لجريدة عمان:
2025-12-14@22:54:48 GMT

عام ميلاديّ جديد وواقع عربيّ مضطرب

تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT

في هذا اليوم «الأربعاء» نبدأ سنة ميلاديّة جديدة، بدخول عام 2025م، وكنا نرجو في غالب العالم العربيّ أن تمتدّ فيه دائرة الإحياء بشكل أوسع، وينعم أقطاره بالأمن والسّلام وتحقيق ذات الإنسان، وأن تبنى دوله على المواطنة حسب الذّات الواحدة، وأن تكون العلاقة بين دوله علاقة حازمة في إحياء جميع أقطاره، وتجفيف منابع الحروب والدّمار والتّطرّف والكراهيّة والتّدخلات الخارجيّة والاستعمارات المبطنة، كما كنّا نرجو من تحقّق الوحدة العربيّة البنائيّة حول الذّات الإنسانيّة، مع حريّة الخصوصيّات، وتوسيع دائرة حريّة الانتماءات، لتكون في دائرة بناء الذّات لا إماتتها.

هذه الأمنيات ونحن نودّع عام 2024م لا أقول إنّها أصابتنا باليأس المطلق ونحن نرى واقعنا العربيّ في هذه اللّحظة، ولكن بلا شكّ أصابتنا بخيبة الأمل، فخطّ الفقر لا زال يتمدّد بشكل مخيف جدّا، والتّأثر بالأفكار الماضويّة والمتطرّفة لا زالت تجد آذانا تستجيب لها، وتستغل وسائل التّواصل الاجتماعيّ كمنبر إغرائيّ رئيس لها أيضا، كما أنّ الخطابات العموميّة وغير العقلانيّة، والصّراعات الطّائفيّة تحاول من جديد أن تصعد إلى السّطح مرة أخرى، أمام واقع سياسيّ غير مستقر في أقطار عربيّة مهمّة، حيث لا يكاد يوجد فيها دولة وطنيّة قطريّة واحدة منتظمة، تحمي فضاءاتها أو على الأقل تحجّمه بشكل أكبر أمام الواقع الإحيائيّ والوحدويّ التّنمويّ.

ما حدث في غزّة هذا العام واقع مؤلم لارتفاع قيمة هذا الإنسان، حيث ينعدم التّأثير العربيّ الموحد، سياسيّا وثقافيّا واجتماعيّا دينيّا في المحافظة على كرامته، بعيدا عن الحدث ذاته، فالحدث أيّا كان إيجابا أو سلبا، ومن يتسبّب ظاهريا في حدوثه، يمينيّا أم يساريّا أم ما بينهما؛ لا يرفع هذا بحال كرامة ذاتيّة الإنسان، وحقّها في تحقّق الكرامة الإنسانيّة، ولا يجوز الاعتداء عليها، كما لا يجوز الوقوف مع المعتدي، وتبرير فعله، على الأقل أن يكون المدار هو ذاتيّة الإنسان، وليس الأعراض الجانبيّة.

من المؤسف حقّا، أن نتحدّث في عام 2024م عن الطّائفيّة، ونحن أمام دماء تُسال، وأبرياء يشردون، لا يملكون أدنى ما يتحصّل عليه الإنسان من كرامة ماديّة، ونحن نتصارع على خصوصيّات وانتماءات هويّاتيّة، أو قضايا أحداث ماضويّة، وصراعات لاهوتيّة عفا عليها الزّمن، والعقل الإنسانيّ اليوم يكشف ما في الكون من سنن ونظم لأجل الإنسان، وهناك من يسخر هذا لأجل دمار البشريّة، ونشر الحروب والصّراع فيها، وتمديد دائرة خراب الأوطان، وأكل خيراتها، وانتشار الفقر والبطالة والصّراعات الأهليّة فيها.

ما رأيناه في عام 2024م من عدم استقرار في العديد من أقطار العالم العربيّ، بين دول يعمّها الصّراعات الأهليّة، ودول تعيش تحت إملاءات تدخلات القوى الخارجيّة، ودول تعيش تدنيّا اقتصاديّا مع إمكاناتها الماديّة، والقليل جدّا من بقي في دائرة الاستقرار، ومع هذا يراد أن تتمدّد الدّائرة، فتلتهم ما بقيّ، ويبقى العالم العربيّ منذ بدايات الإفاقة، والتّحرّر من الاستعمار، في النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين فقيرا ممزقا، ولا زالت الوحدة العربيّة بمعناها الإحيائيّ الكلّي، وليس بالمعنى الاستعماريّ، والتّدخل في الشّؤون الدّاخليّة للأقطار، لا زالت -للأسف- في واقعنا العربيّ يرثى لها، وما حدث من أحداث في 2024م يدلّ أننا نتراجع إلى الخلف، ولا نتجه إلّى الأمام، هذا في الجملة بعيدا عن التّعميم، والإضاءات الإيجابيّة في بعض الأماكن.

كما للأسف تراجع قلم المثقف المستقل أمام شهوة الإعجابات في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، حيث يغيب قلم المثقف المستقلّ عن سلطة السّلطة السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة، ليقع في سلطة وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وتكون هذه الوسائل تمظهرا جديدا للسّلطات الثّلاث: السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة، في ممارسة الإقصاء المبطن، والقتل البطيء، والتّنمر الممنهج أمام الأقلام الثّقافيّة المستقلّة، والّتي تعنى بالإنسان، وتعنى بإحيائه وإنمائه، فنجد أقلامًا خفتت أمام هذه الفوضى والجيوش الإلكترونية الممنهجة، ثمّ أنني لا أقصد بالأقلام هنا هي الّتي غايتها النّقد لأجل الظّهور وتسجيل الحضور؛ إنني أقصد بالأقلام هي الّتي غايتها ذات الإنسان العربيّ، أيّا كان موقعه الجغرافيّ، وأيّا كانت انتماءاته وخصوصيّاته.

لا أدري هل سيكون واقعنا العربيّ في عام 2025م يتجه نحو الأفضل في توسع دائرة الأمن والاستقرار فيه، وتحقّق دائرة الإحياء والنّماء بشكل أفقيّ أكبر، أم ستتوسع -لا قدّر الله- دائرة الاضطرابات، وتتمدّد دائرة الفقر والتّدنيّ المعرفيّ والمعيشيّ، فاللّحظة الّتي نستقبل فيها هذا العام مربكة جدّا إلى درجة الخوف من المستقبل، ولكن كثيرا ما يظهر النّور من كتمة الظّلام، ويولد الخير من بطن الشّر، وهذا ما أرجوه لواقعنا العربيّ، إذا ما وجدت الإرادة، شريطة أن يتحرّر من انتماءاته الضّيقة، إلى الذّات الإنسانيّة الواحدة، ومن الخلاصات الماضويّة إلى الواقع الإنسانيّ المعاصر، ومن الانقسامات لولاءات خارجيّة، إلى وحدة الذّات العربيّة الواحدة، فالقوميّة كما أسلفت هنا ليست في بُعدها الاندماجيّ، وليست في جانبها الاستعلائيّ على الآخر من داخلنا نحن، فنخرب بيوتنا بأيدينا، ولكن القوميّة الّتي أقصدها في بُعدها الإحيائيّ والنّهضويّ، فلتبق الأقطار كما هي، والنّاس أحرار في شؤون دولهم الوطنيّة، ولكن علينا نقف مع أيّ دولة عربيّة إحيائيّا وبنائيّا، وأن نعنى بأي ذات عربيّة من المحيط الأطلسيّ إلى بحر العرب، كعنايتنا تماما بأيّ ذات إنسانيّة في العالم الإنسانيّ الواسع أيضا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عربی ة

إقرأ أيضاً:

عمرو أديب: الإسرائيلي لما يقـ.تل عربي يبقى فلة شمعة منورة ولو العكس يبقى بيعادي السامية

أكد الإعلامي عمرو أديب، أنه عندنا في أوطاننا وأرض غزة يتم قتل المدنيين يوميا فلا يتحدث أحد، وما تم في غزة من استشهاد 75 مواطنا في غزة بسبب وجودهم في خيام وسط موجات البرد لم يتحدث أحد عنها في العالم.

وقال عمرو أديب خلال تقديمه برنامج "الحكاية"، عبر فضائية “ام بي سي مصر”، أن “الإسرائيلي لما يقتل عربي يبقى فلة شمعة منورة، ولكن العربي لما يقتل إسرائيلي يبقى بيعادي السامية، فلا أحد يؤيد ما حدث في سيدني”.

وتابع مقدم برنامج “الحكاية”، أن أعداد الشهداء الذين سقطوا غزة من الطائرات والمدافع لا تعد ولا تحصى، فأين ضمير العالم مما يحدث في غزة؟.


 

طباعة شارك عمرو أديب غزة المدنيين إسرائيل الطائرات

مقالات مشابهة

  • عمرو أديب: الإسرائيلي لما يقـ.تل عربي يبقى فلة شمعة منورة ولو العكس يبقى بيعادي السامية
  • زيارة ستغير قادة حزب الله.. تقرير عربي يكشف
  • عربي مين؟ أنا حياتي بلا عربي.. أسماء جلال ترد على هشام ماجد
  • إعلاميون في منتدي طرابلس يحذرون من فجوة التريلون وواقع التعليم
  • برلمانية: الأونروا خط الدفاع الإنساني الأخير عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين ولا بديل عنها
  • الإغاثة الطبية بغزة: الوضع الإنساني في القطاع صعب للغاية بسبب السيول
  • تنديد عربي وإسلامي بهجوم إسرائيل على "الأونروا"
  • القبض على مواطن مضطرب نفسيا يهاجم مصلين بسكين داخل مسجد بالإسكندرية
  • حيدر يشارك في مؤتمر عربي لمكافحة عمل الأطفال بالقاهرة
  • إدراج “الكحل العربي” على لائحة التراث الإنساني في اليونسكو