ما علاقة سوريا الجديدة مع إسرائيل؟ ملاحظات أولية
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
(1) تحرك بقيادة نتنياهو؟
جاء التحرك العسكري للمعارضة السورية "سابقا" بعد أيام من تصريحات لرئيس وزراء الاحتلال نتنياهو يحذر فيها نظام الأسد من "اللعب بالنار". استخدم هذا التصريح للترويج لفكرة أن التحرك تم بالتنسيق مع حكومة الاحتلال الفاشي، للاستفادة من حالة التراجع التي يمر بها "محور المقاومة"، بعد توقيع حزب الله اتفاق وقف إطلاق النار مع الاحتلال.
كثير ممن طرحوا هذه الفكرة لا يستحقون النقاش، لأنهم ينطلقون في هذا الطرح من عدائهم للثورة السورية منذ يومها الأول، ولكن البعض ممن أيدوا الثورة في بداياتها السلمية، ثم بدأت المخاوف تطغى على تأييدهم بعد عسكرة الثورة، يطرحون هذا التزامن من باب القلق على مستقبل سوريا، وهؤلاء بالطبع يستحقون النقاش بهدوء.
إن الرد الأساسي على هذا التزامن "المفتعل" هو أن السياسة لا تعمل بشكل "خطيّ"، ولذلك فإن تزامن حدث سياسي أو عسكري مع تصريح لسياسي هنا أو هناك لا يعني بالضرورة أن الحدث والتصريح مترابطان.
يضاف إلى ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي يعلن عداءه وهجومه على نظام الأسد منذ عقود، ولم تتوقف التصريحات المناوئة له خصوصا بعد دخول القوى العسكرية التابعة لإيران إلى سوريا، وبالتالي إذا كان تحرك "المعارضة" السورية هو "تنفيذ" لتصريحات نتنياهو، فلماذا لم تتحرك سابقا؟
بات مؤكدا أن انتصار "المعارضة" السورية وهروب الأسد بعد سقوط نظامه تحقق في جزء منه بسبب خسارة ما كان يعرف بـ"محور المقاومة".ولا بد من الإشارة هنا إلى أن "المعارضة" لو أرادت أن تكون جزءا من حرب "إسرائيل" على "محور المقاومة" لتحركت أثناء العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، ولكنها التزمت بالصمت رغم استعدادها للهجوم منذ أكثر من سنتين إلى حين انتهاء العدوان.
ولكن هذا لا يعني أن المعارضة لم تستفد من نتائج التغييرات التي حصلت في المنطقة منذ "طوفان الأقصى".
(2) هزيمة لمحور المقاومة؟
بات مؤكدا أن انتصار "المعارضة" السورية وهروب الأسد بعد سقوط نظامه تحقق في جزء منه بسبب خسارة ما كان يعرف بـ"محور المقاومة". لم تتمكن إيران من تقديم المساعدة العسكرية اللازمة للنظام كما فعلت خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية بسبب تراجع اقتصادها، وتضرر قوتها بعد الضربات التي وجهها الاحتلال لأهدافها العسكرية خلال الشهور الماضية. ولم يتمكن حزب الله أيضا من القتال في مواجهة المعارضة السورية كما فعل سابقا، بسبب تعرضه لضربة كبيرة خلال العدوان الإسرائيلي الذي بلغ ذروته بعد عملية تفجير البيجر الإرهابية وما تبعها من اغتيالات لكبار قادته وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله وشن حرب عدوانية على لبنان برا وجوا.
هذا يعني أن اختيار توقيت عملية "ردع العدوان" أخذ بعين الاعتبار هذه العوامل، ولكن هل يعني هذا أن العملية تسببت في هزيمة "لمحور المقاومة"؟
الحقيقة أن هزيمة النظام السوري لم تكن سوى إسدال للستار على نهاية "محور المقاومة" كما كنا نعرفه سابقا، ولم يكن السبب لهذه النهاية. لقد بات ثابتا الآن حسب مصادر إعلامية دولية وعربية وحتى مقربة من حزب الله أن نظام الأسد كان ينفذ خطوات متسارعة للابتعاد عن المحور بوساطة إماراتية منذ أكثر من سنتين، وقد بدا هذا واضحا في خطوات اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سوريا، ومنع حزب الله -حسب مصادر إعلامية ـ من تنشيط قواعده العسكرية أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان، إضافة إلى السكوت المطبق حتى عن البيانات المساندة لقوى "المحور" التي كانت تشن حرب إسناد لقطاع غزة بعد "طوفان الأقصى".
هذا يعني أن سوريا أصبحت خارج "المحور" قبل هزيمة النظام وهرب الأسد، كما أن المحور أضعف بسبب ما تعرض له من عدوان شرس من الاحتلال، بعد عملية السابع من أكتوبر 2023 وليس بسبب سقوط نظام الأسد. ولذلك فإن التباكي على المقاومة باعتبارها قد تلقت ضربة بهروب الأسد، هو قراءة في غير محلها.
(3) الأهداف "الإسرائيلية"
يمكن معرفة الأهداف "الإسرائيلية" في سوريا من خلال ما تنفذه من اعتداءات يومية على الأراضي السورية، وما تطلقه القيادات السياسية والعسكرية من تصريحات تجاه مستقبل هذا البلد العربي المهم.
خلال أيام قليلة، قصف الاحتلال سوريا بوتيرة عالية جدا، تفوق ما كان ينفذه من قصف منذ عام 2011 بنسبة كبيرة، واحتل جيش العدوان أراض سورية جديدة أهمها القنيطرة، إضافة إلى مناطق في الجنوب السوري تصل إلى درعا على حدود الأردن.
لقد بات ثابتا الآن حسب مصادر إعلامية دولية وعربية وحتى مقربة من حزب الله أن نظام الأسد كان ينفذ خطوات متسارعة للابتعاد عن المحور بوساطة إماراتية منذ أكثر من سنتين، وقد بدا هذا واضحا في خطوات اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سورياوبالتزامن مع القصف الجوي والعدوان البري، فإن الاحتلال لم يخف أهدافه السياسية والعسكرية في سوريا، إذ أكد أنه يريد إضعاف ما تبقى من مقدرات للجيش السوري، والاستمرار باحتلال القنيطرة كمنطقة عازلة لمدة عام على الأقل، وربما يطمح لإقامة منطقة عازلة في الجنوب، كما أنه يريد منع أي فرصة لمهاجمة "إسرائيل" من قبل القيادة السورية الجديدة التي أعلن بشكل واضح أنها قيادة معادية متطرفة غير جديرة بالثقة.
أما الهدف الأبعد للاحتلال فهو تقسيم سوريا من خلال دعم الأقليات "الدروز والعلويين والأكراد"، وقد ورد هذا بوضوح عبر تحليلات تنشر في الصحف العبرية على لسان خبراء استراتيجيين وجنرالات سابقين، وبشكل غير مباشر في تصريحات وزير الخارجية جدعون ساعر الذي أكد أنه "من المهم ضمان حماية الأقليات في سوريا، من الأكراد والدروز والمسيحيين، إضافة للعلويين وهي الأقلية التي كانت حجر الأساس لنظام الأسد"، حسب قوله.
(4) ما هو المطلوب سوريا؟
إزاء هذا المشهد الإقليمي، والأهداف "الإسرائيلية" العدوانية المعلنة، فإن المطلوب سوريا هو تكوين موقف وطني سوري موحد ضد العدوان. يتطلب هذا ابتداء خطاب سياسي واضح يدين العدوان ويرفض الاحتلال الإسرائيلي سواء للجولان أو للأراضي التي احتلت في الأيام الأخيرة، والابتعاد عن الخطاب "الناعم" الذي يعلن الضعف عن مواجهة الاحتلال، وهو الخطاب الذي ساد في اللقاءات الإعلامية لقائد العمليات العسكرية أحمد الشرع بعد سقوط الأسد.
وحتى تتمكن سوريا من مواجهة العدوان "الإسرائيلي" السافر، فمن الضروري أن تضع القيادة السورية الجديدة مسألة وحدة البلاد على رأس أولوياتها، لأن مواجهة العدوان ووحدة سوريا قضيتان لا تقلان أهمية عن حل المشكلات الداخلية التي تستحق هي الأخرى اهتماما كبيرا بدون شك.لا يعني هذا دعوة قيادة سوريا الجديدة لشن حرب على الاحتلال، لأن موازين القوى المختل بين الطرفين يحول دون مثل هذه الحرب، ولكن المطلوب على الأقل تهديد الاحتلال بمقاومة شعبية لعدوانه، وإدانته بلغة واضحة، والكف عن تقديم الوعود والنوايا "الحسنة" المجانية للاحتلال، ووضع الاحتلال غير القانوني للجولان والقنيطرة وغيرها من الأراضي السورية على طاولة البحث مع الوفود الأجنبية.
وحتى تتمكن سوريا من مواجهة العدوان "الإسرائيلي" السافر، فمن الضروري أن تضع القيادة السورية الجديدة مسألة وحدة البلاد على رأس أولوياتها، لأن مواجهة العدوان ووحدة سوريا قضيتان لا تقلان أهمية عن حل المشكلات الداخلية التي تستحق هي الأخرى اهتماما كبيرا بدون شك.
إن السياسة الغربية تقوم على الضغط على دول منطقتنا بالتدريج، وكلما تنازلت قيادات هذه الدول أمام الضغوط، فإنها ستتعرض لضغوط إضافية من الغرب للحصول على المزيد من التنازلات، ولذلك فإن القيادة السورية الجديدة يفترض أن تعرف متى تقبل ومتى ترفض، وتعرف أيضا كيف تناور أمام الضغوط، بدون خسارة العلاقات مع دول العالم الضرورية لبناء سوريا وحل مشكلاتها المستعصية.
لقد بني نظام الأسد جزءا من شرعيته على دعم المقاومة وفلسطين، ولكن سوريا الجديدة التي قامت بعد ثورة وصراع طويل، سوريا الحرة وشعبها الذي بدأ يتنفس حريته وكرامته بعد سوط هذا النظام، هي الأولى بهذه الشرعية، التي ستظل منقوصة، ما دام الاحتلال الإسرائيلي يسرح ويمرح في الأراضي السورية دون خطاب قوي وموقف واضح واستعداد لمقاومة احتلال أراض سورية وفق الإمكانيات المتاحة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الإسرائيلي العدوان سوريا إسرائيل عدوان رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القیادة السوریة الجدیدة مواجهة العدوان محور المقاومة نظام الأسد حزب الله فی سوریا سوریا من
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة… مسؤوليات التحول والعبور نحو المستقبل
#سواليف
#سوريا_الجديدة… مسؤوليات التحول والعبور نحو المستقبل
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
مع انقشاع سحب الاستبداد عن سماء سوريا، وبدء مرحلة جديدة من التحول السياسي، لا ينبغي أن نُخدع بأن سقوط النظام الوحشي البائد وحده هو النصر المنشود. إن نجاح الثورة السورية وتحقيق آمال وطموحات الملايين من السوريين لا يُختزل في إسقاط رأس النظام فحسب، بل يبدأ من تلك اللحظة بالذات، حيث تبدأ أعقد مراحل البناء وإعادة التأسيس.
مقالات ذات صلةإنّ النظام السياسي الجديد في سوريا يُواجه تحديات جسيمة ومسؤوليات وطنية وتاريخية لا يمكن التهاون معها، وفي مقدمتها ضرورة تبنّي مشروع مصالحة وطنية شاملة، تقوم على طي صفحة الماضي بكل آلامه وجراحه، دون إقصاء أو انتقام، والانتقال إلى نظام جديد يرتكز على أسس المواطنة والعدالة والحرية والتنمية. سوريا الجديدة يجب أن تكون لكل السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو المذهبية. هذه الرؤية التعددية الجامعة هي الضامن الوحيد لوحدة الدولة واستقرارها، ولتفويت الفرصة على مشاريع التقسيم والفوضى التي تتربص بالمنطقة.
ففي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى السلطة الجديدة، يُنتظر منها أن تكون على مستوى الحدث، لا مجرد بديل شكلي، بل نموذج مختلف في المضمون. نظام لا يُكرّس القمع بل يرسّخ الحريات، لا يوزع الولاء بل يُحصّن حقوق المواطنة، لا يتعامل مع الشعب بعقلية أمنية، بل بروح الشراكة والتكافؤ.
لكنّ نجاح هذا المشروع الوطني يتطلب دعماً دولياً واسع النطاق. وعلى الدول الغربية، التي طالما عبّرت عن مواقف مبدئية من الأزمة السورية، أن تُترجم أقوالها إلى أفعال. لا بد من مد يد العون للنظام السياسي الجديد من أجل إعادة الإعمار، وتهيئة البنى التحتية والاقتصادية المنهارة، وتحقيق الاستقرار الأمني والمؤسساتي، وتسهيل العودة الطوعية والآمنة للمهجّرين واللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في المنافي والمخيمات. هذه العودة لا يجب أن تكون خياراً مغامراً، بل حقاً مضموناً يرافقه الأمان والكرامة والضمانات الحقوقية والسياسية.
كما أن على المجتمع الدولي أن يعمل بجدّية على وقف التدخلات الخارجية التي ساهمت في تعميق جراح سوريا وإطالة أمد نزاعها. فالتدخل الإقليمي والدولي لم يعد يُنتج سوى مزيد من الفوضى والانقسام، ولا بد من دعم سيادة القرار السوري الوطني واستقلاليته. كما أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأراضي السورية، وتعديها على السيادة الوطنية، يجب أن يُواجَه بإجماع دولي صارم يدعم القيادة السورية الجديدة ويؤكد احترام القانون الدولي.
ولا يمكن الحديث عن استقرار حقيقي دون مواجهة جذور التوتر والانقسام الطائفي، خصوصاً في مناطق مثل السويداء والساحل وشمال شرق البلاد. هذه المناطق تشهد هشاشة مجتمعية وأمنية، تحتاج إلى خطاب وطني جامع، وخطط تنموية عادلة، وآليات تمثيل سياسي تكفل الحقوق ولا تثير المخاوف. وحدة النسيج السوري لا تُبنى بالخطابات فقط، بل بالعدالة الاجتماعية والإنصاف السياسي.
وفي هذا السياق، فإن على الدول الغربية مسؤولية أخلاقية وسياسية مضاعفة تجاه سوريا وشعبها. فبعد سنوات من الصمت أو التدخلات غير المجدية، حان الوقت للانتقال من سياسة إدارة الصراع إلى سياسة دعم السلام. المطلوب ليس فقط المساعدات الإنسانية، بل شراكات حقيقية في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية، والمساهمة في بناء مؤسسات دولة مدنية قوية قادرة على النهوض بمسؤولياتها.
كما أن الدول العربية، بكل ثقلها السياسي والاقتصادي، مطالبة بأن تمد يدها لسوريا الجديدة. فاستقرار وأمن وازدهار سوريا ليس شأناً سورياً فقط، بل هو مصلحة عربية استراتيجية كبرى. سوريا كانت وستبقى عمقاً عربياً مهماً، وأي نهوض لها سينعكس إيجاباً على كامل الإقليم. آن الأوان لرؤية عربية متقدمة تفتح أبواب التعاون والدعم وتؤسس لمرحلة جديدة من التكامل الإقليمي الحقيقي.
سوريا تقف اليوم على مفترق طرق. إما أن تغتنم هذه اللحظة التاريخية لبناء دولة المواطنة والحرية، أو أن تنزلق مجدداً نحو دوامة جديدة من الفوضى. الخيار ليس سهلاً، لكنه ممكن. ولأجل ذلك، لا بد أن يتحمل الجميع – من داخل سوريا وخارجها – مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية تجاه شعب عانى ما لم يعانه شعب في هذا العصر.
إن التاريخ لن يرحم، وسيكتب ما إذا كانت هذه اللحظة قد شكّلت بداية لنهاية المأساة، أو مجرد فصل آخر في تراجيديا مستمرة.