أزمة هوية وتهميش مستمر: هل يتجه المسلمون في الهند نحو حرب طائفية؟
تاريخ النشر: 7th, December 2024 GMT
تُعتبر الهند من أكبر الدول التي تضم طائفة مسلمة كبيرة، حيث يُشكل المسلمون حوالي 14% من إجمالي سكان البلاد الذين يتجاوز عددهم 1.4 مليار نسمة، ورغم أن الهند لطالما كانت موطنًا للتعددية الدينية والثقافية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تزايدًا في التوترات الطائفية، مما جعل أوضاع المسلمين في البلاد تتعرض لتحديات متزايدة، سواء من خلال السياسات الحكومية، أو من خلال حوادث العنف الطائفي، أو حتى التمييز الاجتماعي والاقتصادي، أصبح المسلمون في الهند يعيشون في ظروف معقدة وصعبة، تتطلب تدخلاً عاجلاً لضمان حقوقهم وحرياتهم الأساسية.
منذ وصول حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا" (BJP) بزعامة ناريندرا مودي إلى السلطة في عام 2014، تصاعدت المخاوف بين المسلمين في الهند من أن الحكومة تتبع سياسات تهميش ضد الأقليات، خاصة المسلمين. وقد اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات التي يعتبرها البعض تمييزية ضد المسلمين، ومن أبرز هذه السياسات قانون تعديل المواطنة (CAA) الذي تم تمريره في عام 2019، والذي يتيح منح الجنسية الهندية للاجئين غير المسلمين من بنغلاديش وباكستان وأفغانستان، مما يثير غضبًا بين المسلمين الذين يرون في هذا القانون تمييزًا ضدهم.
كما تم إقرار قانون التسجيل الوطني للمواطنين (NRC) في ولاية آسام، وهو ما أدى إلى إلغاء جنسيات ملايين المسلمين من الولاية، مما يضعهم في وضع قانوني غير مستقر. هذه القوانين أثارت موجة من الاحتجاجات الكبيرة في أنحاء البلاد، حيث عبر المسلمون عن مخاوفهم من محاولات استهدافهم بشكل غير عادل.
العنف الطائفي وحوادث الاعتداءات:خلال السنوات الأخيرة، شهدت الهند تصاعدًا في حوادث العنف الطائفي، لا سيما في المدن الكبرى مثل نيو دلهي ومظفربور وباغباتي. في عام 2020، اندلعت مواجهات عنيفة بين المسلمين والهندوس في العاصمة دلهي أسفرت عن مقتل العشرات، معظمهم من المسلمين، وكان الهجوم على مسجد بابري في عام 1992 قد وضع حجر الأساس لتوترات طائفية عميقة ما زالت آثارها واضحة حتى اليوم.
المسلمون في الهند يتعرضون أحيانًا للاضطهاد من قبل مجموعات متطرفة هندوسية، ويُستهدفون في أعمال العنف بسبب ممارساتهم الدينية مثل الصلاة أو شهر رمضان، أو حتى بسبب الملبس الذي يعبر عن هويتهم الإسلامية، كما شهدت السنوات الأخيرة العديد من الحوادث التي استهدفت المسلمين، سواء من خلال الاعتداءات الجسدية أو من خلال التنمر الاجتماعي في أماكن العمل والمدارس.
التمييز الاجتماعي والاقتصادي:على الرغم من أن المسلمين في الهند يمثلون شريحة كبيرة من السكان، إلا أنهم يعانون من مستويات مرتفعة من الفقر والبطالة مقارنة ببقية المواطنين. تشير الدراسات إلى أن المسلمين يمثلون نسبة كبيرة من العمال ذوي الأجور المنخفضة والعاملين في القطاعات غير الرسمية، مما يجعلهم عرضة لزيادة الفقر والتهميش الاجتماعي.
كذلك، لا تزال نسبة التعليم بين المسلمين أقل مقارنة ببقية الطوائف في الهند، مما يزيد من تحدياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وفي بعض الولايات الهندية، يواجه المسلمون صعوبة في الوصول إلى التعليم العالي والوظائف الحكومية، وهي مناطق غالبًا ما تسيطر عليها قوى هندوسية، مما يعزز شعورًا بالإقصاء.
الهويات الثقافية والدينية:في مواجهة هذه التحديات، يبذل العديد من المسلمين في الهند جهدًا كبيرًا للحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية، ورغم الصعوبات، يواصل المسلمون في الهند الاحتفال بمناسباتهم الدينية مثل عيد الأضحى وعيد الفطر والمولد النبوي، ويحرصون على إحياء تقاليدهم التي تشكل جزءًا أساسيًا من الثقافة الهندية المتنوعة.
لكن في السنوات الأخيرة، ظهرت محاولات لتقليص هذه الحريات الثقافية، مثل محاولات حظر الذبح الحلال و الاختلاط بين الطوائف في بعض الأماكن، كل هذه التطورات تؤدي إلى شعور متزايد بعدم الاستقرار بين المسلمين في الهند، الذين يشعرون أن هويتهم الدينية والثقافية مهددة.
الدور المهم للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية:في ظل هذه الظروف، يقوم العديد من المنظمات الحقوقية والمجتمعية بمساعدة المسلمين في الهند للدفاع عن حقوقهم ومكافحة التمييز، من خلال الاحتجاجات، والمطالبة بتعديل القوانين، وتقديم الدعم للفئات المتضررة من العنف، تسعى هذه المنظمات إلى تسليط الضوء على قضايا المسلمين في الهند، بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الحركات الشبابية والمبادرات المجتمعية التي تهدف إلى تعزيز الوحدة بين الطوائف المختلفة في الهند.
إن أوضاع المسلمين في الهند تشهد تحديات متعددة ومعقدة، بدءًا من التمييز السياسي والقانوني وصولًا إلى العنف الطائفي والتمييز الاجتماعي. ومع ذلك، لا يزال المسلمون في الهند يتمسكون بهويتهم الثقافية والدينية، ويسعون إلى التعايش السلمي في مجتمع متعدد الأديان. سيكون مستقبل المسلمين في الهند مرهونًا بالقدرة على مواجهة هذه التحديات، وبالتحرك المستمر من قبل المجتمع الدولي والمحلي للضغط من أجل حماية حقوقهم وتحقيق المساواة في كافة المجالات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الهند التمييز الطائفي لاضطهاد المسلمين الهويات الثقافية المسلمین فی الهند المسلمون فی الهند السنوات الأخیرة العنف الطائفی بین المسلمین العدید من من خلال فی عام
إقرأ أيضاً:
وزارة الأوقاف تقدّم محاضرة علمية بجامعة القاهرة حول مناهضة العنف ضد المرأة
ألقى الدكتور إبراهيم المرشدي، مدير عام الإرشاد بوزارة الأوقاف، محاضرة علمية بكلية العلوم بجامعة القاهرة بعنوان: «مناهضة العنف ضد المرأة بين مسئولية الدولة ودور المجتمع».
وبيّن خلال المحاضرة مفهوم العنف ضد المرأة وموقف الشرع الحنيف منه، مؤكدًا أن الإسلام أحاط المرأة بسياج رفيع من القيم التي تصون كرامتها وتحقق لها أرفع مراتب التكريم، مع الإشارة إلى وصايا القرآن الكريم بالإحسان إليهن، والتوجيهات النبوية المتكررة بإكرامهن وحسن معاملتهن.
وتناول عددًا من صور العنف الحديثة، ومنها العنف الأسري والنفسي والجنسي والرقمي، موضحًا أن تعزيز الروابط الأسرية يمثل أحد أقوى سبل الوقاية من هذه الممارسات، حتى يجد الأبناء في الأسرة الدعم والحماية عند التعرض لأي صورة من صور الأذى مثل التحرش أو التنمر أو الاستغلال عبر وسائل التواصل.
وفي ختام المحاضرة أكد الموقف الأصيل للإسلام في حماية المرأة وتجريم جميع أشكال العنف ضدها، مع الدعوة إلى تضافر الجهود المجتمعية والمؤسسية لمواجهته وترسيخ ثقافة الاحترام والوعي وقيم الأسرة الراشدة.
وأكدت وزارة الأوقاف أن هذه الجهود تأتي في إطار تعاونها المستمر مع مؤسسات الدولة لتعزيز الوعي المجتمعي، حيث تعمل الوزارة من خلال برامج التثقيف الديني مثل مبادرة «صحح مفاهيمك» على نشر المفاهيم الصحيحة حول قضايا المرأة، كما شاركت في فعاليات واحتفالات عديدة بالتنسيق مع المجلس القومي للمرأة؛ دعمًا لمساعي الدولة في مواجهة العنف وتعزيز مكانة المرأة في المجتمع.