عربي21:
2025-05-10@10:05:57 GMT

تونس.. الكِبر السياسي يدمر البلد

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

لا نجد وصفا مناسبا للحالة السياسية التونسية هذه الأيام سوى أن الجميع مصاب بحالة من الكِبر تمنعهم جميعهم، سلطة ومعارضة، من النظر إلى قصورهم وعجزهم، فلا يتنازل منهم طرف لصالح البلد والناس الذين تستمر معاناتهم في تدبير الضروري من الأقوات.

نلاحظ وجود تلك الفئة من الناس التي لا تهتم بما يجري حولها وتهز كتفيها ماضية في سعيها إلى سعادتها الخاصة، وهي نفس الفئة التي لم تفرح بالثورة ولم تحزن لانكسارها، وهذه الفئة تُظهر الآن سلوكيات تتخذها السلطة ذريعة للاستمرار في غيّها.

فهذه الأفواج المتلاحقة نحو الشطوط والنُزل والمهرجانات ومتع الصيف عامة تُشعر الناظر من الخارج بأن كل شيء يسير على ما يرام، إنها فئة ذوي الرواتب؛ خاصة التي يقترض بعض أصحابها على رواتب الشتاء ثمن متع الصيف.

كِبر السلطة ليس غفلة
المؤشرات تتجمع لتجعل الحل السياسي يسبق الحل الاقتصادي، والحل السياسي يمر بالضرورة بالحديث مع المعارضة بكل أطيافها بمن فيها القيادات القابعة في السجون. مثل هذه الحديث يعني في بعض جوانبه التراجع عن تجميع السلطة في يد شخص واحد، ثم سماع عقول لم تغادر البلد ترى الحل السياسي ينطلق من هذه النقطة
هذه الفئة الاستهلاكية ليست كاشفة بما يكفي لحالة البؤس التي تتردى فيها فئات هشة فقدت كل أمل في الخروج من طوابير الخبز اليومية، وكِبر السلطة هنا أنها لا تريد أن ترى الهوامش التي تتسع من حولها. مؤشرات الاقتصاد كلها تعري العجز العام، فالأسعار في ارتفاع مستمر والمواد الضرورية مفقودة ولا يبدو أن هناك حلا سريعا يفرج الأزمة.

أخبار القروض الخارجية غير مبشرة والنظام أو بالأحرى الرئيس الماسك بكل السلطات لا يجد منفذا نحو السوق المالية الخارجية، أما الاقتراض الداخلي فقد توقف تقريبا لأن البنوك التجارية فقدت السيولة وهذه أخبار متداولة في غير القنوات الرسمية.

كل هذه المؤشرات تتجمع لتجعل الحل السياسي يسبق الحل الاقتصادي، والحل السياسي يمر بالضرورة بالحديث مع المعارضة بكل أطيافها بمن فيها القيادات القابعة في السجون. مثل هذه الحديث يعني في بعض جوانبه التراجع عن تجميع السلطة في يد شخص واحد، ثم سماع عقول لم تغادر البلد ترى الحل السياسي ينطلق من هذه النقطة.

لكن هل يسمع الرئيس المطلق لحديث العقل السياسي ويذهب إلى اتفاقات سياسية؟ على يقين تام من أن الكِبر الذي يملأ رأس الرئيس لا يسمح له بأي تراجع عقلاني عن مساره الذي يزيّن له ما يفعل، بل تصدر منه عبارات موحية بأنه يوحى إليه.

كِبر المعارضة أكبر

المعارضات الكثيرة وصلت إلى يقين أنها لن تفلح في إزعاج النظام/ الرئيس. فهي أولا شتات بلا أحجام في الشارع، وهي ثانيا واقفة عند التشنيع على الرئيس وحكومته مثلها مثل أي مدون هاو في الفيسبوك؛ فلا اقتراحات ولا مشاريع سياسية. وفي الأثناء أيقنت هذه المعارضات أنها لا تزن ريشة في الشارع دون حزب النهضة، لكنها عند وضع ميزانها تجد أن أي اقتراب من حزب النهضة يخسرها مكاسب سياسية قدمها لها الانقلاب وخلاصتها تحجيم النهضة وتفتيت قدراتها، وهي مكاسب لم تصل إليها بجهدها رغم أنها وصلت إلى تحالف مع الفاشية في البرلمان وفي الشارع. وهذا الأمر يعيدها إلى نقطة الصفر التي كانت فيها قبل الانقلاب، لذلك فهي تكابر أن تعترف بأن توحيد صفوف المعارضة مع حزب النهضة هو الكفيل بإعادة امتلاك الشارع والذهاب به إلى وضع حد للانقلاب.

ونخال بيقين أن طيفا واسعا من المعارضة الآن كامن يتربص بأحد أمرين؛ إما عطف الانقلاب عليه وإفاضة بعض خيره على كوادرها فالتغيير الحكومي تم والمناصب متاحة، أو انتظار سقوط النظام من تلقاء نفسه للظهور في لحظة الصفر كقوى إنقاذ من الأزمة، وطبعا استحضار خطاب مقاومة الارهاب الذي يعني في تونس مقاومة عودة النهضة، ثم تسويق أنفسهم للخارج (الفرنسي منه خاصة) كقوى تقدمية ديمقراطية معادية للرجعية والظلامية.. إلى آخر الأسطوانة التي عاش منها بن علي ربع قرن.

هذا الكِبر السياسي على الجانبين يدمر البلد ويجعل حياة الناس ضنكا، لكن طرفيه يعيشانه بيقين تام بأنه الحل الوحيد كي لا تظهر في الصورة قوى إسلامية تعرف كيف تستفيد من صندوق انتخابي.

تونس السياسية واقفة هنا، لا مجال لأي حل سياسي يُشرك حزب النهضة وأحزمته في الحل، وحتى الشخصيات السياسية التي تجاوزت هذا الموقف الاستئصالي ممنوعة من الكلام ومحاصرة في قوتها وبعضها في السجون.

هذا الكِبر السياسي على الجانبين يدمر البلد ويجعل حياة الناس ضنكا، لكن طرفيه يعيشانه بيقين تام بأنه الحل الوحيد كي لا تظهر في الصورة قوى إسلامية تعرف كيف تستفيد من صندوق انتخابي
عنق الزجاجة مغلق أيضا

النظام/ الرئيس يقتات من فرقة معارضيه.. كتبنا هذا مرات كثيرة وأظن أنه صار يقينا عند كثيرين ربما وصلوا إليه من طرق مختلفة، ولا نعلم موقف القوى الصلبة مما يجري فهذه منطقة ممنوعة وتعوزنا حولها المعطيات لذلك لا يمكننا وضع موقفها في سياق تحليل.

لكن كل ذي نظر يرى أن البلدة "حابسة وتمركي"، وهي عبارة تونسية تصف وجع راكب التاكسي الذي وقع في زحمة سير فلا هو يتقدم فتخف الكلفة ولا عداد التاكسي يتوقف ويرحمه.

وقد كانت هناك فكرة رائجة عن قدرة النخب السياسية التونسية في إيجاد توافقات وعقد صفقات وتوليد مخارج من عنق الزجاجة لكن الرئيس سد عنق الزجاجة أيضا، والطيف الاستئصالي رمى الزجاجة في البحر. هذه القدرة توقفت ولا تبدو النخب قادرة على توليد مخرج، ورئيس الحكومة الجديد لم يأت لحل أزمة فلا ماضي له ولا قدرة معروفة تسمح له بذلك.

كنا نتحدث طيلة فترة عشرية الحريات عن العودة السياسية التي تنهي عطلة الصيف وتفتح النقاشات في الشأن العام مع بداية شهر أيلول/ سبتمبر، ونحن نرى شهر أيلول/ سبتمبر يقترب ولا حديث عن عودة سياسية، بل تتواتر أخبار المساجين المرضى الممنوعين من الأطباء.

وحتى الذين كانوا ينتظرون حلا من الخارج نراهم مذهولين من حجم ردة الفعل على انقلاب النيجر وغضب الديمقراطيين الأفارقة على عسكر النيجر الانقلابي، لكن لا أحد في تونس تذكر موقفا شجاعا للأفارقة الديمقراطيين فجأة من انقلاب تونس. لقد تذكر الجميع أن ليس لتونس يورانيوم لمفاعلات فرنسا، ولذلك لا أحد اهتم بكسر عنق الزجاجة في تونس لتأمين خروج التونسيين نحو الهواء النقي.

بقي أن نذكّر بأن شهر أيلول/ سبتمبر هو موسم زراعة الجزر الشتوي، والتونسيون يحبون الجزر كثيرا مثل أرانب الحكايات ووجوه استعمال الجزر عندهم متعددة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسية الإنقلاب تونس أزمات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحل السیاسی

إقرأ أيضاً:

الرئيس ماكرون: نحيي الخطوات التي قام بها الرئيس الشرع للاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية وضمان السلم الأهلي

2025-05-07hadeilسابق الرئيس ماكرون: سوريا تواجه صعوبات كبيرة وعلى المجتمع الدولي التعاون معها ودعمها للتغلب على هذه الصعوباتالتالي الرئيس ماكرون: فرنسا مستعدة للتعاون مع سوريا من أجل محاربة داعش بما فيه مصلحة البلدين انظر ايضاًالرئيس ماكرون: فرنسا مستعدة للتعاون مع سوريا من أجل محاربة داعش بما فيه مصلحة البلدين

آخر الأخبار 2025-05-07الرئيس ماكرون: نشدد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والمساواة في الحقوق بين جميع مكونات الشعب السوري 2025-05-07الرئيس ماكرون: سقوط بشار الأسد لاقى ارتياحاً لدى الجميع وعلى السوريين اليوم أن يتحدوا لتحقيق السلام والاستقرار 2025-05-07بدء المؤتمر الصحفي لرئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس 2025-05-07المكتب المركزي للإحصاء يبحث مع اليونيسيف تعزيز التعاون 2025-05-07بتوقيع 3 اتفاقيات… المؤتمر الإقليمي الأول للذكاء الاصطناعي وريادة ‏الأعمال يختتم أعماله في دمشق ‏ 2025-05-07تكريم نحو 300 متفوق في شهادتي الثانوية والتعليم الأساسي من ‏أبناء ‏أعضاء نقابة المعلمين 2025-05-07معاون وزير الطوارئ والكوارث لـ سانا: مسودة الخطة الوطنية للاستجابة ‏ونظام الإنذار المبكر سيكونان جاهزين منتصف الشهر القادم 2025-05-07مصرف التوفير يناقش واقع العمل والصعوبات وسبل زيادة الإيرادات 2025-05-07وزير الطاقة يبحث مع وفد صيني الفرص الاستثمارية في مجال ‏الطاقة 2025-05-07مذكرة تفاهم لإشادة وتطوير منشآت ومواقع سياحية في سوريا

صور من سورية منوعات تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27 صفائح لعضلة القلب من الخلايا الجذعية… خطوة نحو العلاج الأول من نوعه في العالم 2025-04-17فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • أحزاب تونسية تطالب الرئيس (سعيد) بعدم الحضور لقمة بغداد مقابل رشوة السوداني
  • إلى أين تسير تونس بين الجبهة الديمقراطية والتوافق 2 وبين تصحيح المسار؟
  • خلال لقائه ببوتين.. الرئيس السيسي يُشيد بوتيرة الانعقاد لآلية التشاور السياسي واللجان المشتركة
  • الإمارات ترفض مزاعم تسليح أطراف النزاع في السودان .. وزارة الخارجية دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار ودعم الحل السياسي
  • الرئيس السيسي يشارك في مأدبة الغداء التي أقامها «بوتين» على شرف المشاركة باحتفالات عيد النصر
  • سفير مصر باليونان: زيارة الرئيس السيسي تطلق آلية جديدة للتعاون السياسي بين البلدين
  • المنصف المرزوقي للجزيرة نت: الرئيس سعيّد سيحاكم بتهمة الخيانة العظمى
  • الرئيس ماكرون: نحيي الخطوات التي قام بها الرئيس الشرع للاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية وضمان السلم الأهلي
  • التآمر 2.. محاكمات سياسية ممنهجة للمعارضة في تونس
  • عاجل: الرئيس السيسي: اليونان دعمت مصر خلال الأحداث التي مرت بها في 2013