سودانايل:
2025-05-08@09:22:57 GMT

التركة الاستعمارية: استعمار الحلال والبلال (2-2)

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

عبد الله علي إبراهيم
لم تعد الصفوة البرجوازية الصغيرة ترى في استعمار بريطانيا لنا تركة للتصفية (decolonization)كما أملنا بالاستقلال، بل إرثاً أو مأثرة. وباتوا على عقيدة تقية أن السودانيين كانوا استثناء في منظومة الاستعمار البريطاني جعل استعمارهم قريباً من كأن لم يكن.
والعقيدةُ الصفويةُ الأولى في استثناء السودان من الاستعمار هو زعمُ الصفوة أننا كنا في ولاية الخارجية البريطانية لا ولاية وزارة المستعمرات البريطانية.

وبالطبع لم نكن الاستثناء الوحيد في الإمبراطورية البريطانية في ولاية غير وزارة المستعمرات، شأن المستعمرة البريطانية، ناهيك عن ضعف الحجة لذلك الاستثناء نفسه. فلم تكن الهند تُدار لا من قبل وزارة المستعمرات البريطانية ولا من وزارة الخارجية، بل من إدارة خاصة بالهند قام عليها حاكم احتل مقعداً في مجلس الوزراء البريطاني. والسبب في هذا أن الهند كانت أقدم مستعمرات بريطانيا، بل وتاجها.
ومن وجوه هذا الاستثناء لاستعمارنا في قول الصفوة أن بريطانيا كانت تميز السودان دون غيره. فلا تبعث لإدارته سوى خريجي أكسفورد وكمبريدج "Oxbridge". وهذا التمييز أعرج حتى نعرف من كان يبعث الإنجليز لحكم غيرنا في أفريقيا وآسيا. فرِحم أكسفورد وكمبردج ولود ولا يمكن لإدارة السودان، التي لم تستوعب سوى 393 إدارياً من الجامعتين على طول فترة استعمارنا، استنفاد خريجيهما.
من جهة أخرى، متى سمعت عزة صفوتنا بحكم خريجي أكسفورد وكمبردج للسودان دون غيره انصرف ذهنك إلى أن المعيار في تعيين الإنجليز للخدمة في السودان كان الشطارة الأكاديمية. ولم تكن تلك مع ذلك ميزة من عينهم الإنجليز للخدمة في السودان. فخلافاً للتعيين في الخدمة في الهند مثلاً، لم يخضع المتقدمون للخدمة الاستعمارية في السودان لامتحانات أكاديمية يُكرم بها المرء أو يهان. فكل المطلوب من المتقدم للخدمة في السودان أن يكون ذا سابقة في الرياضة. وغلب بينهم لذلك من حازوا من الجامعتين على درجة الشرف الثانية والثالثة لا الأولى. علاوة على اعتبار بريطانيا سابق الخدمة الممتازة في الجيش في تعيين طاقمها في السودان.
وما حدا ببريطانيا لوضع أشراط التعيين تلك للسودان هو رأيها في أنه "منطقة شدة" إمبريالية لا يقوى عليها إلا ذو جسد شديد، طلّاع صحاري، جوّاب غابات. ومصداقاً لذلك قال جيمس روبرتسون، السكرتير الإداري للحاكم العام في خمسينيات القرن الماضي، إن تميزهم الرياضي في المدرسة والجامعة قد زودهم بالثقة في النفس لمقابلة الوحشة والعزلة في السودان يديرون شؤون جماعات واسعة من السكان. وبلغ من استبداد التأهيل الرياضي (لا العلمي) في التعيين للخدمة في السودان أن سارت العبارة: "زرق يحكمون سمراً وسوداً". والزرق هنا إشارة للجوائز التي ينالها الرياضي في منافسات الجامعتين. والسمر والسود هم السودانيون.
ومن عقائد الصفوة الحفية بالتركة الاستعمارية أن الإنجليز تركوا فينا خدمة مدنية غراء ذات كفاءة عالية. وربما كانت تلك الخدمة كذلك. ولكن من الصعب بالطبع أن تُسمي إدارة رتبها الاستعمار لتصريف شؤونه في بلد ما خدمة مدنية. فالدولة الاستعمارية ليست حكومة في المعنى المصطلح عليه لتكون لديها خدمة مدنية. فالأصل في الحكومات أنها نشأت لإدارة جماعات من السكان بينما حكومة الاستعمار نشأت لإدارة رقعة جغرافية تستأثر بخير ظاهرها وباطنها. أما سكان هذه الرقعة فهم عبء ثقيل على المستعمَر. وعَبَّر سيسل رودس، الحاكم الإنجليزي لمستعمرة كيب تاون في جنوب أفريقيا، عن شبق المستعمرين للأرض دون الناس بقوله: "إنني أفضل أرض الأهالي عليهم". ولا يستغرب، والحال هكذا، وقوع حالات إبادة جماعية للسكان الأصليين خلال غزو بلادهم أو استعمارها.
ومن عقائد الصفوة في الحفاوة بالتركة الاستعمارية أن بريطانيا هي التي أنهت استعمارها لنا في توقيتها الخاص. وعليه جاءنا الاستقلال منحة حين تولى حزب العمال الحكم في بريطانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ولا يحتاج هذا الاستثناء إلى كثير رد. فنهاية الاستعمار، التي ارتبطت بعهد الملكة إليزابيث الثانية، كان عصراً بحاله. بدأ بالهند في 1947. وسبقت السودان فيه غانا التي استقلت في 1957 بعام. ثم لم تبق من مستعمرة لم تتحرر في نهاية العقد السادس من القرن العشرين إلا التي كانت تحت استعمار استيطاني ولحين. فإذا تركنا جانباً إسقاط هذه العقيدة الصفوية لدور الحركة الوطنية في الاستقلال، فهي غير ذات قيمة لأن الاستعمار غادر، بالحسنى وبغيرها، أفريقيا في وقت معاً لا فضل فيه لقطر دون آخر.
وددت لو أخذ علم السياسة عندنا عن علم الثقافة في جرد التركة الاستعمارية وآثارها على الحكم فينا. فلعبد الله الطيب، الأكاديمي المصقع والشاعر، قولةٌ عن التركة الاستعمارية غاية في الإصابة. قال إن الاستعمار قد مات حقاً، ولكنه قام "بعاتي" في نظم حكمنا العاقبة له. وعقيدة البعاتي، وهي قيام أحد الناس من قبره من مخافات السودان فاشية فيه. ويقال إن البعاتي ينبعث فيمشي على أمشاطه، ولا ينظر إلى أعلى، ملتفعاً بكفنه. وزاد عبد الله الطيب قائلاً إن بصوته خنخنة. وربما كان هذا القبح ما نكرهه في نظمنا العاقبة للاستعمار بغير إدراك بأنه الأصل فيها.

ibrahima@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

«شؤون المواطنين في عجمان» يطلق «جاهزين يا وطن» لتأهيل الطلبة للخدمة الوطنية

عجمان-وام


أطلق مكتب شؤون المواطنين في إمارة عجمان مبادرة رائدة تحمل اسم «جاهزين يا وطن»، تستهدف طلبة الثانوية العامة من أبناء الإمارة، لتعزيز جاهزيتهم وتأهيلهم لمرحلة الخدمة الوطنية.


وتأتي المبادرة، التي تعدّ الأولى من نوعها على مستوى الدولة، بالتزامن مع «عام المجتمع»، لدعم فئة الشباب وتوجيههم نحو خدمة الوطن بروح عالية من الجاهزية والمسؤولية الوطنية.


وتبدأ المبادرة بورش تقام خلال شهر مايو الجاري، وتمتد على مدار ثلاثة أشهر، وتستهدف تأهيل 600 طالب من أبناء عجمان، عبر سلسلة من الورش التدريبية واللقاءات التوعوية، يقدمها متخصصون من هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية.


وتركّز المبادرة على تعزيز الجوانب البدنية والنفسية لدى الطلاب، وتطوير مهاراتهم، استعداداً للحياة العسكرية، والتعرّف الى قوانين الخدمة الوطنية وأدوارها.


وأكّد الشيخ عبدالله بن ماجد النعيمي، مدير عام مكتب شؤون المواطنين في عجمان، أنّ مبادرة «جاهزين يا وطن» تأتي تجسيداً لتوجيهات القيادة الرشيدة بتعزيز قيم الولاء والانتماء في نفوس أبنائنا الشباب، وتأهليهم للخدمة الوطنية، كونها أساساً في بناء جيل قوي جسدياً، وواعٍ فكرياً، ومؤمن بدوره، ومدرك لمسؤوليته تجاه وطنه.


وأشار الشيخ عبدالله بن ماجد النعيمي إلى أنّ الهدف من المبادرة هو تهيئة أبنائنا الطلاب للانضمام إلى الخدمة الوطنية بروح إيجابية، وعزيمة قوية، مؤكداً أننا نفتخر بشبابنا وهم نموذج يحتذى في المسؤولية الوطنية، وحمل الأمانة، وبقيم التضحية والإخلاص.


وقال مدير عام مكتب شؤون المواطنين في عجمان، إنّ مبادرة «جاهزين يا وطن» تعكس إيمان حكومة عجمان بقيادة صاحب السّموّ الشّيخ حميد بن راشد النعيمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم عجمان، بأهمية الاستثمار في الإنسان، فهو أساس بناء الأوطان، وتمكين الشباب من أدوات الخدمة الوطنية، مما يعزّز أمن واستقرار الدولة، ويكرّس لديهم ثقافة الانتماء والولاء للوطن وقيادته، ويغرس في نفوسهم حبّ خدمة الوطن، ورفع رايته خفاقة عالية فوق القمم.

مقالات مشابهة

  • بعد فشل كل المسارات التي اتبعها السودان، يكون قطع العلاقات هو بداية للحل
  • إيلون ماسك: كل أشكال الحياة على الأرض سوف تدمر
  • عُمان والجزائر.. رفقاء التاريخ والمسيرة
  • «شؤون المواطنين في عجمان» يطلق «جاهزين يا وطن» لتأهيل الطلبة للخدمة الوطنية
  • «الهلال الأحمر» يكرم الفائزين بجائزة «عون للخدمة المجتمعية»
  • بدء موسم السياحة الصيفية في موسكو للسياح
  • اليمن يدين الاعتداءات التي طالت البنية التحتية في بورتسودان
  • الجزائر تحيي الذكرى الـ80 لمجازر 8 ماي وسط توتر خارجي وجدال داخلي
  • "العدل الدولية" ترفض دعوى الإبادة الجماعية التي رفعها السودان على الإمارات
  • العدل الدولية ترفض دعوى الإبادة الجماعية التي رفعها السودان على الإمارات