لقد مرت الجهود السابقة لطهران لإعادة تشكيل "حزب الله" ببيئات أكثر صعوبة من سوريا ما بعد الأسد، لكن جهوداً اقتصادية بقيادة الولايات المتحدة يمكن أن تعقّد جهود التهريب المستقبلية وتساهم في تحقيق أهداف أخرى لمكافحة الإرهاب في الوقت ذاته.

 

على الرغم من أن انهيار نظام بشار الأسد يمثل تطوراً مشجعاً بالتأكيد، إلا أن هذا لا يعني أن راعيته السابقة، إيران، ستتخلى ببساطة عن استخدام سوريا كمعبر لإعادة تشكيل "حزب الله" في الجوار اللبناني.

بل على العكس تماماً، فقد ازدهر التهريب الإيراني للأسلحة تاريخياً في البيئات التي تشهد انهياراً أو ضعفاً للدولة.

 

لنأخذ اليمن كمثال. منذ أن فرضت الأمم المتحدة حظراً على الأسلحة الموجهة ضد الحوثيين في عام 2015 بموجب "قرار مجلس الأمن رقم 2216"، قامت إيران ببناء ترسانة الحوثيين من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، والصواريخ المضادة للسفن، وصواريخ كروز، والطائرات المسيرة الهجومية بعيدة المدى، والقوارب المسيّرة المفخخة، والصواريخ أرض-جو، وغيرها من القدرات المتقدمة، بالإضافة إلى تهريب منتجات الوقود المدعومة بشكل كبير. وتمكنت هذه الإمدادات من تجاوز شبكة مراقبة متعددة الجنسيات، بما في ذلك آلية تفتيش التجارة البحرية التابعة للأمم المتحدة وجهود اعتراض بحرية من قبل حلف شمال الأطلسي وقوات البحرية الخليجية. كما قامت إيران بتهريب أنظمة أسلحة رئيسية (بما في ذلك مؤكسدات الوقود السائل، والصواريخ، والطائرات المسيرة، وأجهزة الاستشعار) عبر عُمان، ومن ثم نقلتها مئات الأميال عبر مناطق من اليمن التي تسيطر عليها الفصائل المناهضة للحوثيين.

 

خطوط الإمداد المحتملة بعد الأسد

 

من بين الخيارات المستقبلية لإيران لإرسال المواد إلى "حزب الله"، تبرز 4 احتمالات:

 

النقل البري المستمر عبر الشاحنات من خلال العراق، عبر وسط سوريا، وصولاً إلى لبنان.

 

مسارات برية أخرى: عبر العراق، والأردن، وجنوب سوريا، أو عبر العراق، وتركيا، وشمال سوريا.

 

النقل البحري إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في سوريا، (ومن ثم) النقل البري بالشاحنات إلى لبنان.

 

النقل الجوي إلى سوريا، (ومن ثم) النقل البري بالشاحنات إلى لبنان.

 

مع إعادة فتح سوريا بعد الأسد كما هو مُفترض، ستشهد البلاد تدفقاً للأشخاص والمركبات والأموال والمساعدات الإنسانية ومواد إعادة الإعمار والسلع الاستهلاكية، ومعظمها عن طريق الشاحنات من الدول المجاورة. ويمكن لإيران بسهولة استغلال هذا التدفق لإعادة تشكيل "حزب الله" وفصائلها الوكيلة في سوريا. فالعراق تحكمه حفنة من الميليشيات الموالية لإيران التي تتحكم بالكامل في المنافذ الحدودية والطرق السريعة والمطارات. وفي الأردن، تسعى إيران منذ فترة طويلة إلى إضعاف سيطرة الحكومة وتحويل المملكة إلى قاعدة أكثر تقبلاً للأنشطة المعادية لإسرائيل والمعادية للغرب عبر التلاعب بعناصر أردنية/فلسطينية متعاطفة وعناصر أجنبية. وفي سوريا، قد لا يكون الوضع ما بعد الأسد مقاوماً بشكل خاص لشبكات التهريب الإيرانية، التي تتمتع بتمويل جيد وتتداخل مع العصابات الحالية للمخدرات. كما يمكن أن تعمل المناطق الساحلية ذات الأغلبية العلوية، التي كانت تشكل نواة النظام السابق، كخط إمداد أقصر إلى "حزب الله"، حيث يتم إخفاء البضائع المهربة ضمن شحنات المساعدات ومواد إعادة الإعمار المرسلة إلى لبنان بعد وقف إطلاق النار.

 

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت إيران أنها لا تتردد في إجراء ترتيبات تكتيكية مع الجماعات الجهادية السنية في الماضي (على سبيل المثال، تنظيم "القاعدة" وحركة طالبان)، لذلك قد تختار تبني هذه التكتيكات في سوريا ما بعد الأسد، حيث أصبحت معدات النظام عرضة بشكل متزايد لخطر الاستيلاء عليها من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش"). لقد تفكك الجيش التابع للأسد ولا يعرف أحد حجم ترسانته التي يجمعها تنظيم "الدولة الإسلامية". وحتى لو استولت فصائل أخرى على الجزء الأكبر منها، فقد تحاول عناصر تنظيم "داعش" شراءها منها في الأشهر المقبلة. وتشمل القوات المتمردة الشمالية والجنوبية التي تجمعت باتجاه دمشق خلال الأسبوعين الماضيين - وأبرزها "هيئة تحرير الشام" - عدداً غير معروف ولكنه مهم من العناصر المصنفة من قبل الولايات المتحدة كإرهابية، والتي سبق أن تنقلت بين قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" وتقاسم الموارد معه.

 

توسيع الوجود الأمريكي

 

نظراً لتعدد هذه المخاطر، ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى بنشاط لاتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية بمساعدة أطراف أخرى معنية - وهي الدول التي ترغب في تقليل تأثير الإرهاب في سوريا وبالتالي توسيع أنشطتها هناك. وقبل كل شيء، يجب على المسؤولين في إدارة بايدن أو الإدارة الأمريكية المقبلة بقيادة ترامب إعادة تقييم الحكمة من الانسحاب المبكر للعناصر الأساسية من الوجود العسكري الأمريكي المحلي.

 

وفي العراق، تُعد "قاعدة عين الأسد الجوية" موقعاً مثالياً لمراقبة عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" وتقديم دعم أساسي للجهود الأوسع نطاقاً لمكافحة الإرهاب والتهريب. لدى بغداد أسباب كافية لتمديد بقاء القوات الأمريكية في "قاعدة عين الأسد"، حيث تواجه مخاوف تتعلق بعودة ظهور تنظيم "داعش" وارتفاع نشاط الفصائل الجهادية السنية الأخرى في سوريا ما بعد الأسد. وعلى الرغم من أن "اللجنة العسكرية العليا الأمريكية العراقية" كانت قد خططت سابقاً لإغلاق هذه القاعدة في أواخر عام 2025، إلّا أن الوضع الجديد في البلد المجاور يستدعي إعادة النظر في هذا القرار.

 

كما أثبتت قاعدة "التنف" في سوريا، التي يتم إعادة إمدادها عبر الأردن، أنها نقطة وصول منخفضة التكلفة وفعالة للغاية لمراقبة جنوب ووسط سوريا. وبالمثل، فإن المواقع الحالية لـ "قوات العمليات الخاصة الأمريكية" على طول نهر الفرات تتمتع بموقع مثالي ليس فقط لدعم مختلف عمليات مكافحة الإرهاب في سوريا، بل أيضاً لمراقبة أنشطة الميليشيات الإيرانية والميليشيات الوكيلة في ذلك الممر. وفي النهاية، قد يكون من الضروري منع الفصائل السنية العربية المتطرفة العنيفة من اجتياح العناصر الكردية التي كانت أساسية لمهمة مكافحة الإرهاب الأمريكية على الأرض.

 

الصلاحيات، الوصول، والشراكات

 

بطبيعة الحال، لا تقتصر مراقبة ومنع واستهداف عمليات التهريب التي تقودها إيران لـ "حزب الله" على الوجود العسكري فقط، بل تتطلب أيضاً بنية قانونية وسياسية مدروسة لدعم هذه الجهود. وفي سوريا، تحظى مهمة مكافحة تنظيم "داعش" بدعم قوي من خلال تدابير الأمم المتحدة مثل "قرار مجلس الأمن رقم 2249" (2015)، الذي خوّل الدول "اتخاذ جميع التدابير الضرورية" لتقليل تهديد تنظيم «داعش». ومع ذلك، فإن الآلية الرئيسية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة - وهي "تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2001" (AUMF) - تشكل مصدراً محدوداً ومتدهوراً بسرعة للسلطة في استهداف تنظيم «القاعدة» و"القوات المرتبطة به". وقد تظل "هيئة تحرير الشام" مؤهلة لهذا التصنيف على الرغم من تخليها عن جذورها المرتبطة بتنظيم "القاعدة" - وخاصة إذا حاولت بعض عناصرها نقل أسلحة إلى كيانات إرهابية عالمية مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" و/أو "حزب الله". (إن تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لـ "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية أجنبية هو موضوع منفصل عن قضية تفويض العمل العسكري في سوريا وسوف تتم مناقشته بالكامل في "مرصد سياسي" قادم).

 

وفي ضوء هذه التعقيدات والبيئة المتغيرة في سوريا، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين والكونغرس البدء بمشاورات لتوسيع نطاق "التفويض الحالي لاستخدام القوة العسكرية" أو إصدار تفويض جديد في عام 2025. يجب أن يكون الهدف هو تفويض محدود لاستخدام القوة ضد أي جماعة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إذا قرر الرئيس الأمريكي أن هناك حاجة للتحرك، بما في ذلك خارج الحدود الضيقة للدفاع الذاتي الوشيك. ومن شأن هذه الآلية أن تسهل حرية الولايات المتحدة في التصرف ليس فقط ضد جماعات مثل تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، وحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي الفلسطيني"، والحوثيين، بل أيضاً ضد الجهات الفاعلة التي قد تدعم جهود إيران لإعادة تسليح "حزب الله" (على سبيل المثال، الميليشيات العراقية المصنفة كإرهابية). وقد يكون "تفويض استخدام القوة العسكرية 2.0" مفيداً بشكل خاص إذا ألغت الحكومة السورية المقبلة موافقتها على السماح لدول أخرى باستخدام القوة داخل أراضيها - وهو الخيار الذي حرمه الغرب من نظام الأسد بسبب سلوكه القاتل طوال الحرب الأهلية.

 

ينبغي على واشنطن أيضاً النظر في اتخاذ الخطوات التالية، مع تحمّل حلف شمال الأطلسي والشركاء الإقليميين جزءاً كبيراً من العبء:

 

• توسيع نطاق "قوة المهام المشتركة للعمليات الخاصة في بلاد الشام (المشرق)" وتوسيع مهمتها، لتشمل عناصر تركز على التهديدات غير المتعلقة بتنظيم "الدولة الإسلامية"، ودعم قيادة الولايات المتحدة لجهود مراقبة (اتفاق) وقف إطلاق النار الجديد في لبنان، والذي يشمل جزءاً منه منع إعادة تشكيل "حزب الله" عسكرياً. كما تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز أصولها الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع المخصصة لهذه المهام في سوريا.

 

• تعزيز "قوة المهام المشتركة للعمليات الخاصة في بلاد الشام" في نقاط وجودها داخل سوريا. وقد يشمل ذلك قواعد دوريات مؤقتة جديدة بين قاعدة "التنف" والقواعد التي أنشأتها "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد في البوكمال ومدينة دير الزور. وقد تكون قواعد الدوريات هذه أمريكية أو متعددة الجنسيات - على سبيل المثال، قد تكون بريطانيا وفرنسا والأردن والإمارات العربية المتحدة على استعداد لتقديم وحدات عمليات خاصة لهذه المهمة بشكل سري. وللحفاظ على شريكهما الرئيسي على الأرض، بإمكان الولايات المتحدة وفرنسا أيضاً مساعدة "قوات سوريا الديمقراطية" عن طريق وضع دوريات برية وجوية بين هذه القوات والقوات المدعومة من تركيا، وبالتالي الحفاظ على سلام غير مستقر في المنطقة. (سوف تتم مناقشة الخيارات الأمريكية بشأن "قوات سوريا الديمقراطية" بشكل أوسع في "مرصد سياسي" قادم).

 

• تعزيز التعاون الأردني في مكافحة المخدرات. سوف يؤتي هذا ثماره بسبب التداخل الكبير بين تهريب المخدرات الذي تدعمه إيران وتهريب الأسلحة عبر سوريا، وكلاهما يمثل تهديدات كبيرة للأردن ودول الخليج.

 

• إنشاء خط إمداد أمريكي جديد إلى سوريا. قد يصبح خط الإمداد الرئيسي الحالي - من إقليم "كردستان العراق" - أكثر عرضة للخطر، لذا ينبغي إنشاء خط ثانوي واختباره بين الأردن و"التنف" و"الإدارة الذاتية الديمقراطية التابعة لـ «قوات سوريا الديمقراطية» في شمال وشرق سوريا". وسيوفر هذا الخط الثانوي مرونة إضافية مع الاحتفاظ بـ "إقليم كردستان العراق" كخط إمداد رئيسي.

 

• تضمين حركة المرور الجوية والساحلية في نظام مراقبة جديد. في ظل نظام الأسد، كان هناك "عنوان" واضح عندما كانت السلطات الدولية بحاجة لاستخدام الموانئ والمطارات السورية لتوصيل المساعدات أو لأغراض غير عسكرية أخرى، لكن هذا أقل وضوحاً الآن. وبناءً على ذلك، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل إعادة النظر بعناية في كيفية مراقبة وتقييد الجسور الجوية والبحرية التي تستخدمها إيران إلى سوريا ولبنان. وكجزء من هذه العملية، يمكنهما تشجيع الدول العربية على ممارسة ضغط قوي على الحكومة الانتقالية في سوريا لحظر الوصول إلى المجال الجوي للرحلات الجوية الإيرانية المتجهة إلى سوريا أو لبنان.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: ايران سوريا العراق الاسد المعارضة السورية الدولة الإسلامیة الولایات المتحدة مکافحة الإرهاب ما بعد الأسد إلى لبنان إلى سوریا فی سوریا حزب الله فی ذلک من قبل

إقرأ أيضاً:

كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالا، للأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، هوارد فرينش، قال فيه إنّ: "الولايات المتحدة تجد نفسها فجأة على شفا تورّط مباشر في صراع كبير آخر في الشرق الأوسط، بعد أيام من القصف الإسرائيلي لإيران وإطلاق الصواريخ على تل أبيب ومدن أخرى ردّا على ذلك".

وأوضح المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه بـ"مجرد معرفة تاريخ الحروب الأمريكية في تلك المنطقة وفي الدول المجاورة، خلال الجيل الماضي كافية لإثارة الدهشة. كانت تدخلات الولايات المتحدة في العراق باهظة التكلفة في الأرواح والأموال، وخلفت وراءها بلدا مُنهارا لم يتعافى تماما".

وتابع: "انتهى احتلال أمريكا الطويل لأفغانستان بانسحاب مُذل، بعد أن حقق عددا أقل من أهدافه، وبعد أن تكبد تكاليف أعلى"، مردفا أنّه: "على الرغم من أن تدخل الولايات المتحدة في ليبيا أقل إثارة للجدل، إلا أنه قد يُمثل سابقة مهمة لما قد يحدث إذا التزمت واشنطن بحرب ضد إيران". 

"ساعد هذا التدخل، الذي نُفذ بالتعاون مع حلفاء أوروبيين، في الإطاحة بمعمر القذافي، لكنه حطم البلاد أيضا، ودفعها إلى دوامة عنف وحرب أهلية. وكان الضرر الجانبي الذي ألحقه بالدول المجاورة، مع انتشار الأسلحة الصغيرة بحرية في منطقة الساحل الأفريقي، مدمرا" بحسب المقال نفسه.

وأردف: "بعض أهم أسباب معارضة ما يبدو أنه انزلاق أمريكي نحو الحرب ضد إيران هي أسباب محلية بحتة. ما هو معروف عن عملية صنع القرار حتى الآن يكشف عن غرور الرئيس دونالد ترامب، وعدم جديته، وتقلب مزاجه. حتى أسبوع تقريبا، كان ترامب يراهن بسمعته في السياسة الخارجية على تجنب الصراع والسعي إلى السلام". 

وأضاف: "بالطبع، كانت التناقضات في التنفيذ كبيرة، كما هو الحال في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي لم يفعل ترامب الكثير لثنيها نظرا لتردده في إلقاء اللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزوه جاره أو انتقاده بأي شكل من الأشكال".

مع ذلك، استرسل المقال بالقول: "أظهر ترامب جدية في أمرين قد ينعكسان الآن مع الحرب على إيران. أحدهما هو التركيز على إنهاء النزاعات، كما ذُكر آنفا، والآخر هو رغبته في الحد من التدخل الأمريكي في مجموعة من القضايا المتعلقة بشؤون الدول الأخرى، من التنمية الاقتصادية إلى الحرب".

وأورد: "يتجلى غرور ترامب وارتجاله في الانزلاق الواضح نحو المواجهة المسلحة المباشرة مع طهران من خلال تصريحاته المتغيرة حول قرار إسرائيل ضرب إيران. كان البيت الأبيض قد حثّ إسرائيل سابقا على عدم شنّ هجوم على إيران بطرق تخشى أن تجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع، ويبدو أن هذا الحذر استند جزئيا إلى تقدير مخاطر الفشل والعواقب غير المقصودة العديدة التي قد تترتب على ذلك".

ومضى بالقول إنّه: "بعد بعض النجاحات المبكرة المبهرة التي حققتها إسرائيل، بما في ذلك الاغتيال المستهدف للعديد من القادة العسكريين وكبار العلماء النوويين الإيرانيين، بدا ترامب حريصا على أن يُنسب إليه الفضل، وبدأ فجأة في استخدام ضمير المتكلم "نحن" عند الإشارة إلى الهجوم الإسرائيلي المستمر".


وأبرز: "تتجلّى عدم جديته أيضا في تصريحات أخرى، مثل قوله "لا أحد يعلم" إن كان سيهاجم إيران أم لا، حتى مع وصفه مطلبه بـ"استسلام" طهران دون قيد أو شرط بأنه "إنذار نهائي". هذا ليس مدخلا للدخول في صراع كبير محفوف بالمخاطر على الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل والعالم. لكن ما يبدو أنه في الواقع هو تسليم صنع القرار بشأن الاستراتيجية الأمريكية وقرارات الأمن القومي لزعيم دولة أخرى، وتحديدا نتنياهو، الذي سيحقق هدفا راسخا، وهو مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل في شن حرب على إيران إذا التزم البيت الأبيض بالتدخل المباشر".

واستدرك بأنّ: "الولايات المتحدة ملتزمة بحق بالدفاع عن إسرائيل، لكنها عانت من تراجع تدريجي في قدرتها على التمييز بين مصالحها الوطنية ومصالح أهمّ حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط. وتجلى هذا بوضوح مؤخرا على مرّ إدارتين، في فشل واشنطن في الضغط على إسرائيل بفعالية لإنهاء مذبحتها المستمرة للفلسطينيين في غزة، وتعدياتها وانتهاكاتها الواسعة النطاق بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية". 

"على المدى الأبعد، اتضح ذلك جليا في ضعف وتناقض جهود واشنطن في السعي لتحقيق ما يُسمى بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما لم يحظ من العديد من الإدارات الأمريكية إلا بالكلام" وفقا للمقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".

وأردف: "يمكن للمرء أن يسرد قائمة بأسباب أخرى تدفع الولايات المتحدة إلى الحذر من الانخراط المباشر في الحرب. بعض من أهمّ هذه الأسباب ينبع من منطق "حتى لو". فحتى لو استطاعت واشنطن تدمير البنية التحتية للأسلحة النووية الإيرانية، فلن يُلغي ذلك بالضرورة الخبرة الإيرانية وروح المبادرة اللازمة لإعادة بناء البرنامج. المعرفة يصعب تدميرها بالقنابل، ويبدو من المحتم أن يشعر بعض، وربما كثيرون، من الإيرانيين بمبرر أكبر من أي وقت مضى في السعي وراء هذه التكنولوجيا".

وتابع: "في هذه الأثناء، إذا فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق هدفهما المتمثل في القضاء العسكري، فقد يتحول دافع طهران للإسراع في تطوير الأسلحة النووية بالكامل، وهو أمر تقول كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب إنها تجنبته حتى الآن. عندما سُئل ترامب مؤخرا عن تقييم مديرة استخباراته الذي يشير إلى أن إيران لا تصنع سلاحا نوويا، قال إنه لا يكترث، ولديه قناعاته الخاصة التي يجب أن يتبعها".

واستطرد: "هذا يُذكّر بالفرضية الخاطئة للغزو الأمريكي للعراق - الادعاء بأن ذلك البلد يمتلك أسلحة دمار شامل"، مردفا: "حتّى لو تمكن ترامب ونتنياهو من القضاء على القيادة الإسلامية الإيرانية، فلا توجد طريقة لضمان تجنب نتيجة سياسية أكثر إشكالية. قد تصبح إيران ديكتاتورية عسكرية متشددة بنفس القدر، لكنها أكثر كفاءة، أو، للتكهن بالاتجاه المعاكس، ولكن المقلق بنفس القدر، قد تذوب هذه الدولة الكبيرة والمعقدة عرقيا في حالة من الفوضى والعنف والهجرة الجماعية". 

وأكّد: "هذه هي الاحتمالات التي تبدو العديد من الدول العربية المجاورة لإيران قلقة للغاية بشأنها"، متابعا: "في الوقت نفسه، ثمّة مخاطر تهدد مكانة أمريكا في عالم سئم من سلوك واشنطن المتهور، والذي غالبا ما يكون إمبرياليا أحادي الجانب. قد يبتهج بعض الأمريكيين لشعورهم بأن بلادهم لا تزال "الأولى" عالميا، وبالتالي يمكنها فرض إرادتها على الآخرين متى شاءت".


وأبرز: "لا أتفق كثيرا مع سياسة ترامب "أمريكا أولا"، لكن ميوله المناهضة للتدخل تستحق الإشادة. إن النهج المغامر في الحرب على إيران هو ترف لا تستطيع الولايات المتحدة - التي فقدت نفوذها مقارنة ببقية العالم، حتى مع بقائها بعيدة كل البعد عن التراجع كقوة بالقيمة المطلقة، تحمّله".

واختتم المقال بالقول: "إنّ السبب المحلي الأهم للحذر من مهاجمة إيران. لاحظ العديد من المراقبين ولع ترامب الظاهر بمفهوم ملكي للرئاسة، أو على الأقل رئاسته المُذهّبة. في نهاية الأسبوع الماضي فقط، دفع هذا ملايين المواطنين الأمريكيين إلى النزول إلى الشوارع في ما سُمّيَ بمسيرات: لا ملوك"، مستدركا: "لا شيء يُجسّد الطابع الإمبراطوري أكثر من رئيس يتبع حدسه أو نزواته في اتخاذ قرار الحرب. لم تُصمّم الرئاسة الأمريكية على هذا النحو قط".

وأبرز: "الدستور يُقيّد صلاحياتها بوضوح في هذا المجال، ويُلزم السلطة التنفيذية المُنتخبة في البلاد بالحصول على تفويض من الكونغرس قبل خوض أي صراع خارجي. سيكون ترامب أحدثَ رئيسي أمريكي تجاهل هذا الشرط، إذا خاض حربا مع إيران. ومهما كان شعور المرء تجاه إسرائيل وإيران والشرق الأوسط، فإنّ السماح له بفعل ذلك سيُؤكّد بقوة شعور ترامب بالأبعاد الملكية لسلطته، وسيُضعف الديمقراطية في الولايات المتحدة والمُثُل التي ألهمت تأسيسها".

مقالات مشابهة

  • ما هي المنشآت النووية الثلاث التي استهدفتها الولايات المتحدة في إيران؟
  • سي إن إن: السلطات تراقب التهديدات الإيرانية المحتملة داخل الولايات المتحدة
  • هل ستخوض الولايات المتحدة حربًا ضد إيران؟ اسألوا سارية العلم!
  • سوريا.. القبض على ابن عم الأسد في عملية “أمنية محكمة”
  • متهم بإدارة شبكات مخدرات.. اعتقال نجل عم "الأسد" في سوريا
  • سوريا.. القبض على ابن عم الأسد في عملية "أمنية محكمة"
  • اعتقال وسيم الأسد أبرز تجار المخدرات في سوريا
  • سوريا تعلن القبض على وسيم الأسد بعد استدراجه.. ماذا نعرف عنه؟
  • سويسرا ترفع عقوبات اقتصادية عن سوريا
  • كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟