في ظل الصراعات السياسية والتوترات الإقليمية| التنظيمات الإرهابية إلى أين؟
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهد عام 2024 تصاعدًا ملحوظًا فى الأنشطة الإرهابية على مستوى العالم، حيث تزايدت العمليات المسلحة والهجمات العنيفة التي استهدفت مناطق متعددة، سواء فى الشرق الأوسط أو أفريقيا أو حتى أوروبا وآسيا. وقد أظهرت الجماعات الإرهابية قدرة متجددة على التكيف مع التحديات الأمنية والتكنولوجية، مما مكّنها من تنفيذ عمليات معقدة ومدمرة.
تميز العام المنقضى بتوسع النشاط الإرهابي فى مناطق جديدة نتيجة تراجع استقرار بعض الدول وتصاعد النزاعات الداخلية، كما ساهمت الأزمات الاقتصادية وتزايد الفقر والبطالة فى توفير بيئة خصبة لتجنيد العناصر الجديدة. كانت أبرز التنظيمات الناشطة تنظيم "داعش" فى أفريقيا جنوب الصحراء، و"القاعدة" فى اليمن وأفغانستان، بالإضافة إلى فصائل أخرى ذات طابع محلي.
وفى أوروبا، عادت الهجمات الفردية للواجهة، بينما شهدت بعض الدول فى جنوب شرق آسيا تصعيدًا فى هجمات الجماعات المتطرفة. وفى سوريا والعراق، استمرت العمليات الإرهابية رغم الجهود الدولية المستمرة للقضاء على الخلايا النائمة.
هذه الحصيلة المقلقة تطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإرهاب فى عام ٢٠٢٥، وما إذا كانت الأنظمة الدولية والإقليمية قادرة على مواجهة هذا التحدي المستمر.
تصاعد الإرهاب
مع استمرار التغيرات السياسية والاقتصادية والتطور التكنولوجي السريع، تتزايد المخاوف بشأن تصاعد النشاط الإرهابي فى عام ٢٠٢٥. حيث أصبحت الجماعات الإرهابية أكثر قدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة واستغلال الأزمات لتحقيق أهدافها. ويُتوقع أن تكون العوامل السياسية والاقتصادية، إلى جانب التطور التكنولوجي، من أبرز المحركات التى ستسهم فى تعزيز قدرة هذه الجماعات على التمدد وتنفيذ هجماتها بشكل أكثر تعقيدًا وفعالية.
تشير الدراسات الاستشرافية إلى أن الإرهاب لم يعد مقتصرًا على المواجهات المسلحة المباشرة، بل أصبح يشمل حربًا سيبرانية متطورة، وتوظيفًا غير مسبوق للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لتحقيق مكاسب على الأرض. هذا التكامل بين الظروف السياسية والاقتصادية والتكنولوجية يجعل من عام ٢٠٢٥ عامًا حاسمًا فى معركة مكافحة الإرهاب عالميًا.
التطورات السياسية والاقتصادية
وتشكل التطورات السياسية والاقتصادية أرضية خصبة لتنامى الظاهرة الإرهابية، حيث تساهم الصراعات السياسية وعدم الاستقرار فى إضعاف سلطة الدول وخلق فراغ أمنى تستغله الجماعات الإرهابية لترسيخ نفوذها. ففى العديد من الدول الهشة، تعجز الحكومات عن فرض سيطرتها الكاملة على أراضيها بسبب الصراعات الداخلية أو التدخلات الخارجية، ما يوفر بيئة مواتية لظهور وانتشار التنظيمات المسلحة. إضافةً إلى ذلك، تؤدى الانقسامات الأيديولوجية والطائفية إلى تعميق التوترات المجتمعية، مما يدفع بعض الأفراد إلى تبنى الفكر المتطرف كوسيلة للتعبير عن غضبهم أو لتحقيق أهدافهم السياسية.
ومن الناحية الاقتصادية، تُعد البطالة والفقر وتفاقم الأزمات المعيشية عوامل رئيسية تسهم فى جذب الأفراد نحو الجماعات الإرهابية التى تستغل هذه الظروف لتجنيد الشباب. فى العديد من الدول المتأثرة بالأزمات الاقتصادية، أصبحت الجماعات المسلحة توفر بديلًا اقتصاديًا عن الدولة، سواء من خلال تقديم رواتب مجزية أو خدمات اجتماعية وصحية. وبالتزامن مع تراجع الدعم الدولي التنموي لبعض الدول المتضررة، يصبح الأفراد أكثر عرضة للانخراط فى التنظيمات المتطرفة كوسيلة للبقاء الاقتصادي.
إلى جانب ذلك، تؤدى التغيرات الاقتصادية العالمية مثل الأزمات المالية وارتفاع معدلات التضخم إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي وخلق مساحات جديدة تستغلها التنظيمات الإرهابية؛ فعدم قدرة الحكومات على تحقيق التنمية الاقتصادية واحتواء الأزمات الاجتماعية يجعل من السهل على الجماعات المتطرفة بناء حواضن لها داخل المجتمعات المهمشة، مما يزيد من صعوبة القضاء على الإرهاب بشكل جذري.
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
فى السنوات الأخيرة، شهدنا تطورًا ملحوظًا فى استخدام الجماعات الإرهابية للتكنولوجيا كأداة فعالة لتحقيق أهدافها. ومع التطور السريع فى تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه الجماعات تعتمد على أدوات متقدمة فى مجالات مثل تحليل البيانات وتحديد الأهداف وجمع المعلومات. كما استُخدمت الطائرات المسيّرة (الدرونز) بشكل متزايد فى تنفيذ الهجمات، سواء كانت موجهة نحو أهداف عسكرية أو مدنية، مما زاد من قدرة هذه التنظيمات على إلحاق الضرر مع تقليل المخاطر على عناصرها البشرية.
وعلى صعيد الفضاء الإلكتروني، أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منصات رئيسية لتجنيد الأفراد والترويج للأفكار المتطرفة. كما شهدنا ازدياد استخدام أدوات التشفير لضمان سرية الاتصالات بين أعضاء التنظيمات. ولم يعد الأمر مقتصرًا على مجرد الدعاية الإلكترونية، بل أصبحت بعض الجماعات قادرة على تنفيذ هجمات سيبرانية تستهدف البنى التحتية الحساسة، مثل شبكات الطاقة أو أنظمة البنوك، مما يضاعف من خطورة تأثيرها على الأمن القومى للدول المستهدفة.
إضافة إلى ذلك، أصبحت البرمجيات الخبيثة وأدوات الاختراق جزءًا رئيسيًا من ترسانة الجماعات الإرهابية، مما يتيح لها الوصول إلى معلومات حساسة عن الحكومات والشركات الكبرى. يُتوقع أن تتطور هذه الأدوات بشكل أكثر تعقيدًا فى المستقبل، مما سيجعل من الصعب على الأجهزة الأمنية مواكبة هذا التطور السريع. هذا الاستخدام المكثف والمتطور للتكنولوجيا يجعل من الإرهاب السيبرانى تهديدًا حقيقيًا للأمن العالمي فى عام ٢٠٢٥.
أبرز مناطق التوتر
فى ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم، تظل مناطق التوتر التقليدية ميدانًا رئيسيًا لنشاط الجماعات الإرهابية، مع احتمالية توسع رقعة العنف إلى مناطق جديدة. يشكل الشرق الأوسط، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا مسارح رئيسية للصراعات، نظرًا للهشاشة السياسية، والأزمات الاقتصادية، والانقسامات الطائفية والعرقية التي تهيمن على هذه المناطق. تشير الدراسات الاستشرافية إلى أن هذه العوامل ستستمر فى تغذية الإرهاب وخلق بيئات خصبة لانتشاره، مع تطور فى الأساليب والأدوات المستخدمة.
الشرق الأوسط
يظل الشرق الأوسط بؤرة رئيسية للإرهاب العالمي، حيث تواصل الجماعات الإرهابية استغلال الفراغات الأمنية والصراعات الداخلية فى دول مثل سوريا والعراق واليمن. من المتوقع أن يستمر تنظيم "داعش" فى إعادة تنظيم صفوفه عبر الخلايا النائمة وشن هجمات متفرقة لاستعادة نفوذه. كما ستظل النزاعات الطائفية أداة فعّالة تستخدمها الجماعات المسلحة لتأجيج الصراعات وتجنيد المزيد من الأفراد.
إضافة إلى ذلك، ستظل الأوضاع السياسية المتوترة، بما فى ذلك الانقسامات الداخلية فى بعض الدول والاحتجاجات الشعبية، تلعب دورًا كبيرًا فى تعزيز نشاط الجماعات الإرهابية. ومع استمرار الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، ستتضاعف احتمالية تجنيد الشباب المحبطين فى هذه الجماعات، مما يشكل تهديدًا طويل الأمد للأمن الإقليمي والدولي.
كما يُتوقع أن تشهد بعض الدول زيادة فى التدخلات الخارجية التى قد تسهم فى إطالة أمد الصراعات. ومع تصاعد التوترات الإقليمية بين بعض الدول، من الممكن أن تتحول هذه النزاعات إلى مواجهات بالوكالة على أراضي دول أخرى، مما يتيح للجماعات الإرهابية استغلال هذا الفراغ لتحقيق مكاسب استراتيجية.
أفريقيا
تعد أفريقيا من أكثر القارات تضررًا من الإرهاب فى السنوات الأخيرة، ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه فى عام ٢٠٢٥. تُعد منطقة الساحل الأفريقي واحدة من أبرز بؤر التوتر، حيث تنشط جماعات مثل "داعش فى الصحراء الكبرى" و"القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي". ومن المتوقع أن تتوسع هذه الجماعات فى مناطق جديدة نظرًا لضعف الحكومات المركزية وغياب التعاون الإقليمى الفعال. وتتداخل التحديات الاقتصادية والاجتماعية مع الأزمات السياسية فى أفريقيا، حيث تسهم البطالة والفقر وانعدام الفرص الاقتصادية فى زيادة معدلات تجنيد الشباب فى صفوف الجماعات الإرهابية. ومن المرجح أن تتزايد الهجمات الإرهابية على البنية التحتية الاقتصادية، مثل المنشآت النفطية وخطوط الإمداد الرئيسية، بهدف إضعاف الاقتصادات الوطنية وفرض السيطرة على الموارد الطبيعية.
علاوة على ذلك، تشير التوقعات إلى أن هناك تهديدًا متزايدًا فى الدول الساحلية لغرب إفريقيا مثل بنين وساحل العاج، حيث بدأت الجماعات المسلحة تتوسع خارج مناطق نفوذها التقليدية. وسيشكل غياب التنسيق الفعّال بين دول المنطقة تحديًا رئيسيًا فى مواجهة هذا التمدد، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.
جنوب شرق آسيا
تواجه منطقة جنوب شرق آسيا تهديدات إرهابية متزايدة، لا سيما فى دول مثل الفلبين وإندونيسيا وماليزيا. وتعانى هذه الدول من تحديات تتمثل فى انتشار الفكر المتطرف بين بعض الفئات المهمشة، فضلًا عن انتشار التنظيمات الصغيرة المرتبطة بـ"داعش" و"القاعدة". من المرجح أن تستمر هذه التنظيمات فى استغلال الجزر النائية والمناطق الحدودية لتنفيذ عملياتها بعيدًا عن أعين السلطات الأمنية.
التحدي الأبرز الذى تواجهه دول جنوب شرق آسيا هو عودة المقاتلين الأجانب الذين انضموا سابقًا إلى تنظيمات إرهابية فى مناطق مثل سوريا والعراق. عودة هؤلاء المقاتلين تحمل خطرًا مزدوجًا، حيث يمتلكون خبرات قتالية متقدمة وقدرة على نشر الفكر المتطرف بين المجتمعات المحلية، مما يزيد من احتمالية وقوع هجمات إرهابية واسعة النطاق.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يتزايد استخدام الإرهاب السيبراني فى المنطقة، حيث تستغل الجماعات الإرهابية التطور التكنولوجي لبث رسائلها، وتجنيد الشباب، وتنفيذ هجمات إلكترونية. وستحتاج دول جنوب شرق آسيا إلى تعزيز قدراتها الأمنية والتنسيق الإقليمي لمواجهة هذه التهديدات المتنامية بفعالية.
استراتيجيات مكافحة الإرهاب
فى ظل التطور المستمر لأساليب ووسائل الجماعات الإرهابية، أصبح من الضروري اعتماد استراتيجيات مرنة ومتطورة لمكافحة هذه الظاهرة العالمية. لم تعد المواجهة مقتصرة على الحلول العسكرية فقط، بل أصبحت تتطلب تعاونًا أمنيًا دوليًا فعالًا، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة وأدوات التحليل الأمني لتعقب الأنشطة المشبوهة وإحباط المخططات الإرهابية قبل تنفيذها. تفرض التهديدات الجديدة، مثل الإرهاب السيبراني واستخدام الذكاء الاصطناعي من قِبل الجماعات الإرهابية، تحديات إضافية تتطلب استجابة سريعة وفعّالة.
التعاون الأمني الدولي
أصبح التعاون الأمني الدولي ركيزة أساسية فى استراتيجيات مكافحة الإرهاب، نظرًا للطبيعة العابرة للحدود التي تتسم بها الجماعات الإرهابية. يعتمد هذا التعاون على تبادل المعلومات الاستخباراتية حول الأفراد المشبوهين، والخلايا النائمة، والأنشطة الإرهابية المحتملة، وهو ما يساهم فى إحباط العديد من المخططات قبل تنفيذها. من جهة أخرى، تلعب المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة والإنتربول، دورًا محوريًا فى تعزيز هذا التعاون من خلال توفير منصات آمنة لتبادل المعلومات، ووضع آليات قانونية لملاحقة المتورطين فى الأنشطة الإرهابية.
إضافة إلى ذلك، تُعد التدريبات المشتركة بين القوات الأمنية والعسكرية من مختلف الدول عنصرًا رئيسيًا فى رفع الكفاءة القتالية والقدرة على التعامل مع التهديدات الإرهابية المتزايدة. يساهم التعاون الإقليمي، كالتنسيق بين الدول الأعضاء فى التحالفات الأمنية، فى بناء جبهة موحدة وفعّالة ضد الإرهاب، خاصة فى المناطق التى تشهد اضطرابات أمنية متكررة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان التزام جميع الدول بتطبيق الاتفاقيات الدولية بجدية وفعالية.
تطوير أدوات المراقبة والتحليل الأمني
أدى التطور التكنولوجي إلى إحداث نقلة نوعية فى أساليب المراقبة والتحليل الأمني، مما ساهم بشكل كبير فى كشف الشبكات الإرهابية وتعقب أنشطتها. تُستخدم اليوم تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لرصد الأنماط السلوكية المشبوهة والاتصالات المشفرة بين العناصر الإرهابية. كما تسهم أنظمة المراقبة المتطورة، بما فى ذلك الكاميرات الذكية وطائرات الدرونز، فى مراقبة المناطق النائية وتعقب التحركات المشبوهة بكفاءة عالية.
من ناحية أخرى، أصبح تحليل البيانات المُجمعة من مصادر متعددة – مثل الشبكات الاجتماعية، والمعاملات المالية، والسجلات الاتصالاتية – أداةً حيوية لفهم الاستراتيجيات الجديدة التي تتبعها الجماعات الإرهابية. توفر هذه الأدوات صورة أكثر وضوحًا عن البنية التنظيمية والخطط المستقبلية للجماعات المتطرفة، ما يساعد الأجهزة الأمنية فى توجيه جهودها بفعالية. ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر متمثلًا فى ضمان توازن دقيق بين تعزيز الأمن وحماية الخصوصية الفردية للمواطنين.
تحديات كبري
رغم الجهود الدولية والإقليمية المستمرة لمكافحة الإرهاب، لا تزال هناك العديد من التحديات التى تعرقل فعالية هذه الجهود وتزيد من تعقيد المشهد الأمني العالمي. تأتى هذه التحديات نتيجة عوامل داخلية وخارجية متشابكة، من أبرزها الانقسامات السياسية الداخلية التي تضعف قدرة الدول على توحيد جهودها، والأزمات الاقتصادية العالمية التى تزيد من معدلات الفقر والبطالة، وبالتالي تسهم فى خلق بيئات حاضنة للتطرف والإرهاب. يتطلب التعامل مع هذه التحديات استراتيجيات شاملة تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية وتعتمد على المعالجة الجذرية للأسباب الكامنة وراء الظاهرة.
الانقسامات السياسية الداخلية
تُعد الانقسامات السياسية الداخلية من أبرز العقبات التى تواجه الدول فى جهودها لمكافحة الإرهاب. تؤدى الصراعات السياسية بين الأحزاب والفصائل المختلفة إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتقويض قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة التهديدات الأمنية. فى كثير من الأحيان، تصبح المؤسسات الأمنية والعسكرية مسيّسة أو مُستغلة من قِبل أطراف متصارعة، مما يؤدى إلى تشتت الجهود الأمنية وفقدان الثقة بين الأجهزة المسئولة عن مكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، تُستغل هذه الانقسامات من قِبل الجماعات الإرهابية التى تسعى إلى تأجيج الصراعات الداخلية لتحقيق أهدافها. يتيح هذا الوضع بيئة مناسبة للجماعات المسلحة للعمل بحرية واستغلال الفراغ السياسي والأمني لتنفيذ عملياتها وتوسيع نفوذها. لذلك، فإن استعادة الاستقرار السياسي وبناء مؤسسات وطنية قوية يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق نجاح طويل الأمد فى مكافحة الإرهاب.
تأثير الأزمات الاقتصادية
تؤدى الأزمات الاقتصادية العالمية إلى خلق بيئة حاضنة للإرهاب، حيث تساهم البطالة، والفقر، وتردى الأوضاع المعيشية فى دفع الأفراد نحو التطرف والعنف كوسيلة للتعبير عن الإحباط أو لتحقيق مكاسب مادية. تستغل الجماعات الإرهابية هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لتجنيد الأفراد، خاصة الشباب، عبر تقديم الإغراءات المالية والوعود بتحسين أوضاعهم المعيشية.
إلى جانب ذلك، تُضعف الأزمات الاقتصادية قدرة الحكومات على تخصيص موارد كافية للأمن والدفاع، مما يقلل من فعالية الاستراتيجيات الأمنية وبرامج مكافحة الإرهاب. كما أن تراجع الدعم الدولي التنموي يزيد من تعقيد المشكلة، خاصة فى الدول التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية. لذلك، يُعد تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة من العوامل الحاسمة التى تسهم فى تقليل فرص نمو الإرهاب والحد من تأثيره على المجتمعات.
سيناريوهات مستقبلية
تشير المعطيات الحالية والتطورات المتسارعة إلى أن الجماعات الإرهابية ستواصل تكيفها مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية فى عام ٢٠٢٥. السيناريو الأكثر ترجيحًا يتمثل فى استمرار هذه الجماعات باستغلال الأزمات السياسية الداخلية والانقسامات الطائفية لتوسيع نفوذها، خاصة فى المناطق التى تعانى من ضعف الدولة وغياب سيادة القانون. من المتوقع أن تشهد مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا زيادة فى الهجمات الإرهابية، مع تحول بعض هذه المناطق إلى ملاذات آمنة لعناصر الإرهاب الدولي.
على الصعيد التكنولوجي، ستواصل الجماعات الإرهابية تطوير قدراتها فى مجالات الذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية، مما سيعزز من قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية معقدة دون الحاجة إلى وجود ميداني على الأرض. قد نشهد زيادة فى الهجمات التى تستهدف البنية التحتية الرقمية والأنظمة الاقتصادية للدول، مما سيؤدى إلى أزمات أمنية واقتصادية أوسع. كما ستستمر هذه الجماعات فى استغلال منصات التواصل الاجتماعى والفضاء الإلكترونى لنشر أيديولوجياتها وتجنيد عناصر جديدة من مختلف أنحاء العالم.
أما السيناريو الثالث والأخطر، فيكمن فى احتمالية اندماج الجماعات الإرهابية مع شبكات الجريمة المنظمة أو حصولها على دعم من جهات غير رسمية تسعى إلى تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية معينة. مثل هذا السيناريو قد يؤدى إلى تعزيز قدرات هذه التنظيمات على المدى الطويل، مما يصعب من عملية القضاء عليها بشكل نهائي. إن مواجهة هذه التهديدات تتطلب تعاونًا دوليًا فعّالًا، واستراتيجيات مرنة، إضافة إلى تطوير أدوات تحليل متقدمة لرصد وتتبع النشاط الإرهابي بشكل استباقي.
كما يشكل وصول هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة إلى السلطة فى سوريا خطرًا إقليميًا متعدد الأبعاد، إذ يمكن أن يؤدى ذلك إلى تحويل سوريا إلى قاعدة انطلاق للتنظيمات المتطرفة فى المنطقة. يُتوقع أن يساهم هذا السيناريو فى زيادة التوترات الإقليمية، خاصة مع الدول المجاورة، حيث ستُستغل الحدود المشتركة لتوسيع نفوذ هذه الجماعات وتهريب الأسلحة والمقاتلين. كما قد يتسبب ذلك فى تصعيد المواجهات الطائفية داخل سوريا وخارجها، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمنى فى منطقة الشرق الأوسط بأكملها. علاوة على ذلك، من المرجح أن يسهم وصول هذه الفصائل إلى السلطة فى تعطيل أي جهود للتسوية السياسية السلمية فى سوريا، مما يُبقى البلاد فى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار على المدى الطويل. قد تصبح سوريا نقطة جذب للمقاتلين الأجانب مرة أخرى، ما سيؤدى إلى تصاعد أعمال العنف والتطرف. كما قد تتبنى هذه الفصائل أجندات إقليمية تتعارض مع مصالح دول الجوار، مما يزيد من احتمالات نشوب صراعات إقليمية أوسع، ويجعل من سوريا بؤرة توتر تهدد الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط بأكمله.
أفريقيا وجنوب شرق آسيا ملاذات آمنة للحركات الإرهابية.. والشرق الأوسط قنبلة موقوتة «جنوب شرق آسيا يواجه عودة المقاتلين الأجانب الذين انضموا سابقًا إلى تنظيمات إرهابية فى دول أخرى»
471822106_1145891663861330_7026493097611457036_nالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الصراعات السياسية الأوضاع الاقتصادية العمليات المسلحة الشرق الأوسط داعش القاعدة السیاسیة والاقتصادیة الجماعات الإرهابیة الأزمات الاقتصادیة التطور التکنولوجی السیاسیة الداخلیة الذکاء الاصطناعی مکافحة الإرهاب من المتوقع أن جنوب شرق آسیا هذه الجماعات الشرق الأوسط من المرجح أن مما یزید من فى عام ٢٠٢٥ بعض الدول العدید من الإرهاب ا إضافة إلى ا رئیسی ا ی توقع أن إلى جانب تعقید ا من أبرز تصاعد ا إلى ذلک تسهم فى إلى أن
إقرأ أيضاً:
الإرهاب الصهيوني.. محاولة للتفكيك
هناك سؤال يُطِّل برأسه من وحي العنف الصهيوني الراهن الذي يجرى ارتكابه بحق الفلسطينيين والذي بلغ مستويات فاقت كل إدراك وخيال بشري، وهو: ما هي الجذور الفكرية والأيديولوجية التي يتأسس عليها هذا الإرهاب الصهيوني ويتغذى منها مُنتقِلاً للفعل والممارسة؟
ومن ثم ففي هذه المقالة سنجري المحاولة على تفكيك ظاهرة الإرهاب الصهيوني للوقوف على المُحدِّدات الرئيسية التي تدفع باتجاهها مُتّخذة مساراً مُتصاعداً، وهو في اعتقادنا يرتكز على ثلاثة مُحدِّدات يمكن أن نطلق عليها ثالوث الإرهاب الصهيوني، وهي: اليمين الديني الصهيوني، واليمين العلماني الصهيوني، وتيار الصهيونية المسيحية.
أولاً: اليمين الديني الصهيوني:
ويتمثل هذا التيار في الوقت الحالي في الحزب الديني القومي الصهيوني، بالإضافة لتكتلات وفصائل إرهابية أخرى ولعل أشهر قادتها في الوقت الراهن بتسلئيل سموترتش و إيتمار بن غفير وغيرهم.
وهو اليمين المتأسِّس على قراءة سياسية مؤدلجة ومتشددة للدين اليهودي، فقد تمكن ذلك الفصيل عبر تلك القراءة المنحرفة من تحويل الدين اليهودي لأيديولوجية للعنف والقتل عبر استدعاء نصوص دينية تاريخية حربية وانتزاعها من واقعها وسياقها ومن ثم إسقاطها على الواقع المعاصر.
وهو العنف الذي تمكنت من خلاله الحركة الصهيونية من تفريغ الأراضي الفلسطينية من أهلها تهجيرًا وقتلًا ومن ثم أقامت دولة الكيان الصهيوني.
فالأيديولوجية الصهيونية هي إستراتيجية عنف بامتياز، فهي قائمة على متتالية من ثلاث خطوات: الأولى: (الترهيب) عبر إحداث قدر هائل من العنف والإرهاب، الثانية:(الإزاحة) أي التخلص من أصحاب الأرض (الفلسطينيين) تهجيرًا وقتلًا، والثالثة: (الإحلال) أي إحلال آخرين (الصهاينة) محل الفلسطينيين ومن ثم استيطان الأرض.
لقد تم الدفع بتلك الأيديولوجية إلى حدها الأقصى عبر إضفاء عدد من المسوغات الدينية عليها، ومن ثم تبدو في يقين كثير من أتباعها وكأنها أمر إلهي يتحتم على الجميع الامتثال والإذعان التام له.
فالحرب أصبحت حالة نهائية ولا بديل عنها في مُخيّلة هذا التيار الديني الصهيوني إذ من خلالها وحدها ستتحقق الوعود التوراتية بأرض إسرائيل كاملة.
فالنمط الإدراكي المسيطر على الكيان الصهيوني نحو الآخر عمومًا ونحو العرب بشكل خاص، تأسيسًا على تلك القراءة المتشددة للدين، هو باعتبارها نفايات بشرية يجب التخلص منها، أو حشرات وعقارب سامة يتحتم قتلها.
فالحروب إذن هي سُنَّة الله في خلقه، وذلك وفقًا لقراءتهم المنحرفة للنصوص الدينية، فها هو أحد النصوص يقول: (لا سلام، قال الرب، للأشرار) وبالقطع فالعرب لديهم هم أكثر الأشرار شرًا.
من هنا يردد المتشددون اليهود دائمًا المقولة الشهيرة: "العربي الجيد هو العربي الميت"، باعتباره امتدادًا لأعداء اليهود التاريخيين، ومن ثم فالاستجابة الشرطية الوحيدة لوجوده هي قتله!
لقد تم ذلك، وكما سبق القول، عبر انتزاع النص الديني من سياقه التاريخي وإسقاطه على الواقع المعاصر، فاليهودي المتطرف المعاصر يقرأ هذه النصوص على ضوء أيديولوجيته التي تكونت مسبقًا ومن ثم يسقطها على واقعه، فعلى سبيل المثال تنحو فتاوى التشدد اليهودي نحو شيطنة الفلسطينيين باعتبارهم أحفاد العماليق، وهم الأعداء التاريخيون الذي دعت التوراة لإبادتهم مؤكدين أن لكل عصر عملاقه، ومن ثم فالفلسطيني هو عملاق هذا العصر وشيطانه الأكبر، وهي فتاوى من شأنها الدفع نحو مزيد من القتل للعرب والمزيد من إحلال يهود مكانهم عبر إضفاء تبريرات دينية على تلك الممارسات الإجرامية.
بل إن الوصايا العشر الواردة في سفر الخروج والتي يعتبرها كثيرون واحدة من أيقونات التسامح الديني والإنساني، فقد حرفها المتشددون اليهود تأويلًا وتفسيراً، فجعلوها مقصورة عليهم فقط، فقد ورد بها:"لا تقتل، لا تسرق، لاتزن، لا تشهد شهادة زور، لا تشته بيت قريبك، لا تشته امرأة قريبك. وهكذا.. .".
إذ أصبحت تعني لدي اليمين الصهيوني المتطرف، وفقًا للتوظيف العنصري للنص، لا تقتل اليهودي غير أن دم غير اليهودي مباح، لا تسرق اليهودي غير أن مال غير اليهودي هو حِلٌّ لك، لا تزن بامرأة يهودية غير أن عرض غير اليهودية ليس حرام عليك، وهكذا.
في مقابل تأويل نصوص التسامح الديني وليّ عنقها لتتخذ مسار العنف، في مقابل ذلك تم استدعاء نصوص دينية تصف واقع تاريخي مر وانقضى وانقضت معه كل معطياته وصراعاته لتصبح هذه النصوص داخل أيديولوجية العنف الصهيوني وكأنها أمر إلهي يخاطب الواقع الراهن، وكما تم التعامل مع الأعداء التاريخيين قتلًا وإبادة يتحتم التعامل بالمثل مع أعداء اليوم.
ففي العهد القديم كتاب اليهودية المقدس، استقطعت الصهيونية والتيارات اليهودية المتشددة تلك الفقرات وعزلتها عن سياقها: "هكذا يقول رب الجنود: الآن اذهب واضرب عماليق، وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلا ورضيعًا، بقرًا وغنما، جملًا وحمارًا"، "كل من وُجِد يُطعن، وكل من انحاش يسقط بالسيف، وتحطم أطفالهم أمام عيونهم، وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم "، "حين تقترب من.. .اضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغنمها لنفسك "، "فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. وكل امرأة عَرَفت رجلًا بمضاجعة ذكر اقتلوها".
لقد وظّفت الحركة الصهيونية هذه النصوص الدينية من أجل الخلاص من الفلسطينيين ليتحقق مشروعهم الاستعماري الاستيطاني وذلك عبر اقتطاعها من سياقها التاريخي ومن ثم إسقاطها على الواقع الراهن فيصبح الفرد الصهيوني وكأنه مأمور من قبل الله بإبادة الفلسطينيين.
فاليهودي المتطرف المعاصر يقرأ هذه النصوص على ضوء أيديولوجيته التي تكونت مسبقًا ومن ثم يسقطها على واقعه، ومن ثم يبدو الاستعمار الاستيطاني بكل بشاعاته وكأنه أمر ديني يتحتم الامتثال له بل ويتحتم الذهاب فيه إلى حده الأقصى لتفريغ الأرض تمامًا من أهلها.
والجدير بالذكر أن هذا التيار الديني المتطرف يزداد قوة بمرور الوقت على المسارين: الكمي(أي تزايد أعداد المنتمين له) والكيفي (أي نزوعه نحو أقصى التشدد)، فالنمط الديني المتصاعد داخل الكيان الصهيوني هو النمط الراديكالي المتشدد والداعي إلى الحلول النهائية عبر إبادة الآخر، وهو أمر يبعث على القلق في ظل اقتراب سيطرتهم كاملاً على مفاصل الدولة وبخاصة الجيش، فيكفي أن نعلم أن أكثر المنتسبين للوحدات القتالية في الجيش الصهيوني هم من أتباع هذا التيار الديني الصهيوني المتشدد.
ثانياً: اليمين العلماني الصهيوني:
كما أن هناك تشدد ديني داخل الكيان الصهيوني هناك أيضًا تشدد وتطرف علماني داخله والذي تزامن وجوده مع وجود الحركة الصهيونية ذاتها، وهو يتمثّل الآن في حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو بالإضافة إلى تكتلات إرهابية أخرى.
ولعل أبرز مُنظِّريه التاريخيين هو الإرهابي العتيد فلاديمير جابوتنسكي الأب الروحي لهذا التيار المتطرف والمسئول عن كثير من المجازر وأعمال الإبادة الجماعية التي تم ارتكابها بحق الفلسطينيين مع بداية المشروع الصهيوني، إذ كان جابوتنسكي، وكما يذهب المسيري، يرى أنه لا يمكن لإسرائيل أن تعيش إلا إذا فرَّغت الأراضي الفلسطينية من العرب بالقوة وأقامت حول نفسها جدارًا حديديًا.
فهذا التيار الصهيوني المتشدد لا يشعر بأية أعباء أخلاقية تجاه الفلسطينيين، بل إن وجودهم وفق قناعاته هو مجرد عقبة من شأنها الحول دون تحقق المشروع الصهيوني، ومن ثم فإن إنهاء هذا الوجود الفلسطيني وتصفيته هو عملية براجماتية بامتياز ويجب تأديتها بكفاءة عالية ودون وخز من ضمير.
لقد وصف حاييم وايزمان أحد الزعماء الصهاينة وهو أحد أتباع هذا التيار العلماني المتطرف عملية الإبادة والتطهير العرقي للفلسطينيين عام 1948م والتي قامت بها العصابات الصهيونية بأنها مجرد عملية تنظيف (Cleaning process)، هكذا وبكل بساطة ودون أدنى شفقة.
ومن ثم طرح هذا التيار نظرية (الحقل المهجور)، فتلك الإبادات الجماعية للفلسطينيين، بحسب قناعاتهم، لا تعدو كونها تطهيراً للحقل من الحشائش والحشرات السامة التي تكاثرت به بعد أن تركه صاحبه مهجوراً لمدة طويلة.
أي أن اليهودي وفقاً لتلك النظرية قد ترك الأرض المقدسة لفترة طويلة وحين عاد وجد الفلسطينيين يسكنوها( فهم تلك الحشائش والحشرات السامة) ومن ثم يجب القضاء عليهم حتى يتمكن اليهودي من استعادة حقله نظيفاً كما كان في الماضي.
من تلك النظرة الإجرامية انبثق العنف الصهيوني في بيئة لم تعرف العنف، وهو العنف الذي عبّر عن نفسه في شكل المذابح وعمليات التهجير والطرد التي تم إتباعها في تأسيس الكيان الصهيوني كاستراتيجية تفريغ وإحلال وتمدد: تفريغ الأرض من الفلسطينيين وإحلال صهاينة مكانهم والتمدد في مناطق جديدة.
وهي الاستراتيجية التي عبّر عنها مناحم بيجين بقوله: " لولا دير ياسين وأخواتها لما قامت إسرائيل"، فهي تشي بقناعاته الدفينة بأن العنف وحده هو السبيل لإقامة هذا المشروع الصهيوني.
فمذبحة دير ياسين والتي ذهب ضحيتها نحو 250 شهيداً وأخواتها من المذابح التي تم ارتكابها بحق الفلسطينيين في عامي 1947م و1948م أدت لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الفلسطينيين ممهدة الطريق أمام إعلان قيام الكيان الصهيوني، وكما تؤكد الكثير من المراجع التاريخية فإن عدد القرى التي هُجِّر جرى تدميرها بين قتيل ومُهجّر في تلك الفترة الزمنية القصيرة بلغ نحو 531 قرية.
لقد تم ذلك كله بفعل العصابات الصهيونية المتطرفة مثل الهاجاناه، وشتيرن، والأرجون والتي اقترفت من المجازر ما يندى له جبين الإنسانية، والجدير بالذكر أنه من تلك العصابات الصهيونية تأسس الجيش الإسرائيلي، هنا ينتفي الاستغراب حول ما يرتكبه جنود هذا الجيش من بشاعات طوال تاريخه وصولا لوقتنا الراهن فهم أبناء وأحفاد الجيل الأول من المجرمين الصهاينة.
لقد رأي جابوتنسكي حتمية التضحية بالآخرين من أجل إنجاز المشروع الصهيوني، كما طالب اليهود بأن يتعلموا الذبح من الأغيار مؤكداً أن "السيف أُنزل على اليهود من السماء كما التوراة".
فالحركة الصهيونية لم تكن مجرد حركة استعمارية عادية، وإنما هي وبالأساس حركة استيطانية إحلالية، وهو ما يعني حتمية إخلاء الأرض من سكانها: قتلاً أو تهجيراً، وإحلال يهود محلهم، فالعنف يتخذ وضعًا مركزيًا داخل بنية الفكر الصهيوني ومن ثم ينتقل للفعل والممارسة.
يأتي ذلك تأسيساً على ما تطرحه الصهيونية من رؤى عنصرية موغلة في عنصريتها إذ نجد الخير المطلق ( اليهود) مقابل الشر المطلق( العرب)، فهي ثنائية حادة تلجأ إليها جماعات العنف بإطلاقها.
ففي مقابل إضفاء القداسة على الذات يجري تشويه الآخر وشيطنته ونزع كل الصفات الإنسانية عنه، وبالتالي يصبح الخلاص منه أمراً مقبولاً بل ويجري بكل هدوء وحيادية، يقول أرنولد توينبي مُبدياً اندهاشه من المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين مع بداية المشروع الصهيوني: " لم يعمد اليهود إلى تجنُّب الجرائم التي ارتكبها النازيون ضدهم بل قاموا بارتكاب ما هو أبشع منها".
لقد رحل جابوتنسكي وترك خلفه الكثير من التلاميذ الأوفياء لمنهجه المتطرف فها هو مناحيم بيجن يقول" إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليس السلام، بل السيف"، وفي سياق آخر يقول " الفلسطينيون مجرد صراصير ينبغي سحقها" وفي كتابه الثورة نجد قوله:" أنا أقاتل إذن أنا موجود" ويضيف:" من الدماء والنار سيخرج نموذج جديد من الرجال"، فهو في قناعته عنف تطهيري لا بد منه لأجل التطهر من عقد الشخصية اليهودية التي تراكمت طوال التاريخ اليهودي وصولاً للحظة الراهنة.
ومن تلامذته أيضا نجد إسحاق رابين قائد التطهير العرقي في مجازر 48 بكثير من المدن الفلسطينية، وصاحب نظرية (تكسير العظام) لقمع انتفاضة الفلسطينيين، كما كان فلاديمير جابوتنسكي بمثابة الأب الروحي لكل من المجرم أرئيل شارون وبنيامين نتنياهو، فالأخير والده المؤرخ المتطرف بن تسيون نتنياهو والذي كان أحد أهم تلامذة جابوتنسكي.
وفي الوقت الراهن نجد تجليات هذا التطرف على الواقع الصهيوني فيما يقوم به أتباع هذا التيار من ممارسات إجرامية بحق الفلسطينيين.
وها هو بنيامين نتنياهو يتفاخر بكونه أحد تلامذة جابوتنسكي وأنه يسير على خطاه، بل ودفع الكنيست لسن قانون باسمه داخل إسرائيل (قانون جابوتنسكي) يقضي بتعليم الأطفال القيم والمبادئ التي كان يدعو لها جابوتنسكي!!
ومن ثم فنحن بانتظار جيل جديد من الإرهابيين، فهي أجيال تتوارث راية العنف جيل بعد جيل، وهو أمر من شأنه أن يحول دون تحقيق أي تسوية سلمية عادلة لهذا الصراع في ظل هذا النزوع نحو أقصى التطرف مع وجود مناخات دولية متأزمة وقوى عالمية ليست لديها رغبة حقيقية في إنهاء هذا الصراع بشكل عادل.
ثالثاً: تيار الصهيونية المسيحية:
الصهيونية المسيحية هي تيار ديني يتركز أنصاره بصفة أساسية داخل الولايات المتحدة الامريكية وبلدان أخرى، وقد انبثق هذا التيار من داخل المسيحية ويؤمن بمجموعة من المعتقدات الدينية التي تدور في مجملها حول تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين ودعمها بكل السبل، باعتبار أن عودة اليهود إلى الأرض الموعودة وفرض سيطرتهم على القدس وتشييد الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى هو ضرورة حتمية لبداية الخلاص الديني المسيحي.
والجدير بالذكر أن سائر التيارات والمذاهب المسيحية، وبخاصة الشرقية منها، تدين هذا التيار، إذ ترى أنه شوَّه الوجه الحقيقي للدين المسيحي كديانة محبة وسلام.
وتُمثَّل الصهيونية المسيحية في الوقت الراهن واحدة من مُحدِّدات صنع القرار السياسي الإسرائيلي ودفعه نحو التشدد وتبني أقصى أطروحات العنف ضد الفلسطينيين، بل هي الأهم على الإطلاق والأكثر تأثيرًا بما تُقدِّمه من دعم مادي يفوق دعم يهود العالم لإسرائيل، وكغطاء سياسي يُمثل عقبة كأداء أمام المجتمع الدولي تحول دون اتخاذه ردود أفعال حقيقية ضد جرائم الكيان الصهيوني، وبخاصة المتعلقة بالاستيطان في الأراضي المحتلة، والذي تدفع به الصهيونية المسيحية إلى حده الأقصى تعجيلًا بالخلاص الديني، وفق ما يزعمون.
إذ تشارك الصهيونية المسيحية التيار اليهودي المتطرف ذات الرؤى الدينية، وإن كانت بصيغ مختلفة بعض الشيء، فنهاية العالم وفقًا لقناعات الاثنين يجب أن يسبقها مذابح ودمار وهو أمر من شأنه أن يبرر عمليات العنف والقتل ضد الفلسطينيين وتطهير الأرض المقدسة من الأغيار(العرب) طردًا أو إبادة.
كما يشتركان في السعي لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه ليتسنى المجيء الثاني للمسيح، فوفق معتقداتهم يعد بناء الهيكل شرطاً من دونه لن يأتي المسيح المُخلِّص.
وقد جاءت النشأة الأولى للمسيحية الصهيونية كجماعة دينية في إنجلترا في القرن السابع عشر ثم انتشرت في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكثير من دول العالم، وقد تمثلت قناعاتهم المركزية في مساعدة اليهود بكل الوسائل المتاحة مادياً وسياسياً للاستيطان في فلسطين وإقامة دولتهم.
ويعتبر القس الأيرلندي جون نيلسون داربي (1800- 1882م) بمثابة المُنظِّر الأكبر للمسيحيين الصهاينة والمؤسس لدعائم فكرهم، فلقد تمركزت أطروحات داربي حول وجود مملكتين: الأولى مملكة أرضية مادية وعد الله بها اليهود، والثانية وهي المملكة الروحية التي وعد الله بها المؤمنين من المسيحيين الصهاينة.
كما يُعد القس جيري فالويل (1933-2007م) أحد أعمدة المسيحيين الصهاينة في أمريكا في العقود الماضية، إذ لعب فالويل دورًا كبيرًا في توجيه القرار السياسي الأمريكي نحو مساندة الكيان الصهيوني، وكان يزور الأراضي المحتلة باستمرار حيث كان يحرص دائمًا على تفقُّد المواقع العسكرية الإسرائيلية لمباركة ودعم العسكريين الصهاينة وحثهم على احتلال المزيد من الأراضي واستيطانها، قال فالويل تعبيرًا عن أهمية قيام إسرائيل:"إن اليوم الذي تم فيه إعلان قيام إسرائيل هو أهم الأيام على الإطلاق منذ صعود المسيح للسماء"، وحول تبريره الديني دعمه المطلق لإسرائيل يقول جيري فالويل:"إن الذين يباركون إسرائيل يباركهم الله والذين يلعنون إسرائيل يلعنهم الله".
ومن أبرز دعاتها في الوقت الراهن كل من القس الأمريكي جون هاجي، والقس بات روبرتسون، ومايك إيفانز، وبولا وايت وغيرهم
وتتحرك المسيحية الصهيونية في ثلاثة محاور رئيسية، وهي: المحور الأول: قراءة النصوص الدينية المسيحية قراءة مؤدلجة من شأنها تعضيد المشروع الصهيوني وإضفاء المشروعية الدينية عليه، المحور الثاني: مساندة إسرائيل بشكل مطلق ودعمها بكل السبل سياسيًا وماديًا حتى اكتمال خطط الاستيطان وهدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم مكانه، المحور الثالث: تأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط للإسراع والتعجيل بمعارك نهاية الزمان.
ويذهب المفكر الكبير ناعوم تشاومسكي إلى أن المسيحية الصهيونية كانت من الدوافع المهمة وراء صدور وعد بلفور ودعم بريطانيا للاستعمار الصهيوني في إسرائيل.
كما كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء فوز بوش الابن بالانتخابات الأمريكية، كذلك قادت إلى فوز الرئيس الحالي دونالد ترامب ومن ثم دفعته لاتخاذ قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والانحياز المطلق لهذا الكيان الغاصب.
لقد شكّل المسيحيون الصهاينة في عام 2006م منظمة (مسيحيون من أجل إسرائيل) وهي منظمة ضخمة على غرار منظمة إيباك التي أنشأها اليهود في الولايات المتحدة لمساندة إسرائيل، وقد أسَّسها الزعيم المسيحي الصهيوني القس جون هاجي، وهي أكبر منظمة داعمة لإسرائيل في أمريكا في الوقت الحالي، إذ تدعم إسرائيل والاستيطان في الأراضي المحتلة ماديًا وسياسيًا بشكل واسع.
وفي التحليل الأخير، فإن محاولة تفكيك ظاهرة الإرهاب الصهيوني المتصاعد ضد الفلسطينيين، قد أكدت ارتكازه على ثلاث محددات رئيسية هي: جماعات التشدد الديني اليهودي، جماعات التشدد العلماني اليهودي، وجماعات الصهيونية المسيحية في الخارج.
وأنه من غير المُنتَظر إيجاد حلول سلمية عادلة للصراع العربي الإسرائيلي من دون حدوث تغيُّر جذري في بنية هذه المحددات الثلاث فكريًا وتنظيميًا، عبر إحداث ضغوط حقيقية عالية عليها، وهو أمر لن يتسنى من دون بناء وعي عام عالمي يتمخض عنه تحالف دولي مناصر للحق الفلسطيني كجزء أصيل من حق إنساني عام في الحرية وصون الكرامة الإنسانية.