صراع النفوذ الروسي-التركي وأثره على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
بقلم: لنا مهدي
شهدت سوريا منذ اندلاع أزمتها في عام 2011 تدخلات إقليمية ودولية غير مسبوقة، جعلت من البلاد ساحة لصراعات القوى الكبرى، خاصة روسيا وتركيا. تصاعد التنافس بين هاتين الدولتين على النفوذ في سوريا ساهم في تحديد مسار الأحداث، وبرز تأثيره بشكل واضح في إضعاف نظام بشار الأسد وصولاً إلى سقوطه. هذا المقال يستعرض كيفية تأثير هذا الصراع على مصير النظام السوري، مع تسليط الضوء على المصالح المتضاربة والأدوار المتباينة لكل من روسيا وتركيا.
منذ البداية، كانت روسيا الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، حيث قدمت دعماً عسكرياً وسياسياً كبيراً للحفاظ على بقائه. اعتبرت موسكو أن سقوط النظام سيؤثر على نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة أن سوريا تمثل نقطة استراتيجية تتيح لروسيا الوصول إلى البحر المتوسط وتعزز وجودها في المنطقة. لذلك، لم تدخر روسيا جهداً في استخدام قوتها الجوية لدعم جيش النظام، وتزويده بالأسلحة، ودعمه في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن.
على الجانب الآخر، كانت تركيا في موقف متناقض تماماً. اعتبرت أن بقاء نظام بشار الأسد يشكل تهديداً لأمنها القومي، خاصة في ظل تعاونه مع الفصائل الكردية التي تسعى إلى تحقيق استقلال ذاتي على الحدود التركية-السورية. تركيا دعمت المعارضة السورية منذ المراحل الأولى للصراع، ووفرت ملاذاً آمناً للمعارضين، وساعدت في تسليح الفصائل المسلحة، وهو ما جعلها لاعباً رئيسياً في جهود إسقاط النظام.
صراع النفوذ بين روسيا وتركيا تجلى بوضوح في المناطق السورية الساخنة. في الشمال السوري، قامت تركيا بعدة عمليات عسكرية مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون” لإبعاد القوات الكردية والسيطرة على مناطق المعارضة. وفي الوقت نفسه، دعمت روسيا تقدم قوات النظام السوري في إدلب ومناطق أخرى بهدف استعادة السيطرة على الأراضي التي خرجت عن نفوذه. هذا الصراع خلق حالة من الاستنزاف العسكري للنظام، حيث بات يواجه ضغوطاً متعددة من المعارضة المسلحة المدعومة تركياً، ومن العمليات العسكرية الروسية التي تركزت على مصالحها الخاصة أكثر من إنقاذ النظام.
مع استمرار الصراع، تحولت التفاهمات بين روسيا وتركيا إلى مواجهات غير مباشرة. على الرغم من توقيع اتفاقيات مثل أستانا وسوتشي، التي هدفت إلى تهدئة الأوضاع، إلا أن هذه التفاهمات كانت هشّة. غالباً ما كانت تنتهي بانهيار الهدن وتصاعد العنف، مما دفع النظام إلى فقدان المزيد من السيطرة على الأرض. تركيا ركزت على تقويض النظام في الشمال الغربي، بينما سعت روسيا لإعادة فرض هيمنته في الجنوب والوسط.
الدور التركي كان أكثر تأثيراً في تعزيز الانقسامات الداخلية داخل النظام السوري. تركيا استغلت حالة الضعف الاقتصادي للنظام وسعت إلى قطع موارده من خلال دعم المعارضة في المناطق الغنية بالموارد، مثل الشمال الشرقي حيث الثروة النفطية. وفي المقابل، على الرغم من الدعم الروسي الكبير، لم تتمكن موسكو من تحقيق استقرار دائم للنظام بسبب محدودية الموارد وتكاليف التدخل.
ساهم صراع النفوذ بين روسيا وتركيا في تسريع سقوط نظام بشار الأسد عبر تعميق الانقسامات الداخلية واستنزاف قدراته العسكرية والسياسية. روسيا ركزت على حماية مصالحها الاستراتيجية دون تقديم حلول مستدامة للنظام، بينما استغلت تركيا هشاشته لتوسيع نفوذها وتأمين مصالحها الحدودية. في نهاية المطاف، أدى هذا الصراع إلى انهيار التوازن الداخلي للنظام، وفقدانه القدرة على مواجهة التحديات المتزايدة، ما أدى إلى سقوطه في ظل صراعات إقليمية ودولية مستمرة.
الصراع الروسي-التركي على سوريا لم يكن مجرد تنافس جيوسياسي بين قوتين إقليميتين، بل كان عاملاً رئيسياً في إعادة تشكيل مستقبل البلاد. تأثير هذا الصراع على سقوط نظام بشار الأسد يظهر كيف يمكن لتضارب المصالح الدولية أن يغير مصير دول بأكملها، ويخلق واقعاً جديداً مليئاً بالتحديات. سوريا اليوم ليست فقط مسرحاً للصراع، بل أيضاً مثالاً على العواقب الكارثية لصراع النفوذ الإقليمي والدولي.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: نظام بشار الأسد روسیا وترکیا هذا الصراع
إقرأ أيضاً:
أول دولة أوروبية تصدر مذكرة توقيف دولية جديدة بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
أعلن مكتب النيابة العامة الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا عن طلبه إصدار مذكرة توقيف دولية جديدة بحق الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وجاءت مذكرة التوقيف على خلفية اتهام الأسد بشن الهجمات الكيميائية التي وقعت في سوريا عام 2013، وأتت بعد أن ألغت محكمة التمييز الفرنسية يوم الجمعة الماضية مذكرة توقيف سابقة كانت صادرة ضده.
وأوضح المكتب في بيان أن بشار الأسد لم يعد يتمتع بالحصانة الشخصية التي تمنحها القوانين لرؤساء الدول أثناء توليهم المناصب، بعد الإطاحة به في ديسمبر 2024 وهروبه من سوريا، ما يسمح بملاحقته قضائيًا على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تشمل التهم الموجهة إليه على خلفية هذه الهجمات الكيميائية.
وكان قاضيان في باريس قد أصدرا في نوفمبر 2023 مذكرة توقيف بحق الأسد بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية جراء هجمات الغاز السارين التي شنت في مناطق مثل عدرا ودوما والغوطة الشرقية في أغسطس 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 شخص وإصابة المئات. وفي يونيو 2024 أيدت محكمة الاستئناف هذه المذكرة.
وفي قرارها، أكدت محكمة التمييز الفرنسية أن الحصانة الشخصية تحمي رؤساء الدول في منصبهم فقط، لكنها تعترف باستثناء جديد يمنح حصانة وظيفية فقط للرؤساء السابقين ولا يحميهم من الملاحقة في قضايا جرائم حرب أو ضد الإنسانية.
علاوة على ذلك، أصدر القضاء الفرنسي في يناير 2025 مذكرة توقيف أخرى بحق الأسد تتعلق بقصف مناطق مدنية في درعا عام 2017 تسببت في خسائر مدنية.
تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية غير مختصة بمحاكمة هذه الجرائم لأنها لا تملك ولاية على سوريا التي لم تصادق على اتفاقية روما المنظمة لعمل المحكمة، ولم تصدر الأمم المتحدة قرارا بإحالة الأمر إليها