عام ميلاديّ جديد وواقع عربيّ مضطرب
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
في هذا اليوم «الأربعاء» نبدأ سنة ميلاديّة جديدة، بدخول عام 2025م، وكنا نرجو في غالب العالم العربيّ أن تمتدّ فيه دائرة الإحياء بشكل أوسع، وينعم أقطاره بالأمن والسّلام وتحقيق ذات الإنسان، وأن تبنى دوله على المواطنة حسب الذّات الواحدة، وأن تكون العلاقة بين دوله علاقة حازمة في إحياء جميع أقطاره، وتجفيف منابع الحروب والدّمار والتّطرّف والكراهيّة والتّدخلات الخارجيّة والاستعمارات المبطنة، كما كنّا نرجو من تحقّق الوحدة العربيّة البنائيّة حول الذّات الإنسانيّة، مع حريّة الخصوصيّات، وتوسيع دائرة حريّة الانتماءات، لتكون في دائرة بناء الذّات لا إماتتها.
هذه الأمنيات ونحن نودّع عام 2024م لا أقول إنّها أصابتنا باليأس المطلق ونحن نرى واقعنا العربيّ في هذه اللّحظة، ولكن بلا شكّ أصابتنا بخيبة الأمل، فخطّ الفقر لا زال يتمدّد بشكل مخيف جدّا، والتّأثر بالأفكار الماضويّة والمتطرّفة لا زالت تجد آذانا تستجيب لها، وتستغل وسائل التّواصل الاجتماعيّ كمنبر إغرائيّ رئيس لها أيضا، كما أنّ الخطابات العموميّة وغير العقلانيّة، والصّراعات الطّائفيّة تحاول من جديد أن تصعد إلى السّطح مرة أخرى، أمام واقع سياسيّ غير مستقر في أقطار عربيّة مهمّة، حيث لا يكاد يوجد فيها دولة وطنيّة قطريّة واحدة منتظمة، تحمي فضاءاتها أو على الأقل تحجّمه بشكل أكبر أمام الواقع الإحيائيّ والوحدويّ التّنمويّ.
ما حدث في غزّة هذا العام واقع مؤلم لارتفاع قيمة هذا الإنسان، حيث ينعدم التّأثير العربيّ الموحد، سياسيّا وثقافيّا واجتماعيّا دينيّا في المحافظة على كرامته، بعيدا عن الحدث ذاته، فالحدث أيّا كان إيجابا أو سلبا، ومن يتسبّب ظاهريا في حدوثه، يمينيّا أم يساريّا أم ما بينهما؛ لا يرفع هذا بحال كرامة ذاتيّة الإنسان، وحقّها في تحقّق الكرامة الإنسانيّة، ولا يجوز الاعتداء عليها، كما لا يجوز الوقوف مع المعتدي، وتبرير فعله، على الأقل أن يكون المدار هو ذاتيّة الإنسان، وليس الأعراض الجانبيّة.
من المؤسف حقّا، أن نتحدّث في عام 2024م عن الطّائفيّة، ونحن أمام دماء تُسال، وأبرياء يشردون، لا يملكون أدنى ما يتحصّل عليه الإنسان من كرامة ماديّة، ونحن نتصارع على خصوصيّات وانتماءات هويّاتيّة، أو قضايا أحداث ماضويّة، وصراعات لاهوتيّة عفا عليها الزّمن، والعقل الإنسانيّ اليوم يكشف ما في الكون من سنن ونظم لأجل الإنسان، وهناك من يسخر هذا لأجل دمار البشريّة، ونشر الحروب والصّراع فيها، وتمديد دائرة خراب الأوطان، وأكل خيراتها، وانتشار الفقر والبطالة والصّراعات الأهليّة فيها.
ما رأيناه في عام 2024م من عدم استقرار في العديد من أقطار العالم العربيّ، بين دول يعمّها الصّراعات الأهليّة، ودول تعيش تحت إملاءات تدخلات القوى الخارجيّة، ودول تعيش تدنيّا اقتصاديّا مع إمكاناتها الماديّة، والقليل جدّا من بقي في دائرة الاستقرار، ومع هذا يراد أن تتمدّد الدّائرة، فتلتهم ما بقيّ، ويبقى العالم العربيّ منذ بدايات الإفاقة، والتّحرّر من الاستعمار، في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين فقيرا ممزقا، ولا زالت الوحدة العربيّة بمعناها الإحيائيّ الكلّي، وليس بالمعنى الاستعماريّ، والتّدخل في الشّؤون الدّاخليّة للأقطار، لا زالت -للأسف- في واقعنا العربيّ يرثى لها، وما حدث من أحداث في 2024م يدلّ أننا نتراجع إلى الخلف، ولا نتجه إلّى الأمام، هذا في الجملة بعيدا عن التّعميم، والإضاءات الإيجابيّة في بعض الأماكن.
كما للأسف تراجع قلم المثقف المستقل أمام شهوة الإعجابات في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، حيث يغيب قلم المثقف المستقلّ عن سلطة السّلطة السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة، ليقع في سلطة وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وتكون هذه الوسائل تمظهرا جديدا للسّلطات الثّلاث: السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة، في ممارسة الإقصاء المبطن، والقتل البطيء، والتّنمر الممنهج أمام الأقلام الثّقافيّة المستقلّة، والّتي تعنى بالإنسان، وتعنى بإحيائه وإنمائه، فنجد أقلامًا خفتت أمام هذه الفوضى والجيوش الإلكترونية الممنهجة، ثمّ أنني لا أقصد بالأقلام هنا هي الّتي غايتها النّقد لأجل الظّهور وتسجيل الحضور؛ إنني أقصد بالأقلام هي الّتي غايتها ذات الإنسان العربيّ، أيّا كان موقعه الجغرافيّ، وأيّا كانت انتماءاته وخصوصيّاته.
لا أدري هل سيكون واقعنا العربيّ في عام 2025م يتجه نحو الأفضل في توسع دائرة الأمن والاستقرار فيه، وتحقّق دائرة الإحياء والنّماء بشكل أفقيّ أكبر، أم ستتوسع -لا قدّر الله- دائرة الاضطرابات، وتتمدّد دائرة الفقر والتّدنيّ المعرفيّ والمعيشيّ، فاللّحظة الّتي نستقبل فيها هذا العام مربكة جدّا إلى درجة الخوف من المستقبل، ولكن كثيرا ما يظهر النّور من كتمة الظّلام، ويولد الخير من بطن الشّر، وهذا ما أرجوه لواقعنا العربيّ، إذا ما وجدت الإرادة، شريطة أن يتحرّر من انتماءاته الضّيقة، إلى الذّات الإنسانيّة الواحدة، ومن الخلاصات الماضويّة إلى الواقع الإنسانيّ المعاصر، ومن الانقسامات لولاءات خارجيّة، إلى وحدة الذّات العربيّة الواحدة، فالقوميّة كما أسلفت هنا ليست في بُعدها الاندماجيّ، وليست في جانبها الاستعلائيّ على الآخر من داخلنا نحن، فنخرب بيوتنا بأيدينا، ولكن القوميّة الّتي أقصدها في بُعدها الإحيائيّ والنّهضويّ، فلتبق الأقطار كما هي، والنّاس أحرار في شؤون دولهم الوطنيّة، ولكن علينا نقف مع أيّ دولة عربيّة إحيائيّا وبنائيّا، وأن نعنى بأي ذات عربيّة من المحيط الأطلسيّ إلى بحر العرب، كعنايتنا تماما بأيّ ذات إنسانيّة في العالم الإنسانيّ الواسع أيضا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عربی ة
إقرأ أيضاً:
برلمانيون بريطانيون يشيدون بدور الأردن الإنساني والإقليمي
صراحة نيوز ـ أشاد عدد من أعضاء البرلمان البريطاني بغرفتيه، مجلس العموم ومجلس اللوردات، يمثلون أحزاب العمال والمحافظين والديمقراطيين الأحرار، بالدور المحوري الذي يضطلع به الأردن في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وجهوده الإنسانية المستمرة في دعم قطاع غزة. وأكد البرلمانيون أهمية المبادرات الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، لا سيما في إيصال المساعدات الإنسانية والتخفيف من معاناة المدنيين الفلسطينيين جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع.
جاءت هذه التصريحات خلال لقاءات عقدت على هامش زيارة وفد برلماني أردني إلى مجلس العموم البريطاني، برئاسة النائب زهير الخشمان وعضوية النواب إبراهيم الطراونة، محمد المحارمة، الدكتور عمر الخوالدة، حسين الطراونة، وتمارا ناصر الدين، وذلك بدعوة من المجموعة البريطانية في الاتحاد البرلماني الدولي.
نموذج للتضامن العملي
قال النائب فابيان هاميلتون، رئيس المجموعة البريطانية في الاتحاد البرلماني الدولي، إن “الأردن يلعب دوراً مركزياً في ترسيخ الاستقرار في الشرق الأوسط، ويقود جهوداً إنسانية بارزة تجاه غزة، تعكس تضامنًا عمليًا وفعالًا”.
وأضاف هاميلتون أن موقع الأردن الجغرافي، واستقراره السياسي، وقيادته الحكيمة، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، تجعله قوة فاعلة في المنطقة، مشيرًا إلى تجربته الشخصية في زيارة المملكة عام 2016، واطلاعه على الجهود الأردنية في مخيم الزعتري.
وأوضح أن “الرأي العام البريطاني مصدوم من حجم الكارثة في غزة، ويقدّر الدور الأردني الكبير في تخفيف المعاناة، من خلال التعاون مع وكالات دولية مثل الأونروا”، مؤكدًا أن الأردن يُعد أقرب حليف لبريطانيا في المنطقة والأقدر على إيصال المساعدات بفاعلية.
شراكة استراتيجية واستقرار مستدام
من جانبها، شددت البارونة غلوريا دوروثي هوبر، عضو مجلس اللوردات، على أهمية الدور الاستراتيجي الذي يلعبه الأردن في تحقيق السلام الإقليمي، مشيرة إلى سمعته كدولة مستقرة ومتوازنة، والمكانة الجيوسياسية التي يتمتع بها.
واعتبرت أن العلاقات الوطيدة بين العائلتين الملكيتين في البلدين تسهم في تعزيز التفاهم والتنسيق المشترك، مضيفة أن زيارة الوفد الأردني جاءت في توقيت بالغ الأهمية، وأسهمت في نقل صورة دقيقة عن الوضع في غزة.
دعوات لاعتراف فوري بدولة فلسطين
النائب أفزال خان ثمّن الجهود الأردنية الثابتة في دعم القضية الفلسطينية، مشيدًا بموقف الأردن كصوت عقلاني في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وداعيًا الحكومة البريطانية للاعتراف الفوري بدولة فلسطينية، “لإعادة التوازن إلى عملية السلام” على حد تعبيره.
وأضاف: “الأردن يلعب دورًا سياسيًا وإنسانيًا لا غنى عنه، ويجب دعمه دوليًا لمواصلة جهوده في وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات”.
شراكة إنسانية راسخة
وأكد النائب أليستير كارمايكل، رئيس مجموعة الأردن في البرلمان البريطاني، أن العلاقة مع الأردن “راسخة ومهمة للغاية”، مشيرًا إلى أن المملكة تُعد شريكًا موثوقًا في ظل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط.
وقال: “الأردن ليس فقط عامل استقرار، بل أيضًا شريك إنساني فاعل في دعم غزة، وعلينا تكثيف دعمنا له”.
صوت العقل والحوار
من جهتها، أثنت البارونة مانزيلا بولا أودين على الدور الأردني في تعزيز الحوار الديني وترسيخ قيم التسامح، مؤكدة أن الأردن يواصل أداء دور محوري في إيصال المساعدات لغزة، كما يشكل نموذجًا في استضافة اللاجئين ودعمهم.
البرلمان البريطاني يدعم جهود الأردن
البارونة مارغريت باتريشيا كوران، عضو مجلس اللوردات، أشادت بالجهود الأردنية في إيصال المساعدات لغزة، مشيرة إلى أن البرلمان البريطاني يتحرك بقوة لدعم إيصال المساعدات الإنسانية، مؤكدة أهمية الدور الأردني في توسيع فهم النواب البريطانيين لحجم الكارثة.
أما النائب أليكس سوبل، فأكد أن الأردن يلعب دورًا تاريخيًا في دعم القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى استضافة المملكة لأكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، وشدد على أهمية استمرار التعاون الأردني البريطاني لإيصال الدعم الإنساني إلى غزة.
حليف استراتيجي في منطقة مضطربة
النائب بامبوس شارالمبوس وصف الأردن بأنه “ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط”، مؤكدًا أن المملكة هي الأكثر قدرة على قيادة الجهود الإنسانية نحو غزة. ودعا إلى دعم الجهود الأردنية ضمن إطار دولي واسع، موضحًا أن التعامل مع المأساة الإنسانية في غزة يتطلب تعاونًا عالميًا، وليس جهودًا منفردة.
عبّر البرلمانيون البريطانيون عن تقديرهم العميق لدور الأردن الإنساني والسياسي، مشددين على ضرورة استمرار الدعم الدولي للمملكة لمواصلة رسالتها في تحقيق السلام الإقليمي وتخفيف المعاناة في غزة، وسط إجماع على أن الأردن يُعد شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه في المنطقة.