ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول: (ما حكم الشرع في إضافة ما يُعرف بـ"المصنعية" إلى الثمن عند بيع الذهب والفضة المَصُوغَين؟ حيث يُضِيفُ تُجَّار المشغولات الذهبية مبلغًا مُحدَّدًا نظير تلك المصنعية التي تختلف باختلاف شكلِ القطعة ونوعها.

وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال إن المراد بالمصنعية عند تجار المشغولات الذهبية والفضية -كما أفاده الخبراء-: القيمةُ المضافة لسعر جرام الذهب الأصلي، وذلك في مقابِل تكاليف الصِّناعة، وكُلْفَة التشغيل، وثمن الخدمات، وأجرة المرافق والمكان، ورسوم الضريبة والدمغة، وربحية كلٍّ من المصنع وتاجر الجملة وتاجر التجزئة، ويختلف تقديرُها من تاجرٍ لآخَر بحسب العلامة التجارية للذَّهب والفِضَّة ارتفاعًا وانخفاضًا، ومهارة الصياغة يدويًّا وآليًّا، بالإضافة إلى تفاوت التكاليف المذكورة.

وذكرت دار الإفتاء أن المختار للفتوى أن الصياغة تُخرِج الذهب والفضة عن كونهما أثمانًا وتُصَيِّرهما سِلَعًا؛ فيكون شأنُهما في ذلك كشأن أيِّ سلعةٍ تُباع وتُشترى، وأما أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث عُبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ» -فمحمولٌ "على الدراهم دون المُصاغ صياغة مباحة، فإنه بالصياغة خرج عن دخوله في إطلاق الذهب والفضة، وصار سلعة من السلع كالثياب ونحوها"، كما قال الإمام الحافظ ابن رَجَب في "أحكام الخواتيم" (ص: 123، ط. دار الكتب العلمية).

ولَمَّا صار الذهب والفضة المَصُوغَين كأيِّ سلعةٍ من السلع، فإنه يجري عليهما ما يجري على سائر السلع فيما يتعَلَّق بأحكام البيع والتجارة، ومِن ثَمَّ فيجوز تقويمُهما وبيعُهما بما قَامَا به على البائع بعد زيادة ما يُعرَف بـ"المصنعية" أو غيرها إلى أصلِ ثمنهما المتعارَف عليه في السُّوق العالمية أو المحلية تِبْرًا -أي: غير مَصُوغَين-، سواء كان هذا الثمن مِن جنسهما -أي: ذهبًا في مقابِل ذهب، وفضة في مقابِل فضة-، أو مِن غير جنسهما -كالمال الورقي (البنكنوت)-.

وإذا تقرَّر هذا فإنَّ المَرْجِعَ في تقويم تلك المشغولات حينئذٍ إلى البائع -بما قامت به عليه ومقدار ربحه فيها- بصفته العاقد؛ لأن "الثَّمنُ حَقُّ العَاقِد، فإِليهِ تَقدِيرُه"، كما قال الإمام برهان الدين المَرْغِينَانِي في "الهداية" (4/ 377، ط. دار إحياء التراث العربي).

ومتى تراضَى الطَّرَفان بعد ذلك على تلك القيمة جاز العقد؛ إذ مدار الأمر في العقود على التراضي بين طَرَفَيْها؛ لقول الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡڪُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَڪُم بَيۡنَڪُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَڪُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنڪُمۡۚ﴾ [النساء: 29].

وعن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» أخرجه الإمامان: ابن ماجه في "السنن"، وابن حبان في "الصحيح".

ومع أن المرجِعَ في تقييم مشغولات الذهب والفضة إلى تقدير البائِع، إلا أنه يجب عليه شرعًا أن يَجتَنِب كلَّ ما مِن شأنه إلحاقُ الظلم أو الإجحاف بالمشتري، كأن يوهمَه بنُدْرَةِ القطعة المصوغةِ من حيث التصميم والجودة، أو يزيدَ في مقابل المصنعية عن نظرائه زيادةً مبالَغًا فيها مستغِلًّا جهل المشتري بالأسعار المتعارَف عليها، أو نحو ذلك مما يُغْلِي به الثمن على المشتري بالمبالغة والتهويل مع أنَّ الحقيقة دون ذلك؛ إذ ينطوي ذلك على الغَبْن الفاحش، الذي هو عبارة عن بيع السلعة بأكثر مِن سِعرها مما جَرَت العادةُ أن الناس لا يَتَغَابَنُون بمِثله فلا يبيعون بتلك الزيادة المُبَالَغ فيها، كما في "مواهب الجليل" للإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي (4/ 468- 469، ط. دار الفكر).

وذكرت أنه يجب على البائع أن يتحلَّى بأخلاق التاجر الصدوق، وأن يبتعد عن التغرير بالمبتاع، وأن يلتزم الصدق والأمانة في تجارته، فعن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» أخرجه الإمام التِّرْمِذِي في "سننه".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

وأوضحت أن سماحة التاجر، وعدم مجاوزته الربح المعتدل بالشَّطَطِ في طلب أكثر منه، واستعماله معالِيَ الأخلاق ومَكارمها، سببٌ لوجود البركة وحصولِ الأجر. ينظر: "شرح صحيح البخاري" للإمام ابن بَطَّال (6/ 210- 211، ط. مكتبة الرشد)، و"المنتقى شرح الموطأ" للإمام أبي الوليد الباجي (5/ 109، ط. السعادة).

ومما ينبغي التَّنبيه عليه: ضرورةُ الالتزام باللوائح والقوانين المُنَظِّمة لعَمَلِيَّة بيع المَصُوغاتِ الفِضِّيَّة والذَّهَبِيَّة وعدم التحايل عليها، فالحاكم -بما منحه الله مِن السلطة وما يتبعها مِن القدرة على الاطِّلاع على خفايا الأمور وظواهرها، وما يصلح فيها وما يفسدها- أباح له الشرعُ سَنَّ القوانين ووضع الضوابط وإصدار القرارات، إلا أنه قيَّد ذلك كلَّه بالمصلحة، فالقاعدة العامة في تصرُّفات ولي الأمر "أنها منوطة بالمصلحة"، كما قال الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 121، ط. دار الكتب العلمية).

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإضافةُ ما يُعرَف بـ"المصنعية" إلى الثمن عند بيع الذهب والفضة المَصُوغَين أمرٌ جائزٌ شرعًا، شأنُهما في ذلك شأن سائر السِّلَع والمنتجات، إلا أنه يجب على التَّاجر شرعًا أن يَجتَنِب كلَّ ما مِن شأنه إلحاقُ الظلم أو الإجحاف بالمشتري -كأن يزيدَ في المصنعية زيادةً مبالَغًا فيها عن نظرائه مستغِلًّا بذلك جَهْلَ المشتري بالأسعار المتعارَف عليها-، كما يجب عليه أن يلتزم باللوائح والقوانين المُنَظِّمة لعَمَلِيَّة بيع المَصُوغاتِ الفِضِّيَّة والذَّهَبِيَّة، وألَّا يتحايل عليها بأيِّ شكلٍ من الأشكال.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء سعر الذهب الفضة الذهب المصنعية المزيد المزيد صلى الله علیه وآله وسلم قال الذهب والفضة أخرجه الإمام دار الإفتاء رضی الله

إقرأ أيضاً:

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا، مضمونه: ما حكم الخروج من المسجد بعد الأذان؟ فأنا دخلت المسجد لأصلي الظهر، ثم حدث أمرٌ طارىء فخرجت من المسجد قبل الصلاة؛ فما حكم الشرع في الخروج من المسجد بعد الأذان؟".

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي، عن السؤال، قائلة: اتفق الفقهاء على أنه يُرخَّص للمصلي في الخروج من المسجد قبل الشروع في الإقامة، إذا صاحب الخروجَ نيةُ الرجوع، أو كان الخروج لعذرٍ؛ كأن يكون المصلي قد صلَّى وحده، أو كان إمامًا لمسجدٍ آخر، أو أراد بخروجه أن يُدرك الصلاة في مسجدٍ آخر لحضور مجلس علمٍ أو نحو ذلك.

وأضافت: أما إذا لم يصاحب الخروج نيةُ الرجوع أو لم يكن ثمة عذر، فالمختار للفتوى: هو قول جمهور الفقهاء من أنَّ الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة مكروهٌ؛ حملًا للنهي الوارد عن الخروج من المسجد بعد الأذان على الكراهة.

هل الزواج في شهر محرم مكروه شرعا ؟.. دار الإفتاء توضححكم ترك الزوج للمنزل بغرض تأديب الزوجة.. الإفتاء تجيبحكم انفراد الزوجة بقرار منع الإنجاب بسبب إدمان الزوج .. الإفتاء تجيبحكم إقامة حفلات التخرج والضوابط الشرعية لها؟.. الإفتاء توضح

فضل التبكير في الذهاب إلى المساجد وانتظار الصلاة

حثَّ الشرع الشريف على التبكير في الذهاب إلى المساجد وانتظار الصلاة، وعلى اغتنام الوقت الذي بين الأذان والإقامة؛ بصلاة السنن والنوافل، والإكثار مِن الدعاء والاستغفار وقراءة القرآن وذِكر الله تعالى والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في أحاديث كثيرة؛ منها:

ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» متفقٌ عليه.

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 280، ط. مكتبة الرشد): [يدخل في معنى التهجير: المسارعة إلى الصلوات كلها قبل دخول أوقاتها؛ ليحصل له فضل الانتظار قبل الصلاة] اهـ.

وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، حَتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه".

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان لعذر

إذا بادر المسلم إلى المسجد لأداء الصلاة؛ امتثالًا للأمر ورجاءً في الفضل، فلا ينبغي له أن يخرج منه بعد الأذان وقبل الشروع في الإقامة؛ لما ثبت عن أبي الشعثاء رضي الله عنه أنه قال: "كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة رضي الله عنه، فأذَّن المؤذِّن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتَّى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: "أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ" رواه مسلم في "صحيحه".

طباعة شارك حكم الخروج من المسجد بعد الأذان الخروج من المسجد بعد الأذان الخروج من المسجد الأذان التبكير في الذهاب إلى المساجد انتظار الصلاة

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • حكم صوم شهر المحرم كله؟.. الإفتاء: أفضل الصيام بعد رمضان
  • الإفتاء توضح فضل صلاة الجنازة على أكثر من ميت| قيراط من الأجر
  • دار الإفتاء توضح طريقة حساب زكاة المحاصيل الزراعية والنصاب الشرعي
  • متى يوم عاشوراء 2025؟.. «الإفتاء» توضح فضله وموعد صيامه
  • الإفتاء توضح مسؤولية الوالدين شرعًا تجاه الأولاد فيما يتعلق بالعبادات
  • هل تصح صلاة المرأة إذا انكشفت قدماها؟ دار الإفتاء توضح
  • هل أقضي الصلاة الجهرية سرا ؟.. الإفتاء توضح أسهل طريقة لقضاء الفوائت
  • هل صلاة الفجر سُنة أم فرض؟.. الإفتاء تصحح خطأ شائعا
  • حكم الخروج من المسجد بعد الأذان.. الإفتاء تجيب