عبّر وزير الزراعة السوداني أبوبكر عمر البشرى عن رفضه تقريرا أمميا يصف وضع الأمن الغذائي في البلاد بالمجاعة، معتبرا ذلك ادعاءات لخدمة أجندة سياسية، كما انتقدت وزارة الخارجية التقرير نفسه الصادر الثلاثاء الماضي.

وكانت "لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" نشرت الثلاثاء الماضي تقريرها عن السودان، وهذه اللجنة بمثابة مرصد عالمي للجوع يضم وكالات الأمم المتحدة وشركاء إقليميين ومنظمات إغاثة، وأكدت أن السودان يشهد مجاعة غير مسبوقة، وأن 24.

6 مليون شخص (ما يقرب من نصف السكان) يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

ولفت التقرير إلى رصد مجاعة في 5 مناطق بالبلاد، وستكون هناك مجاعة في 5 مناطق أخرى بحلول مايو/أيار 2025.

التقرير يقول إنه رصد مجاعة في 5 مناطق بالسودان (رويترز) تحفظات سودانية

في مؤتمر صحفي بمدينة بورتسودان، قال وزير الزراعة السوداني "لدينا تحفظات على تقرير لجنة مراجعة المجاعة، في منهجية عملها المتمثل في طرق جمع المعلومات وتحليلها، وأرقامها غير واقعية"، مضيفا أن تقرير اللجنة لم يأخذ بشواغل السودان في الأمن الغذائي، ولم نطلع على التقرير إلا بعد صدوره.

وأشار الوزير السوداني إلى أن التقرير يغطي مسوحات في 15 ولاية بالبلاد (لم يذكرها)، بينها 11 ولاية في حالة حرب، 7 منها تشهد حصارا من قوات الدعم السريع، ولا يمكن إجراء مسوحات حقيقية على الأرض بفرق ميدانية، مؤكدا استغناء السودان عن لجنة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وانسحابه من عضويتها.

وذكر البشرى أن الحرب اتخذت أشكالا أخرى، بينها التجويع واستخدام المجاعة للتدخل من بعض المنظمات الأجندة ذاتها، لافتا إلى وجود جهات تسعى لتوظيف تقرير اللجنة لصالح أجندتها (دون تسميتها)، وأردف أن حكومة السودان ترفض استغلال أوضاع الأمن الغذائي وتوظيف خطر المجاعة، وفرضها واقعا في البلاد التي تشهد حربا.

إعلان

وفي السياق نفسه، نفت مفوض عام الشؤون الإنسانية بالسودان سلوى آدم بَنية بشدة وجود مجاعة بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ومخيمات النازحين حول المدينة، وشددت على أن هناك تجويعا ممنهجا تقوم به قوات الدعم السريع عبر فرضها الحصار على المدينة.

واتهمت، في مؤتمر صحفي اليوم بمدينة بورتسودان، قوات الدعم السريع بمنع مرور المساعدات الإنسانية عبر المناطق التي تسيطر عليها، وبالتعنت إزاء قرار دولي يطالب بعدم فرض الحصار على الفاشر.

السودان يتهم جهات بالسعي لتوظيف تقرير اللجنة لصالح أجندتها  (رويترز) تشكيك في الموثوقية

وفي السياق ذاته، انتقدت وزارة الخارجية تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الصادر الثلاثاء الماضي، وقالت في بيان اليوم الأحد إن النتائج التي توصل إليها التقرير بالمنهجية المتبعة تعاني الكثير من أوجه القصور ما يعرض موثوقيته للتشكيك.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال، الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين يؤكد بحث لجامعات أميركية أن إجمالي القتلى أعلى من ذلك بكثير، ويصل إلى نحو 130 ألف شخص قُتلوا بشكل مباشر وغير مباشر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأمن الغذائی الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

من مجاعة إيرلندا إلى مجاعة غزة

من #مجاعة_إيرلندا إلى #مجاعة_غزة

د. #أيوب_أبودية

شكّلت مجاعة البطاطا الكبرى التي حدثت في أيرلندا بين عامي 1845–1852 لحظة تاريخية مفصلية ليس فقط من حيث حجم الكارثة الإنسانية، بل من حيث التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي أعقبتها. إذ تشير الوثائق والسجلات التاريخية إلى أن ما يزيد عن مليون شخص ماتوا جوعًا أو إثر تبعات المجاعة، فيما هاجر مليون آخرون، معظمهم إلى الولايات المتحدة وكندا.

هذه المجاعة الرهيبة تركت آثارًا نفسية وجماعية عميقة في الوعي الإيرلندي، وأصبحت رمزًا للتجويع الاستعماري، والإهمال المؤسسي، والمقاومة الشعبية، خاصة من النساء اللواتي لعبن دورًا محوريًا في إعادة تنظيم الحياة اليومية من أساسها، كما فعلت نساء بغداد بعد اجتياح المغول العنيف لبغداد في القرن الثالث عشر.

مقالات ذات صلة العنف الأسري 2025/07/27

أدى الاعتماد الشديد على محصول البطاطا، التي هي أصلا عُرفت بعد اكتشاف القارة الأمريكية، لا سيما بين الفقراء، إلى هشاشة الأمن الغذائي، فعندما اجتاحت آفة المحصول، لم تجد المجتمعات الزراعية الريفية في الغرب والجنوب الأيرلندي بديلًا معقولًا. هذه الآفة، المعروفة بـ” اللفحة المتأخرة”، جعلت البطاطا غير صالحة للأكل خلال مواسم متتالية، في ظل انعدام دعم بنيوي من الدولة البريطانية.

وبدلاً من تقديم بريطانيا الدعم الفوري للشعب الإيرلندي الذي تحتله، اتبعت الحكومة البريطانية سياسة السوق الحرة الصارمة، ورفضت التدخل المباشر بزعم أن السوق سيتكفّل بحل الأزمة، بل استمرت في تصدير الحبوب من أيرلندا التي تتعرض للمحاعة إلى إنجلترا، وهو ما زاد الطين بِلّة.

في هذا الفراغ المؤسسي والسياسي، تحمّلت النساء العبء الأكبر. فقد تحولت النساء إلى “المحور الأساسي للبقاء” في الأسر والمجتمعات الريفية، فبادرن إلى إيجاد مصادر بديلة للغذاء، مثل الأعشاب البرية أو الجذور، كما تفعل النسوة اليوم في غزة، وقمن بإعادة استخدام الملابس وتحويل الأدوات المنزلية القديمة لأغراض جديدة.

كما قدن الهجرة الداخلية إلى المدن، حيث تولين أعمالًا متدنية الأجر لتأمين الغذاء للأطفال وكبار السن. وهناك شهادات تشير إلى أن بعض النسوة دخلن في شبكات دعم غير رسمية، تبادلن من خلالها الطعام والمعونة والمعلومات حول الجهات التي قد تُقدّم المساعدة، مما يعكس ما يمكن تسميته بـ”اقتصاد الأزمات الأنثوي”، المبني على التضامن والمرونة.

وتُظهر الأدبيات الأنثروبولوجية أن هذا النوع من التنظيم غير الرسمي كان عاملًا أساسيًا في منع الانهيار التام للمجتمعات الريفية. وكما حصل في بغداد ما بعد الغزو المغولي، حيث أعادت النساء بناء شبكات الأسرة والدين والاقتصاد في ظل غياب السلطة المركزية، تكرّرت التجربة في أيرلندا: فالمرأة شكلت بنية الدولة عندما غابت الدولة.

واحدة من أكثر الصفحات المؤلمة في المجاعة كانت ما عُرف بـ”تحوّل الحساء” (Souperism). . فقد ربطت بعض المنظمات الدينية تقديم الطعام بتحوّل الكاثوليك إلى مذهب مسيحي آخر، وخصوصًا في ما سُمّي بـ”مطابخ الحساء”، التي كانت في ظاهرها مؤسسات إغاثة. ورغم أن بعض المؤسسات البروتستانتية لم تشترط التحوّل الديني، إلا أن كثيرًا من الشهادات تشير إلى أن التحوّل كان شرطًا صريحًا أو ضمنيًا للحصول على المعونة. وهل يختلف هذا كثيرا عن تركيز الغذاء على الحدود وإطلاق النار على طالبي المساعدات؟

وقد خلّف هذا الشرط استياءً وغضبًا شديدًا، خاصة أن الكاثوليكية كانت مرتبطة بالهوية القومية الأيرلندية، في مقابل المذهب الآخر الذي رُبط بالحكم البريطاني. فصار الجوع مرتبطًا بذلّ روحي وثقافي، لا فقط مادي. ومن هنا، لم تُرَ المجاعة فقط ككارثة طبيعية، بل كأداة استعمارية لإخضاع الهوية الوطنية والدينية والنفسية.

في النهاية أثّرت المجاعة إيجابيا في بنية الهوية الأيرلندية، وأسهمت في صعود الحركات القومية التي رأت في هذا التجويع المتعمد دليلًا على وجوب الاستقلال عن بريطانيا. ومن المثير أن بعض النسويات الأيرلنديات لاحقًا في القرن العشرين استلهمن من صمود النساء أثناء المجاعة لتأكيد الدور السياسي والاقتصادي للمرأة في الحياة العامة، وهي قراءة تعيد الاعتبار إلى تاريخ كان يُنظر إليه في السابق من زاوية الضحية فقط.

ثمة تشابه بنيوي بين هذا الحدث الإيرلندي في القرن التاسع عشر وما حصل في بغداد بعد الغزو المغولي عام 1258م. فعندما اجتاح المغول المدينة ودمّروا بنيتها العلمية والسياسية والاجتماعية، اضطلعت النساء البغداديات بدور محوري في إعادة تنظيم المجتمع من القاع. إذ تولين التعليم الديني البسيط، وأشرفن على الأسواق الصغيرة، وواصلن العمل في مهن التمريض والطهي والنسج.

الفارق بين مجاعات إيرلندا وبغداد وغزة أن بغداد واجهت تهديدًا عسكريًا مباشرًا، بينما واجهت أيرلندا “غزوًا ناعمًا” عبر التجويع والتبشير الدين، بينما تواجه غزة غزوا عنيفا لم يشهد له التاريخ مثيل، إلا ربما في ليننغراد خلال الحرب العالمية الثانية، ومجاعة كوريا الشمالية (1994–1998) ومجاعة أوكرانيا (هولودومور، 1932–1933) وهي كارثة إنسانية كبرى وقعت خلال حكم ستالين في الاتحاد السوفيتي، وراح ضحيتها ما بين 3 إلى 7 ملايين أوكراني بسبب المجاعة القسرية التي نجمت عن سياسات التجميع الزراعي القسري والمصادرة الشاملة للمحاصيل التي فرضها النظام السوفيتي.

تكشف مجاعة البطاطا الكبرى في أيرلندا عن كيفية تحوّل الكوارث إلى منصة للتمييز الطبقي والديني والسياسي والعرقي، ولكنها أيضًا تبرز قدرة الفئات المهمّشة – خاصة النساء – على ابتكار استراتيجيات مقاومة وصمود تُعيد إنتاج الحياة وتضمن استمراريتها. وهو درس شديد الراهنية في عصرنا الحالي الذي لا يخلو من أزمات: من كوفيد-19 إلى النزوح المناخي إلى انهيار أنظمة الصحة، إلى المجاعات. فكما في الماضي، تبدأ إعادة بناء المجتمعات دائمًا من الجذور، وغالبًا من أيدي النساء، لإعادة بناء الهوية الفلسطينية.

مقالات مشابهة

  • عاجل: مرصد الأمن الغذائي: أسوأ سيناريو مجاعة يحدث في غزة
  • طريق الموت من أجل الطحين.. مجاعة غزة تحصد الأرواح وسط صمت العالم | تقرير
  • من مجاعة إيرلندا إلى مجاعة غزة
  • مرصد عالمي: السيناريو الأسوأ المتمثل بالمجاعة يتكشف في غزة
  • جيش الاحتلال يرفض تأمين شاحنات المساعدات لغزة
  • تقرير أمميّ: كافة سكان غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائيّ الحاد
  • تقرير أممي: أسوأ سيناريو مجاعة يحصل الآن" في قطاع غزة
  • عاجل| التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في العالم: السيناريو الأسوأ لحدوث مجاعة يتكشف حاليا في قطاع غزة
  • ترامب يتنصل من الاعتراف بالمجاعة في غزة.. ويدعو الاحتلال لتغيير نهجه في التعامل مع الأزمة
  • انفصال فعلي".. حميدتي يعلن حكومة ومجلسا رئاسياً من قلب دارفور ويصعّد التحدي للجيش السوداني!