجود مرتزقة أجانب يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع، من بينهم مقاتلون من كولومبيا، في معارك مدينة الفاشر الأخيرة، عاصمة ولاية شمال دارفور.

وبحسب وسائل إعلام سودانية محلية، أظهرت المقاطع المصورة التي عثر عليها في أحد هواتف المرتزقة الكولومبيين، وجود مجموعات أجنبية تقاتل إلى جانب مليشيا الدعم السريع في عدة مواقع، منها مدينة الفاشر ومحيط مطار نيالا بولاية جنوب دارفور، والذي أعادت قوات الدعم السريع تشغيله لاستخدامه في تهريب الذهب والماشية وإيصال الإمدادات العسكرية.

الفاشرمرتزقة كولومبيون

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يمهد الطريق أمام قواته للوصول إلى الفاشر.. تابع التفاصيل
  • مسيرات الجيش السوداني تحرم “الدعم السريع” من خطوط إمداده الخلفية في دارفور.. تعرف على التفاصيل
  • البرهان: لا مهادنة مع قوات الدعم السريع والقتال مستمر مهما كان الثمن
  • الجيش السوداني يخترق الدفاعات وينفذ إسقاطا جويا ناجحا في مدينة محاصرة
  • الأمم المتحدة: الدعم السريع ترتكب فظائع بحق المدنيين في الفاشر
  • شاهد بالفيديو.. جنود مرتزقة يقاتلون مع الدعم السريع في مدينة الفاشر
  • واشنطن تدين العنف ضد المدنيين.. الجيش السوداني يصد هجوماً لـ«الدعم» قرب الفاشر
  • الجيش السوداني يستهدف مواقع للدعم السريع في ولاية شرق دارفور
  • الجيش السوداني يتصدى لمليشيا الدعم الإرهابية
  • في ذكرى تأسيسه.. الهجوم بمسيرات على الجيش السوداني بمدينة تمبول