صحيفة الاتحاد:
2025-10-08@02:21:32 GMT

هشام أصلان: الكتابة فعل مقاومة للفقد

تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT

أحمد عاطف
«الاحتياج للكتابة شعور لا يفارقني، وبرغم قلة إنتاجي الأدبي لا يفارق رأسي الانشغال بالكتابة لحظة واحدة، وهو شعور مرهق لأنه كما قلت مرتبط بفكرة الاحتياج.. أكتب لأنني أحتاج إلى مشاركة آخرين أسئلتي وتأملاتي، ليس لأنني أعتبر هذه الأسئلة والتأملات شيئاً مهماً للعالم، ولكن بهدف توزيع ما يشغلني على أوسع مساحة ممكنة تخفيفاً على نفسي»، بهذه الإضاءة العميقة على روحه وعلى تجربته، يفتح القاص هشام أصلان نافذة وسيعة على علاقته بالكتابة وضرورتها، وفي حديثه لـ «الاتحاد» بمناسبة صدور مجموعته القصصية الجديدة «ثلاثة طوابق للمدينة»، نصعد معه طوابق كثيرة عبر أسئلة تقود إلى ملامح عالمه الإبداعي الاستثنائي في فن القصة القصيرة.


عودة إلى سؤال الكتابة، لمن ولماذا؟ يضيف أصلان: لا أشعر أن قدراتي تتحمل منفردة ما يدور في رأسي أو ينغز كياني. بالقطع أعتبر أن الكتابة فعل مقاومة، وربما أن مقاومة الفقد هي أبرز ما يقاومه الواحد، فقد أيامك بناسها وأماكنها وملامحها إجمالاً، هو كفاح أكبر من كفاح الموت، هو كفاح من أجل ألا يتوارى عالمك الذي لا تستطيع تركه والمضي في الزمن، وكأنك تدفعه بالكامل للتواجد، أو على الأقل تستدعي آخرين لمشاركتك إياه.
وحول الدلالة التي يقصدها من وراء عنوان مجموعته القصصية الجديدة «ثلاثة طوابق للمدينة»، يقول أصلان: قصص المجموعة يربط بينها عنصر مكاني كبير هو مدينة القاهرة، وهي في أغلبها تقع في حالة حركة وتجوال بين وجهين، بالأحرى عالمان مكانيان رئيسيان، من المدينة متعددة الأوجه، مع محاولة الإمساك بملامح المدينة الواقعة بين هذين الوجهين المتناقضين. وأنا شعرت بهما مثل طابقين، وثالثهما طابق آخر تمثله الحركة المنسابة في الزمن غير المحدد. تلك الحالة ألقت في رأسي فكرة العنوان «ثلاثة طوابق للمدينة». هذا ما أراه ككاتب، مع انحيازي لفكرة أن لكل قارئ تلقيه الذي قد يكون مختلفاً تماماً.
سؤال الفاصل الزمني 
يقول هشام أصلان عن أثر الفاصل الزمني بين مجموعتيه القصصيتين: أتصور أنني استطعت التجرؤ على مساحات، بعضها كنت أخشى بشدة من التعامل معه بوضوح، وأعني الوضوح بيني وبين نفسي، وبعضها يتعلق بالوعي والتأثر بأفكار متوارثة أدبياً. منها مثلاً ما يتعلق ببعض أسئلتي الإنسانية داخل عالمي الشخصي، والتي هي ما يمثل الاحتياج الأول للكتابة، مثل سؤال العلاقة مع الأب، حيث كان هذا السؤال في السابق يمثل الاقتراب الواضح منه رعباً لأسباب أتصورها مفهومة، فكنت أكتب وأنا أفر من أي ما يتعلق بهذه المنطقة، بينما ظللت أشعر أن كتابتي ينقصها شيء جوهري، شيء قد لا يشعر به المتلقي، لكنني بيني وبين نفسي أعرف أنني قصدت الابتعاد عنه، وبالتالي الابتعاد عمداً عن تناول مساحة تلح عليّ. وهذه مسألة تشغلني كثيراً في معركتي مع نفسي للوصول إلى قلب المساحة الأصيلة في عالمي، وسؤالي الدائم حول كيف تستطيع تناول تلك العلاقة في كتابة لا تذهب بالمتلقي إلى كونه يقرأ عن إبراهيم أصلان، ولكن عن شخصية الأب التي هي مثل شخصية الأم أو الأخ أو الخال أو أي شخصية مؤثرة في عالمك، بالأحرى كونه أحد شخوص حياتك، وأنا أدرك أنها مسألة صعبة ومغامرة ليست هينة في ظل حضوره الطاغي لدى المتلقي العام، لكنني أدرك أيضاً ضرورة التجرؤ على ذلك أحياناً لأنني إن غفلته فإنني أغفل بالتأكيد مساحة مهمة من عالمي. ومع مرور السنوات وبعض الاطمئنان لنفسي في محيط الحياة الأدبية ومتلقيها فكرت أنه من حقي تناول هذه المساحة التي تلح علي، بمنطق أنه يتوجب علي كتابة ما أحتقن به بصدق والابتعاد عن ليّ عنق الأشياء لتوجيه عين المتلقي بعيداً عن علاقتي بأبي. قلت لنفسي: من المفترض أنني أكتب لقارئ لا يعرفني شخصياً ولا يتتبع شجرة عائلتي، ولو تتبعها له حرية هذا، ولكن من حقي أن أتعامل مع شخوص عالمي بحرية أكثر ومن هؤلاء الشخوص بطبيعة الحال الأب.
أيضاً من المناطق التي أتصور أنها تأثرت بفعل السنوات السابقة بين المجموعتين، هو فهمي للمسافة بين الواقع والخيال في الكتابة، والخروج من أسر الأفكار المتوارثة أدبياً حول ذلك، وأنك ككاتب لست مضطراً إلى تصدير بريق الخيال، وأن اللجوء إليه بالنسبة لكتابتي هو وسيلة فنية أتحرك فيها لضبط ما أريد نقله من الواقع. والمدهش أنه بانتهاج هذه الفكرة وجدت أن مساحات الخيال في المجموعة الجديدة أوسع منها في المجموعة السابقة، لكنني أعرف بيني وبين نفسي أنني لم أقصد تصديره كهدف، ولكن كوسيلة، ولا أشعر بعدم اتساق حياله.

أخبار ذات صلة مكتبات الإمارات والثورة الصناعية الـ 4 تكنولوجيا تحسين الإنسان!

القصة، الأب، الذات 
الاحتفاء بخبر صدور المجموعة القصصية الجديدة لهشام أصلان «ثلاثة طوابق للمدينة»، رأى البعض في جانب منه احتفاء باستعادة فن القصة القصيرة حضوره وتميزه، غير أن أصلان في إجابته يرى أن الانشغال العام بالتصنيفات لم يعد كما كان في التسعينيات وأوائل الألفية، يقول: أولاً أسعدني بشكل كبير هذا الاحتفاء بخبر صدور المجموعة، كما تسبب لي في قلق بالغ، متمنياً ألا يصاب المحبون بالإحباط، وأن يكون مستوى المجموعة عند حسن الظن، وأتصور أن من أسباب هذا الاحتفاء هو مرور عشر سنوات كاملة على صدور مجموعتي الأولى، وأن كثيراً من الأصدقاء الداعمين كان مشغولاً وقلقاً حول هذه المسألة، وكثير منهم كان يحرض على العمل وإصدار كتاب جديد. أما ما يخص إشارتك حول فن القصة القصيرة وكونها كادت تختفي، فأنا لدي تصور أحب طرحه بصراحة، وهو أن القارئ العام ليس مشغولاً بما يشغلنا نحن حول مسألة التصنيف التي بدأت منذ فترة طويلة مع انتشار مصطلح «زمن الرواية» الذي صكه الدكتور جابر عصفور ربما في التسعينيات أو أوائل الألفية، ثم تفاقمت الفكرة مع إطلاق عدد من الجوائز الأدبية الكبيرة التي تهتم بفن الرواية ما جعلها صنفاً مغرياً للكثير من الكتاب ودعمها كثيراً كفن، فضلاً عن الحسابات التجارية للناشرين وتأثر المؤسسات الثقافية بهذه الحالة في مجملها، ولكن دعني أؤكد لك أن القارئ سيحب النص الذي بين يديه إذا أعجبه، بصرف النظر عن تصنيفه، وإذا عدنا بالذاكرة سنجد أن بعض الكتب التي تم تصنيفها بوصفها «نصوصاً مفتوحة أو سيرة ذاتية» مثلاً وكتبها روائيون، لاقت نجاحاً لا يقل عن نجاح رواياتهم، إن لم يكن أكبر، وإذا وضعنا في اعتبارنا احتياج القارئ الجديد في عصر السوشيال ميديا وسمات اللحظة الزمنية السريعة التي نعيشها ستجد أن النصوص القصيرة أنسب لها، ذلك أنك أمام قارئ يملّ من قراءة تدوينة طويلة على فيسبوك، ومن هنا، فإن الرواية إن لم تكن شديدة الجاذبية سيتركها القارئ بعد عدة صفحات، بعكس القصة القصيرة التي يمكن للقارئ معها أن يترك قصة لم تعجبه ويقرأ أخرى أعجبته في الكتاب نفسه.. ما أعنيه أن معركة التصنيفات وانتشار فن أو تراجع غيره لا يعد دلالة صادقة مع الأسف على حالة القراءة، بقدر ما هو دلالة على التوجه المؤسسي العام، والذي لا يوجد له هدف خبيث أو حميد، هو فقط انسحاب وراء موجات تنظيرية ذات سلطة معنوية على الحياة الأدبية العربية. ومع ذلك لا أرى ضرورة للاستماتة في الدفاع عن فن القصة القصيرة لو أنها صارت فناً لا يستطيع الانسجام مع اللحظة والدفاع عن نفسه بجمالياته الخاصة، وكم من فنون اندثرت لأنها لم تعد مناسبة للزمن ولم تقف عجلة الفنون عليها، مثل راوي الربابة مثلاً، لكن صدقاً لم يحدث هذا بعد مع فن القصة القصيرة، ذلك أنه فرع من فروع السرد، والقارئ سيحب السرد في أي من أشكاله لو كان جيداً.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الكتابة الثقافة القصة القصيرة الأدب

إقرأ أيضاً:

إلهام شاهين: مسابقة مهرجان VS Film للأفلام القصيرة جدا تهتم بالكتابات النقدية والمهتمين بالشأن السينمائي

أكدت النجمة إلهام شاهين رئيس شرف مهرجان VS Film للأفلام القصيرة جدا، إن المهرجان أخذ على عاتقه منذ انطلاقه الاهتمام بكل التفاصيل المتعلقة بصناعة الفيلم القصير جدا ونفتخر بإطلاق هذه المسابقة النوعية التي تهتم بالكتابات النقدية والتحليلية للأفلام القصيرة جدا.

غدا.. احتفال أكاديمية الفنون ومهرجان VS-Film بتوزيع جوائز مسابقة أفضل مقال ودراسة نقدية حول الأفلام القصيرة جدا شاهيناز تكشف عن الجانب الإنساني في حياتها كأم وعلاقتها بابنها في "ست ستات" البيت الروسي يحتفي بالشاعر زين العابدين فؤاد في أمسية شعرية غنائية.. غدا الوطنية للإعلام تهنئ خالد العناني بفوزه مديرًا عامًا لليونسكو: انتصار للدبلوماسية المصرية المطربة الصربية يالينا بعد تحقيق أغنيتها المصرية 3 ملايين مشاهدة: محمد رمضان مصدر إلهامي ليلى عز العرب والكاتبة جلنار عصمت في ضيافة برنامج “ست ستات” الأثنين المقبل الوطنية للإعلام تنعي رحيل العالم الجليل أحمد عمر هاشم.. "أسهم بآرائه الوسطية بتنوير العقول" الإعلان الرسمي لفيلم “أوسكار عودة الماموث” يكشف عن أضخم تجربة سينمائية في الشرق الأوسط عن التنمر الوظيفي.. “مرار بطعم الشوكولاتة” يمثل مصر في مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة المجلس القومي لللإعاقة يشارك في فعاليات معرض “إكسبو أصحاب الهمم الدولي” بدبي

 

كما أوضحت إلهام أن المسابقة ستشهد تطويرا وتجديدا على مدار الدورات المقبلة سواء من حيث عدد الجوائز الممنوحة أو قيمتها المادية لتشجيع عدد أكبر من المهتمين بالشأن السينمائي العربي علي المشاركة لفتح أفاق جديدة حول الفيلم القصير جدا.

من جانبه، أشار الدكتور أسامة أبونار رئيس المهرجان إلى نجاح المسابقة فى تجاوز الحدود منذ انطلاقتها الأولى بالمشاركات العربية الكبيرة التي حظيت بها العام الماضي.

 

لافتا إلي أن حجم المشاركات هذا العام تضاعف مرات عديدة، وهو ما يؤكد أن الساحة السينمائية تحتاج إلي مثل هذه المسابقة لأن صناعة السينما تعتمد علي عوامل كثيرة منها النقد والدراسة والتحليل لأنهم المؤشر الحقيقي لتطوير الصناعة وتحديثها.

 

وبدوره، ذكر زياد باسمير المدير التنفيذي للمهرجان أن المسابقة حققت صدى عربيا كبيرا أسهم في تنوع الكتابات والدراسات النقدية حول الأفلام القصيرة جدا سواء كانت عربية أم أجنبية، موضحًا أن إدارة المهرجان تدرس التوسع في المسابقة وتحديثها بدءا من العدورة الثالثة بهدف فتح مجالات أوسع أمام المهتمين بفنون السينما من دارسين وباحثين وجمهور أيضا للكتابة حول الأفلام القصيرة جدا.

كما لفت إلى أن إطلاق أسماء 4 من كبار النقاد الراحلين مثل سمير فريد وسامي السلاموني وعلي أبوشادي وإيريس نظمي  هو نوع من التكريم لأسمائهم الخالدة وعرفانا بدورهم في إرساء قواعد راسخة للنقد السينمائي في المنطقة العربية.

مقالات مشابهة

  • فعاليات طلابية تونسية تندد بحرب "إسرائيل" على غزة
  • مشروعية مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال قانونيًا
  • 3968 عملية مقاومة في الضفة والداخل منذ السابع من أكتوبر2023
  • إلهام شاهين: مسابقة مهرجان VS Film للأفلام القصيرة جدا تهتم بالكتابات النقدية والمهتمين بالشأن السينمائي
  • في الذكرى الثانية لعملية طوفان الاقصى…
  • توزيع جوائز مسابقة أفضل مقال أو دراسة نقدية حول الأفلام القصيرة جدا غدا بأكاديمية الفنون
  • توزيع جوائز مسابقة أفضل مقال أو دراسة نقدية حول الأفلام القصيرة جدا غدا
  • إعلان جوائز مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته الـ41
  • السلطات الإيطالية تحظر مظاهرة داعمة لغزة
  • عادات صباحية لمقاومة الأنسولين