العلاقات العمانية التركية.. تاريخ طويل من العمل على توطيد الاستقرار في المنطقة -

يبدأ غدًا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، حفظه الله ورعاه، زيارة رسمية إلى جمهورية تركيا الصديقة تأكيدا على العلاقات التاريخية العميقة التي تربط بين البلدين والتي تمتد لقرون طويلة مضت، حيث عرفت دائماً بمستوى عالٍ من الاحترام والتقدير المتبادل بين أئمة وسلاطين عُمان وسلاطين الدولة العثمانية.

وتُعد هذه الزيارة الرسمية الأولى لعاهل البلاد المفدى إلى تركيا منذ تسنم جلالته عرش عُمان في عام 2020. تهدف الزيارة، التي تأتي في سياق العلاقات التاريخية الراسخة بين البلدين، إلى فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري بينهما. كما تأتي الزيارة في ظروف صعبة تمر بها منطقة الشرق الأوسط وتحولات كبرى في العالم.

ورغم العلاقات التاريخية بين البلدين إلا أن حجم التبادل التجاري ما زال دون الطموح خاصة وأن تركيا دولة منتجة في مختلف القطاعات ويُنظر إلى منتجاتها باعتبارها ذات جودة عالية. وبلغ حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان وتركيا حتى نهاية أغسطس الماضي 216 مليون ريال عماني. وهو رقم شهد نمو بالمقارنة بنفس الفترة العام الماضي. لكن الطموحات أن ينمو حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة.

وينظر حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، حفظه الله ورعاه، إلى العلاقات مع تركيا من زوايا مختلفة لا تتجاوز الجوانب التاريخية، حيث ساهم كل من عُمان والدولة العثمانية في توطيد الأمن والاستقرار في المنطقة لفترة طويلة من الزمن.

يقول صاحب الجلالة في تقديمه لكتاب "عُمان في الوثائق العثمانية": "ساهمت الدولة العثمانية في توطيد الاستقرار في النطاق الجغرافي الذي امتدت إليه، ولتحقيق ذلك واجهت القوى المعادية في القرن السادس عشر الميلادي دفاعا عن المناطق والبلدان الخاضعة لسيطرتها، وتزامن ذلك مع احتدام الصراع العماني البرتغالي الذي بلغ أشده في القرن السابع عشر الميلادي والذي أفضى إلى تحرير السواحل العمانية ومنطقة الخليج ومناطق الامتداد العماني في شرق أفريقيا". ويضيف جلالة السلطان بالقول: "مهد تنامي القوتين العمانية والعثمانية في العالم الإسلامي إلى تعزيز التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي بينهما الذي شهد أوجه خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر حيث تكشف الوثائق والتقارير الرسمية حجم المراسلات المتبادلة بين سلاطين عُمان وسلاطين الدولة العثمانية؛ إذ عملوا على إيجاد استقرار في المنطقة وتأمين الملاحة الدولية الممتدة من عُمان إلى شرق أفريقيا وسواحل المحيط الهندي؛ ما ساعد على زيادة النشاط التجاري والسياسي".

ويقول جلالته حفظه الله: "ارتبط سلاطين عُمان بعلاقات جيدة وحظوا بمودة خاصة لدى سلاطين الدولة العثمانية، تجلت في حفاوة الاستقبال والتقدير الذي نالوه أثناء زياراتهم إلى إسطنبول. وفي المقابل، حظيت وفود الدولة العثمانية بالاهتمام والترحيب الكبيرين أثناء زياراتهم لمسقط وزنجبار".

من جانبه يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوجان في تقديم للكتاب نفسه: "بدأت عُمان تتوسع وتزداد قوة اعتبارا من القرن السادس عشر، وقامت بتأسيس واحة من السلام والاستقرار أولا على الأراضي التي تعيش عليها، ثم على سواحل وسط وشرق أفريقيا. ويفيد المؤرخون أن للبحارة العثمانيين دور أساسي في هذه الانجازات". ويضيف أردوجان بالقول: "إن النضال الناجح الذي أبداه البحار العثماني الشهير في القرن السادس عشر، مير علي بيك، ضد البرتغاليين هو أحد العوامل المهمة التي مهدت الطريق لضعف البرتغال وفقدان قوتها وبالتالي ازدهار عُمان".

والواضح أن الرئيس أردوجان يشير هنا إلى أقدم وثيقة وردت في الكتاب وتعود إلى نوفمبر 1552 في زمن السلطان العثماني سليمان القانوني. تشير الوثيقة إلى محاولة الأسطول العثماني تحرير مسقط من الاحتلال البرتغالي، حيث دارت معركة بين الأسطول العثماني والبرتغاليين استمرت سبعة أيام بقيادة بيري ريس. وتمكنت القوات العثمانية من تحرير مسقط، إلا أن بيري لم يكن يملك العدد الكافي من الجنود للحفاظ على النصر بعد توجهه نحو هرمز، مما أعاد الأمور إلى ما كانت عليه حتى بدأ التحرير الحقيقي لعُمان بقيادة الإمام ناصر بن مرشد واكتمل في عهد الإمام سلطان بن سيف عام 1650.

لكن العلاقات بين عُمان والدولة العثمانية شهدت تبلورا أكبر خلال حكم سلاطين البوسعيد لعُمان بدءا من العام 1744، حيث تعاونت عُمان في عهد الإمام المؤسس لحكم البوسعيد أحمد بن سعيد البوسعيدي مع الدولة العثمانية لصد محاولات الفرس بقيادة كريم خان زند للسيطرة على البصرة، التي كانت آنذاك تابعة للعثمانيين. قدم الإمام أحمد بن سعيد الدعم للعثمانيين في فك الحصار الذي ضرب على البصرة وتم تحريرها من سيطرة الفرس في عام 1755. وتشير الوثائق العثمانية إلى أن الإمام أرسل جيشا قوامه 400 سفينة حربية صغيرة وأخرى كبيرة مع 20 سفينة تجارية بقيادة ابنه هلال بن أحمد. وتمكنت السفينة "الرحماني" التي كانت تقود الأسطول من قطع سلسلة حديدية ضخمة وضعت في عرض شط العرب لمنع أي سفينة من الدخول ونجدة البصرة.

وفي وثيقة عثمانية تعود إلى فبراير 1777 موجهة من عبدالله باشا والي بغداد والبصرة موجهة إلى الصدر الأعظم العثماني يتحدث الوالي عن إمام عمان أحمد بن سعيد بالقول: "إمام مسقط الشخص المساعد للمسلمين والذي سارع للدفاع بقواته أثناء احتلال البصرة من قبل الفرس". على أن حادثة السفينة "الرحماني" ليست الوحيدة في تاريخ التعاون العماني العثماني فهناك وثيقة أخرى مؤرخة بتاريخ 7 يوليو 1777 موجهة من السلطان عبدالحميد الأول إلى إمام عمان أحمد بن سعيد يطلب منه إرسال مساعدة عسكرية بحرا لتحرير البصرة مرة أخرى. وتشير وثائق أخرى إلى أن السلطان العثماني عبدالحميد عندما أراد عقد صلح مع الفرس استشار الإمام أحمد ما يدل على عمق الروابط التي كانت قائمة في ذلك الوقت بين عُمان والدولة العثمانية.

وفي عهد السلطان سعيد بن سلطان زادت العلاقات بين عُمان وبين الدولة العثمانية وأبدى السلطان سعيد بن سلطان استعداده للتعاون مع محمد علي باشا الذي أمر باستقبال فخم يليق بالسلطان سعيد بن سلطان عندما زار مكة لأداء فريضة الحج عام 1824. والأمر نفسه كان عند بقية سلاطين عمان وزنجبار من الذين كانوا يزورون الحجاز أو اسطنبول أو أي مدينة أخرى كانت خاضعة للسيطرة العثمانية.

وتكشف الوثائق الضخمة التي صدرت في خمسة أجزاء حجم العلاقات التاريخية بين عمان وبين الدولة العثمانية ولاحقا جمهورية تركيا وصولا إلى مرحلة العلاقات الحديثة بين البلدين والتي توجت بالعلاقات الدبلوماسية في سياقها الحديث في عام 1973.

وكانت الوفود الدبلوماسية والتجارية لا تنقطع بين البلدين، وفي ديسمبر من عام 1997 قام رئيس الجمهورية التركية سليمان ديمرال بزيارة رسمية لسلطنة عمان التقى خلالها بالسلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه. وفي مايو من عام 1999 قام جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم (أمين عام وزارة الخارجية آنذاك) بزيارة لتركيا عقد خلالها مشاورات سياسية مع الجانب التركي. وتوالت الزيارات بين الجانبين وفي سبتمبر 2005 قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان "آنذاك" بزيارة رسمية لسلطنة عمان في عام 2005 التقى خلالها السلطان الراحل.

وبعد ذلك بخمس سنوات زار عُمان الرئيس التركي السابق عبدالله غل وعقد مع السلطان الراحل جلسة مباحثات سياسية ناقشت تطوير العلاقات بين الجانبين وفتح آفاق من التعاون الاقتصادي. ولم تنقطع الوفود العمانية والتركية من عقد جلسات المباحثات المشتركة بين الجانبين لتعزيز التعاون في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد أثمرت تلك الزيارات في عقد الكثير من الاتفاقيات في جوانب مختلفة من بينها الجوانب العسكرية والاقتصادية.

وفي الجانب الاقتصادي هناك أكثر من 849 شركة مسجلة بها مساهمة تركية بقيمة إجمالية 104.1 مليون ريال عُماني وبنسبة 79.24% من إجمالي رأس المال المستثمر في الشركات. ويركز المستثمرون الأتراك على الاستثمار في تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية، والصناعات التحويلية، والتشييد، وأنشطة الإقامة والخدمات الغذائية، والنقل والتخزين، والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، وأنشطة الخدمات الإدارية وخدمات الدعم، والمعلومات والاتصالات، إلى جانب الأنشطة العقارية، وأنشطة صحة الإنسان والخدمة الاجتماعية.

وتبدو زيارة جلالة السلطان المعظم، لتركيا والتي تبدأ هذا اليوم مرحلة جديدة من مراحل العلاقات التاريخية بين البلدين والتي من شأنها أن تتحول إلى علاقات استثمارية واقتصادية تعود بالنفع على البلدين الصديقين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العلاقات التاریخیة الدولة العثمانیة جلالة السلطان أحمد بن سعید بین البلدین سلاطین ع فی عام مان فی

إقرأ أيضاً:

لجنة الشؤون الخارجية: علاقات استراتيجية تربط عمّان ومدريد

صراحة نيوز -بحثت لجنة الشؤون الخارجية النيابية، برئاسة النائب دينا البشير، خلال لقائها اليوم الاثنين السفير الإسباني المعتمد لدى المملكة، ميغيل دي لوكاس غونثاليث، سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين الأردن وإسبانيا، لا سيما في المجالات البرلمانية، والتجارية، والثقافية.

وأكدت البشير متانة العلاقات الأردنية الإسبانية، وبلوغها مستويات متقدمة من التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مشددة على أهمية التعاون في مجالات التعليم والسياحة الدينية والتاريخية، لاسيما زيارة موقع المغطس ومواقع الحج المسيحي.

وأشادت بخطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في البرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ، واصفةً إياه بمحطة تاريخية عبّرت عن ثوابت الدولة الأردنية ومكانتها الأخلاقية والدبلوماسية، خصوصًا في دعم القضية الفلسطينية.

وثمّن أعضاء اللجنة النواب: تمارا يعقوب ناصر الدين، ومي الزيادنة، وديمة طهبوب، ومحمد عقل، ووصفي حداد، وبدر الحراحشة، مواقف إسبانيا الداعمة للأردن والقضية الفلسطينية، داعين إلى تعزيز تبادل الخبرات، خاصة في مجال الطاقة المتجددة، وزيادة التبادل التجاري، والتعاون بين غرف التجارة والصناعة.

بدوره، أكد السفير الإسباني عمق العلاقات الثنائية، مشيرًا إلى أن زيارة جلالة الملك الأخيرة إلى إسبانيا أرست علاقات استراتيجية راسخة، وأن خطاب جلالته في ستراسبورغ وجّه رسالة واضحة بأن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا عبر حل الدولتين.

ولفت السفير إلى أن التعاون بين البلدين سيشهد نموًا متزايدًا في المجالات الاقتصادية والثقافية والتجارية في ضوء الاتفاقيات الموقعة والرؤية الاستراتيجية المشتركة.

مقالات مشابهة

  • عضو بالشيوخ: العلاقات المصرية العمانية نموذج في التوازن وعدم الانحياز للتجاذبات الإقليمية
  • وزير الخارجية: خطة لربط قناة السويس بالموانئ العمانية لتعزيز التبادل التجاري
  • الخارجية: العلاقات المصرية العمانية تشهد نموا نوعيًا متزايدا في جميع المجالات
  • مطالبات بتحسين مخرج المضيبي - سناو بطريق السلطان تركي بن سعيد
  • جلالة السلطان يعزي الشيخ مشعل
  • مدبولي يلتقي رئيس وزراء نيبال لبحث دعم العلاقات الثنائية بين البلدين
  • وزير الأوقاف من الفلبيين:العلاقات بين البلدين وثيقة وتاريخية وآفاق الارتقاء بها رحبة
  • لجنة الشؤون الخارجية: علاقات استراتيجية تربط عمّان ومدريد
  • احتفالاً بمرور 30 عاما على العلاقات بين البلدين.. سفارة كوريا بمصر تستضيف فعالية مويز أون كوريا 2025
  • جلالة السلطان يغادر البلاد في زيارة خاصة