لجريدة عمان:
2025-11-08@14:20:07 GMT

مراثٍ لودائع النسيان

تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT

تعني الكلمات المكتوبة آخر العام الميلادي، وداعًا واستذكارًا للسنة المنقضية بأيامها ولياليها بدقائقها وساعاتها، وغصة القلب الدامي والمقلة الدامعة في دواوين الحياة الممهورة بنزيف السنين، المخفي عن أعين الخلق والخلائق تحت سماء الله.

ماذا كسبنا من صراعنا المحكوم بالهزيمة مع الزمن سوى أرصدة الخيبات المتراكمة وخطوط التجاعيد المحفورة على الوجنات.

نتحايل على الموت المرتقب بالكتابة بأحرف وكلمات نُحمّلها مشقة التعبير عن تفاصيل الحياة في زمن لا يحتفظ إلا بمن يشاء في ذكره ويرغب في تخليده. نحاول اقتناص الفرح والأمل والمضي في دروب تكتنفها الخيبات التي لا يبددها إلا فرح مسروق من لحظة انتصار الكلمة في بياض التدوين، كولادة كِتاب متوج على عرش الحكي المتنقل من الشفاه إلى سطوة السطور المنتظمة كالرواحل في سير القوافل، وإن تعرجت في الطرقات على تراتيل الحداة. نمضي وفي البال عبارات الجاحظ الذي دونها في رسائله «دع عنك كل شيء، ما كان عليك أن يكون لي ولدٌ يُحيي ذكري ويحوي ميراثي، ولا أخرج من الدنيا بحسرتي، ولا يأكله مُراءٍ يرصدني وابن عمّ يحسدني، ولا يراعي فيه المُعدّلون في زمان السوء، ولا تُصطنع فيه الرجال ويقضي به الذمام، فقد رأيت صنيعهم في مال المفقود والمناعة والوراث الضعيف، ومن مات بغير وصية».

نحاول هدهدة الإفصاح عن الوجع في وداع العام وانتظار القادم، مع أن الكتمان خيانة في عرف الحقيقة، والحقيقة منفية من عالم الذات الخاضع لسطوة المجاملة وسيطرة المعايرة، إلى أين الهروب من عالم متملق يتنكر للقيم والأخلاق الإنسانية، ويفرض علينا قانون الصمت والعجز عن رفع المظلمة والانتصار للأطفال والنساء والعجزة والمدنيين في فلسطين، هذا الشعور الذي ألزمنا بالتوقف عن مشاهدة ومتابعة ما يجري في الساحات العربية، فالعنف والأذى والظلم استشرى من العدو وذي القربى بحق شركاء الوطن والجغرافيا. ومقابل ذلك وُكّلت لنا مهمة التفرج والانزواء بعيدًا عن مشاهد الإبادة الجماعية وحرق الأحياء والمنازل والمرضى، ويولّد ذلك الاستسلام لهزيمة الحواس وخذلان النفوس.

ماذا فعلنا لوقف آلة القتل الجامحة كهيجان المحيط، سوى الترقب ومراقبة النتائج الوخيمة. إذن فليعذرنا الضمير إن دفنا بقايا الأمنيات المهزومة والأحلام الضائعة، والاحتماء في كنف الكلمات المغموسة بالأنين لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.

ذلك في الشأن العام، أما في الحيز الخاص فإننا نشعر باليأس والتبرم حينما نفقد من لم يتخط معنا عتبات الأعوام، الأصدقاء الراحلين، والذكريات التي هضمها النسيان حقها فأزالها من سجل الأيام، أو فتك بها النكران وضاعت في صحراء الإهمال الشاسع. وأبقت الذاكرة المتطرفة في الانتقاء على من اصطفته واستحق الذكر والتدوين. ألا يعد ذلك انتصارًا للمفردات والأحداث التي فرضت هيمنتها. فطوبى لمن افتك لنفسه مقامًا في محارب البقاء والخلود، أما الذكريات التي انتقلت إلى مقابر النسيان فلذويها الصبر والسلوان.

في نهاية كل عام نتنازل عن فكرة التقييم للأهداف المخطط لها منذ سنة، أو استعراض النتائج على المستوى الوظيفي أو الإنتاجي؛ لأن ذلك عمل من أعمال المؤسسات وبعض البشر الذين يسيرون وفق حسابات وقياسات خاصة، لكننا نجد أن الاستمتاع بلذة الحياة لا يتطلب إخضاع النفس لقسوة الأرقام والكسور، فقد يطرأ طارئ غير مخطط له كالاستماع إلى نغمة عابرة توقظ الحواس الخاملة فتستدعي أحداث من الأجداث وتُعرض الذكريات المهملة وقد يتولد الحنين من الذكرى، وأحيانا تحيلنا رائحة ما إلى خزائن الشم، مثل: الأسواق القديمة التي تّذكرنا برائحة الجدات والأعياد، وفي حالات مشابهة قد تقدح عبارة في كتاب شرارة تأليف عمل أدبي أو علمي يضاف إلى رف في المكتبة، وقد يحرض مشهد سينمائي أو مسرحي فكرة معالجة ظاهرة أو قضية ما.

نأمل أن يأتي عام يُغاث فيه الناس وفيه يفرحون، وقد انجلت الحروب والهموم والغموم، وانزاحت عن كاهل البشرية آثام وآثار العنف المتوارث منذ مقتل هابيل وإلى هذه اللحظة. وكل عام والجميع بخير.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السجن مدى الحياة لممرض في ألمانيا أدين بقتل 10 مرضى

أصدرت محكمة ألمانية الأربعاء حكما بالسجن مدى الحياة بحق ممرض في الرعاية التلطيفية، لإدانته بقتل 10 مرضى ومحاولة قتل 27 آخرين بحقنة مميتة، بهدف تخفيف عبء عمله خلال نوبات العمل الليلية.

وأدانت محكمة مدينة آخن في غرب البلاد الرجل البالغ 44 عاما بارتكاب الجرائم بين ديسمبر/كانون الأول 2023 ومايو/أيار 2024 بمستشفى في فورسيلين بالقرب من آخن.

كما رأت المحكمة أن هذه الجرائم تنطوي على "درجة خطرة بشكل خاص من الذنب"، ما يحول دون أي إطلاق سراح مبكر بعد 15 عاما، وهو خيار متاح عادة في مثل هذه الحالات.

واتهم الادعاء الرجل، الذي لم يُكشف عن اسمه، بالتلاعب بأرواح الأشخاص الذين كانوا تحت رعايته، وكان وكلاء الدفاع عنه قد طلبوا البراءة لموكلهم في المحاكمة التي انطلقت في مارس/آذار.

وقال الادعاء إن الممرض المذكور حقن المرضى، ومعظمهم من كبار السن، بجرعات كبيرة من المهدئات أو مسكنات الألم، بهدف تخفيف عبء عمله خلال نوبات العمل الليلية.

وأوضح الادعاء للمحكمة أن الرجل كان يعاني من اضطراب في الشخصية، ولم يُبدِ أي تعاطف مع المرضى، كما لم يُظهر أي ندم خلال المحاكمة.

وأُبلغت المحكمة أن الممرض استخدم المورفين والميدازولام، وهي مادة ترخّي العضلات تُستخدم أحيانا في عمليات الإعدام بالولايات المتحدة.

كما اتهم الادعاء الممرض بالعمل "من دون حماس" و"بلا حوافز"، بينما لم يصدر عنه سوى "الانزعاج" وعدم التعاطف عندما أُوكلت إليه مهمة الاهتمام بمرضى يحتاجون إلى درجة أكبر من العناية.

صورة ملتقطة في 24 مارس/آذار 2025 تُظهر المدعى عليه يخفي وجهه أثناء إحضاره إلى المحكمة لبدء محاكمته (الفرنسية)

وقد أكمل تدريبه كممرض محترف عام 2007، ثم عمل لدى جهات مختلفة، بما في ذلك بمدينة كولونيا، ومنذ عام 2020، كان الممرض يعمل في مستشفى فورسيلين، إلى أن أُلقي القبض عليه في صيف عام 2024.

وأفاد الادعاء لوكالة الصحافة الفرنسية بأن عمليات استخراج الجثث جرت لتحديد هوية ضحايا إضافيين، لافتا إلى إمكانية إعادة محاكمة الممرض على هذه الخلفية.

قضايا مشابهة

وتذكّر هذه الوقائع بقضية الممرض نيلز هويغل الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2019 لقتله 85 مريضا، ما جعله من أخطر السفاحين في تاريخ ألمانيا الحديث.

وقتل هويغل مرضى بحقنة مميتة بين عامي 2000 و2005 قبل أن يُقبض عليه. وقال أطباء نفسيون إنه كان يعاني من "اضطراب نرجسي حاد".

وفي يوليو/تموز، قُدِّم أخصائي رعاية تلطيفية يبلغ 40 عاما، عُرف إعلاميا باسم يوهانس، للمحاكمة في برلين بتهمة قتل 15 مريضا بحقنة مميتة بين عامي 2021 و2024.

وفي 5 حالات على الأقل، يُشتبه في أنه أشعل النار بمنازل ضحاياه في محاولة للتستر على جرائمه.

مقالات مشابهة

  • إسماعيل الليثي بين الحياة والموت بعد تدهور حالته| خاص
  • داخل سجن روميه.. موقوف يفارق الحياة
  • استعراض نموذج جودة الحياة في أبوظبي خلال قمة التنمية الاجتماعية بالدوحة
  • سيدنا موسى نسي 3 مرات.. حسام موافي: النسيان ظاهرة طبيعية مع تقدم العمر
  • حسام موافي: النسيان ظاهرة طبيعية وسيدنا موسى نسي 3 مرات
  • بريطانيا: قلقون من التقارير التي تفيد بإطلاق كوريا الشمالية صاروخا باليستيا جديدا
  • حلبجة.. رجل ستيني يعصر قصب الحياة ليُخرج شراباً لذيذ المذاق (صور)
  • تقرير يكشف عملية تجسس استخباراتية مرتبطة بقطر استهدفت الموظفة التي اتهمت كريم خان بالاعتداء الجنسي
  • تحديات معقّدة تعطّل عودة الحياة الطبيعية في غزة
  • السجن مدى الحياة لممرض في ألمانيا أدين بقتل 10 مرضى