المسيّرات تتساقط على عطبرة… فمَن يقف وراءها؟ .. طائرات انتحارية استهدفت معسكراً لسلاح المدفعية
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
انتُشل أطفال أحياء من تحت ركام منزلهم الذي تعرض، فجر الأربعاء، لسقوط طائرة مسيّرة «انتحارية»، على ما يبدو، في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، شمال السودان، ولم تتبنَّ أي جهة مسؤوليتها عن الحادثة بشكل فوري، لكن اتهامات وُجّهت إلى «قوات الدعم السريع» التي تتقاتل مع الجيش على السلطة منذ ما يقرب من 18 شهراً.
وعلى مدى 4 أيام متتالية، تصدت المضادات الأرضية للجيش السوداني لعشرات المسيّرات (درون) التي استهدفت مناطق متفرقة من الولاية، دون تحديد المناطق التي انطلقت منها.
وقالت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» إن طائرات مسيّرة استهدفت، فجر الأربعاء، أبنية سكنية تابعة للمعسكر الشرقي لسلاح المدفعية بعطبرة، وهو من أعرق الأسلحة للجيش السوداني.
وقال سكان في المدينة: «صحونا على دوي انفجار عنيف هز الضاحية». وأضافوا أن المسيّرات كانت تستهدف «بشكل مباشر فرقة عسكرية تابعة للجيش».
ومنذ اندلاع الصراع الحالي في البلاد في 15 أبريل (نيسان) 2023، غالباً ما كانت الاتهامات توجّه إلى «قوات الدعم السريع» باستهداف مناطق مدنية تقع تحت سيطرة الجيش، لكنها دأبت على نفي أي صلة لها بهجمات المسيّرات.
وقال مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط»: «لا تتوفر معلومات كافية حتى الآن عن الجهة التي أطلقت المسيّرات (فجر الأربعاء) أو الأماكن التي انطلقت منها».
وأضاف أنه في ظل الصراع الدائر بالبلاد «من الطبيعي أن توجّه الاتهامات إلى (قوات الدعم السريع)، باعتبار أن المناطق المستهدفة تقع تحت سيطرة الجيش».
وتزايدت هجمات الطائرات المسيّرة المجهولة على مقار الجيش في شمال البلاد وشرقها؛ حيث تعرّض قبل أيام المهبط الجوي بالفرقة الثالثة مشاة في مدينة شندي بولاية نهر النيل، شمال السودان، إلى هجوم بأربع طائرات مسيّرة انتحارية.
وفي يوليو (تموز) الماضي، نجا قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان من محاولة اغتيال، إثر تعرضه لهجوم شنته طائرات من دون طيار «درون» مجهولة، استهدفت استعراضاً عسكرياً كان يشارك فيه بمنطقة جبيت العسكرية شرق البلاد.
وأثار ذلك الهجوم أسئلة بشأن الجهة التي أطلقتها ومن أين، وما إذا كانت قادمة من جهة «قوات الدعم السريع»، أم أن طرفاً ثالثاً قد يكون ضالعاً في محاولة لتصفية قائد الجيش.
وقبل ذلك بأشهر، قُتل نحو 15 شخصاً وأصيب آخرون، غالبيتهم من المدنيين، جراء هجوم بطائرة مسيّرة استهدفت إفطاراً جماعياً نظّمته «كتيبة البراء بن مالك» المحسوبة على الإسلاميين، ما دفع بعض الأوساط إلى التشكيك في نيران صديقة وراء الاستهداف.
وجاء الهجوم على تلك المجموعة بعد أيام قليلة من تصريحات كان قد أطلقها نائب القائد العام للجيش السوداني، شمس الدين كباشي، عن وجود مجموعات مسلحة خارج الجيش، في إشارة إلى ضرورة تقنين «المقاومة الشعبية» والمتطوعين (المرتبطين بالإسلاميين) داخل معسكرات تابعة للقوات المسلحة.
وتعرضت عطبرة، الأحد الماضي، لانقطاع مفاجئ في التيار الكهربائي، تزامناً مع سماع أصوات المضادات الأرضية التابعة للجيش السوداني، وهو الهجوم الرابع على التوالي باستخدام طائرات مسيّرة انتحارية.
وأفاد شهود عيان بأن الطائرات المسيّرة كانت تستهدف بشكل مباشر مطار المدينة.
لكن مصادر رفيعة في «قوات الدعم السريع» تحدثت لـ«الشرق الأوسط» نفت أي صلة لها بالهجمات الأخيرة التي استهدفت ولاية نهر النيل، أو أي مناطق خارج جبهات القتال التي تسيطر عليها.
وقالت إن ما يجري هو على الأرجح «تصفية حسابات داخل معسكر الجيش السوداني»، معتبرة «أن هناك تيارات إسلامية تريد أن تبعث برسائل قوية إلى قادة الجيش بأنها هي من يسيطر على اتخاذ القرار في المؤسسة العسكرية».
وأضافت المصادر: «هذا ما ظللنا نتحدث عنه كثيراً... إن قادة الجيش الحاليين لا يملكون أي سلطة. القرار بيد الحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب، وتسعى إلى استمرارها للعودة إلى السلطة مرة ثانية».
وقال خبير عسكري طلب عدم كشف هويته إن «من المحتمل أن تكون المسيّرات من طرف (قوات الدعم السريع) فعلاً، لكنها قد تكون من طرف ثالث أيضاً»، مشيراً إلى أن «قوات الدعم السريع» تمتلك ربما مسيّرات تستطيع الوصول إلى أي منطقة من البلاد.
ورجح الخبير أن يكون المقصود بالهجمات المتواصلة على مدى أكثر من 4 أيام متتالية في ولاية نهر النيل، توجيه رسالة من «قوات الدعم السريع» بأنها تملك القدرة على نقل الصراع إلى شمال البلاد، وهي مناطق ظلت خارج نطاق القتال منذ انفجار الصراع الحالي في البلاد.
وقال الخبير: «أستبعد أن تكون الهجمات بالمسيّرات من طرف ثالث يوالي الجيش السوداني، باعتبار أنه ليست له مصلحة في ترويع المواطنين وتشريدهم بما يصب في مصلحة (قوات الدعم السريع)، العدو الرئيسي بالنسبة لهم»، لكنه أشار إلى احتمال وجود خرق أمني مكّن الجهة التي أطلقت المسيّرات من الوصول إلى أهداف عسكرية أو مدنية داخل مدينة عطبرة.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع للجیش السودانی نهر النیل المسی رات مسی رات رات من
إقرأ أيضاً:
من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة
في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.
لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.
كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.
وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.
ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.
واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.
ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.
في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.