بقلم: لنا مهدي
شهدت سوريا منذ اندلاع أزمتها في عام 2011 تدخلات إقليمية ودولية غير مسبوقة، جعلت من البلاد ساحة لصراعات القوى الكبرى، خاصة روسيا وتركيا. تصاعد التنافس بين هاتين الدولتين على النفوذ في سوريا ساهم في تحديد مسار الأحداث، وبرز تأثيره بشكل واضح في إضعاف نظام بشار الأسد وصولاً إلى سقوطه. هذا المقال يستعرض كيفية تأثير هذا الصراع على مصير النظام السوري، مع تسليط الضوء على المصالح المتضاربة والأدوار المتباينة لكل من روسيا وتركيا.



منذ البداية، كانت روسيا الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، حيث قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً كبيراً للحفاظ على بقائه. اعتبرت موسكو أن سقوط النظام سيؤثر على نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة أن سوريا تمثل نقطة استراتيجية تتيح لروسيا الوصول إلى البحر المتوسط وتعزز وجودها في المنطقة. لذلك، لم تدخر روسيا جهداً في استخدام قوتها الجوية لدعم جيش النظام، وتزويده بالأسلحة، ودعمه في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن.

على الجانب الآخر، كانت تركيا في موقف متناقض تماماً. اعتبرت أن بقاء نظام بشار الأسد يشكل تهديداً لأمنها القومي، خاصة في ظل تعاونه مع الفصائل الكردية التي تسعى إلى تحقيق استقلال ذاتي على الحدود التركية-السورية. تركيا دعمت المعارضة السورية منذ المراحل الأولى للصراع، ووفرت ملاذاً آمناً للمعارضين، وساعدت في تسليح الفصائل المسلحة، وهو ما جعلها لاعباً رئيسياً في جهود إسقاط النظام.

صراع النفوذ بين روسيا وتركيا تجلى بوضوح في المناطق السورية الساخنة. في الشمال السوري، قامت تركيا بعدة عمليات عسكرية مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” لإبعاد القوات الكردية والسيطرة على مناطق المعارضة. وفي الوقت نفسه، دعمت روسيا تقدم قوات النظام السوري في إدلب ومناطق أخرى بهدف استعادة السيطرة على الأراضي التي خرجت عن نفوذه. هذا الصراع خلق حالة من الاستنزاف العسكري للنظام، حيث بات يواجه ضغوطاً متعددة من المعارضة المسلحة المدعومة تركياً، ومن العمليات العسكرية الروسية التي تركزت على مصالحها الخاصة أكثر من إنقاذ النظام.

مع استمرار الصراع، تحولت التفاهمات بين روسيا وتركيا إلى مواجهات غير مباشرة. على الرغم من توقيع اتفاقيات مثل أستانا وسوتشي، التي هدفت إلى تهدئة الأوضاع، إلا أن هذه التفاهمات كانت هشّة. غالباً ما كانت تنتهي بانهيار الهدن وتصاعد العنف، مما دفع النظام إلى فقدان المزيد من السيطرة على الأرض. تركيا ركزت على تقويض النظام في الشمال الغربي، بينما سعت روسيا لإعادة فرض هيمنته في الجنوب والوسط.

الدور التركي كان أكثر تأثيراً في تعزيز الانقسامات الداخلية داخل النظام السوري. تركيا استغلت حالة الضعف الاقتصادي للنظام وسعت إلى قطع موارده من خلال دعم المعارضة في المناطق الغنية بالموارد، مثل الشمال الشرقي حيث الثروة النفطية. وفي المقابل، على الرغم من الدعم الروسي الكبير، لم تتمكن موسكو من تحقيق استقرار دائم للنظام بسبب محدودية الموارد وتكاليف التدخل.

ساهم صراع النفوذ بين روسيا وتركيا في تسريع سقوط نظام بشار الأسد عبر تعميق الانقسامات الداخلية واستنزاف قدراته العسكرية والسياسية. روسيا ركزت على حماية مصالحها الاستراتيجية دون تقديم حلول مستدامة للنظام، بينما استغلت تركيا هشاشته لتوسيع نفوذها وتأمين مصالحها الحدودية. في نهاية المطاف، أدى هذا الصراع إلى انهيار التوازن الداخلي للنظام، وفقدانه القدرة على مواجهة التحديات المتزايدة، ما أدى إلى سقوطه في ظل صراعات إقليمية ودولية مستمرة.

الصراع الروسي-التركي على سوريا لم يكن مجرد تنافس جيوسياسي بين قوتين إقليميتين، بل كان عاملاً رئيسياً في إعادة تشكيل مستقبل البلاد. تأثير هذا الصراع على سقوط نظام بشار الأسد يظهر كيف يمكن لتضارب المصالح الدولية أن يغير مصير دول بأكملها، ويخلق واقعاً جديداً مليئاً بالتحديات. سوريا اليوم ليست فقط مسرحاً للصراع، بل أيضاً مثالاً على العواقب الكارثية لصراع النفوذ الإقليمي والدولي.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: نظام بشار الأسد روسیا وترکیا هذا الصراع

إقرأ أيضاً:

الرئيس التركي: السلام بين روسيا وأوكرانيا ليس ببعيد

أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله في مناقشة خطة السلام بين أوكرانيا وروسيا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب لقائه المرتقب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مؤكداً أن فرص التوصل إلى السلام بين موسكو وكييف ليست بعيدة.

وشدد الرئيس التركي على ضرورة عدم استخدام البحر الأسود كساحة للصراع العسكري، داعياً إلى ضمان حرية الملاحة والأمن البحري فيه، بما يسهم في دعم الاستقرار الإقليمي وتعزيز الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في وقت سابق ، إن خسائر القوات الأوكرانية خلال الصراع تجاوزت مليون عسكري.

وأضاف لافروف مؤكداً إن عضوية أوكرانيا في الناتو غير مقبولة بالنسبة لروسيا.

اقرأ أيضًا.. قاضي قضاة فلسطين: مصر أفشلت مُخطط تهجير شعبنا

مصرع مواطن سوداني بنيران الدعم السريع في كردفان الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع

وذكرت رويترز أنّ منشأة روسية لتوليد الغاز في بحر قزوين تعطّلت نتيجة هجوم أوكراني.

 فيما أكد مصدر أمني أوكراني أنّ القوات الأوكرانية استهدفت منصة نفط روسية في البحر للمرة الأولى، في تصعيد لوتيرة الضربات المتبادلة بين الطرفين.

وأفادت وكالة تاس بأنّ القوات الروسية أحكمت سيطرتها على إحدى القرى في منطقة خاركيف شرق أوكرانيا.

في وقت تتواصل فيه العمليات العسكرية بين الجانبين على طول خطوط التماس.

وشدّد سيرجي لافروف، وزير خارجية روسيا، خلال لقائه ممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدين لدى موسكو، على ضرورة صياغة حزمة وثائق تضمن سلاماً دائماً مع أوكرانيا.

 لافتاً إلى أن أي تسوية يجب أن تتضمن ضمانات أمنية لجميع الأطراف.

 وأشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "بذل محاولات جادة" للتوصل إلى حل للنزاع الأوكراني خلال ولايته.

وأكد لافروف أن الولايات المتحدة، خلال إدارة الرئيس جو بايدن، كانت الداعم الأساسي لنظام كييف.

وأكد أن الدول الغربية فشلت في إلحاق خسائر استراتيجية بالاقتصاد الروسي على الرغم من العقوبات المتصاعدة. 

واتهم لافروف الغرب بالسعي لتدمير الاقتصاد الروسي، مشيراً إلى أن قادة أوروبيين أقرّوا باستغلال اتفاقات مينسك لإعادة تجهيز أوكرانيا للحرب ضد موسكو.

وفي وقت سابق، قال الجيش الأوكراني إنه ضرب مصفاة ريازان النفطية الروسية في منطقة لوجانسك.

ويأتي ذلك في ضوء التصعيد الأوكراني الروسي للعام الثالث على التوالي.

وقال موقع أكسيوس الأمريكي إن المفاوضين الأمريكيين والأوكرانيين يستأنفون المحادثات لليوم الثاني في ميامي لبحث خطة ترمب للسلام.

 واطلع ويتكوف وكوشنر الأوكرانيين على تفاصيل اجتماعهما مع بوتين وأفكار جديدة لسد الفجوات بين الطرفين.

وأصدرت وزارة الخارجية الألمانية بياناً قالت فيه إنه سيتعين على أوروبا الحوار مع روسيا في مرحلة ما.

يأتي ذلك في إطار المساعي الأوروبية لوضع حدٍ للحرب الأوكرانية المُستمرة منذ 3 سنوات.

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في وقتٍ سابق، إن مهمة بلاده الأساسية في الوقت الحالي هي الحصول على "صورة كاملة" عمّا جرى طرحه خلال المحادثات التي عُقدت في موسكو.

وأوضح زيلينسكي أن الوفد الأوكراني سيواصل محادثاته مع فريق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في فلوريدا، بهدف الاطلاع على ما تم بحثه خلال الزيارة الروسية.

وأكد الرئيس الأوكراني استعداد بلاده للتعامل مع "أي سيناريوهات" قد تنشأ عن تطورات الأحداث، مشدداً على استمرار العمل مع الشركاء الدوليين للوصول إلى سلام عادل ومستدام.قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في وقتٍ سابق، إن وثيقة جنيف للسلام في أوكرانيا تم تطويرها بشكل جيد.

وقال ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، إن النقاشات المتعلقة بإنهاء الحرب في أوكرانيا ستستمر خلال الأسبوع الجاري، مع استعداد المبعوث الأميركي ويتكوف للسفر إلى موسكو لإجراء جولة جديدة من المحادثات.

 

مقالات مشابهة

  • الصراع يشتعل بين أندية الكرة المصرية من أجل ضم حامد حمدان
  • أسامة الدليل: العالم يتقدم ونحن نعيش بعقلية القرن التاسع عشر.. فيديو
  • بن حبتور: عدن يمنية الهوية وما يجري في المحافظات المحتلة مسرحية لتقاسم النفوذ السعودي الإماراتي
  • سقوط هجليج
  • خبير روسي: حسم الصراع الأوكراني الروسي لا يزال بعيدًا
  • الرئيس التركي: السلام بين روسيا وأوكرانيا ليس ببعيد
  • هل ظهر بشار الأسد داخل حانة في موسكو؟ (صورة)
  • سوريا وفرنسا تطلبان من لبنان اعتقال مدير المخابرات الجوية السابق.. ماذا نعرف عن جميل حسن؟
  • جيش الاحتلال يتوغل مجددا في عدة قرى بريف القنيطرة جنوب سوريا
  • فرنسا وسوريا تطالبان لبنان باعتقال مهندس قمع السوريين