بقلم : حسين عصام ..

ديوان “هيهات تفلت من أيدي” للشاعر أحمد الصافي النجفي هو لوحة شعرية تجمع بين مشاعر الألم الإنساني والتأملات الفلسفية العميقة. يعكس الديوان تجربة الشاعر التي كانت مزيجًا من الغربة والمرض، مما أضفى على نصوصه طابعًا فريدًا يتداخل فيه البعد النفسي مع البعد الفلسفي. من خلال هذا الديوان، يفتح الصافي النجفي نافذة على معاناة الإنسان وتحدياته في مواجهة الزمن والحياة والموت.

الغربة والعزلة

تُعدُّ الغربة واحدة من أكثر المواضيع النفسية التي تناولها الصافي النجفي في ديوانه. لم تكن غربته مجرد بعد مكاني عن الوطن، بل اغترابًا روحيًا عن العالم بأسره. يقول الشاعر:

“وحيدًا في الدُنا ما لي أنيسٌ / أُحادثه إذا اشتدت همومي”

في هذا البيت، نجد تعبيرًا مباشرًا عن الوحدة والعزلة التي عاشها الشاعر، حيث باتت همومه رفيقه الوحيد. الغربة لديه ليست تجربة عابرة بل شعور دائم يلازمه أينما ذهب.

الألم والمعاناة

لقد شكل المرض جزءًا كبيرًا من حياة الصافي النجفي، وانعكس ذلك في قصائده التي تُظهر الصراع مع الألم الجسدي والنفسي. يقول:

“أذوب كما الشمعة الحزينة / ولا أجد نورًا ولا يقينًا”

يشبّه الشاعر نفسه بشمعة تذوب بلا هدف، ليُبرز شعوره بالعجز وفقدان الأمل. الألم هنا ليس مجرد معاناة فردية، بل صدى لتجربة إنسانية عامة تعكس هشاشة الإنسان أمام الظروف القاسية.

تأملات في الحياة والموت

يظهر الموت في ديوان “هيهات تفلت من أيدي” ليس كعدو يجب الهروب منه، بل كحقيقة وجودية يقبلها الشاعر. يقول:
َ
“إذا ما جاءني الموتُ انحنيتُ / لهُ كملكٍ عظيمٍ بالتحية”

هذا البيت يُظهر فلسفة الشاعر تجاه الموت، حيث يعبر عن احترامه له كجزء لا يتجزأ من دورة الحياة. من خلال هذه النظرة، يقدم الصافي النجفي رسالة فلسفية عن تقبّل الحتميات بدلًا من مقاومتها.

عبثية الزمن

الزمن، في رؤية الصافي النجفي، قوة مدمرة تهدم كل شيء وتُبقي الإنسان في مواجهة دائمة مع الفناء. يقول:

“غدًا أكون أثرًا على وجه الثرى / فأين مني ما بنيتُ وما جمعتُ؟”

تُبرز هذه الأبيات عبثية السعي الإنساني في مواجهة الزمن، حيث يتساءل الشاعر عن جدوى كل ما جمعه وبناه بعد رحيله. هذا التساؤل يضع القارئ أمام حقيقة مؤلمة لكنها ضرورية لفهم وجودنا.

تحليل أبيات مختارة: تداخل الرمزية والدلالات النفسية والفلسفية

الصراع الداخلي

يقول الصافي النجفي:

“لعمري، إنني صارعُ نفسي / وعند الصبح أخشى أن تغلبني”

هنا، يُبرز الشاعر الصراع النفسي الذي يخوضه مع ذاته، حيث تتجلى النفس كخصم عنيد يصعب التغلب عليه. الكلمة “أخشى” تعبر عن شعور بالضعف وعدم اليقين، مما يعكس قلقًا دائمًا حيال التحكم في الذات.

الغربة الوجودية

وفي وصف اغترابه، يقول:
“وإن كنتُ في أرضي، فإني غريبٌ / كأنني نجمٌ أضاع مداره”

يستخدم الشاعر صورة النجم الذي أضاع مداره ليُبرز اغترابه النفسي حتى في وطنه. الرمز هنا يعكس الشعور بالضياع، حيث النجم الذي كان يُفترض به أن يكون مرشدًا أصبح نفسه بحاجة إلى من يرشده.

التكامل بين البعدين النفسي والفلسفي

يجمع الصافي النجفي في ديوانه بين الألم النفسي الذي ينبع من معاناته الفردية، والتأمل الفلسفي الذي يجعل من هذه المعاناة وسيلة لفهم قضايا وجودية كبرى. التداخل بين البعدين يجعل قصائده صادقة وعميقة، حيث تصبح تجربة الشاعر الشخصية انعكاسًا لتجربة الإنسان بشكل عام.

ديوان “هيهات تفلت من أيدي” ليس مجرد مجموعة من القصائد، بل هو رحلة فكرية ونفسية تتناول قضايا كبرى تتجاوز زمانها ومكانها. من خلال هذا الديوان، يقدّم أحمد الصافي النجفي رؤيته للحياة والموت والزمن بطريقة تمس القارئ وتدعوه للتأمل. قراءة هذا الديوان ليست فقط استكشافًا لتجربة شاعر، بل رحلة لفهم عمق التجربة الإنسانية.

حسين عصام

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

حسام الغمري: التآكل النفسي وسيلة العدو لتفكيك الجبهة الداخلية دون قتال أو رصاصة

قال حسام الغمري باحث في شئون الجماعات الإسلامية، إن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان يعتمد على أذرع متعددة، منها السياسية والإرهابية والإعلامية، مشيراً إلى أن الذراع الإعلامي الأخطر والأكثر تأثيراً، حيث تحوّل من كونه وسيلة تواصل إلى غرفة لإدارة "حرب نفسية منظمة ومخططة" ضد المواطن المصري تستهدف عقله ووجدانه بشكل مباشر.

وأضاف الغمري، في حواره مع الإعلامى خالد أبو بكر، مقدم برنامج "آخر النهار"، عبر قناة "النهار"، أنّ هذه الحرب النفسية ليست عشوائية، بل تستند إلى دراسات علمية متقدمة تقودها مؤسسات بحثية دولية مثل مؤسسة "راند"، التي تضم أكثر من 1300 باحث، مشيراً إلى أن المؤسسة قد طوّرت استراتيجيات ما يُعرف بحروب الجيلين الرابع والخامس.

وبيّن أن هذه الحروب تعتمد على "الاستهداف العاطفي المنظم"، الذي يشبه العبوات الناسفة في ميدان المعركة، وهو أخطر أدوات الهدم النفسي المعاصر.

وتابع، أنّ الإعلام المعادي في الخارج يستخدم مشاهد مأساوية – مثل ما يحدث في غزة – لتحريك المشاعر الإنسانية الفطرية لدى المواطن المصري، ثم يقوم بتضخيم هذه المشاهد وتبني روايات العدو التي تُحمّل الدولة المصرية المسؤولية عنها، وهو ما يهدف إلى خلق شعور عام بالإحباط والغضب يدفع المواطن في نهاية المطاف إلى تبني موقف عدائي تجاه بلده دون أن يدرك أنه يُستخدم كأداة ضمن خطة موجهة.

وأكد، أنّ الهدف النهائي من هذه الحملات هو تفكيك الجبهة الداخلية من دون إطلاق رصاصة واحدة، مؤكداً أن الإعلام المعادي هو مشروع سياسي وأمني بامتياز ممول بأموال طائلة، لكنه في النهاية يظل أقل تكلفة من الحروب العسكرية المباشرة.

واستشهد الغمري بمقولة منشورة في موقع "الناتو ريفيو" تفيد بأن "التآكل النفسي المنظّم يُمكّننا من تدمير الدول دون أن نطلق رصاصة واحدة".

خالد أبو بكر: مواقف الرئيس السيسي القومية رسخت مكانته لدى المصريين ..فيديوخالد أبو بكر عن خطاب الرئيس السيسى : عبّر عن كل مصري واعٍ ومُدرك لتحديات الأمن القوميخالد أبو بكر: لن تؤثر حملات التشويه الخارجية في وعي المصريين ..فيديو


 

طباعة شارك حسام الغمرى الجماعات الإسلامية الإخوان

مقالات مشابهة

  • روما يقسو على كان بـ «ثلاثية»
  • قمة ثلاثية ليبية تركية إيطالية في إسطنبول لبحث ملفات استراتيجية مشتركة
  • المهدي: الإجازات ضرورة لحماية الإنسان من الاحتراق النفسي «فيديو»
  • الهادي آدم.. الشاعر السوداني الذي كتب لفلسطين و غنت له أم كلثوم
  • الأردن ومصر والبحرين في أمسية شعرية من أمسيات “جرش” في رابطة الكتاب
  • الإمارات تدين الهجوم الذي استهدف مركبات في ولاية “بلاتو” بنيجيريا
  • ترامب يكشف عن انطباعه وزوجته ميلانيا بشأن صورالمجاعة والموت في غزة
  • نظارات Ray-Ban Meta الذكية تحقق قفزة ثلاثية في المبيعات
  • حسام الغمري: التآكل النفسي وسيلة العدو لتفكيك الجبهة الداخلية دون قتال أو رصاصة
  • بعد تفلت الوضع الأمنيّ... دعوة للتجمّع في المعاملتين