التاريخ والجذور

يمكن أن يُؤرخ للعقل السياسي الليبي في التاريخ المعاصر مع قيام الدولة القرمانلية سنة 1711م على يد مؤسسها أحمد باشا القرمانلي، الذي ينحدر من أصول عثمانية (قرمان) – سلاح الفرسان اللقب الذي يعود إلى جده الثالث، الذي كان عاملاً كأحد جنود البحرية العثمانية.

عاش أحمد القرمانلي كضابط كبير في الحامية العثمانية، وكان يتصف بالقوة والشجاعة، ويتحلى بشخصية عسكرية قيادية تحظى باحترام القيادة العثمانية، مع الخشية منه من قِبل الضباط الكبار المتصارعين على السلطة في الولاية (ولاية طرابلس الغرب).

الصراع السياسي بين الباشوات العثمانيين في ولاية طرابلس

كان الصراع السياسي محتدمًا بين الباشوات العثمانيين في طرابلس، مما أدى إلى عدم استقرار سياسي أثر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وانعكس على شعور السكان المحليين من تجار وشيوخ قبائل ووجهاء وعلماء الدين. جعلهم ذلك ينظرون إلى هذه الحالة من عدم الاستقرار بضرورة الدخول في هذا المعترك، والمشاركة بصورة أو بأخرى لتحسين الوضع السياسي في الولاية، لتسود حالة من الهدوء والاستقرار في بلاد تمر بحالة من الفوضى الكبيرة التي أثرت على الحياة العامة في كل مجالاتها.

فقام أهالي المنشية والساحل من الموالين لأحمد باشا بالدعوة به كحاكم للولاية، وساعدوه على محاصرة المدينة، التي كان له بداخلها مؤيدون ومناصرون مكّنوه من الدخول إلى قلعة المدينة، وعقدوا اجتماعًا للديوان وقرر الطرابلسيون عدم قبول الباشا الموفد من السلطان العثماني، وأبلغوه رغبتهم في تنصيب أحمد باشا ورفضهم لولاية خليل باشا عليهم.

وبهذا العمل السياسي الذي قام به أهالي طرابلس مع الديوان والأعيان، يُعدّ الخطوة السياسية الأولى في تاريخ الفكر والعمل السياسي في ليبيا الحديثة، وأول لبنات تكوين العقل السياسي الليبي. تمخض ذلك عن اختيار حاكم وفرضه على الحكومة المركزية في إسطنبول، التي استسلمت للأمر الواقع واضطرت في وقت لاحق إلى الاعتراف باختيار الساسة الليبيين لحاكم البلاد، وإن كان ذلك على غير رغبة منها.

وبذلك فرض الليبيون إرادتهم السياسية على السلطة العثمانية، وهو ما يُعدّ نجاحًا سياسيًا وتقدمًا كبيرًا بمعايير السياسة والسلطة في ذلك الوقت (1711م)، استمر حكم ولاية طرابلس الغرب وراثيًا في سلالة أحمد باشا إلى سنة (1835م)، بعودة الحكم العثماني المباشر للولاية.

الدستور العثماني ومجلس المبعوثان

بعد صدور الدستور العثماني سنة (1876م)، مُنحت طرابلس بموجبه حق التمثيل النيابي، الذي عُرف بمجلس المبعوثان. ونظرًا لضيق الوقت وعدم القدرة على إقامة الانتخابات، جرى تعيين نائبين عن طرابلس من الوالي ومجلس إدارة الولاية في الدورة الأولى، وفي الدورة الثانية سنة (1877م)، استبدل عضو وأُبقي على آخر في المجلس، وجرى الطعن في هذا الإجراء وقُبل الطعن من الأستانة، مع الموافقة على إجراء الانتخابات، التي أيدها المواطنون بعريضة موقعة من ألفي شخص تحت إشراف المجلس البلدي، ويعلق الكاتب الإيطالي إتوري روسي في كتابه ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911: “وتستحق هذه الواقعة أن نقف عندها، لأنها تدل على الحرية التي كانت تُجرى بها الانتخابات”.

أول جمعية سياسية سرية

في أواخر العهد العثماني وقبيل الغزو الإيطالي لليبيا، ومع احتلال فرنسا لتونس، وشعور الشباب في ولاية طرابلس بالخطر، أنشأ مجموعة من الشباب يزيد عددهم عن عشرة من شرق الولاية وغربها (طرابلس وبرقة) جمعية سياسية سرية، تضمنت الجمعية برنامج عمل أُطلق عليه اسم “فوائد ونصائح”، شرح فيه أهداف الجمعية الوليدة، ومنها: إصلاح أوضاع الولاية من خلال إصلاح نظام التعليم، وتنبيه وتوعية أهالي الولاية بأخطار الاستعمار الأوروبي، وخاصة الأطماع الفرنسية والإيطالية في الاستيلاء على الولاية، ودعوة القبائل في ربوع الولاية إلى التصالح ونبذ الفرقة، وعدم الصدام مع الدولة العثمانية للاتحاد في مواجهة الخطر المحدق بالبلاد.

استخدم أعضاء الجمعية كل الوسائل المتاحة في ذلك الوقت من مساجد وصحافة وتجمعات ثقافية للتعريف بأهدافها ونشر الوعي لدى الأهالي، وهذا ما سهَّل على الحكومة اكتشاف نشاط الجمعية السياسي، واقتياد أعضائها إلى المحكمة بتهمة تشكيل “جمعية فساد في البلاد وتعريض نظامها للخطر”، وصُدرت في حقهم أحكام تتفاوت بين النفي من البلاد والسجن، وأُفرج عن بعضهم.

يُعدّ نشاط هذه الجمعية أول نشاط سياسي سلمي في تاريخ ليبيا الحديثة، وقد أخذ الطابع السري نتيجة لطبيعة النظام وما يفرضه من قيود على العمل السياسي، وما يتعرض له من يمارس العمل السياسي من سجن ونفي وتضييق، وهذا كان له أثر في تكوين العقل السياسي الليبي، سواء من الحكام أو من النخب الثقافية التي اعتنت بالسياسة وسعت للإصلاح والتغيير، وقد أصبح القمع والتضييق سمة بارزة للتعامل مع العقل السياسي الليبي، وهو المنهج الذي استمر بصورة متفاوتة نسبيًا وأثر في مسارات تطور العقل السياسي الليبي.

العمل السياسي ومقاومة الغزو الإيطالي

ظهرت بوادر العمل الذي تفتق عنه العقل السياسي الليبي الجمعي من خلال بروز قادة سياسيين في ولاية طرابلس، الذين تفطنوا مبكرًا للأطماع الإيطالية في طرابلس. تمثلت تلك الأطماع في التمهيد لغزوها مع بدايات العقد الأول من القرن العشرين، من خلال البعثات الاستكشافية والإرساليات الاستخباراتية تحت غطاء الجمعيات الاستكشافية، ومن خلال مشاريع اقتصادية، مثل فروع بنك روما في طرابلس وبنغازي.

كانت ردة فعل الساسة في ولاية طرابلس من خلال تقديم عرائض تحذير وتنبيه لوالي طرابلس العثماني، وعقد اجتماعات مكثفة في بعض المدن للتحذير من نشاط البنك ودوره في الاستحواذ على الأراضي.

كان البنك يقدم القروض بشروط مجحفة تؤدي إلى عجز المقترض المحلي عن السداد، فتقع الأرض المرهونة تحت ملكية البنك الإيطالي.

كما نشط الساسة الليبيون في مقاومة التغلغل الإيطالي من خلال الكتابة في الصحف المحلية والعربية للتحذير من مغبته، وإعداد المواطنين وإدارة الولاية للاستعداد لمقاومة الغزو العسكري الوشيك الذي كانت تُعد له الحكومة الإيطالية، والذي بدأ بإعلان الحرب على الدولة العثمانية في سبتمبر 1911، ثم غزو طرابلس في أكتوبر من العام نفسه.

تحول نمط العمل في العقل السياسي الليبي إلى مرحلة جديدة، تمثلت في مقاومة الاستعمار وفق سياسة الجمع بين خطين متوازيين ومتلازمين، هما: المقاومة العسكرية، والعمل السياسي المستفيد من نتائج العمل العسكري، خلال فترة الاحتلال الإيطالي التي امتدت من عام 1911 إلى فترة الحرب العالمية الثانية، وخروج الطليان من ليبيا، ودخول قوات الحلفاء عام 1942م برفقة جيش التحرير المصاحب لهم من أبناء المهجرين الليبيين في مصر، تحت قيادة الأمير محمد إدريس السنوسي

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: العمل السیاسی أحمد باشا من خلال

إقرأ أيضاً:

ننشر الحالات التي تجيز للموظف التظلم على قرار وقفه عن العمل

كتب- عمرو صالح:

نصت المادة 145 من قانون العمل الجديد على أن لصاحب العمل أن يوقف العامل مؤقتًا بموجب قرار مكتوب لمدة لا تزيد على ستين يوما مع صرف أجره كاملا، وذلك في الحالات الآتية:

1- إذا أحيل العامل للتحقيق بسبب مخالفة ارتكبها داخل مقر العمل، و اقتضت مصلحة التحقيق ذلك.

2- إذا اتهم العامل بارتكاب جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة أو أي جنحة أخرى داخل محل العمل.

3- إذا طلب صاحب العمل من المحكمة العمالية المختصة فصل العامل من الخدمة.

وللعامل التظلم من قرار وقفه عن العمل وفقا للبندين 1 و2 من المادة 145 من هذا القانون بموجب عريضة تقدم لقاضى الأمور الوقتية بالمحكمة العمالية المختصة، وذلك خلال ثلاثة أيام من تاريخ إخطاره أو علمه بصدور القرار المتظلم منه.

وعلى القاضي الفصل في هذا التظلم في اليوم التالي لتقديمه على الأكثر، فإذا قضى بعدم صحة القرار الصادر بالوقف قضى بعودته للعمل مرة أخرى.

اقرأ أيضًا:

الحكومة تكشف حقيقة زيادة ضريبة القيمة المضافة

رئيس البعثة الطبية للحج: نخدم 80 ألف حاج

كيلو اللحوم السوداني بـ285 جنيهًا والبقري بـ350

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

قانون العمل الجديد تظلم الموظف على قرار وقفه عن العمل الحالات التي تجيز للموظف التظلم

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: "القومي للمرأة" ينظم ندوة "النساء الأفريقيات بناء الجسور من القاهرة إلى الكيب" الأخبار المتعلقة بأجر كامل.. تفاصيل إجازة امتحانات العاملين في قانون العمل الجديد أخبار قانون العمل| منح العامل حق الإجازة "العارضة والموالاة المدفوعة" أخبار قانون العمل الجديد.. صاحب العمل يحق له استرداد أجر الإجازة في هذه الحالة أخبار من 15 إلى 45 يومًا.. اعرف حقك في الإجازة السنوية بقانون العمل الجديد أخبار

إعلان

إعلان

أخبار

ننشر الحالات التي تجيز للموظف التظلم على قرار وقفه عن العمل

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

انقطاع الكهرباء بمستشفى أم المصريين.. وتحرك عاجل من الصحة بالفيديو.. حادث دهس خلال احتفالات ليفربول بلقب الدوري الإنجليزي للإعلان كامل للإعلان كامل 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • أزمة طرابلس تتعمق.. انقسام شعبي يهدد الاستقرار
  • بعد 40 يوماً من العتمة.. اتفاق ينهي أزمة الكهرباء في الولاية الشمالية بالسودان
  • حراك بلديات الغرب يطالبون البعثة بإجراء تغييرات مؤسسية جذرية تلبيةً لتطلعات الشعب الليبي
  • انتخابات تكميلية لخمسة اعضاء في نقابة الطيارين اللبنانيين في هذا التاريخ
  • مؤتمر نعم قادرون واصل أعماله في طرابلس
  • ننشر الحالات التي تجيز للموظف التظلم على قرار وقفه عن العمل
  • ‌‏الخارجية الليبية تنفي المعلومات التي تحدثت عن اقتحام مقرها في طرابلس
  • هل تعرف ما الذي يخبئه لك برجك؟.. حظك اليوم الثلاثاء 27 مايو
  • مدير أمن طرابلس يتابع سير العمل وتعزيز الانضباط
  • الطور: لا توجد أزمة وقود في المدن القريبة من طرابلس