أزمة الصحف الحزبية والمتوقفة.. ومسارات الحلول
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
عاطف: دعم الدولة ينتشل الصحف الحزبية من المصير المأسوىالبلشى : لابد من خلق مناخ جيد لتقديم محتوى مختلف يهتم به القارئالنقاش: توجيه جزء من الإعلانات لصالح الصحف الحزبية أسوة بالقومية
فى مائدة مستديرة داخل نقابة الصحفيين بعنوان «الصحف الحزبية والمتوقفة.. الأزمة ومسارات الحلول»، وعلى هامش المؤتمر السادس للصحافة المصرية، الذى تنعقد جلساته فى الفترة من 14 إلى 16 ديسمبر الحالى.
طالب الكاتب الصحفى عاطف خليل، رئيس تحرير جريدة الوفد، تفعيل بعض الاقتراحات التى يمكن أن تكون خطوات مبدئية لانتشال الصحف الحزبية من مصير مأسوي، من بينها دعم الدولة للصحف الحزبية، أسوة بالصحف القومية، وإلزام الكيانات الإعلامية الكبرى التى تستحوذ على سوق الإعلانات، بتخصيص نسبة للصحف الحزبية.
واقترح رئيس تحرير الوفد ان يتم توجيه البنوك الحكومية بتقديم قروض ميسرة لسداد مديونيات الصحف الحزبية، وتدخل نقابة الصحفيين لحل مشكلة الديون المتراكمة لهيئة التأمينات، مع ضرورة تخصيص نسبة محددة وثابتة من المشروعات الخدمية التى تحصل عليها نقابة الصحفيين لمحررى الصحف الحزبية، بهدف التخفيف من ظروفهم المادية الصعبة.
قال الكاتب الصحفى خالد البلشي، نقيب الصحفيين، إن هناك جزءًا مهمًا لابد من مناقشته فيما يخص مشكلة الصحف الحزبية المتعطلة والمتوقفة، متابعًا:» نحن لدينا العديد من الصحف الحزبية المتوقفة لأسباب مختلفة لعل أهمها أزمة التأمينات».
وأضاف البلشي، إن كثيرًا من الصحفيين الحزبيين لم يحصلوا على معاشاتهم وتأميناتهم، مشيرًا إلى أن هذه المشكلة ليست مشكلة الصحافة وليس مسؤولية الصحفيين، بل هى مسئولية المناخ الذى وضعها فى هذا الأمر، لذا لابد أن نُطالب بامتداد التأمينات لكل العاملين حتى المتوقفة منه، ويمكن حل ذلك بطرق سهلة بتدخل الحكومة.
كما كشف الكاتب الصحفي، كارم محمود عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق، إننا أمام مشكلة وقضية كبيرة وهى توقف وتعثر الصحف الحزبية، مشيرًا إلى أن هذه المشكلة بدأت منذ عام 2000 حينما توقفت أول جريدة حزبية وهى «جريدة الشعب».
وأضاف محمود، أن قضية الصحف الحزبية أصبحت قضية مزمنة لأنها مستمرة منذ قرابة 25 عامًا، مشيرًا إلى أن هناك فروقات واختلافات بين ظروف تعثر وتوقف كل جريدة عن غيرها، ونحن هنا الآن للحديث عن أسباب كل جريدة وطرح الحلول للخروج من هذه الأزمة.
وشدد عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق، على أهمية الخروج من الجلسة والمؤتمر السادس للصحفيين، بحلول وتوصيات مثمرة قابلة للتنفيذ لعرضها أمام الجمعية العمومية المقبلة، وكذلك التركيز خلالها على سُبل الحل.
وقالت الكاتبة الصحفية أمينة النقاش، رئيس مجلس إدارة جريدة الأهالي، إنه فى بداية ظهور مشاكل تجربة الصحف الحزبية، اقترح الأستاذ مصطفى كامل مراد، أن تكون هناك مطبعة مشتركة بين الصحف الحزبية للحصول على الحق فى توزيع الصحف.
وتابعت النقاش، :» وكذلك استغلال المطبعة كمصدر تجارى يدر دخل للمؤسسات الصحفية الحزبية، وهو مقترح مهم للغاية، إلا أنه حينما تم اقتراحه من قبل الأستاذ كامل وعرضه على رؤساء الصحف الحزبية استمعوا ولكنهم لم يبدوا أى قبول وترحيب بالفكرة، وعلينا أن نعيد الآن النظر مرة أخرى فى هذا المقترح».
وأوضحت النقاش، أن هناك تعليمات من مؤسسات الدولة الكبرى بحجب الإعلانات عن الصحف الحزبية، وحان الآن لأن تسمح الدولة للموسسات بأن تُعطى الصحف الحزبية إعلانات مثلما تعطى الصحف القومية لدعمها وإلغاء ديونها.
وعن كيفية إحياء الصحافة الحزبية المتوقفة، شدد البلشي، على ضرورة خلق مناخ جيد لتقديم محتوى مختلف يلقى اهتمام الجمهور، مشيرًا إلى أن هذا الملف لابد من دراسته جيدًا فبعض الأحزاب جرائدها الرئيسية متوقفة والفرعية تعمل، متسائلًا كيف ذلك؟.
وقال الدكتور محمد عادل، رئيس اللجنة النقابية بجريدة الوفد، إن الصحف الحزبية تواجه أزمة كبيرة فى الإدارة، لذا أطالب نقابة الصحفيين بتنظيم دورات تدريبية فى فن الإدارة وأكد عادل، أن أزمة الصحف الحزبية هى أزمة أحزاب قبل أن تكون أزمة دولة.
قال الكاتب الصحفى هشام يونس وكيل أول نقابة الصحفيين، إن الصحف الحزبية منقسمة لجزءين الأول مستمر مثل الوفد والأهالي، والثانى متوقف، وبالتالى فإن مجلس النقابة بالإجماع متفق على التعاون مع ملف الصحف الحزبية وحل الأزمات التى تمر بها.
وشدد يونس، على ضرورة التعامل مع الصحافة من قِبل الضرائب بشكل مختلف، مع إحداث تسهيلات للصناعة بأكملها وخلق مناخ من الحرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مسارات الحلول أزمة الصحف الحزبية نقابة الصحفیین الصحف الحزبیة مشیر ا إلى أن
إقرأ أيضاً:
صحافة التمكين وما بعدها
عبدالله رزق أبوسيمازه
بعد ٣٠ يونيو ١٩٨٩، صعد جيل من الاسلاميين ، المرتبطين بالتغيير الذي احدثه الجيش ، بالأطاحة بالنظام الديموقراطي ، لقيادة الأجهزة الاعلامية ، بما فيها الصحافة ، وتمت احالة جيل المخضرمين من الصحفيين ، وعموم الاعلاميين ، للتقاعد . فقد قامت سلطة الانقلاب بإيقاف الصحف وتعطيل الدستور ، وحل الحكومة الشرعية والبرلمان المنتخب ، ومصادرة الحريات العامة والديموقراطية ، كما هو شأن الانقلابات العسكرية ، عادة ، وابتكرت بيوت الاشباح ، لأقامة حفلات التعذيب . ومنذ مساء الثلاثين من يونيو ، بدأت حملات الاعتقالات ، للمسؤولين في الحكومة الشرعية المحلولة والبرلمان المنتخب وكوادر الأحزاب والنقابيين ، واستطالت ، مع الايام ، لتشمل كل الناشطين وقادة المجتمع المدني ، ولم تستثن الصحفيين . وكانت تلك بداية الأزمة التي ستتردى فيها الصحافة ، بالذات ، ثلاثين خريفا . حيث تشكل واقع سياسي وقانوني ودستوري مناهض لحرية الصحافة وحرية التعبير ، ساهم بدوره في تشكيل ما يمكن تسميته بالتمكين الصحفي . ووفقا لهذا الواقع الجديد اصبحت صحف الجريمة والرياضة والتسلية ، حسب دراسة لمجلس الصحافة والمطبوعات ، تتصدر التوزيع . وفي ذات الوقت ، فان مايساوي ٧٦٪ من المطبوع ، يتم توزيعه في العاصمة ، وتتساوى نسبة العاصمة من التوزيع ، مع نسبة تغطية قضاياها ، مقارنة ببقية أنحاء البلادو، بما يسمح باستنتاج ان الصحف ، اصبحت تشكل امتيازا خاصا بالنخبة الخرطومية .
باقتلاع الدكتاتورعمر البشير بواسطة لجنته الأمنية ، حسب بيانها الاول ، تحت ضغط الانتفاضة الشعبية ، في ١١ ابريل ٢٠١٩، انتهت مرحلة التمكين الاسلاموي في الصحافة ، والذي تم بالقوانين القمعية ، وباحتكار ملكية الصحف ، عبر أعضاء الحزب الحاكم ،الواجهة السياسية للاسلاميين ، وبالتضييق على الصحافة المستقلة ، ومحاربتها .وكذلك بتدخل الأجهزة الأمنية ، بشكل مباشر أو غير مباشر، في عمل الصحافة . إذ ظل جهاز الأمن يفرض رقابته ، القبلية والبعدية ، على الصحف ، وقد يعاقبها ، بالمصادرة او بالايقاف ، وقد يعاقب أيا من العاملين بها ، بمن فيهم رئيس التحرير، بإيقافه من العمل ، ويتجاوز ، في ذلك ، مجلس الصحافة والمطبوعات ،ويتغول على صلاحياته ، فقد كان الأمن اهم ادوات التمكين ، في كل مجال .
.وقد بدأت نهاية عهد التمكين بتواتر انهيار الصحافة الانقاذية ، واحدة بعد اخرى ، واكتمل بتوقف مصادر التمويل والدعم ، الذي كانت تجده من الحكم ، مع سقوط البشير . وكانت هذه الصحف قد حاولت التغلب على تأثيرات الازمة الاقتصادية ، بزيادة سعرها ، في كل حين ، مما جعلها تخرج ، في نهاية المطاف ، من متناول ايدي جمهرة القراء ، الذين تدهورت قدراتهم الشرائية بفعل الأزمة .
ولم تكن السنوات التي تلت سقوط البشير ، التي شهدت ، ايضا ، توقف الصحف المستقلة ، التي ظهرت في ذلك الحين ، غير فترة من الاضطراب ، ومن الصراع السياسي والاجتماعي ، انتهت بالاطاحة بالشريك المدني في السلطة الانتقالية ، بانقلاب الشريك العسكري في 25اكتوبر 2021 ، ليتلوه صراع شريكي الانقلاب ، والذي وصل ذروته في حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣.
لقد عانت الصحافة كثيرا ، في فترة حكم الإسلاميين ، من القيود السياسية والقانونية والامنية ، والتي أسهمت في تشكيلها على النحو الذي عرفت به ، كآلية من آليات التحكم والسيطرة ، إلى أن تفاقمت أزمة النظام ، لاسيما الاقتصادية ، خلال سنواته الأخيرة ، والتي انعكست على الصحف،بحيث بدا التحول إلى البديل الرقمي بمثابة طوف نجاة من معاناة الازمة . وعندما أطلت الحرب بوجهها البشع ، في ١٥ ابريل عام ٢٠٢٣ ، كذروة في الازمة التي انتهت إليها البلاد ، عقب الإطاحة بالبشير، كادت عملية تحول الصحف للصدور اونلاين أن تكتمل ، اذ تزامنت نهاية التمكين مع نهاية عهد الصحافة الورقية وانهيارها . مثلت الحرب الكارثية الجارية ، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ، و التي اكملت الان ، ( ١٥ ابريل ٢٠٢٥ ) ، عامها الثاني ، وتتهيأ لدخول عام ثالث ، بداية مرحلة من تاريخ السودان ونهاية اخرى . وقد واجهت الصحف التقليدية ، باوضاعها المشار إليها ، خلال هذه الفاصلة الدرامية القاسية ، ، تحديا كبيرا ، وتعرضت لامتحان عسير، وهي تحاول أن تغطي الأحداث التي تجري ، خارج جدرانها ، في الجوار . فخلافا لحروب السودان التاريخية ، اندلعت الحرب الاخيرة ، داخل العاصمة ، مركز البلاد الاقتصادي والإداري والسياسي والامني والاعلامي ، اولا ، قبل أن تنتقل للاقاليم النائية ، عكس النزاعات المسلحة الأخرى ، التي كانت تتحدث في البعيد ، في الجنوب والغرب ، خاصة ، ولا تحدث أثرا كبيرا مباشرا ، على الحياة في العاصمة ، وغيرها من بقية أنحاء البلاد . ولم يمض طويل وقت ، حتى وصلت النيران لمقرات الصحف نفسها ، ولم يعد أمام الصحفيين ، الذين تحملوا لبعض الوقت ، المخاطرة بحياتهم ، وهم يتجولون في الشوارع ، وسط الجنود لينقلوا الحقيقة ويوثقوها ، من خيار غير أن يغادروا ، ويتلمسوا وقائع الحرب المدمرة من خارج الميدان . وقد أحصت منظمة مراسلين بلا حدود ، ٤٠٠ صحفي سوداني في دول الجوار ، بجانب عشرة منابر صحفية ، وصفتها بالمواقع الاخبارية ، وقالت المنظمة في بيان أصدرته منتصف ابريل الماضي،بمناسبة الذكرى الثانية للحرب ، أن الحرب لم توفر الصحفيين ، مشيرة إلى حالات قتل واعتقال في اوساطهم . ودعت المنظمة مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين ، إلى اتخاذ تدابير عاجلة لحماية الصحفيين السودانيين في المنفى ، ومنحهم الأولوية في برامج إعادة التوطين ، كما حثت الدول المضيفة على تسوية أوضاعهم ، وتوفير الظروف المناسبة لتمكينهم من مواصلة عملهم بحرية وأمان . ومن جهتها وثقت نقابة الصحفيين السودانيين ، في بيانات لها ، في وقت سابق ، وقائع تعرض عدد من الصحفيين للخطف والاعتقال وللقتل ، من قبل طرفي الحرب خلال عملهم في تغطية الاحداث.
وفي ظل تداعيات الأزمة السياسية ، طوال الفترة الانتقالية وتدهور بيئة العمل الصحفي ، تواصل الانتقال الى العهد الرقمي تدريجيا ، للتخلص من عبء الكلفة المرهقة للانتاج ، من جهة ، وللتحرر من القيود الأمنية والسياسية والايديولوجية ، من الجهة الأخرى . فأصبح لكل صحيفة من الصحف الورقية المعروفة ، سابقا ، موقع الكتروني ، كما نشأت اخرى خارج البلاد ، بكادر تحريري محدود . وكان للبدايات المبكرة للنشر في الانترنت ، حيث كان لكل جريدة ورقية نسخة الكترونيةو، صورة ، بصيغة بي دي إف ، مساهمة هامة في ولوج المرحلة الجديدة بسهولة . وقد ترافقت النسختان ، الورقية والرقمية ، معا . وكانت الثانية مرآة للاولى ، دون أن تعكس ، بالضرورة ، سمات وخصائص الالكترونية التحريرية ، التي تجعلها تختلف بشكل أو آخر ،عن الصحيفة التقليدية. لعل اهمها ، هو أن الصحافة الرقمية متخطية للحدود السياسية ، وبالتالي ، تخاطب جمهورا اكبر ، متعدد الثقافات والاهتمامات . ويفترض فيها، نظريا ، تغطية الأحداث الهامة في مختلف أنحاء العالم ، تغطية مستقلة ، تتسم بالانفراد والتميز، والتحديث المواكب لتطورات الاحداث، موضوع التغطية ، لكن رغم ازدهار الإصدارات الجديدة الكثيرة ، الا ان بيئة العمل ، خصوصا ، بعد الانقلاب على السلطة الانتقالية ، في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ، اصبحت ، الى حد كبير ، غير مواتية . فقد دأبت السلطات على التفنن في ابتكار آليات القمع والكبت . فالسلطة التي تحتكر تقديم خدمة الانترنت ، لم تتوان في محاولة السيطرة على فضاء انترنت ، أو تسخير خدمة انترنت كوسيلة إضافية من وسائل التمكين والضبط ، حيث شهدت فترة الحرب استمرار قطع الخدمة عن المواطنين ، مع قطع الكهرباء وخدمات المياه ، والتجويع ، كاسلحة من ترسانة الحرب ، يحدث ذلك في وقت يشهد طوفانا من الشائعات ، ومن الدعاية السوداء والحرب النفسية ، وتفشي الاخبار الكاذبة ، وخطاب الكراهية ، حيث لم يعد ممكنا الحصول على الحقيقة كاملة ، من هذا الطرف أو ذاك من طرفي الحرب أو التحقق من صحتها ، من مصدر مستقل . وخلال هذه الفترة من تطورها ، ومن عمر الحرب ، ظل الملمح الرئيس للصحافة ، حتى الان ، هو تغطية الأحداث من الخارج ، من خارج الميدانو، او خارج القطر، او من جانب أحد طرفي الحرب ، مما يدمغ مثل هذه التغطية ، متى وجدت ، بالتحيز ، او القصور ، او عدم المصداقية ، احيانا. هذا الشكل من التغطية ، والذي يستفيد كثيرا مما ينشره المواطنون عبر السوشال ميديا ، كمصدر معتمد لدى كثير من الصحفيين ، يتناسب مع المرحلة الإلكترونية ،والتي دخلتها ، بعد مغادرتها المرحلة الورقية . ومع ذلك فإن صحف المرحلة ، لاسباب معلومة ، افتقرت إلى التوثيق الالكتروني للأحداث عبر الفيديو ، او حتى الصور الثابتة ، كبعض من أهم أدوات النشر الرقمي ، والذي يستفيد احيانا من التصوير بالموبايل ، ومن مساهمات هواة التصوير بمواقع الأحداث . غير أن هذه الصور الثابتة والمتحركة ، غالبا ما يتم التلاعب بها . ومع الحرية التي تؤمنها فضاءات انترنت ، لاسيما حرية التعبير والصحافة ، الا أنه يبدو ان لا مهرب من مواجهة مشكلة التمويل ، فالصحافة الإلكترونية لا تقدم مخرجا مثاليا من مشكلة التمويل ، التي ظلت تواجهها الصحافة الورقية ، مع ارتفاع تكلفة الإنتاج وقلة عائد المبيعات وشح الاعلانات . اذ أن هذه المشكلة ، مشكلة التسويق والاعلانات ، وهي تطرح نفسها في سياق جديد ، في سبيلها لأن تتفاقم في اطار المنافسة ، غير المسبوقة ، المحتدمة ، بين الصحف في فضاء انترنت. ويرتهن التوزيع أو الانتشار واتساع دائرة التلقي والمقروئية ، بعدد زوار الموقع ، وبالتقدم في مدرج الترتيب الصداري ، باتساع حيازة المواطنين لاجهزة الكمبيوتر والتليفونات الذكية . فيما يرتهن انتاج المادة الصحفية أو المحتوى بأدوات ومهارات متقدمة. وقد تجد الصحيفة نفسها في منافسة مع التلفزيون ، في تغطية وبث الأحداث المباشرة والاخبار الفورية . تحتاج الصحيفة إلى أن تستقطب أموالا عن طريق تنظيم الاشتراكات ، عبر شبكة من القراء تخصهم الصحيفة ببعض المواد ، التي تحجبها من عامة القراء ، بجانب اجتذاب الاعلانات ، وهو يرتبط بمقروئية الصحيفة ، ثم تبرعات جمهرة القراء ، ويعتقد ، في الدوائر الصحفية ، أن هذه المصادر الخاصة تؤسس ضمانة قوية لاستقلالية الصحيفة . ورغم ما يعترض مسيرتها من عثرات ، فقد ازدهرت الصحافة الإلكترونية بشكل كبير، بما يسمح باستنتاج بأنه سيكون لها شأن في المستقبل ، الذي سترفرف فيه رايات السلام ، غير أن الخلاف سيظل قائما حول مكان ومستقبل الصحافة التقليدية . الراجح أنها لن تختفي كليا ، ففي بلدان الغرب المتقدمة في هذا المجال ، وحيث تحولت بعض الصحف للصدور اونلاين ، ليس بفعل أزمة مالية ، وانما استجابة ومواكبة لمعطيات ثورة تكنولوجيا الاتصالات ، فان صحف المقدمة الورقية (المينستريم ) لا زالت توالي الصدور ، و تمارس تأثيرها الملموس ، في تشكيل الرأي العام . وبالتالي ،فان الخط البياني لمسار الصحافة السودانية ، كحالة متفردة ، والذي يمكن تمثيله بمعادلة : (مشرق – مغرب – مشرق) ، يتطابق لحد بعيد مع تطور البلاد السياسي منذ الاستقلال ، داخل ما اصطلح عليه بالحلقة المفرغة : (انتفاضة شعبية – انقلاب عسكري –انتفاضة شعبية ) . وكنتيجة للتغيير الشامل الذي أحدثته الحرب ، والذي طال كل أوجه الحياة ، فانه ينتظر أن تتخلق بداية جديدة نوعية للحياة ، في مرحلة ما بعد الحرب . ولأن الصحافة لم تكن استثناء مما طالته الحرب بالتدمير والتخريب ، فانه يتوقع أن تكون صحافة ما بعد الحرب مختلفة جدا ، تعتمد على جيل من الصحفيين مزودين بتجارب وخبرات عميقة .
ومثلما كانت بداية الصحافة السودانية ، مرتبطة بانتشار التعليم الحديث ودخول المطبعة للبلاد ، فان ازدهارها ، في مرحلة ما بعد الحرب ، يرتهن باتساع قاعدة التعليم والحريات الديموقراطية ، ومواكبة التكنولوجيا ، لاسيما تكنولوجيا الاتصالات .
تشكل الفترة بين انتفاضتي ، سبتمبر ٢٠١٣ ، وديسمبر ٢٠١٨، فاصلة تاريخية . اذ شهدت تصاعدا في دور السوشال ميديا و الصحافة الإلكترونية ، مقابل تراجع الصحافة التقليدية ، الورقية ، لذلك بدت مهمة ، إضاءة تلك اللحظة من تطور الصحافة من التقليدية إلى الحداثة الرقمية ، وإثارة النقاش حول ما تستبطنه من قضايا واسئلة.
القاهرة 17 ابريل 2025
الوسومعبدالله رزق