رامي بن سالم البوسعيدي

 

في قلب عاصمة سلطنة عُمان؛ حيث يلتقي التراث العريق بجماليات الحاضر، سُعدنا بالمشاركة في افتتاح مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة عشرة تحت رعاية صاحب السُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، في رسالة تؤكد على أنَّ الفن هو لغة الشعوب، وأداة التعبير عن طموحاتها وأحلامها.

هذا المهرجان الذي يُعد واحدًا من أهم الفعاليات الثقافية في العالم العربي، يتجاوز دوره كمنصة للعروض المسرحية؛ ليصبح حدثًا شاملًا يساهم في تعزيز الهوية الثقافية، ويرسخ دور الفنون كعنصر حيوي في التنمية المجتمعية والاقتصادية.

المسرح هو فن التلاقي الإنساني، فضاؤه خشبة صغيرة، لكنه يحمل عوالم بأسرها، إنه الوسيط الذي يجمع بين المشاعر العميقة والأسئلة الكبرى، وبين الفن كمتعة والعقل كأداة للتأمل، ومن هذا المنطلق، يُمثل مهرجان المسرح العربي احتفاءً بواحد من أعظم أشكال التعبير الفني، حيث تُعرض الأعمال المسرحية التي تتناول قضايا الإنسان في شتى تجلياته، وتطرح أسئلة عميقة حول الوجود والحرية والعدالة.

وأهمية المسرح لا تكمن فقط في كونه مرآة للمجتمع، بل في قدرته على التأثير فيه، على إثارة النقاش وتحفيز التغيير، وهُنا تبرز رسالة المهرجان الذي يجمع نخبة من الفنانين والمبدعين العرب، ليقدموا أعمالًا تُمزج فيها الأصالة بالتجديد، وينفتحوا على آفاق فنية جديدة تُثري المشهد المسرحي العربي.

واستضافة سلطنة عُمان لهذا الحدث الثقافي الكبير تعكس مكانتها كجسر للتواصل بين الشعوب والثقافات؛ فهذه البلاد التي عُرفت بتاريخها البحري ودورها التجاري والحضاري عبر العصور، تواصل اليوم هذا الدور من خلال دعمها للفنون والثقافة، وسلطنة عُمان ليست فقط أرض اللبان وأيقونة الحضارة العُمانية القديمة؛ بل هي أيضًا نموذج للدولة الحديثة التي تُقدر الإبداع وتُدرك دوره في بناء مجتمع متوازن ومتطور؛ فالمهرجان يُعد شهادةً على الرؤية الثقافية العُمانية التي ترى في الفنون وسيلة لتعزيز الحوار الحضاري وتكريس قيم الانفتاح والتسامح.

لا تقتصر فوائد المهرجان على الجانب الثقافي؛ بل تمتد لتشمل جوانب اقتصادية ملموسة، فتنظيم مثل هذا الحدث يُسهم في تعزيز القطاع السياحي من خلال جذب الزوار من مختلف الدول العربية والعالمية؛ مما ينعكس إيجابًا على حركة الفنادق والمطاعم وقطاع الخدمات بشكل عام. كما يتيح المهرجان فرصًا للشراكات بين الفرق المسرحية العربية والعالمية، ما يفتح آفاقًا لتبادل الخبرات وتطوير الصناعات الإبداعية، علاوة على أن الورش الفنية والندوات التي تُقام على هامش المهرجان تُسهم في تنمية الكفاءات المحلية، مما يجعل الفنون المسرحية جزءًا من اقتصاد مستدام يرتكز على الإبداع والابتكار.

يحق لنا أن ننظر إلى الثقافة كأحد أركان التنمية المستدامة في سلطنة عُمان؛ فالمهرجان يُسهم في غرس القيم الجمالية والفكرية في نفوس الشباب، مما يُعزز وعيهم بأهمية الفن كقوة ناعمة تستطيع تحقيق التغيير في شتى المجالات، كما إن الاستثمار في الفنون يُعزز من فرص العمل في مجالات متعددة مثل الإنتاج المسرحي والإدارة الثقافية والإعلام والتصميم الفني. وبهذا نستطيع القول إنَّ مهرجان المسرح العربي لا يُعد حدثًا موسميًا فقط؛ بل هو جزء من استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى جعل الفن أداة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتُسهم في خلق بيئة حاضنة للإبداع والابتكار.

إنَّ مهرجان المسرح العربي في مسقط، رسالةٌ إلى العالم، تُجسِّدُ فيها عُمان إيمانها العميق بدور الثقافة والفن في بناء جسور التواصل الإنساني، كما إنه احتفال بالجمال وبالحوار وبالحلم، في مسقط يجد المبدعون فضاءً حرًا للتعبير عن قضاياهم، وتجسيد تطلعاتهم.. وبهذا الألق الثقافي والفني، تُثبت سلطنة عُمان أنها ليست فقط وجهة للتاريخ والجغرافيا؛ بل أيضًا وطن للثقافة والفن والتنمية، ومهرجان المسرح العربي شاهدٌ على هذا الدور الريادي، وتأكيدٌ على أنَّ الفن بقدرته على ملامسة الوجدان وتحفيز العقول، سيظل دائمًا قوة محركة للمجتمعات نحو مُستقبل أكثر إشراقًا.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جمهور جرش يحتفي بالفنانة ديانا كرزون على المسرح الجنوبي

أشعلت ديانا كرزون حماس الجماهير في واحدة من أقوى ليالي "مهرجان جرش للثقافة والفنون" بدورته الـ39، مساء السبت، على المسرح الجنوبي، حيث اكتظت المدرجات بعشّاقها الذين رددوا معها الأغاني وهتفوا باسمها بحب: "أم راشد"، لترد عليهم بعفوية مؤثرة: "أحب هذا الاسم وأنتم عيوني".

أمسية غنائية.. الصور الكاملة لحفل نجوى كرم في إسطنبولبالأخضر الفاتح.. جومانا مراد تخطف الأنظار عبر إنستجرام


وغلب الطابع الوطني والعاطفي على حفل كرزون، خاصة لحظة تأثرها وبكائها أثناء أداء أغنية "الهوية أردنية"، التي تحوّلت إلى نشيد مشترك بينها وبين الجمهور في لحظة صادقة، جسّدت عمق الانتماء والولاء.
 

وخلال الحفل، تم تكريم ديانا كرزون من قبل وزير الثقافة الدكتور عز الدين كناكريه، ومدير مهرجان جرش أيمن سماوي، تقديرًا لمسيرتها الفنية المشرّفة ولإسهاماتها في المشهد الغنائي الأردني والعربي. وقد عبّرت ديانا عن سعادتها الكبيرة بهذا التكريم، معتبرةً إياه وسام فخر من وطنها الذي تحمله في القلب والصوت.


على خشبة المسرح، تألقت ديانا بإطلالة راقية، ورافقتها فرقتها الموسيقية "ليدرز باند" بقيادة المايسترو بهاء الداود، حيث قدمت باقة من أبرز أغانيها التي تنوّعت بين الإيقاع السريع والطرب الأصيل، لتلبي أذواق جمهور المهرجانات الصيفية.
أشعلت النجمة الأردنية الأجواء بأغانٍ مثل "عمان في القلب"، و"حنا كبار البلد"، و"راسك يالغالي"، و"هيلا يا أردنية"، إلى جانب رائعة "أبعاد كنتم ولا قريبين"، ولم تغفل اللون الرومانسي الذي تميّزت به، فأدت "العمر ماشي"، و"ملح البحر"، و"انساني مابنساك"، قبل أن تختتم الحفل بوصلة طربية لأم كلثوم.

طباعة شارك ديانا كرزون مهرجان جرش أغاني ديانا كرزون

مقالات مشابهة

  • المسرح الجامعي بالدار البيضاء.. ذاكرة تهجس بالحداثة والتجريب
  • توت أرض السورية والتيار الفلسطينية تراقصان المسرح الشمالي في جرش
  • طلبة دولة قطر يناقشون الهوية الثقافية في البرلمان العربي للطفل بالشارقة
  • جمهور جرش يحتفي بالفنانة ديانا كرزون على المسرح الجنوبي
  • جمال عاشور يكتب: من خشبة الأوبرا إلى قلب الناس
  • ليلة أردنية بامتياز.. الأغنية الشعبية تفرض حضورها في مهرجان جرش
  • سميرة عبد العزيز : لم أعتزل الفن .. وأتمنى الموت على خشبة المسرح | خاص
  • سميرة عبد العزيز تنهي تكريمها بالقومي للمسرح بجزء من برنامجها قال الفيلسوف.. فيديو
  • اليوم.. تكريم سميرة عبد العزيز ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح
  • رحيل زياد الرحباني.. خسارة فنية مؤلمة للبنان والعالم العربي