خريج بلا أمل.. يكتب فصلًا جديدًا من التفاؤل
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
سلطان بن محمد القاسمي
بينما نقف اليوم على أعتاب نهاية عام مضى بكل ما حمله من تحديات وصعوبات، تتكشف أمامنا صفحات الأيام التي طُويت، لتبرز منها لحظات الأمل والرجاء في مُستقبل أفضل. خلال هذا العام، كتبت مقالًا بعنوان "خريج بلا أمل منذ 2009"؛ حيث رويت فيه قصة شاب عُماني امتلأت حياته بالطموحات والآمال، لكنه واجه طريقًا شاقًا من البحث عن وظيفة دون جدوى.
كان ذلك الشاب مثالًا لقصة تتكرر في مجتمعنا. فبعد سنوات من الدراسة والجهد، تخرج حاملًا شهادة أكاديمية تملؤه الثقة بقدراته، لكنه وجد نفسه يواجه واقعًا لا يشبه أحلامه. ورغم كل محاولاته في التقديم للوظائف وحضوره للعديد من المقابلات، كانت الأبواب تغلق أمامه باستمرار، وتلاشت الفرص أمام عينيه كما يتلاشى السراب في صحراء ممتدة. تلك النظرات الحائرة التي كان يراها في عيون أسرته لم تكن تزيده إلا إصرارًا، رغم ما خلفته من حزن دفين وشعور بالخذلان. ومع كل يوم كان يمضي دون تحقيق حلمه، كان يشعر أن الزمن يمضي بلا هوادة، وأن سنوات عمره تنزلق من بين أصابعه دون أن يحقق ذاته.
لكن مع كل هذا الإحباط، لم يكن ذلك الشاب مستسلمًا. لقد أيقن أن الأمل لا ينطفئ إلّا إذا سمح له هو بذلك. بدأ بتطوير نفسه، وتعلم مهارات جديدة، وحاول أن ينظر إلى الأشياء من زوايا مختلفة. لم يترك فرصة للتعلم أو للتطوير إلّا واغتنمها، مهما بدت صغيرة أو بعيدة عن مجاله. كان مؤمنًا بأن السعي الجاد لا بد أن يؤتي ثماره، حتى وإن تأخرت. وبينما كان يُحاول مرة تلو الأخرى، كانت هناك رغبة خفية تحثه على الصبر. كان يقول لنفسه إن كل خطوة وإن كانت تبدو بلا نتيجة، هي في الحقيقة تقرّبه من تحقيق حلمه.
ومع اقتراب عام جديد، لا يزال هذا الشاب ينظر إلى المستقبل بعينين يملؤهما التحدي. ورغم أنه لم يحصل على وظيفة حتى الآن، إلا أنه يرى في كل يوم فرصة جديدة للنجاح. لقد أصبحت رحلته الطويلة مدرسة لتعلم الصبر والإصرار، وبات مؤمنًا بأن النور سيشرق في نهاية النفق مهما طال الظلام. إن تلك السنوات التي قضاها في البحث عن عمل لم تكن ضياعًا، بل كانت جزءًا من تكوين شخصيته وصقل مهاراته وتوسيع مداركه. كل تجربة رفض واجهها، وكل باب أُغلق أمامه، كان في الحقيقة يدفعه ليبحث عن أبواب جديدة ومسارات أخرى لم يكن يتخيلها من قبل.
إن هذه القصة ليست مجرد حكاية فردية، بل هي صورة تعكس واقع الكثير من الشباب العُماني الذين يعانون في صمت. هؤلاء الذين لم يكسرهم الفشل، ولم يقهرهم اليأس، بل جعلوا من كل إخفاق سلاحًا يقوي عزيمتهم. ونحن على مشارف عام جديد، يجب أن نجعل من هذه القصص مصدر إلهام ودافعًا للعمل الجاد. فالأمل يجب أن يكون رفيقنا، ليس مجرد شعور عابر، بل خطة عمل واضحة تبدأ بتطوير الذات والإيمان بقدرتنا على تحقيق الأفضل.
كما يجب علينا أن ندرك أن تحقيق الأهداف مسؤولية مشتركة بين الفرد والمجتمع. لذلك، من الضروري أن تسهم المؤسسات الحكومية والخاصة في فتح أبوابها لاستيعاب الكفاءات الوطنية، مع السعي الحثيث لتوفير فرص عمل تلبي طموحات الشباب. وبالتوازي مع ذلك، ينبغي على الجامعات تطوير مناهجها بما يتماشى مع تطورات سوق العمل، وإعداد برامج تعليمية تؤهل الخريجين لمتطلبات العصر الحالي. كذلك، يتطلب الأمر تعزيز التعاون المُستمر بين القطاعين العام والخاص لضمان رسم مسار واضح للخريجين، بما يضمن عدم بقائهم عالقين في دوامة البحث المستمر عن عمل دون جدوى.
إننا أمام فرصة جديدة، أمام عام يحمل بين طياته أملًا جديدًا. فلنجعل من هذا العام عامًا للإنجاز، عامًا تتحقق فيه أحلام الباحثين عن عمل، عامًا نرى فيه الشباب العُماني ينهض بأحلامه ليخدم وطنه ومجتمعه. إن كل خطوة نتخذها، مهما بدت صغيرة، تقربنا من تحقيق هذا الهدف. فالأمل ليس أمنية نتمنى حدوثها، بل هو إصرار وعمل دؤوب حتى يتحول الحلم إلى واقع.
لننسج معًا قصة جديدة، قصة خريج فتح له الأمل أبواب النجاح بعد طول انتظار. قصة شاب لم تهزمه الصعاب، ولم ينطفئ فيه وهج الطموح، شاب آمن بأن إصراره سيقوده يومًا إلى المكان الذي يستحقه. لقد كتبت هذا العام عن "خريج بلا أمل منذ 2009"، لكنني كلي ثقة بالله -سبحانه وتعالى- أنني في العام القادم سأكتب مقالًا بعنوان "خريج بأمل". سأروي فيه عن شاب كافح وتحدى، حتى نال فرصة تُنسيه سنوات التعب، وتعيده إلى أحضان أهله مستقرًا وناجحًا.
إنَّ هذه القصة ليست حلمًا بعيد المنال؛ بل هي وعدٌ يتحقق لمن يؤمن بأن التغيير ممكن، وبأن الأمل أقوى من اليأس. فلنجعل من العام القادم بداية جديدة، وعهدًا لا نُخلفه، نرسم فيه مستقبلًا يليق بشبابنا، وطموحاتهم التي لا تعرف المستحيل.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
يوسف عبدالمنان يكتب: كادقلي تحتضر
لمن نكتب؟ ومن يقرأ؟ وما جدوى الكتابة إذا كان مردودها التجاهل والتسفيه ممّن يُفترض فيه المسؤولية؟
بلادنا كلها تحتضر، وليس مدينة كادقلي وحدها، رغم تضحيات القوات المسلحة بكل مكوناتها. لا تزال هناك مدن صامدة في وجه التمرد المليشي، والحصار، والتجويع، والقصف العنيف للأحياء، وقتل الناس بالعشرات.
الفاشر، منذ عام، تنتظر وصول المدد وفك الحصار، وطال انتظارها كما انتظر “صلاح ابن البادية” في ليلة سبتٍ لن تأتي. وهناك بابنوسة… لكن الوضع الأسوأ هو في جبال النوبة، وعاصمتها كادقلي الساحرة، الصابرة، الصامدة، في وجه التجويع والمعصية على “الحركة الشعبية – شمال”، والمستحيلة على مليشيا آل دقلو الوصول إلى “كلمو” و”حجر المك” و”حجر النار”.
+ عامان من الحصار والتجويع
مرّ أربعة وعشرون شهرًا من الحصار والتجويع. وكان الأمل معقودًا على متحرّك “الصياد”، لكن هذا الأمل تبدّد في هذا الصيف، وتراجع “الصياد” من الدبيبات إلى أطراف الأبيض. أما المنافذ التي كانت تغذّي المدينة من جنوب السودان، فقد أُغلقت من قِبل مليشيا آل دقلو، التي سقطت في يدها “أم عدارة” و”لقاوة”، وفشلت كل مساعي تشغيل مطار كادقلي، سواء بالتفاوض أو بتأمينه.
تبعًا لذلك، ارتفعت أسعار السلع الضرورية إلى حدّ الجنون؛ فقد بلغ سعر كوب السكر الأبيض عشرة آلاف جنيه. شحّت السيولة، وانعدم الوقت، وحتى الأمطار التي كانت تهطل بغزارة في يونيو، أمسكت عن الهطول. وساءت أوضاع المواطنين في الأسبوعين الأخيرين كما لم تسُؤ من قبل.
+ تحية للصامدين
مما يُحسب للوالي محمد عبد الكريم، صموده مع المواطنين في كادقلي، وشجاعته في مواجهة الأزمة. لم يجزع، بل ظل صامدًا، مستمدًا من اللواء فيصل السائر روح التحدي والمقاومة. ولو أنصفت الدولة أهل العطاء، لنال فيصل وسام الجدارة، ونال الوالي وسام الصمود، ومعهم الشرطة، وجهاز الأمن، والجبل، والمائة في جبال النوبة. كافي طيارة البدين، الفارس الذي لو وصلت قوات الصياد إلى الدلنج، لوجدت أربعة آلاف من الرجال الأشداء من فرسان جبال النوبة لحماية الأرض وتأمينها، ورفع الحصار اللئيم عن الدلنج، وعودة الحياة إلى طبيعتها.
لكن بكل أسف…
حدث ما حدث في الدبيبات، فعادت المليشيا إلى هناك، وفرضت على الأهالي الهجرة القسرية، إلا من يواليها، أو ارتضى العيش تحت الذل والهوان.
والدبيبات، التي دفعت “الحركة الشعبية” بأكثر من أربعمائة مقاتل للقتال إلى جانب آل دقلو، لم تسأل الحركة نفسها:
من نكّل بالنوبة في الدبيبات نفسها؟
من صادر بيوت النوبة، ونهب أموالهم، وانتهك أعراضهم؟
من كان يقتل النوبة على أساس الهوية العرقية؟
ومن حرّض على استباحة الدلنج؟
أي عارٍ هذا، أيها الرفاق، قد حاق بكم في هذا الزمان؟
+ العار والدعم الخفي
أما الإمارات العربية المتحدة، فإن حكّام أبوظبي لا يدفعون السلاح لعبد العزيز الحلو لإعادة الجنجويد إلى الكلاكلة وشارع الستين، بل من أجل قتل النوبة في “الريكة”، و”طروجي”، و”الدلنج”، و”سوق الجبل”.
+ نداء اللحظة الأخيرة
كادقلي الآن تحتضر جوعًا، وتنتظر هبّة أبناء جبال النوبة جميعًا:
عربًا، وأجانق، وميري، ومورو، وأولاد حميد، وكواهلة، وكنانة، وبرقو، وفلاتة… لتحرير أرضهم بأيديهم، بغض النظر عن تقديرات الحكومة التي لا تشعر مطلقًا بأنين الجوعى، وصراخ المرضى، وتشغلها ما دون ذلك.
يوسف عبدالمنان
إنضم لقناة النيلين على واتساب