في عالم مليء بالمنافسة والابتكار، تتطلع العلامات التجارية إلى بناء روابط أعمق وأكثر ديمومة مع جمهورها. وإحدى الاستراتيجيات التي أثبتت نجاحها في تحقيق هذا الهدف هي تسويق القيم الثقافية، حيث يلتقي التراث بالحداثة ليخلق تجربة ذات معنى وأصالة.

التراث الثقافي ليس مجرد ماضٍ محفوظ في الذاكرة، بل هو جزء حي من هوية المجتمع.

وعندما تقوم الشركات بتوظيف هذا التراث بذكاء، فإنها تقدم للعملاء أكثر من مجرد منتج؛ إنها تمنحهم تجربة تعكس جذورهم الثقافية. ويمكننا أن نرى ذلك في المنتجات التي تستلهم تصميمها من الزخارف التقليدية أو في الخدمات التي تعكس القيم المحلية، ما يعزز شعور المستهلكين بالفخر بثقافتهم ويساهم في إحياء التراث.

لكن العلاقة بين القيم الثقافية والتسويق تتجاوز المظاهر الخارجية. إنها تشمل أيضًا تبني قيم أصيلة مثل التوازن والاستدامة، وهي مفاهيم لطالما شكلت جزءًا من الحكمة الشعبية. عندما تطلق الشركات حملات تستلهم هذه القيم، فإنها لا تعزز صورتها ككيان مسؤول اجتماعيًا فقط، بل تسهم في إحداث تأثير إيجابي يدوم لدى جمهورها.

ويمثل التعاون مع الحرفيين المحليين والمجتمعات الثقافية أحد أنجح أساليب تسويق القيم الثقافية. مثل هذه الشراكات لا تضيف فقط لمسة أصيلة إلى المنتجات، بل تدعم أيضًا الاقتصاد المحلي وتحافظ على التراث من الاندثار. وعندما تشارك العلامات التجارية في مبادرات كهذه، فإنها تبني علاقة قائمة على الثقة المتبادلة مع جمهورها وتخلق قيمة تتجاوز الربح المادي. وبالطبع، هناك تحديات تفرضها هذه الاستراتيجية. أبرزها ضرورة التعامل مع التراث باحترام وأصالة بعيدًا عن الاستغلال التجاري. فالاستهتار بالقيم الثقافية قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين العلامة التجارية وجمهورها. لذا، فإن الفهم العميق للثقافة المحلية والبحث الدقيق يعدان خطوات أساسية قبل اعتماد هذه القيم في التسويق.

في النهاية، تسويق القيم الثقافية ليس مجرد صيحة عابرة، بل هو استثمار في المستقبل. عندما تصبح هذه القيم جزءًا أصيلًا من هوية الشركة، فإنها تجذب العملاء وتعزز ولاءهم. إنها رسالة تعكس التزام الشركات بالحفاظ على الهوية الثقافية وبناء عالم أكثر استدامة، حيث يتلاقى التراث مع الابتكار لخلق تجربة فريدة ومؤثرة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التراث الثقافي القيم الثقافية القيم المحلية المزيد القیم الثقافیة

إقرأ أيضاً:

نورهان خفاجي تكتب: صنعاء بلا أجنحة

قبل نحو عامين أو أكثر جمعني لقاء مع الدكتور محمد عبدالقادر رئيس هيئة الطيران المدني اليمني، حينها كان في رحلة علاجية بالقاهرة، ولم ينشر للأسف هذا اللقاء؛ اليوم، حيث يتم الإعلان عن تدمير آخر طائرة يمنية مدنية على مهبط مطار صنعاء.. يحضرني تفاصيل هذا اللقاء وما تناوله عن أوضاع اليمن الشقيق بشكل عام وعن أجواء – قطاع الطيران - اليمن بشكل خاص.

قبل نحو عامين، كان بالكاد قد عادت صناعة الطيران المدني العالمية يبزغ نجمها من جديد، محاولةٍ نفض غبار أزمة الجائحة الوبائية التي كبلت العالم كله، حينها كان اليمن في هدنة وجيزة من الحرب، يخطط خلالها بأمل خافت في تأهيل مطار صنعاء بكلفة قدرتها السلطات حينها بنحو أكثر من 15 مليون دولار، كان مازال هناك طائرات، أربعة للخطوط اليمنية وكانت تنتظر انضمام الخامسة وطائرة تابعة لشركة السعيدة، كانا ينفذان إلى خارج صنعاء، ربما ليس لعالمِ بعيد ولكن كانا على الأقل يذهبان في فسحة إلى دول الجوار: ' القاهرة وعمان والأردن والخرطوم وجيبوتي وأحيانا بومبي بالهند'.. اليوم بإعلان تدمير آخر الطائرات، باتت صنعاء بلا طائرات.. بلا أجنحة ترفرف في السماء'.

في أوان الجائحة، كتبت عن اليمن، وقولت: إنه إذا كانت دول العالم تتأفف وتعاني نزيف الخسائر بالمليارات، لإغلاق حدودها الجوية لعدة أشهر بسبب الوباء، فما بالك باليمن الشقيق وهو يصارع وحيدا منذ 7 سنوات - حتى عام 2022 تاريخ اللقاء - ؛ بعدما أغلقت الأجواء على سكانه .. سنوات متواصلة من الغلق لم تأخذ خلالها طائرات صنعاء فسحة للسماء. المشهد يصور الحال، إن مطارات اليمن لم تطأ مدارجها طائرة منذ سنوات؛ أبراج المراقبة الجوية لم تُفتح شاشات راداراتها أيضا منذ سنوات؛ صالات الركاب مسدلة نوافذها.. 7 سنوات من العزلة والحرب ازدادت اليوم إلى عشرة وعادت صنعاء بلا طائرات.

في وجود الطائرات حتى شهور قريبة، قبل أن يلتهم جميعها القصف، كان المواطنون اليمنيون الراغبون في الخروج من البلاد وغالبيتهم طلاب أو مرضى أو بعض رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار، يخرجون في طريق يستغرق قرابة الـ 20 ساعة بالتحديد 18 ساعة، يمرون بين عشرات نقاط التفتيش حتى يستطيعون الوصول لأحد المطارات التي مازالت تعمل وكان على الأغلب مطاري عدن وسيئون، بديلا عن مطار العاصمة صنعاء الذي كان أيضًا قد دمرت قدراته بالكامل. 

يحكي رئيس هيئة الطيران المدني اليمني، عن الحال، أنه في الطريق بين المطارات كانت تسقط بعض حالات المرضى صريعة، الطلاب يتعرضون للنهب والسرقة والتعدي وأيضًا رجال الأعمال، لا أحد يُستثني من النهب، كان هذا هو الحال في وجود الطائرات!.

يقول إنه في وجود الطائرات المُصرح لها الهبوط على أرض مطار صنعاء، رغم القصف وقلة الإمكانيات، كان المهندسون اليمنيون يبذلون كامل جهدهم في صيانة التجهيزات الفنية والملاحية الموجودة بالمطار حتى لا تنقطع الخدمة، في ظل حرمانهم من تجديدها أو استبدالها بسبب الحصار المفروض على البلاد، ذاك الحصار الذي منع إدخال شحنة مساعدات وتجهيزات ملاحية جديدة للمطار، ولجأت صنعاء حينها إلى جيبوتي قبل ثلاث سنوات لتخزين هذه المساعدات حتى تأذن ساعة فك هذا الحصار.

اليوم تضاف ثلاث سنواتٍ جديدة منذ تاريخ هذا اللقاء، ويزداد معه تضييق الخناق على صنعاء، خاصة بعد الاستهداف الأخير على  المطار من قبل الاحتلال لآخر طائرة مدنية كانت تستعد لنقل فوجٍ من الحجاج، أربعة صواريخ إسرائيلية استهدفت طائرة صنعاء وتناثرت أجنحتها في ساحة المطار، وتناثر معه آمال عودة التشغيل القريب لهذا المطار، خاصة بعد أن وصلت كلفة إصلاح التدمير إلى 500 مليون دولار بدلا من 15 مليون دولار قبل ثلاثة أعوام، وتم إعلان وقف العمليات بالمطار لأجل غير مسمى!
 

طباعة شارك أخر طائرة يمنية مطار صنعاء صناعة الطيران اليمن نورهان خفاجي

مقالات مشابهة

  • إحذروا (حذام) الشيوعية… فإنها كاذبة فلا تصدقوها
  • ظفار أرض اللبان
  • جبع بلدة الفخار والتراث الفلسطيني.. صامدة في مواجهة طمس هويتها
  • نجم مانشستر سيتي يتحدث عن مواجهة الوداد والعين في كأس العالم للأندية
  • نورا الظاهري: استثمارنا في 4 موانئ مصرية.. وونقلة نوعية للنقل البحرى.. خاص
  • أوكرانيا تطرح خارطة طريق للسلام في محادثات إسطنبول
  • نورهان خفاجي تكتب: صنعاء بلا أجنحة
  • بحث آليات تنسيق الجهود لتحقيق أهداف قطاع السياحة بالمحافظات
  • في ذكرى رحيله الـ152.. مكتبة رفاعة الطهطاوي بسوهاج تروي حكاية التنوير والتراث النادر (خاص)
  • لماذا الحديث عن أمن الهوية الثقافية؟