عربي21:
2025-08-16@08:32:18 GMT

رحيل روائي صحفي كان ضد القمع والتطبيع (بورتريه)

تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT

رحيل روائي صحفي كان ضد القمع والتطبيع (بورتريه)

قامة نحيلة، ووجه دقيق، ونظارة لا تغادر وجهه الذي يبدو بملامح جادة جامدة.

كاتب وروائي مصري يميل إلى الفكر اليساري، رغم أنه كان يرى نفسه حتى سنوات قريبة "شيوعيا".

يعد أحد أكبر الروائيين المصريين ومن الكتاب المثيرين للجدل ودخلت بعض رواياته قائمة أفضل مائة رواية عربية.

تقوم موهبته الروائية على التجريب من جهة والالتزام السياسي الواضح من جهة أخرى.


أقرب إلى الصحفي الروائي، أو الروائي المؤرخ.

كان لوالد، صنع الله إبراهيم، المولود في القاهرة، في عام 1937، أثر كبير على شخصيته حيث زوده بالكتب والقصص وحثه على الاطلاع والمطالعة، فبدأت شخصيته الأدبية في التكوين منذ الصغر.

كان والده قد بلغ الستين من العمر حين ولد ابنه، فقام بصلاة استخارة ثم فتح القرآن الكريم فوضع أصابعه على كلمة "صُنع الله الذي أتقن كل شيء" الآية 88 من سورة النمل، ومن هنا سمي بصنع الله، وهو ما تسبب له بـ" مشاكل كثيرة" حسب قوله.

درس صنع الله إبراهيم الحقوق، لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة.

انتمى في بداية حياته إلى "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" التي عرفت اختصارا بـ"حدتو"، فاعتقل في عام 1959 وظل في السجن خمس سنوات حتى عام 1964، وذلك في سياق حملة شنها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ضد اليسار والشيوعيين.


بعد خروجه من السجن عمل في الصحافة لدى وكالة الأنباء المصرية عام 1967، ثم عمل لدى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية عام 1968 حتى عام 1971 حين اتجه إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي، والعمل على صناعة الأفلام.

ثم عاد إلى القاهرة في عام 1974 في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وتفرغ  للكتابة بشكل احترافي في عام 1975.

أثير حوله الكثير من الجدل وبشكل خاص بعد رفضه استلام "جائزة الرواية العربية" التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، عام 2003، معلنا أن السبب هو أنها "صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد".

وفي الكلمة التي ألقاها على مسرح دار الأوبرا المصرية خلال حفل تسليم الجائزة، انتقد صنع الله التطبيع الرسمي مع دولة الاحتلال، كما ندد بـ"الإملاءات الأمريكية، والعجز في السياسة الخارجية المصرية، وسائر مناحي الحياة.

وقال: "أعلن اعتذاري عن عدم قبول الجائزة لأنها صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد وتسمح للسفير الإسرائيلي بالبقاء في حين أن إسرائيل تقتل وتغتصب".

 نال العديد من الجوائز العربية المهمة، مثل "جائزة غالب هلسا" عام 1992، من رابطة  الكتاب الأردنيين، و"جائزة العويس" عام 1994، و"جائزة ابن رشد للفكر الحر" عام 2004، و"جائزة كفافيس للأدب" عام 2017، وهي جائزة تمنح للأدباء الذين ساهموا في تعزيز التفاهم الثقافي بين مصر واليونان.

تتميز أعمال صنع الله إبراهيم، بحسب النقاد والمشتغلين في الآداب، بصلتها الوثيقة التشابك مع سيرته وحياته من جهة، ومع تاريخ مصر السياسي من جهة أخرى، والتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالم العربي، فضلا عن سرده الكثير من حياته الشخصية.

واهتمت رواياته بالتحليل الاجتماعي والاقتصادي للسلوك الإنساني في المجتمع المصري والعربي بشكل عام.

وفي كثير من الأحيان يقارن النقاد، أسلوبه بالروائي التشيكي فرانز كافكا، نظرا لأجوائه الكابوسية، وشخصياته المأزومة، والبنية الغرائبية والعبثية لعالمه الروائي، واستحضار الراهن السياسي أو التاريخي أو الوثائقي بالتوازي مع السرد الأدبي، إضافة إلى السرد المضطرب أحيانا بما ينسجم وسيكلوجيا أبطاله.

ومن أشهر روايات صنع الله إبراهيم، رواية "اللجنة" التي نشرت عام 1981، وهي هجاء ساخر لسياسة الانفتاح في عهد السادات. رغم أن هذه لم تكن روايته الأولى فقد كانت بدايته في عام 1967 برواية "تلك الرائحة".

ثم كتب روايته "بيروت بيروت" الصادرة عام  1984 التي تصور الحرب الأهلية اللبنانية.
 واختيرت روايته "شرف" كثالث أفضل رواية عربية حسب تصنيف اتحاد الكتاب العرب، بالإضافة إلى سيرته الذاتية "مذكرات سجن الواحات".

ومن أهم روايته "وردة" وهي تحكي عن الثورات العربية الاشتراكية و محاولة جمهرة السلطنة العمانية في حقبة الستينات عن طريق مجموعة من الثوار المصريين واليمنيين واللبنانيين، وقد لاقت الرواية قبولا في الأوساط الثقافية المصرية واللبنانية والخليجية.


ومن أشهر أعماله أيضا: "ذات"، التي تحولت إلى مسلسل بعنوان "حكاية بنت اسمها ذات"، لعبت بطولته نيللي كريم، وباسم سمرة، ولاقى المسلسل نجاحا جماهيريا لافتا. يقول عن هذه الرواية: "كل رواياتي بها جزء مني، لكن رواية "ذات" ربما تكون الأكثر قراءة، أو الأقرب لي".

ثم تأتي روايات: "الجليد"، و"نجمة أغسطس"، و"النيل مآسي"، و"العمامة والقبعة"، و"أمريكانلي"، و"التلصص"، و"القانون الفرنسي"، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة ثرية في عالم الأدب.
وفي مجال الترجمة: "التجربة الأنثوية/ قصص لأديبات غربيات"، و"العدو" للأمريكي جيمس روث، و"حمار بوريدان" للألماني جونتر دي برو.

كما كتب عدة قصص للأطفال منها: "رحلة السندباد الثامنة"، و"يوم عادت الملكة القديمة"، و"عندما جلست العنكبوت تنتظر"، و" الدولفين يأتي عند الغروب"، و"الحياة والموت في بحر ملون"، و"اليرقات في دائرة مستمرة"، و"زعنفة الظهر يقابل الفك المفترس"، و"الصقر الأسود يتلقى إنذارا"، و"المرجان يستعين بالصواريخ"،  و"الحصان ينتقم لرفيقه".

واصل صنع الله إبراهيم مواقفه من الحكومات المصرية المتعاقبة، وأن أخذت طابعا أقل صدامية وحدة، فقد علق على "ثورة يناير" عام 2011 التي أسقطت نظام حسين مبارك، قائلا: "إن ما جرى في ميدان التحرير لم يكن ثورة بالتأكيد، فالثورة لها برنامج وهدف: تغيير كامل للواقع أو إزاحة طبقة اجتماعية بأخرى. ما حدث كان انتفاضة شعبية مطلبها الأساسي هو تغيير النظام، رغم أن معنى هذا لم يكن واضحا، باستثناء الإطاحة بأبرز رموز النظام القديم".

ورغم أنه لم يقف موقفا عدائيا من النظام المصري الحالي وأيده على الأقل في البدايات ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه "شخصية وطنية كبيرة"، واعتبر أن تدخله في المشهد السياسي كان "مكسبا للحياة السياسية المصرية".

وكان يرى بأن مصر "في مرحلة لا بديل للسيسي فيها"، وفي نفس الوقت  أكد أنه "لا نستطيع في ذات الوقت أن نستمر بهذا الشكل، خاضعين لنفوذ الشركات الأجنبية، وصندوق النقد الدولي، والظروف الاقتصادية العسيرة".

ورأى أن السلطة الحالية أسفرت عن عودة النظام القديم بكل سلبياته، وأن" الشعب يمشي حزينا لما يراه من السوء والمشاكل الاقتصادية".

توفي صنع الله إبراهيم بعد صراعه مع المرض عن 88 عاما، إثر إصابته بالتهاب رئوي نقل على أثره إلى أحد مستشفيات القاهرة، وكان الراحل قد أمضى مدة في المستشفى في منتصف عام 2025 إثر نزيف داخلي وكسور في الحوض.

رحل اليساري والمناكف المخضرم للأنظمة في مصر تاركا خلفه أرثا روائيا، كان من الممكن أن يوصله إلى جائزة نوبل للآداب ليلحق بزميل في الرواية نجيب محفوظ.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه مصري التطبيع مصر التطبيع الروايات بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صنع الله إبراهیم فی عام من جهة

إقرأ أيضاً:

صنع الله إبراهيم .. أيقونة السرد العربي وأحد أبرز رواده

تصدر اسم الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم محركات البحث خلال الساعات الماضية، عقب إعلان وزارة الثقافة الأربعاء، رحيله عن عمر ناهز 88 عاما، بعد صراع مع المرض.

ذات.. قصة مسلسل انتقل من صفحات صنع الله إبراهيم إلى شاشة الدراماتوافد أسرة ومحبي الأديب الراحل صنع الله إبراهيم على مسجد آل رشدان استعدادا لصلاة الجنازةرحيل أحد أعمدة السرد العربي 

وقال وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، في بيان نعيه، إن الراحل "أحد أعمدة السرد العربي المعاصر، وتميزت أعماله بعمق الرؤية والتزامه الدائم بقضايا الوطن والإنسان، ليشكل نموذجا للمبدع الذي جمع بين الحس الإبداعي والوعي النقدي".

بيئة ثقافية غنية

وكان الكاتب الراحل يعاني من نزيف في المعدة قبل وفاته، وهو من مواليد القاهرة عام 1937، حيث نشأ في بيئة ثقافية غنية، تأثر فيها بوالده الذي كان "حكاء بارعا" وصاحب مكتبة حافلة بالأعمال العالمية والإصدارات الحديثة.

درس صنع الله إبراهيم الحقوق، لكنه انصرف مبكرًا إلى العمل السياسي والصحفي، فانضم إلى تيار اليسار، وعمل في وكالة أنباء الشرق الأوسط، ثم مراسلا بالقسم العربي لوكالة الأنباء الألمانية (أدن) في برلين الشرقية، قبل أن يسافر إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائي.

مؤلفات فى ذاكرة المصريين 

عاد إلى مصر عام 1974، وقرر التفرغ للكتابة والترجمة، لتتحول بعض أعماله لاحقا إلى أعمال تلفزيونية وسينمائية.

ومن أبرز مؤلفات صنع الله ابراهيم: تلك الرائحة، نجمة أغسطس، اللجنة، أمريكانلي، برلين 69، بيروت بيروت، شرف، وذات.

جوائز عدة فى مسيرة صنع الله ابراهيم 

نال خلال مسيرته العديد من الجوائز، بينها جائزة مؤسسة سلطان العويس الثقافية، وجائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر عام 2004، وجائزة كفافيس للأدب عام 2017. 

كما أثار جدلا واسعا عام 2003 حين رفض تسلم جائزة "ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي" اعتراضا على سياسات الحكومة آنذاك.

ارتبطت أعمال صنع الله إبراهيم بسيرته الشخصية وتاريخ مصر السياسي، حيث جمع في نصوصه بين السرد التخييلي والتوثيق، ليظل واحدا من أكثر الكتاب تأثيرا في الأدب العربي المعاصر.

طباعة شارك الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم صنع الله إبراهيم رحيل أحد أعمدة السرد العربي وزير الثقافة اأحمد فؤاد هنو نجمة أغسطس بيروت بيروت جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر

مقالات مشابهة

  • ضحى عاصي: رحيل صنع الله إبراهيم خسارة فادحة للمشهد الثقافي العربي والمصري
  • رحيل صنع الله إبراهيم .. يوسف القعيد : أيقونة جيل الستينيات ورمز لا يتكرر
  • صنع الله إبراهيم .. أيقونة السرد العربي وأحد أبرز رواده
  • رحيل صنع الله إبراهيم الأدب العربي يخسر أحد أعلامه
  • رفض جائزة مصرية لأسباب سياسية.. رحيل صنع لله إبراهيم ومسؤولون ينعونه
  • رحيل صنع الله إبراهيم.. صوت الغضب والذاكرة الحية للأدب المصري
  • وفاة الأديب المصري الكبير«صنع الله إبراهيم» عن عمر يناهز 88 عامًا
  • رحيل الأديب الكبير صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عامًا
  • رحيل الأديب الكبير صنع الله إبراهيم عن 88 عامًا